رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 498498

الحوار الاسلامي المسيحي

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحوار الإسلامي المسيحي

المكان : منتدى عبد الحميد شومان .

الزمان : مساء يوم الاثنين الحادي عشر من محرم الحرام سنة 1423هـ .

الموافق 25/3/2002م الساعة السادسة والنصف .

المحاضر : محمد السماك من لبنان سكرتير مجلة الاجتهاد وسكرتير لجنة الحوار الإسلامي المسيحي.

شهدت القاعة عددا كبيرا من الحضور، كان حضور السادة أصحاب الفضيلة القضاة الشرعيين ملفتاً للنظر ، على رأسهم سماحة قاضي القضاة ، ومن الحاضرين المهمين وزيرا أوقاف سابقيْن ، بالإضافة إلى سماحة قاضي القضاة ، الذي سبق وكان وزيرا للأوقاف ، ومن الحضور أيضا عددا لا بأس به من الأساتذة في كليات الشريعة ، فما هو المهم حتى تكون هذه المحاضرة على هذا الكم والنوع من الحضور ؟

الحوار الإسلامي المسيحي ، أو حوار الأديان ، أو حوار المذاهب ، أو أية أسماء أخرى ،  على هذه الطرق من  التنظيم ، التي يسار بـها في الحوار ، وكثرتـها ، واستمرارها ، ورعايتها ، هي بدعة أواخر القرن العشرين ، وهي مكيفة تكييفا تاما لخدمة التعايش مع العولمة أو الدخول فيها  !!! ولأنَّ المسيحية واليهودية خرجتا منذ زمن طويل جدا عن التطلع للعود للحياة السياسية الحضارية ، باستثناء تطلعات أصولية عند القليل من اتباع الديانتين ، فأنَّ هذا التطلع الأصولي لا يشكل تـهديدا أو خطرا على الحضارة الليبرالية الرأسمالية ، التي انفردت في قيادة العالَم ، إنَّ هذه الحضارة الليبرالية الرأسمالية ليست من المسيحية واليهودية ، فلماذا يستنفر المسيحيون ـ على الأخص العرب ـ في الإصرار على استيراد التخوف من الإسلام كحضارة ومن المسلمين كذاكرة عامة ، الغرب خائف وفي حالة رعب شديد على حضارته ، وليس على المواطن المسيحي في العالم الإسلامي ، بل إنَّ ما يحدث من فتن بين الأديان والطوائف والأعراق ، للغرب دور مهم في وجودها وتغذيتها ، ولا يستطيع واحد أنْ ينكر دور الغرب في وجود الأصولية بالمعنى المسيحي اليهودي ، مستعينا بـها ضد الشيوعية في أفغانستان وغيرها ، وعاملا على تجزئة العالم الإسلامي إلى سنة ( أصولية ) ، وصوفية ( أشاعرة ) ، وشيعة إمامية ، وكان للغرب دور في إسقاط بقايا الدولة الإباضية عام 1957م في عمان ، وبقايا الدولة الزيدية عام 1962م في اليمن ، على اعتبار أنَّ فيهما مجرد إمكان ـ وإنْ كان ضعيفا جداً ـ  لأنْ يكونا خارج حظيرة الهيمنة الأمريكية ( نظام العولمة ) ، دون أي خطر على الحضارة الليبرالية الرأسمالية ، فالولايات المتحدة حزمت أمرها على أنْ يكون العالَمُ كلُّهُ تحت هيمنتها ، في هذه الأجواء العالمية يحدث الحوار ويتحول الكلام عن مجراه ، وهو خطر الولايات المتحدة على الإنسانية ، إلى خطر موهوم هو فتنة بسبب الإسلام لتكبيل الداعين إلى عودة الحضارة الإسلامية من التأثير ، ولمنع التطلع لقيادة حياة الرحمة للعالمين .

ما يستبطن تحت هذا الحوار هو الحوار مع الغرب بصفته الاستعمارية ، أي لإيقاف الصراع معه ، إنَّهُ إقرار بالسيطرة الغربية الكاملة على مقدرات هذه الأمة الخيرة ، وفي مرحلة قريبة قبول الحوار مع اليهود لقبول العيش معهم ، وهم مقيمون لدولة غير شرعية ، أي الاعتراف بوجود دولة إسرائيل على القسم الأكبر من أرض فلسطين ، وقبول حق الإشراف على السياسة في فلسطين للحصول على الأمن .

إنَّ جـميع الآيات بلا استثناء ، التي استشهد بـها المحاضر ـ محمَّلاً إياها بما لا تحتمل من معانً ، عن قصد وعمد سابقيْن ـ تكشف مقدار الزيف الذي يمارس من قبل مثقفي العولمة وهم كثر ، إنَّ الآيات لا تنظر للاختلاف ، وإنما تنظر لزوال الاختلاف ، وهاتان آيتان مترابطتان أتى المحاضر عامدا بواحدة منهما ليجعلها تنطق بما يريد ، وهاتان هما موضوعان تحت مجهر الفهم ليكونا نموذجا لفهم بقية الآيات :

(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً * وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ * وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) (هود : 118، 119)

تتألف هاتان الآيتان من خمس جـمل ، تترابط عضويا ، كما هي خصيصة القرآن الكريم .

1. الجملة الأولى تتحدث عن حكمة التكليف ، وهي وضع المكلفين على الخيار ، ليس عجزا من الله تعالى ، بل هي مقتضى حكمته ، أنْ يكون المكلف على الخيار .

2. الجملة الثانية ترتب على الخيار الذي منحهم إياه رب العالمين اختلافهم وليس هذا مراد الله فيهم ولذا فهي تنديد من رب العالمين في الاختلاف ومن المعلوم أنـهم كلهم موهوبون عقلا يميزون به الحق من الباطل في جليل الكلام ( الأصول ) فلماذا هذا الاختلاف فهل الحق يجهله أحد .

3. الجملة الثالثة المندد بـهم ليس كل المختلفين ، بل خرج منهم بالاستثناء مَنْ قَبِلَ ما رَحـمَهُ الله به ، من عقل يميز هو أصل التكليف وأساسه ، ورسالة رسول بالدليل والبرهان وهي زيادة لطف في حجة الله عليهم ، وزوال غفلة قد يقع فيها الإنسان .

4. الجملة الرابعة عللت خلق الله لهم بأنه للرحمة في فعل التكليف ، وبه يزول عٍوَجُ الحياة ، ويستقيم أمرها ، من عدل شامل ، ونظام جامع ، ورحمة عامة .

5. الجملة الخامسة أعلنت الوعيد ، والوعيد هو تـهديد بالعذاب ، والله صادق في وعيده ، كما هو صادق في وعده ، حتى لا يكون التكليف مجرد قيم وإرشادات ، وهي عقوبة مؤكدة مؤجلة .

ذلك هو معنى الآيتين ، ولا يحتملان أبدا المعنى الذي قاله المحاضر ، والجدل مع الغير هو جدل حول الحق والباطل ، والصواب والخطأ ، والنافع والضار ، وهو جدل ضروري لزوال الفساد وسفك الدماء ، وقول المحاضر بالحق النسبي ليس في محله .

 

قال تعالى : (( وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ )) (الحج : من الآية67).

إنَّ من الواجب إدراك أنَّ الدعوة للإسلام لا يجوز أنْ يصاحبها العنت والبغض والشدة ، ومن الضروري التمييز بين الشدة وحرارة الإيمان ، فالناس يخلطون بينهما ليفقد الرأي الإسلامي حرارته ، قال الناصر الأطروش عليه السلام في خطبته في مدينة آمل : ( أيها الناس ‍‍‍‍‍‍، إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون يعبدون الشجر والحجر ، ولا يعرفون خالقا ، ولا يدينون بدين ، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام وأتلطف بالعطف بـهم ، حتى دخلوا فيه إرسالا ، وأقبلوا عليه إقبالا ، وظهر لهم الحق فعرفوا التوحيد والعدل ، فهدى الله بي منهم زهاء مائتي ألف رجل وامرأة ، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين ويناظرون عليهما مجتهدين ، ويدعون إليهما محتسبين ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلوات المكتوبات والفرائض المفروضات وفيهم من وجد ألف دينار ملقى في الطريق لم يأخذها لنفسه ، ولقد ناصبوا آباءهم وأبناءهم وأكابرهم الحرب في هداي واتباع أمري في نصرة الحق وأهله ، لا يولي أحد منهم من ‍‍‍‍‍‍‍‍عدوه ، ولا يعرف غير الإقدام فلو لقيت منهم ألف جريح لم يُرَ مجروح في قفاه ، وإنما جروحهم في وجوههم وأقدمهم [ أي ما تقدم منهم ] يرون الفرار من الزحف إذ كانوا معي كفرا والقتال شهادة . وليس عليكم معشر الرعية دوني حجاب ، ولا على بابي بواب ، ليس فيَ أخلاق الزبانية ، ولا اتخذ من الظلمة أعوانا ، كبيركم أخي ، والشاب منكم ولدي ، لا آنس إلاَّ بأهل العلم ، ولا أستريح إلاَّ إلى أهل الفضل منكم ، فاسألوني عن أمر دينكم وما يعنيكم من العلم وتفسير القرآن فإنَّا نحن تراجمته وأولى الخلق به ، وهو الذي قُرِنَ بنا وقُرِنَّا به ، إذ قال أبي رسول الله صلي الله عليه وسلم : إني مخلف فيكم اثنين ما إنْ تمسكتم بـها لن تضلوا أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي) انتهت خطبة الناصر.

لقد قدمت مداخلة، حكمها الوقت المتاح لي ، وهي مع ذلك مداخلة اعتمدت الأسئلة التقريرية لتكون أوقع في النفس ، وهذه هي المداخلة آمل أنْ تكون موضع البحث .

1. هل هناك دولة إسلامية بالمعنى الحضاري موجودة في العالم العربي أو العالم الإسلامي قائمة على أساس الإسلام ؟ تباشر اضطهاداً للنصارى أو المسيحيين وتظلمهم في نفسهم وعقيدتـهم من المعلوم عدم وجود دولة إسلامية منذ أنْ قضي على الدولة العثمانية التي كانت فيها بقايا حكم إسلامي.

2.  هل هناك مشكلة تـهدد بفتنة عامة ؟ ‍بسبب من التعصب الإسلامي ضد المسيحية . نعم حديثا وقديما ثارت مشاكل لكنها ليست بالخطر التهويلي الذي نسمعه من الغرب ومن المعلوم بالعصر الحديث أنَّ أسباب هذه غالبا لها علاقة في الغرب .

3.  لماذا في الدول التي لا يوجد فيها مسيحيون ينشأ نزاع آخر : البربر والعرب ، الأكراد والعرب ، السنة والشيعة ، في لبنان صراع الأحباش ضد الإخوان المسلمين والسلفية وهذه الفرق الثلاث من أهل السنة ، الباشتون والطاجيك مع أنَّ واقعهم هو الوصف بأنـهم من المجاهدين ، من يختفي وراء ذلك ؟

4.  الذي يطلع على التاريخ الإسلامي يـجد التعايش والجدل والحوار وحسن الجوار ما بين المسلمين والمسيحيين ، ولم يمنع المسيحيون من التعبير عن آرائهم ولا تزال الكتب التي عبرت عن ذلك موجودة وأعيد تحقيق قسم منها وطبعه وفي مكتبتي كتاب عمار البصري وهو قسيس نسطوري عاش في أول القرن الثالث الهجري واسم كتابه المسائل والأجوبة ،  وكتاب لبولس الأنطاكي عبارة عن رسالة جوابية موجهة لشخص مسلم وبولس هذا عاش في القرن السادس الهجري ، وكتاب الأخلاق ليحيى بن عدي عاش في القرن الثالث ومناظرة أبي سعيد السيرافي مع المنطقي المسيحي يونس بن متى من الشهرة بمكان . الجدل والحوار مفتوحان لكنْ للحوار الجديد مهمة هي الترويج للعولمة .

5.  أخيرا مطلوبٌ : أنْ نحمي أمتنا من عدو شرس هو الولايات المتحدة وهذا يقتضي الدعوة لقيام دولة الإسلام الحضارية فهل هذا ممنوع علينا .

انتهت المداخلة

محمد السماك عَرَّجَ على زوال الإمبراطوريات ـ دون ما ضرورة ـ ، وحشر الدولة العثمانية فيها ، هو يريد أنْ يقول لنا بلسان واضح : لا تطمحوا لعودة دول إسلامية ضامة للعام الإسلامي ، يكفيكم فقط العيش في ركاب العولمة . هل هناك خطاب أكثر خطورة من هذه المحاضرة ؟ .

نعم سكوت أصحاب الفضيلة على السماك ـ وهم قد حضروا بكثافة ، وهو يفسر آيات الذكر الحكيم حسب ما تـهوى الولايات المتحدة .

 

أمين نايف ذياب

الداعية لإعادة بناء عقل الأمة على أساس فكر المعتـزلة