قراءة تكشف الأفكار السائدة
موسوعة جدل الأفكار (5)
قراءة تكشف الأفكار السائدة
وهي
محاولةلإعادة بناء أفكار الأمة من جديد
عند مفاصل معينة ومحددة
أمين نايف ذياب
الاهداء
المقدمة
ما هي المعتزلة
الفكر الاسلامي والمعتزلة
دواعي نشوء المعتزلة
الالوهية او الالخالقية
اشهد ان لا اله الا الله واثرها في الافراد والمجتمع
الايمان بالغيب
القرآن الكرم (( اسس الاستدلال به ))
قراءة القرآن الكريم
نحن منهج لفهم القرآن ( رأي في القراءات الشاذة للقرآن الكريم )
المنافقون
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
وقفة مع سورة التكاثر
التفكير بالعيش والفكر الاساسي
المسلمون الالتزام بالتدين
المفاهيم الانضباطية في الدولة الاسلامية
حركة التفاف المجتمع حول الفكرة
الدولة الاسلامية
الفرد والجماعة والمجتمع والسلطان
الإسلام والمجتمع
الادب والنهضة
أسس النهضة
افعال الانسان وافعال القضاء والقدر
من اين جاءت التوراة من جزيرة العرب ام من أين ؟
النظام السياسي في الإسلام
في سبيل فهم الذات ( الكلام والحديث والنطق واللفظ )
مقتطفات من مفكرين اسلاميين
الفكر القومي
اساس النهضة
قول في مؤتمر علوم الشريعة ( الواقع والطموح )
نص الكتاب المفتوح
نمط من الاسئلة
اسئلة من اعمال الولايات المتحدة ضد ليبيا
مقارنة بين آراء سياسية لحزب التحرير والمعتزلة من عام 93 م
الإسلام وتحديات العصر
الحنابلة وتأجيج الخلاف
اتفاقية مناظرة
حديث فتح روما وفتح القسطنطينة
الإهداء
إلى الامة الاسلامية الاسيرة المحاصرة !
أسيرة قبولها المزورات !
وقبلت محاصرتها بمقالات أحبارها ورهبانها !
فوعيها مبنيٌ على المزورات !
وعلمها هو تلق شفهي من الاحبار والرهبان !
فهذه مقالات تحاور عقل الامة عند مفاصل مهمة !
وبقي الكثير من المفاصل لم يقل !
ولا بد من أنْ يقال في موضع آخر !
إلهي إنني اتجه اليك ؛ وأنا مشفقٌ على هذه الامة !
أنْ تلطفُ بها !
فَتَقْبَلُ الحق ، وترفض الباطل !
وتبحثُ عن الصواب مجانبة للخطا !
وتقبل على الرشد وتدير ظهرها للغي !
لتعود خير امة اخرجت للناس !
إنك سميع مجيب !
وصلى الله على محمد وعلى آله واصحابه
ومن سار على دربه الى يوم الدين
آمين آمين آمين
المقدمـــــة
يعالج هذا الكتاب مواضيع متفرقة ؛ ومختلفة ؛ لكنها مع ذلك يجمعها وحدة النظرة ، والأساس ، والغاية التي تسعى إليها ، فهي تسعى لإعادة بناء الأفكار عند الأمة ، على شكل يختلف تماما عما ساد عندها ، وتركز في عقلها ؛ بسبب من تطاول الزمن عليها ؛ وتكرير تردادها من قبل الخطباء ، والوعاظ ، فتحولت الى دين متبع ، وهكذا أصاب المسلمين ما حاق بالأمم قبلهم .
يسعى هذا الكتاب لتغيير أفكار الناس ؛ عند مفاصل مهمة ؛ سادت حياتـهم : منها ما هو متعلق بالأفكار ، وغيرها متعلق بالتاريخ ، والبعض متعلق بمناهج البحث ؛ فهي متنوعة ، وموزعة على مجموعة من القضايا المفصلية المهمة ، والتي ارتسمت بذهن الناس على غير حقيقتها ، وفي محل المخالفة للأصول ؛ ولأبسط قواعد التحقيق .
إنَّ الأمة الإسلامية تعاني الانحطاط ، على جميع صُعد حياتـها ، فرغم ما يظهر عليها من إقبال على العبادات ، إلاَّ إنَّ حقيقتها ـ أنـها في الحضيض الأحط من الهبوط الروحي ـ لأن معنى الناحية الروحية إنما يعني تفعيل الحياة ؛ بإدراك عقلي يُسَيِّرُ الحياة على هدي حجج الله على خلقه ، والامتثال لمجموعة أوامره بالطاعة ، ونواهيه بالاجتناب ، أي جعل الإسلام مُسَيِّراً للحياة وليس في حالة إعاقة لـها .
الأمة الإسلامية في سائر أصعاقها في منتهى التخلف المادي ، فهي فاقدة للتقدم العلمي ، وبالتالي تعيش على صناعة غيرها من الأمم الأخرى في التكنولوجيا ، وهي في أشد حالات التأخر الفكري والإنحطاط السياسي ،وهي تسير الى مزيد من التراجع في الأهداف السياسية .
كل هذه الوقائع الحية الناطقة ـ التي عليها الأمة ـ لم تنشأ إلا بسبب اختلال فكرها الجماعي ، وفقدان وعيها لذاتـها ، ومن هنا تقزمت أمام الأمم الأخرى ، وتحولت الى أمة مشلولة ، فاقدة لأرادتـها ، ومتخلية عن سيادتـها ، وأسلمت قيادها لعدوها الأمريكان والغرب ، واليهود ؛ فانقادت إلى الـهاوية .
إنَّ مجموعة كتب جدل الأفكار ـ وهذا واحد منها ـ لم تكن مجرد إضافة كمية للمكتبة الثقافية ، وإنما هي كتب أخذت على عاتقها بناء وعي الأمة من جديد ، وإذ اختل الوعي في أكثر من محور من حياة الأمة ، جاء هذا الكتاب لعلاج بعض مفاصل مهمة ، من خلال جدل الأفكار ، وفتح الآفاق لإدراك الحقائق كما هي ، لا كما رسمها الوعي المزيف .
الوعي المزيف الذي عليه الأمة ، ليس نمطا واحدا ، بل هو أنماط شتى ، ومع ذلك يمكن جمعها في فصائل ، أو مجاميع ، هي ما يلي :
1- الوعي الديني المزيف بكل تبياناته واختلافاته .
2- الوعي القومي المزيف بكل توجهاته ومقولاته .
3- الوعي الليبرالي المزيف بكل تـهويماته ومغالطاته .
4- الوعي اليساري المزيف بكل دعاويه ومرتكزاته .
إنـها أربعة قوى ، تعمل في كينونة الأمة هدما واتلافا وتخديرا ، ويتعايش هذا الوعي مع دوائر مغلقة ، هي شلة القادة وزمر الكوادر ، مهمة القادة مقولات تكرارية شعاراتية ، غالبا تخلو من المفاهيم ، ولهذا فهي فاقدة لأية إمكانية لتحولها إلى صورة عملية .
عندما تعبر الجماهير عن نفسها ـ وقد ضاقت عليها الأرض بما رحبت ـ في صورة رد فعل عفوي ، في صورة أعمال مادية ، أو ثورية ، أو احتجاجية ، فسرعان ما تدعيها هذه التيارات ـ حسب ميولـها ـ مع أنـها تأكيدا آخر من تعلم بـها .
تلك هي صورة الرزية التي تتعايش معها الأمة بلا إشارة للخروج !
ما هي المعتزلة المعاصرة
سؤال أو عدد من الأسئلة : تلح على أذهان الناس حول المعتزلة المعاصرة ، أهي حزب سياسي ؟ أهي فرقة أسلامية ؟ أهي مذهب من المذاهب الإسلامية ؟ ما هي علاقتها بالمعتزلة التاريخية ؟ ما هو الهدف من وجود المعتزلة ؟ أهي كيان دعوة للإسلام ؟ أهي كيانٌ عقلاني إسلامي ؟ كيف تعمل ؟ ما هي وسائلها وآلياتـها ؟
ما سبق هي بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الناس ، ولكون الناس لا يعرفون عنها إلا القليل ؛ ولان الناس مرتبطون بافكار مسبقة ؛ تباينت صورة المعتزلة في حياة الناس ؛ ولإزالة هذه الالتباسات في ذهن الناس ؛ لا بد من القول بعبارة جامعة مانعة ، هي ما يلي :
المعتزلة كيان فكري ، يعمل لايجاد طريقة تفكير على اساس الاسلام عند المسلمين ، ولتحديد منهج قويم لفهم القران الكريم ، ولتوضيح معالم منهجية للتثبت من سنة الرسول صلوات الله عليه ، وكيفية الاستدلال بـها ، وهي حركة قراءة ابداعية للتراث الاسلامي ، وبالتالي فهي حركة في الامة توضح سمات الامة بصورة جماعية ، لتقوم الامة بعملية التغيير ، من حالة التردي والسقوط الاخير ؛ الى حالة النهضة والرقي ، من خلال إعادة معرفة هويتها الفكرية والشعورية ، وفك تبعيتها الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية عن الغرب الشديد العداء لـها ، واعلان رابطتها المبدأية ، ووحدة اقطارها في الامة الاسلامية الفاعلة ، والدولة الاسلامية المؤثرة ؛ الساعية للقوامة ، قوامة الهداية والطمأنينة ،وزوال الشقاء عن العالم كله أي لتحل محل وجهة النظر الغربية في عالم قيادة العالم ، وبدون كيان المعتزلة يبقى الاسلام السياسي غائبا .
تلك هي المعتزلة ، وتلك هي محدداتـها ، وبيان جلي واضح لتوجهاتـها ، فالمعتزلة ليست كيانا تعليميا ، يمارس تعليم الناس افكار الاسلام ، وانما يـمارس دعوة الناس للتفكير على اساس الاسلام ، مكونة لقناعات الناس ، ومفاهيم الناس ، وموازين الناس ، لمباشرة الحياة السائرة صعدا في سلم الرقي .
والمعتزلة ليست كيان وعظ ، يعظ الناس بالاسلام ، مخوفة اياهم من هول الاخرة ، بل هي دعوة لمباشرة الحياة ، موحدة بين الدنيا كدار تكليف والاخرة كدار جزاء على احسان التكليف أو اساءته ، والمعتزلة لسيت دعوة فردية ؛ بل المعتزلة تمقت الفردية ، إذ هي تعلم ان الفاعلية انما هي للامة ؛ لا للافراد مهما كثروا ، ولذلك لا يمكنها احداث التغيير إلاَّ بالأمة .
والمعتزلة ليست كيان فتوى ، يباشر الفتوى فيما يواجه الناس ، جماعات او افراد من مشاكل يراد صياغة فتوى لها ، وما يرى على المعتزلة احيانا من افتاء فانما هي امثلة للناس ؛ ليدركوا كيفية تبني الاحكام الشرعية ، واذا كانت الامثلة على الغالب مثيرة للعواصف والزوابع ، فالسبب أنَّ الامة قد اعتادت على فقه المظنة وفقه الحيطة في أمور، وفقه التيسير في أمور اخرى ، فهم في قضية المرأة يندفعون الى فقه المظنة الحيطة ، أما في فقه السياسة والاقتصاد والتكاليف الهامة وفقه المشاكل المالية فيطلبون فقه التيسير ، مع ان الرصد لهم في هذه الايام يظهر أنَّـهم رضخوا لمفاهيم الحياة الغربية بشأن المرأة .
إنَّ التعليم والوعظ والافتاء لا يُكَوّنُ المفكرين ؛ ولا المجتهدين ، ولا يؤدي إلى وجود حشد من القادة السياسيين ؛ القادرين على قيادة الامة في الحرب والسلم ، وفي الخطوب وفي الهدوء وفي عواصف الحياة وفي استقرارها .
إنَّ وجود المفكرين المبدعين ، والمجتهدين المميزين والقادة الأفذاذ ، إنَّما هو في تبني طريقة للتفكير على اساس الاسلام ، وممارسة الحياة تفكيرا ودعوة وعملا بمثابرة مستمرة واصرار دؤوب ، وفعل متواصل باخلاص خالص وايمان المتيقن ،وفهم جلي واضح .
لقد درستْ المعتزلة المبادئ السياسية القائمة في العالم ؛ سواءٌ الديمقراطية الليبرالية الغربية ؛ أو الماركسية المادية ، وتوصلت إلى أنـهما منتجٌ اوروبي ، يرى العالم من زاوية المركزية الأوروبية ، فضلا عن أنَّ الأفكار الاساسية التي اقيمت عليها اللليبرالية الغربية أو المادية الماركسية ، لم تتأسس على الطريقة العقلية في التفكير ، بل قامت الليبرالية الغربية على الحل الوسط بين الكنيسة والدولة ، وقامت الماركسية على الأساس المادي ، ويخدع نفسه من يظن أنـهما سبب التقدم التكنولوجي والصناعي .
إنَّ الطريقة العقلية في التفكير تبدأ من النظر في الكون ؛ الذي يعيش فيه الإنسان ، والحياة التي يجب أنْ يحياها ، والمصير الذي سيؤول اليه الإنسان بعد الموت ، من خلال النظر في عالم الشهادة ، وإقامة الاستدلال على حدوث هذا العالم بعد أنْ لم يكن ، أي أنَّه مخلوق لخالق ، لا يوصف بأي وصف من أوصاف المخلوقات ؛ سواء أكان وصفا للذات ؛ أم اوصافا من أعراض الذوات .
الاستدلال هذا هو حقيقة عقلية ، تنطبق عليه جميع شروط الاستدلال العلمي ( المعرفة الصادقة ) فاثبات وجود الخالق استدلال صحيح ، لأنَّ الحادث ( الوجود الكوني ) حدث بقدرة المحدث ؛ الذي هو قادر وذاته القادر ، بخلاف تخيلات وتوهمات الماديين ؛ القائلة بأنَّ حركة المادة تُحدث الأنواع ، مع أنَّ النتاج واضح أنَّه ارقى من الموجود ؛ واكثر تعقيدا منه ؛ ولم يشاهد أي مفكر مادي أنَّ حركة المادة بإمكانها انتاج الحياة ، وأنَّ حركة الحياة بامكانـها انتاج السلم النباتي والسلم الحيواني ، فكلها افتراضات وتخيلات واوهام ، المغالطة اساسها ، والاعتباط نـهجها ، والوهم صانعها ، والمكابرة والمعاندة اساسا القناعة بـها ، والرأسمالية هو اسم اطلق على طريقة الحياة الغربية ، لان المال وطلبه ـ والحركة الفكرية والثقافية والادبية والفنية والفلسفية وانظمة السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والسياسة الخارجية ـ كل ذلك تأثر بقوة المال وهيمنته وسيطرتة، ولهذا استحقت الدول الغربية اسم الرأسمالية حقا وحقيقة ، والرأسمالية ابشع نظام في التاريخ ، هو سبب شقاء العالم ، فالمعذبون في الارض نتاجه ، والمستلبة إنسانيتهم هم ثـماره ، والقلق والحروب والجوع والمرض والفقر وغياب الحق والعدل هي ظواهر الرأسمالية الخادعة .
إنَّ الرأسمالية ليست منظومة قطعت صلتها في التاريخ ، وليست فكرا انسانيا أو تقدما علميا بل هي فلسفة يونانية وقانون روماني ، واستعلاء همجي بربري روماني ، ومسيحية يهودية ترومت ، أي تحولت لصالح روما القديمة او الجديدة ، واكتشافات علمية تشتري بالمال لصالح الصفوة المميزة عن بقية الانسانية ، وهي هنا قد اخذت عن اليهودية فكرة الانسان المميز ، وعن الرومانية الاستعلاء وعن البربر الذين تكونت منهم امم اوروبا الحديثة الهمجية ، وعن اليونان فكرة توجيه البشرية وقيادة افكارها ، فحطمت الله وجعلته في خدمة المال والقيم ، وهدمت القيم الرفيعة الا قيمة المنفعة، واسقطت الناحية الروحية الا نظام الاستهلاك العدواني ، ان الغرب هو كارثة الانسانية .
ضمن هذين السياقين العالميين الفكريين ، وجدت المعتزلة لتقف في وجهيهما ، ليس لمصلحة الأمة الاسلامية فقط ، بل للعالم كله ، ومن هنا فالإسلام في مفهوم المعتزلة هو حضارة إنسانية عالمية ، حضارة مؤسسة على حرية الإرادة الانسانية ،من خلال الأصل الإنساني الاول ( التوحيد ) وحرية الممارسة الإنسانية من خلال الأصل الانساني الثاني ( العدل) تضبط الحرية في شقيها : حرية الارادة ( المعرفة ) والممارسة أي ( السيادة ) فكرة المسؤولية عن مـمارسة الإرداة والسيادة ، بضوابط في الدنيا هي : القيم العليا ، ونظرة المجتمع ، وقانون الدولة ، و في الآخرة البعث والجزاء ( الوعد والوعيد ) ونظرة المجتمع وقانون دولة الامة ينتجان الولاء والبراء ( المنزلة بين المنزلتين ) وقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهكذا تحصل الاستقامة للفرد و المجموع والدولة . وينظر الفرد والمجتمع والدولة الى الناس كافة نظرة إنسانية محضة ، هذا هو السبب الذي وجد من اجله المعتزلة ، فهو اعادة الثقة للامة بنفسها ، وتحديد الاسلام تحديدا جليا واضحا ودعوة للانسانية لزوال مصادر الشقاء العالمية .
إنَّ الفكر الاسلامي المتواجد على ساحة العالم الاسلامي ، مهما كانت محدداته الفكرية وتوجهاته العملية ، ومهما كانت مسميات او أسماء الحركات الاسلامية ـ من المحيط الى المحيط ـ ومهما اختارت من طرائق وأساليب ؛ وأدوات للعمل الاسلامي ، سواء أكانَ عن طريق السياسة ؛ أو المؤتمرات ؛ أو الأعمال الاصلاحية ؛ أو الدعوة للعبادات ؛ أو لقراءة التراث ، فإنَّهُ لا يمثل الفكر الاسلامي الحق من جهة ؛ ولا يمكن أنْ يحدث النهضة والتغيير من جهة أُخرى ، لوقوعه تحت مؤثرات دوغمائية أفقدته مجرد الامكان للتغيير ، من هنا كان لا بد من الكشف عن الديناميكية الاسلامية ، في الايمان والعمل ، في الإرادة والسيادة ، في الفرد والمجتمع والدولة ، فكانت المعتزلة طريقة تفكير على أساس الاسلام ، ونـهج قويم لفهم النص الاسلامي ، وحركة إبداعية في التراث ، وعمل دائب للمستقبل .
فالمعتزلة ليست حزبا سياسيا بالمفهوم الاداري والقانوني ، وهي حزب سياسي بدلالة اللغة ، والمعتزلة ليست فرقة اسلامية ، بل هي طريقة حركية تعبير عن الإسلام ، وليست مذهبا من المذاهب الإسلامية ، بل هي طريقة تفكير على أساس الاسلام ، وعلاقة المعتزلة المعاصرة بالمعتزلة في التاريخ ، هي علاقة الابن بأبيه والفرد بأُسرته ، والأمة الحية بتاريخها ، والأمة الرسالية برسالتها ، إنَّ المعتزلة هي الماضي التراثي لنا ؛ فهل يمكن وجود حاضرٍ بلا ماض له ؟ إنَّ المعتزلة في التاريخ هي ماضي المعتزلة المعاصرة ، والمعتزلة المعاصرة هي حاضر المعتزلة أي المعتزلة المعاصرة تهيأ نفسها لولادة المستقبل .
ان المعتزلة هي حركة الامة على اساس الاسلام ، وهي كيان يؤسس فكره على العقل الناظر ، فلهذا ترفض العقلانية المادية ، او الاشراقية ، أو التحريفية ، او الوجودية أو الليبرالية ، أو الشكية ، او التجزيئية ،أو اية عقلانية اخرى لا تتبع العقل الناظر فالعقل الناظر هو الذي يميز المعتزلة عن غيرهم من العقلانيين ، والايمان بالتوحيد والعدل عن طريق العقل هو السمة التي تفرق بينه وبين حملة الاديان وقراء الاسفار ، والقيم العليا والحركة الجماعية الانسانية العالمية هي دعوة المعتزلة وحالة فعلها .
إنَّ المعتزلة حالة مميزة عن غيرها ، اما طريقة عملها فهي الدعوة لاعادة بناء الوعي الاسلامي ـ على ما سبق من محددات في طريقة التفكير ـ في منهج فهم النص ، وفي الدعوة للامة لتنتظم في المعتزلة طريقة تفكير ومنـهج لفهم النص آلياتـها هي حمل الدعوة الاسلامية بصورة حية ، من خلال جدل الافكار ، ومناقشة الدعوات الاخرى ـ وتنزيل الافكار والمعالجات والاراء على وقائع حية موجودة .
أما الوسائل فهي كل وسيلة متاحة لا تتناقض مع الاسلام ، هي النشر الواسع ، والاتصال الحي ما امكن الى ذلك سبيلا والتواصل عبر الكلام المكتوب والعناية ببناء العلاقات مع الناس وعدم اضاعة اية فرصة تمكّن من النشر .
والمعتزلة ترى أهمية تحديد مجال جغرافي سياسي فكري لدعوتها ، وان كانت الدعوة هي عالمية المحتوى والهدف وانسانية التوجه ، فالمجال الذي حددته المعتزلة لنفسها هو قلب العالم الاسلامي وقلب العالم العربي من حيث الجغرافيا ، اذ هو الاقدر على التفكير من ناحية فكرية ، وهو الاهم والمتمكن من حماية نفسه من ناحية سياسية ، وبالدراسة الدقيقة وجد ان هذه الشروط متوفرة في الاقطار التالية بمجموعها وينظر اليها كوحدة واحدة هي مصر سوريا العراق الاردن لبنان وفلسطين واذ وقع كيان لبنان تحت التأثير الموروني وحماية الغرب ، ووقعت فلسطين تحت سيطرة اليهود وحماية الغرب ، فقد توجه العمل الى الاقطار الأربعة الباقية لوجود دولة النواة لتنمو فيما بعد .
الفكر الإسلامي والمعتزلة
يجمع الباحثون المبتعدون عن الهوى ، إن المعتزلة هم عمالقة الفكر الإسلامي بلا منازع ، واليهم وحدهم يعود الفضل في الذب عن الإسلام أمام الهجوم الفكري المتسلح بسلاح الفلسفة ، وهم منتجو علم الكلام ، ولم يقف دورهم عند حد الذب عن الإسلام ،بل إلى الهجوم الفكري على المعتقدات الأخرى من كتابية وغير كتابية .
إن عدم فهم جمهور أهل النقل لهم ، جعل جدلهم الفكري يعمل خلال محورين : محور الوقوف أمام الهجوم الفكري الخارجي على الإسلام ، ومحور التصدي لأهل النقل لوضع الأمر في مكانه الحقيقي ، ولاختلاف طريقة النقاش والجدال في المحور الثاني عن طبيعته في المحور الأول ظهرت نتائج هذا المحور وهي تدور في حلقة مفرغة .
وزاد الأمر سوءا أن خصومهم في المحور الثاني لم يتورعوا عن التلفيق فيما ابتكرته عقولهم من جدل ومجادلات لم تحدث إطلاقا ، وجعلوا يوغرون صدور العامة عليهم ، بل وتعدى الأمر إلى إعلانات تكفيرية بحق من يقول بخلق القرآن أو بالقدر أي خلق الإنسان لفعله الاختياري . أو أن صفات الله هي عين ذاته ، أو من ينكر رؤية الله يوم القيامة ، بل وتكفير أئمة المعتزلة بأسمائهم .
لم تنقل مثل هذه الأفكار عن الجيل الأول جيل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولم ينقل أنهم بحثوا فيها ، اللهم إلا شذرات قليلة مثل ما ورد بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي عبيدة بن الجراح حول القدر ، إثر الطاعون وما ورد بين على بن أبي طالب رضي الله عنه وشيخ من جنوده سأله بعد صفين عن عمله من حيث الثواب والعقاب .
إلا إن أهل النقل وهم في إجاباتهم المناقضة لإجابات المعتزلة ،قد ساروا في صعيد بحث لم يرو عن الجيل الأول حسب ادعائهم ، إلا أنهم أعطوا لإجاباتهم أنها إجابات الصحابة ،بل إجابات الوحي ، مما جعل المعتزلة تصفهم بأهل الحشو أو النوابت .
ويحتار المرء حينما يجد أن أهل النقل وصفوا قولهم بان القرآن كلام الله غير مخلوق هو مقالة السلف ، وان أهل البدع يقولون بأنه كلام الله مخلوق ،مع أن مخلوق وغير مخلوق كلاهما لم ترد على لسان الوحي ، ولا على لسان الجيل الأول فكيف أجازوا لأنفسهم هذا الإدعاء …؟!
والقراءة الدقيقة لموضوع القرآن الكريم تعلن انه مخلوق .
إن الجوانب المشرقة والعملاقة في فكر المعتزلة عديدة ومتعددة ، وإذ تعمد أهل النقل مصادرتها ، وإحراق مؤلفات أهلها ، إضافة إلى تعرض المعتزلة للمحن العديدة ، والى تشويه سمعة رجالهم وأفكارهم ، جعل هذه الجوانب المشرقة تتضاءل وتتوارى خلال هذا الركام من المواقف الدعائية المعادية ، التي لا تستند إلى أي فكر حق ، أو إلى أي حقائق لها واقع .
لقد ضخم أهل النقل محنة الإمام احمد بن حنبل ، أو محنة خلق القرآن مع أن مصادر هذه المحنة تعتمد على رواية منفردة لحنبل بن إسحق بن حنبل تلقفها محبو احمد بن حنبل واعملوا خيالهم فيها مع أن الدراسة التحقيقية تجعلنا نتوقف في تصديقها والمؤرخ الفقيه والمفسر المشهور محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ لم يوردها في تاريخه .
وإذا عدنا إلى واقع ما ذكروه من مجادلات نجدهم يتفاخرون بأنهم أفحموا خصومهـــم (( المعتزلة )) أمام المأمون والمعتصم والواثق ولكنهم لا يعون مبرر بقاء هؤلاء الخلفاء الثلاثة على الاعتزال من ناحية مظهرية ويقع التناقض الأكبر حين دراسة سيرة احمد بن أبي دؤاد مثلا من مصادر محبي الإمام احمد في البداية والنهاية فان كل ما يذكر من صفاته تحيل أن يكون من أهل البدع والهوى ، أو من أهل قهر الآخرين على اعتناق رأيه .
موقف جمهور الإسلاميين في زماننا هذا هو نفس موقف أهل النقل في القرون الإسلامية التالية للقرون الاولى بل إن موقف جمهور الإسلاميين الآن لا يعتمد أساسا ما في هذا الموقف تجاه فكر المعتزلة فإطلالتهم على فكر المعتزلة لم تتم لا من خلال نتف سمعوها أو قرءوها خلال كتابة البغدادي صاحب كتاب الفرق بين الفرق الذي لا يتسم بأي منهجية أو موضوعية إما كتاب الملل والنحل للشهرستاني مع انه أفضل كثيرا من كتاب البغدادي ولكنه يشاركه في عدم المنهجية والموضوعية .
يشكل عام 1951 م نقطة انقلاب خطيرة لصالح المعتزلة فقد تمكنت البعثة المصرية التي أرسلت للبحث عن المخطوطات أن تعود بعدد من المخطوطات منها موسوعة القاضي المعتزلي عبد الجبار بن احمد المغني في التوحيد والعدل وعادت بـ 14 جزء من اصل 20 بالإضافة إلى كتب أخرى من كتب المعتزلة وهكذا صار بالإمكان قراءة فكر المعتزلة من مدوناتهم لا من أقوال خصومهم .
لم تبرز كتب المعتزلة مطبوعة إلا بعد عام 65 م ولان فكر المعتزلة من أكثر الأفكار عمقا فلم يتصد لتحقيقها ثم نشرها إلا إفراد قلائل ومن اخص خواص الأساتذة ورغم تحقيق قلة من كتبهم وطباعتها ونشرها إلا إن دارسيها اقل من القليل ومع ضخامة إعداد من يتقدم بأطروحته لنيل الدكتوراه والماجستير إلا من القليل في العصور الحديثة .
ووقفت الحركات الإسلامية التي تعتمد الفكر أساسا لحركتها أو القائمة بعملية التربية والتهذيب أو العاملة على إحياء التراث أو استلهامه أو إعادة قراءته موقف النسيان والإهمال التام لفكرالمعتزلة وبقيت تدور في الموقف الفكري البسيط الساذج المشجع على عملية الفصام النكد بين الفكرة والتطبيق مما جعل من يمتلكه الهوس يقوم بأعمال مادية متطرفة مفتقدة الفكر والغاية .
يمكننا الآن إعادة دراسة التاريخ الفكري للإسلام وان نضع إصبعنا على خط الهبوط الفكري الذي ظهر منذ تنحية فكرالمعتزلة عن الوجود في فكر المسلمين وان نتبين هبوط الدولة أيضا بعد ان تبنى الخليفة المتوكل على الله العباسي غير خط المعتزلة الفكري وبزوال رجال المعتزلة عن المشاركة في القيادة السياسية ثم عن وجودهم الفكري برز للعيان واضحا عظم المصيبة التي لحقت بالمسلمين حتى تمكنت قوات المغول مــــن إسقاط الخلافة عام 656 هـ = 1258 م.
يدعي أهل الخط المناقض للمعتزلة غربة الفكر الاعتزالي عن الإسلام وانتمائه إلى الفلسفة اليونانية ومثل هذا الكلام يعتبر تزويرا للتاريخ ومغالطة في إدراك الوقائع ففكرة الاعتزال ظهرت ظهورا قويا على يد غيلان الدمشقي ت حوالي 105هـ وواصل بن عطاء ت 131 هـ وعمرو بن عبيد ت 144 هـ وهؤلاء الثلاثة تبلور فكرهم قبل ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية فأولى بذور الترجمة وقد كانت لكتب الطب ظهرت في أيام أبي جعفر المنصور المتوفى 158 هـ أما كتب الفلسفة ( الحكمة ) ، فقد تأخرت ترجمتها حتى عهد المأمون المتوفى 218 هـ ومن المعروف إن الفكر الاعتزالي في عهد المأمون كان في أتم مراحل النضج فنضجه إذن تم قبل ترجمة كتب الفلسفة وأسباب نضجه هو حرص رجال المعتزلة دعوة أهل الأديان الأخرى إلى الإسلام في جدل يدحض الحجة بالحجة ويفند الدليل بالدليل فالأمر الطبيعي في رجال هذا دأبهم أن يتم نضج فكرهم من خلال هذا الجدل ولا يضرهم الانتفاع من أساليب الجدل عند الآخرين ولا شك انه تحقق لديهم الانتفاع وشتان بين الانتفاع والتأثر ويظهر أن خصومهم لا يفرقون بين الانتفاع والتأثر.
إن الأمة الإسلامية وقد دبت بها أحاسيس النهضة والدعوة للفكر المستنير لمعرفة أسس النهضة التي ميدانها الأول استعمال العقل استعمالا صحيحا فبالعقل يتكون الاعتقاد وبه تتحدد المفاهيم وبه أيضا يجري اكتشاف خصائص الأشياء فيعمل على تسخيرها فالاعتقاد والمفاهيم والسخرة نتاج للعقل ورسالة السماء دورها أنها مصدر المفاهيم لكن المفاهيم تتكون من خلال إعمال العقل بنصوص رسالة السماء .
مثل هذه الأسس النهضوية لا يمكن وجودها إلا في التراث المعتزلي لكن التراث وأي تراث مهما ظهر فيه من قضايا صادقة لا بد أن يقصر عن علاج المشاكل المتجددة المتعددة فنحن بحاجة إلى عملية إبداعية تجعل التراث المعتزلي أساسا لها لا على اعتبار مضمونه الصادق المبني على العقل والمؤسس على الفكر والمصحوب بالدليل .
قضية صدق أسس التراث المعتزلي لا تحتاج إلى كثير من اللجاج فصدق أسس التراث المعتزلي من كون العقل أول الأدلة وكون العقل دل على التوحيد والعدل وعلى الرسالات وعلى ختم الرسالات ونسخها برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى كون الإنسان مختارا ينتج خيره وشره وكون نهاية المطاف للحياة الدنيا الموت ثم البعث والجزاء وقضية من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره كلها قضايا أساسية تصلح أساسا للسير في معترك الحياة المتحرك والنامي وخلاصة الأمر إن العقل يوصل إلى التوحيد والتوحيد يوصل إلى العدل والعدل يوصل إلى الجزاء فهي حلقات ثلاث تترابط فيما بينها وتشكل أساسا يصلح للنهضة .
دواعي نشوء المعتزلة
يرجع نشوء الاعتزال والمعتزلة إلى دواع فكرية وأخرى سياسية وهذه حقيقة لا يستطيع الباحث تجاهلها فالالتحام بين الفكر والسياسة أمر لا جدال به ولا يمكن بأية حال فصل هذا الالتحام إذ التفكير السياسي أمر طبيعي بالنسبة للإنسان فكما أننا نصف الإنسان بأنه ناطق فإننا قبل هذا الوصف نصفه بالتفكير ولا يمكن أن يكون التفكير تفكيرا بالوهم أو الخيال بل هو تفكير بالرعاية سواء أكانت الرعاية لنفسه أو تجاوزت نفسه بان كانت للإنسانية جمعاء وما بين النفس والإنسانية أي ما بين الفردية والعالمية هناك عدة محطات يمكن أن تكون غاية فكر الرعاية أي التفكير السياسي .
من هنا فان القول بنشوء المعتزلة على أساس فكري فقط أمر مجانب للصواب فالأساس الفكري الاعتزالي هو عمل سياسي سواء بطريق مباشر أو بطريق المآل إن الفكر الاعتزالي تجاوز إنشاء الأفكار السياسية إلى قيادة الأعمال السياسية ولكنهم قادوها على طريقتهم الخاصة التي يرونها الطريق الطبيعية فهم يرون أن طريق العمل السياسي يأتي عن طريق قيادة الأفكار والاطلاع على الكيفية التي أنشأها واصل بن عطاء تقود إلى هذا الفهم .
ينصب البحث هنا على نشوة فرقة المعتزلة ذات المواصفات الفكرية ولا ينصب على لغوية الكلمة ولا على معتزلي القتال بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل الجمل , طلحة الزبير عائشة " فهؤلاء منعزلون ومعتزلون فلا بد من ملاحظة الفرق بين الاعتزال كفرقة ذات أفكار موحدة ودعوة لهذه الأفكار وبين عزل أشخاص أنفسهم عن اتخاذ موقف ما .
لقد رأى قادة أفكار المعتزلة بعد أن أصبح معاوية بن أبي سفيان ظاهرا على علي بن أبي طالب وبعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة ما آل إليه أمر المسلمين من ظهور لأفكار التشبيه والجبر والإرجاء وهي أفكار من شأنها الانحراف بالإسلام من كونه رسالة مسؤولية يتحقق عليها الجزاء إلى كون الإسلام ظاهرة غيبية لا تؤمن بالقدرة الإنسانية على تشكيل التاريخ الإنساني فرديا وجماعيا ولاحظوا إلى جانب ذلك تسلط معاوية ومن بعده على الأمة الإسلامية بالجبروت فكان لا بد من عمل يصحح الأفكار ويزيل الجبروت وهما لا بد لهما من جماعة فتأسست المعتزلة على هذا الأساس .
لقد اشترك المعتزلة حقيقة وفعلا في ثورة زيد بن علي زين العابدين رضي الله عنه في عهد هشام بن عبد الملك ؛ ذلك الخليفة صاحب المظالم التي تميد منها السموات والأرض ثم في ثورة ابنه يحيى بن زيد .
ولقد تمكنت ثورة المعتزلة من تحقيق النجاح في الثورة ضد الوليد بن يزيد الفاسق بقيادة اعدل بني أمية الخليفة السائر على هدي الإسلام فأعاد الرشد وأبطل الغي ألا وهو يزيد بن الوليد بن عبد الملك ولكن مؤامرات بني أمية وأهل الشام وخاصة أهل حمص لم تمكنه من البقاء بالحكم فقد قتل رضي الله عنه بعد 162 يوما من تسلمه الحكم ليتسلم بعده أخوه إبراهيم ولصغره ولاشتغال المعتزلة بالإعداد للثورة الكبرى ضد بني أمية استطاع مروان بن محمد الانتصار على إبراهيم .
إنَّ اشتراك المعتزلة بالثورة ضد بني أمية المسماة ثورة العباسيين فيما بعد بالدعوة للرضا من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه أمر مشهور وإذ كان دهاء أبناء محمد بن علي بن عبد الله بن العباس إذ اشتركوا في الثورة وهو يخفون مكرا بمن بايعوه وهو الرجل التقى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى المسمى بالنفس الزكية فاغتنم آل العباس فرصة عدم وضوح الفكرة لدى الجند الخراساني بقيادة ( أبو مسلم الخراساني ) والذي كان قد قتل عام 131 هـ عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قائد الثورة الاعتزالية بعد مقتل يحيى بن زيد بن علي وتشويه سمعة عبد الله بن معاوية بنسبة إباحة فعل كبيرة اللواط وغيرها إليه ومع وفاة المفكر الرئيسي والمنظم الدقيق لثورة المعتزلة واصل بن عطاء عام 131 هـ ايضا ازدادت الحالة حرجا والتاريخ لا يسعفنا للبحث باسباب وفاة واصل بن عطاء إذ مات عن عمر لا يتجاوز واحدا وخمسين عاما فهل مات بظروف عادية أو بظروف مصنوعة .
أمام هذه الحوادث كانت الظروف مهيأة للعباسيين للانقلاب على البيعة التي بايعوا عليها الإمام محمدا النفس الزكية فأعلنت خلافة السفاح الذي لم يمتد به الأجل في الخلافة ثم خلافة أخيه (أبو جعفر المنصور) الذي لم يهدأ حتى تمكن من قتل النفس الزكية في المدينة وإجهاض ثورته لأنه أقامها على عجل بسبب شدة ملاحقة المنصور له وقتله أكثر من 20 شخصا من أهل النفس الزكية منهم أبوه ثم فشل ثورة أخيه إبراهيم في البصرة معقل المعتزلة والتي كادت أن تنجح وبموت النفس الزكية و أخيه إبراهيم صارت الساحة مهيأة لتركز الحكم بالعباسيين وإعلان انتمائهم إلى أهل السنة والجماعة أي إلى فكري الجبر والتشبيه وبهذا سقطت أهم محاولة للمعتزلة لإعادة حكم الرشد الإسلامي وبقي المعتزلة معرضين دائما للملاحقة والبطش وبقيت العترة النبوية من قيادات المعتزلة معرضة للمراقبة والقتل وكان اثر هذا الفشل شديدا في إضعاف المعتزلة وتحولها إلى حالة فكرية علمية منافحة عن الإسلام ولا تباشر الثورة .
الألوهية أو الخالقية
الله جل جلاله حقيقة أم وهم ؟ وهل مستندة كحقيقة الفطرة أم البيان أم البرهان ؟ هل معرفته في إثبات وجوده ؟ أم أن معرفته تقتضي معرفة الصفات التي يستحقها لذاته ؟ ما هي معرفته ؟ ولماذا يجب أن نعرفه ؟ وإذا كان البرهان هو الطريق الوحيد لمعرفته فكيف يكون هذا البرهان ؟ .
كثيرون هم المؤمنون بوجود الخالق ، ومع هذا اختلفوا اختلافا بينا فيه ، ما يهمنا هو المسلمون دون سواهم كلهم يقول ( اشهد أن لا اله إلا الله ) ولكنهم مع هذه الشهادة يختلفون ، يختلفون حول الأساس المعتمد للوصول إلى الإيمان بالله كحقيقة فمن قائل إن الأساس هو الفطرة ، أي أن الإنسان من حيث هو إنسان مفطور أي مطبوع على الإيمان بالخالق ، ومن قائل أن الله يعلم بإخبار النبي أي أن البيان هو البرهان على وجود الخالق ، ومن قائل أنه يعلم بالعلم الموهوب أو العلم الإلهامي الذي يصلح أساسا للإيمان بهذا الخالق .
وفي المسألة سؤال اكبر من السؤال عن الإيمان بخالق وهوهل الإيمان بخالق هو عين الإيمان بالله ؟ إن الناظر في نفسه أو في الحياة التي يحياها ، وفي الكون الذي يعيش فيه يصل بلا أدنى كلفة إلى انه مخلوق ، أي له خالق خلقه ، وخلق الكون الذي يعيش فيه .
لكن مثل هذا الإيمان سواء اعتمد الفطرة – معنى الفطرة هو الشعور بالنقص والاحتياج والعجز – أو اعتمد النظر العقلي البسيط ، فانه يصل إلى إيمان بخالق ولكن هذا الإيمان إنما تأسس على التلقين ، ذلك التلقين الذي يحل مسألة الوجود المخلوق ، ولا يحل مسألة كيفية الحياة حتى ولو تلقى أوامر ونواة متعلقة بالحياة فإنه يقوم بها مبنية على ما عنده من غرائز وطاقات حيوية ، فيقع في التناقض بين مطالب الطاقات والغرائز وأوامر الخالق ، ويقع في المشكلة الأكثر استعصاء حينما يواجه بتعقيدات المشاكل وتنوعها ، سواء بسبب تسخير الظواهر الكونية أو بسبب سنن التجمعات الإنسانية (الأحلاف السياسية والعسكرية ) التي تحاول فرض السيطرة على بعضها .- كانت هذه الصورة قبل انفراد وحيد القرن بقيادة العالم الولايات المتحدة أو على الحقيقة الويلات المتحدة -.
إن الإيمان على تلك الصورة إيمان فردي لا يصلح لبناء مجتمع إنساني على أساسه ،ولا يصلح لمسيرة صاعدة في درب الرقي ، لان ما يملكه من نظرية حول الوجود لا تعدو ذاته ، ولا تتجاوز همومه الفردية ، حتى وان ادعى أن همه إنما هو هم الجماعة الإنسانية ، التي تؤمن بمثل إيمانه ، فان مثل هذه الدعوى تكشفها حقائق الحياة كل يوم ، فهمه هو هم الذات التي تعيش في القطيع ، وليس هم الحياة الحقة التي يجب أن يعيشها الإنسان (( النوع الإنساني )) .
بصورة أكثر جلاء إن مثل ذلك الإيمان لا يصلح لبناء منظومة فكرية تعالج شؤون الحياة الإنسانية ، أي ما يسمى بالتعبيرات الحاضرة (( الايدولوجيا )) ، الايدولوجيا ليست ترفا وإنما هي وجهة نظر شمولية للحياة هي قاعدة للأفكار المنبثقة عنها أو الأفكار المبنية عليها وبالتالي تتحول عند المؤمن بها إلى مفاهيم تنتج سلوكا .
إن الإيمان الذي يصلح هو الإيمان الناتج عن النظر العقلي ، والنظر العقلي وان كان لا يقف عند حد ، إلا انه له حقيقة واحدة تصلح لإقامة الأساس ، هذه الحقيقة الواحدة هي حل التساؤلات الطبيعية عند الإنسان الناتجة بسبب رغبته في حل السر العصي وهو معرفة موقع الإنسانية في هذا العالم يدفعه إلى ذلك الخوف الطبيعي الناتج عن كونه لا يعرف بآلياته المعرفية ( المعرفة الحسية ) مستقبله ولهذا عمد إلى محاولة إقامة مناهج معرفية أخرى عله يصل من خلالها إلى معرفة المستقبل ، فالسؤال عن المستقبل سواء في الحياة الدنيا أو بعد الحياة الدنيا هو المحرك الحقيقي لسؤاله الطبيعي عما قبله وعما بعده وكيف يحيا في هذا الكون ؟
إن الله لا يُعلم بالفطرة ولا يُعلم بالخبر ولا يُعلم بالمشاهدة ، أما انه لا يعلم بالفطرة لان الفطرة مجرد حالة شعورية بالعجز والنقص والاحتياج ،وأما انه لا يعلم بالخبر لان الخبر من حيث هو خبر يحتمل الصدق والكذب ، ولا يقال إن البرهان قام على صحة الخبر ، وهو صحة إعجاز القرآن وصحة النبوة فان إعجاز القرآن لا يستدل به على صحة أمر ما لم يعلم إن الله لا يعطي المعجزة لكاذب .. ،والغرابة كل الغرابة ممن يؤمن بالخوارق والمعجزات وبأنها تعطي للصادق برهان صدقه وللولي كرامة له وللدجالين استدراجا لهم وللسحرة بسبب علمهم بالسحر وللمتصلين بالجن الأتقياء والفجار بسبب اتصالهم بالجن ويدعي بعد ذلك أنه يؤمن بان القرآن كلام الله ، فأي مستند استند عليه ؟ .
إن الأقوال السابقة تهدم النبوة من أساسها ، فليس من دليل على أي نبوة فالمسألة عند هؤلاء برهانها خبر ورثوه أو معرفة علموها من عالم أو متدين وهنا يتساوى إيمان النصارى واليهود والهندوس والبوذيين مع إيمان المسلمين فالكل مؤمن بسبب خبر موروث أو معرفة جاءت إليهم من حبر أو راهب .
أما انه لا يعلم بالمشاهدة ، لان المشاهدة لا تتم إلا للمادة أي للاجسام ، أو معرفة آثار المادة وخصائصها ، والمادة من حيث هي مخلوقة أما متحيزة وتقبل حوادث وأعراض قابلة للأبعاض والأجزاء والائتلاف والاتحاد والمجاورة ، وتقبل التغير والتبدل والحركة والسكون ، والدليل قام على أن من يكون على هذه الصفات والأحوال مخلوقا حادثا فالله لا يعلم مشاهدة ولن يعلم مشاهدة بل من الضروري أن تتأصل حقيقة الله اكبر أي اكبر من أن يشاهد دنيا وآخرة لان الله لا يقبل التبدل واكبر من أن يعجز وأكبر من أن يحد واكبر من أن تدرك ذاته .
قضية نفي الرؤية قضية ضرورية لإيجاد إيمان بخالق وبرهانها العقل ، والنص جاء لتوكيد ما يمكن للعقل أن يعلمه ، وقضية نفي الرؤية هي من أهم قضايا التوحيد فلا توحيد حقا لمن يثبت رؤية الله تعالى يوم القيامة .
كثيرون هم الذين يرون التوحيد من زاوية كهنوتية المقصود المسلمون طبعا لان غيرهم لا يؤمن به الا من زاوية كهنوتية مع أن الأصل أن الإيمان بالله هو أساس وجهة النظر في الحياة وإذ نظروا إلى اليمان ممن زاوية كهنوتية وقعوا في التشبيه الصريح من جهة ووقعوا في تجزئة الإسلام إذ لديهم يغضب الله غضبا شديدا ، ويمنع تأييده وألطافه لمجرد ركوب فتيات كاسيات عاريات مع فتيان على وجه الخلطة في الحافلات الناقلات لطلبة الجامعة ، أو لدخول اليهود إلى حرم الأقصى أما احتلال اليهود لفلسطين وإقامة دولة لهم والانكفاء على الذات القطرية والاهتمام بالعيش فقط ، وعدم قيام دولة التوحيد والعدل الإسلامية ، كل هذا لا يغضب رب العالمين .
إن السبب الوحيد لهذا التحول الخطير في الفكر الإسلامي عدم وضع العقل في مكانه الطبيعي من انه أول الأدلة وانه عقل ناظر وان أول واجب بعد أن يتكون لديه العقل القادر على النظر إنما هو النظر وان الغاية من اكتساب العقل هو إيجاد الإنسان كذات عارفة وأول ما يجب أن تعرفه هو ما قبلها .
إن معرفة ما قبل الحياة من خلال النظر هي أول فكرة يجب أن ينصب الاهتمام بها وعليها إذ يدونها يسقط الإنسان أسيرا للأوهام والمغالطات والانقياد للموروث والتبعية للحبر والراهب ويتحول الفكر عنده الى مجرد دوغما تعتمد الاساطير والخرافات والخزعبلات و الميثولوجيا وتتعايش مع مطالب غرائزها وحاجاتها وينصب تفكيرها على الابتسار والاجتزاء وعلى انه مجموعة ذرات كل ذرة لها عالمها ( الفكر الذري ) .
لقد أقام الدهر يون والإلحاديون والماديون والوجوديون عمارة فكرية تأسست على إنكار وجود الخالق ، الدهرية تقيم عمارتها على المشاهدة فرأت أن الوجود يسيره الدهر . والإلحاديون يعمدون إلى أجزاء في الحياة ليصلوا إلى إنكار خلق المخلوقات ، والماديون يقيمون عمارتهم على التعريف المادي للعقل والتاريخ والطبيعة ، والوجوديون بشعبهم الثلاث الوجودية المسيحية التي تقول : بأن قلق الإنسان يزول بالإيمان بالله ، والوجودية الإلحادية التي تجعل للإنسان مطلق الحرية في الاختيار ، مما يترتب عليه قلقه ويأسه ، والوجودية المسيحية التي ينشدها ماريتان إذ يقول إن الإيمان بالله يحد من الرغبة في الوجود والخوف من العدم والأساس المشترك بين هذه الشعب الثلاث إن الوجود الإنساني هو المشكلة الكبرى فالعقل وحده عاجز عن تفسير الكون ومشكلاته وان الإنسان يستبد به القلق عند مواجهته مشكلات الحياة ، وأساس الأخلاق القيام بفعل ايجابي وبأفعاله تتحدد ماهيته وإذن فوجوده الفعلي يسبق ما هيته .
الماديون الماركسيون يرون إنهم يمتلكون العلم ، فالمادية لديهم علم . والحقيقة أنها فكر عقلي أساسها تعريف العقل تعريفا ماديا ، بقولهم إن الفكر هو انعكاس الواقع المادي على الدماغ ، وحاولوا تفسير وجود الحياة بنظرية دارون في النشوء والارتقاء ووجدوا في نظرية اسحق نيوتن في الزمان والمكان المطلقين دعامة للقول بالمادية ، وأخيرا رأوا في مقولة الفيلسوف اليوناني القديم ((هريكليت)) (( إن هذا الوجود لم يخلقه إنسان أو اله وهو شعلة حية وسيبقى شعلة حية تضئ وتنطفئ تبعا لنواميس معينة )) (( انه شرح رائع لمبادئ الدايلكتيكية )) ومع تأكيدهم إن مقدار المادة والطاقة ثابتان قالوا بان المادة لا تفنى ولا تخلق وهذه المقولات الأربعة : نشوء وارتقاء دارون وزمان ومكان نيوتن ، ونواميس هيركليت وثبات مقدار الطاقة والمادة ، ليست حقائق علمية ، بل ولا ترتقي إلى مستوى النظريات العلمية إنها مجرد مجازفات مبنية على آراء سابقة ولم يتوصل إليها بالبحث العلمي التجريبي ، ومع نظرية الانفجار الكوني ونسبية الزمان والمكان وتقدم أبحاث التفجيرات النووية كل هذا جعل نظريات الماديين مجرد خرافات وأساطير .
اشهد أن لا اله إلا الله وأثرها في الأفراد والمجتمع
ما أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود حتى يرتفع صوت المؤذن من فوق المآذن (( اشهد أن لا اله إلا الله )) وتتمتم شفاه المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها هذا النداء ويتكرر النداء خمس مرات في اليوم ولان اليوم دائري ( فلك ) فلا يخلو وقت من هذا النداء .
لكن ما حقيقة هذا النداء ؟ وما هي مفاهيمه ؟ وما هي دلالة معناه ؟ هنا تجد الاختلاف هو السائد ، اختلاف على سبب أو دواعي الشهادة ، فمن قائل : إن مرتكز هذه الشهادة هو الفطرة ، ويستدلون لذلك بآيات من القرآن الكريم وأحاديث للرسول صلوات الله عليه ، مع أن الآيات والأحاديث لا علاقة لها بالاستدلال ، بل هي لفت نظر للاستدلال العقلي ، ومن قائل إن سبب دواعي الشهادة هو بيان الرسول محمد صلوات الله عليه (( النص الموحي به كتاب و سنة )) فهم يثبتون النبوة أولا ومن النبوة يثبتون الإلوهية ، ولا ينتبهون إلى أن إثبات النبوة (رسول الله) يقتضي إثبات الإلوهية أولا ، لان النبوة فرع لأصل هو الإلوهية ، وهي أي النبوة أصل لفرع هو الشريعة فإثبات الإلوهية من الرسالة أمر معكوس تماما ، ومن قائل إن الإلوهية تثبت بالإلهام أي خلق الله الإيمان في قلب المؤمن ومثل هذا القول يؤدي للجبرية بل هو أساس الجبرية .
والحقيقة التي لا مراء فيها إن الإلوهية ثابتة من آيات وعلامات هي الكون المنظور ، أي الكون والإنسان والحياة يصل إلى هذه الحقيقة العقل الناظر ، ولا ينتبه إليها الغافل ، ويغالط فيها الجاهل ، ويماري فيها أتباع الأحبار والرهبان ، ويتحجر على ما تلقنوه أصحاب الموروث ، ويجادل فيها ملحدة قدسوا العقل المادي الحسي . وحديثا طرق البحث مجموعة جديدة تسمي نفسها اللادينيين العرب تفتقد أي منهج للبحث .
إن الشهادة للإلوهية لا تقوم ولا تستند إلى مشاهدة ،بل يستحيل استحالة عقلية مشاهدته ، ولا يعلم فطرة ، أو ضرورة ، أو بديهة ، وإنما يعلم الله استدلالا من خلال النظر العقلي في الآيات والعلامات الدالة عليه ، أي الكون والإنسان والحياة .
إن العقل الناظر هو الذي يؤمن بالإلوهية ، طريقته هي النظر في الآيات والعلامات ، ومنهجه في النظر الاستقراء التام أو الناقص المكبر ، مستدلا من خلال قياس الخلف على وجود الذات الالهية بما تستحقه من كمالات ، وعلى الخصوص كونه قادرا لا يعجز لذاته لا لمعنى وعالما لا يجهل لذاته لا لمعنى وحيّا لذاته وواجب الوجود لذاته ، وهو حكيم خبير لا يفعل القبيح ولا يظهر المعجز على يد الكذابين منفية عنه كل الجهالات ، الأبعاض ،والاجزاء ، والتأليف ، والجسم ، والصورة ، والآفات ، والمشاعر ، والعبث ، والزمان ، والمكان ، فلا يجوز السؤال عنه بأين ومتى وكيف .
ما سبق هي طريقة معرفة الله فالعقل الناظر هو الذي يعرف الله ، ولكن ما معنى كلمة الله ؟ إنها الاشكالية التالية لاشكالية طريقة معرفة الله ، وهذا ما سيجري عنه الحديث تاليا حتى يكون المؤمن على بصيرة من امره ، في طريقة معرفة الله ومعنى كلمة الله ، فتكون شهادته شهادة حق وصدق تؤثر فيه وفي المجتمع الذي يؤمن كإيمانه .
ان معرفة الله عند بعض المسلمين هي معرفته انه خالق وعند جماعة من المسلمين انه معبود ، وقسم ثالث يعرفه بانه المعبود بحق ، وهذه الثلاثة لا تساوي معنى الالوهية ، اذا الخالقية بحث في المخلوق ، واثبات الخالق تبعا لوجود المخلوق .
والمعبودية هي صرف افعال الخلق للخالق ، والمعلوم من حال الناس وانها تقوم بأفعال لا يمكن ان تصرف للخالق ، وهي افعال الحياة من نوم واكل وشرب وقضاء حاجة وامتلاك ملابس وبيت ، ان الافعال التي يظهر فيها انها تصرف للخالق هي افعال العبادات من صلاة وصوم ونسك وهيئات في الملابس ، وفي شكل الانسان من ختان واعفاء لحية وحلق عانة ونتف ابط وحف شارب وقص اظفر وتقصير ثوب ولهذا رأى الناس كلّهم ما يفعله الشاهدون بان الالوهية هي المعبودية من اقتصار على ما مر.
ان سوء الفهم الذي يعانيه المسلمون في موضوع الالوهية ، هو السبب الرئيسي لاضعاف اثر اشهد ان لا اله الا الله في حياتهم فهم حقيقة يصرفون العبادة لله وحده ، ولكنهم يقعون في تعظيم الملك والامير والوزير والرئيس والقائد وصاحب السماحة والفضيلة وصاحب المال والجاه ، يراءونهم ويمالئونهم ولا يجدون في ذلك غضاضة ، بل لا يرون بين هذين الموقفين ادنى تعارض ، ولأن الالتجاء الى الله امر خفي واستجابته لا تدرك حسيا انما تدرك ايمانيا لجأوا الى اصحاب السلطة والنفوذ يوالونهم طلبا لقضاء حاجاتهم .
إن الله استخلف ادم لينتقل الاستخلاف الى ابناءه من بعده جيلا اثر جيل ، فالانسان موضع تكليف لاستقامة الحياة ، فلا استكبار ولا ظلم ولا افساد ، من خلال الإيمان بالالاه تجلت عظمته بأياته وعلاماته ، ليتوجه الخلق اليه ، فالناس سواسية كأسنان المشط ، لانها كلها على السواء محتاجة للواحد الاحد الكبير المتعال تحيرت العقول في الله الواحد ، فالحيرة والعجب من الانسان والعظمة والكبرياء هي معنى الوهيته ، والربوبية والخالقية والعبودية من لوازم الوهيته فالالوهية هي المعنى الذي يجب ان يقع العقل على مدلوله .
ان الالوهية باختصار هي انه لا يمكن للعقول بان تطلع على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، اول واجب هو معرفته بشهادة العلامات الواضحات الدالة عليه ، فهو خالق لأنه الله وليس العكس ، وكان خلقه ابتداعا لا على مثال سبق ، ولم يخلق لحاجة ، خلقه هو ارادته وامره ، أي لا يحتاج لحركة حتى يخلق ما خلق فالخالقية فرع عن الالوهية وليس العكس ، والربوبية أي تدبيره لما خلق فرع عن الالوهية ، وعبودية الانسان له جاءت لعلمنا من خلال وعينا بإنعامه وفضله ، فالعبودية ليست معنى من معاني الاله وانما هي استحقاق الاله بالعبودية فالالوهية اصل والعبودية فرع عن هذا الاصل ، علاوة على ذلك ان العبودية لو كانت اصلا لما كان هناك احتياج لنظرية الجزاء الثواب والعقاب فالعبودية بدون الثواب والعقاب لا معنى لها .[1]
ان أصول الدين الاسلامي خمسة هي : وكلها يستدل عليها عقلا .
1- التوحيد أي معرفة الله بكمالاته التي هي عين ذاته ونفي الجهالات عنه .
2- العدل أي نفي العبث والجهل والحاجة والظلم عن أفعاله .
3- النبوة أي احتياج الخلق للنبوة لطفا للتوكيد وزيادة حجة وإزالة غفلة .
4- الشريعة وهي زيادة تكليف لزيادة في الثواب ولا يخلو التكليف من حكمه .
5- الجزاء استحقاق الثواب واستحقاق العقاب بموجب الإيمان والعمل وإذا سأل سائل عن (1) بين المنزلتين (2) الوعد والوعيد (3) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فان هذه الأصول داخلة في العدل اذ هي فرع منه كما ان عدم جواز رؤية الله يوم القيامة داخلة في التوحيد .
ان الانسانية بحاجة لفهم اشهد ان لا اله الا الله فهما يجعل الله حقيقة راسخة في العقل لتكوين الايمان الراسخ وفي القلب لتكوين المشاعر الدافعة وبهما معا يعرف الانسان ذاته فيتحول الى طاقة تطلب الحق وتدمغ الباطل وتجتهد في طلب الصواب وبيان الخطأ ويتركز في افعالها الهدف دون العبث ويعلم كل فرد انه سواسية مع الناس فلا يخشى المستكبرين ولا يترفع عن المستضعفين يرفض المداهنة والتملق ولا يداجي ولا يجامل بل يعلن تمسكه بدعوته في صراحة وجرأة يؤثر ولا يتأثر ويفعل ولا ينفعل ويغير ولا يتغير لأنه على بصيرة من أمره .
ولا يعني انه وهو على بصيرة من امره أنه الحق بل هو مجتهد مثابر في طلب الحق نزّاع دائما للبحث عن الحقيقة يواصل الانشاء والارتقاء ويسعى لنقاء مفاهيمه وصفائها وبلورتها لا يتمسك الا بما هو حق ليس بينه وبين الحق عداوة ولا يستحي ولا يخجل اذا ظهر له الحق مع غيره ان يقول ذلك ويترك فهمه ورأيه .
تلك حقيقة المؤمنين بشهادة ان لا اله الا الله وهي حقيقة ايمانية فاعلة تبنى عليها فروع الايمان الاخرى عند الافراد في العقائد والعبادات والاخلاق والمعاملات ( مكونات الفرد ) ولكن فرديته هذه انما هي لازمة لجماعيته التي هي الدعوة لايجاد مجتمع انساني متوحدة افكاره ومثارة مشاعره ( قوة دافعة ) ومعلوم نظامه فتكون الأمة والدولة والفرد على الجاد من الأمر والاستقامة في الفعل والارتقاء في الحياة .
الايمان بالغيب
إذا تجاوزنا كلمة الإخلاص ؛ التي هي شهادة المؤمنين بالدين الإسلامي ؛ {أي الشهادة للإلوهية وللنبوة ولمحمد صلوات الله عليه والإيمان بالجزاء( اليوم الأخر )} فإنَّ البحث بمطالب الإيمان الإسلامي يقودنا رأسا إلى الإيمان بالغيب ، وهو إيمان يفتح أبوابا متعددة من الجدل ، من حيث وجوده ، ومفاهيمه ، وبعده الحضاري ، ولو أهملنا مؤقتا مقولة غير المسلمين في هذا الإيمان ، فإننا سنجد اختلافا بيّنا بين المفكرين والفقهاء المسلمين ؛ إذ مع إثباتـهم للغيب والإيمان به إلا أنَّ الاختلاف هو السمة السائدة في معناه .
للمفسر القرطبي المشهور المتوفى سنة 671هـ 1237 م قول أثناء تفسيره لـ ( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )( البقرة: من ألآية الثالثة ) إذ يقول موضحا اختلاف المفسرين للغيب على عدة من التأويلات فمن قائل : إنَّ تأويل الغيب هو الله ، و آخرون القضاء والقدر ، وجماعة ترى انه القرآن وما به من الغيوب ، وفريق أن الغيب هو كل ما اخبر به الرسول عليه السلام مما لا تـهتدي إليه العقول مثل : أشراط الساعة ؛ وعذاب القبر ؛ والحشر والنشر ؛ والصراط ؛ والميزان ؛ والجنة والنار وغير ذلك .
ويضيف القرطبي نقلا عن ابن عطية المفسر المشهور المتوفى سنة 542 هـ 1148م ، وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها .
وهكذا ندرك من قول القرطبي مدى تعدد الأقوال في معنى الغيب ، ولا يخرجنا من المأزق جمع ابن عطية لها ، بل يزداد المأزق حدة حين يقول : إنَّ المقصود بالغيب في احد وجوهه هو الله تعالى .
فكيف يكون تعالى غيبا ثم يكلفنا الشهادة بوجوده ؟ والشهادة تعود إلى المحسوس ؛ أو إلى الأثر المحسوس ، ولذلك قيل المعلوم شهادة بمعنى المعلوم حسّا ، اللهم إذا كان التأويل إدراك ذاته ؛ لا معرفة وجوده ؛ ومعرفة الصفات التي يستحقها لذاته لا تعتبر غيبا .
وإذا قفزنا عدة قرون وقرأنا ما قاله سيد قطب القتيل ظلما سنة 1387 هـ 1966م في ظلاله ، فإنا سنجد أنفسنا في دوامة عدم التحديد أيضا ، فسيد قطب يقول في تفسيره :- (( إنَّ السمة الأولى للمتقين ؛ هي الوحدة الشعورية الايجابية الفعّالة ، التي تجمع في نفوسهم بين الإيمان بالغيب ؛ والقيام بالفرائض ؛ والإيمان بالرسل كافة ؛ واليقين بعد ذلك بالآخرة )) ونعلم من خلال مقولته أنه يوجز مطالب الآيتين الثالثة والرابعة من سورة البقرة ، وانه لم يجد مقابلا (( ليؤمنوا بالغيب )) إلا(( الإيمان بالغيب )) وإذ يعود سيد قطب للتفصيل يقول (( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب ))(البقرة: من ألآية الثالثة) أي فلا تقوم حواجز الحس دون الاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها ، وصدر عنها هذا الوجود ، ولا تقوم حواجز الحس بين أرواحهم وسائر ما وراء الحس من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات )) .
ويمضي سيد قطب مفصلا (( والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه . إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود اكبر واشمل من ذلك الحيز المحدود ، الذي تدركه الحواس أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس ، وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي ، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود ، وفي إحساسه بالكون ما وراء من قوة وتدبير . كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض ، فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه ، كمن يعش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته )) .
إلى أن يقول : ( وإنَّ وراء الكون ظاهرة وخافية حقيقة اكبر من الكون ، هي التي صدر عنها واستمد من وجودها وجوده .’ حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بـها العقول )) .
والمحصلة لكلام الأستاذ سيد قطب عن الإيمان بالغيب ، انه الإيمان بالله تعالى كحقيقة اكبر مما يعلمه الإنسان ، عن المدى الواسع للزمان والمكان ، ويفهم من أقوال سيد قطب إن الإيمان بالغيب كما يفهمه هو متروك للروح تدركه بالبديهة والبصيرة . ويواصل سيد قطب كلامه :
إنَّ في قول الله تعالى :( يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )(البقرة: من ألآية الثالثة) دعوة لصيانة الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له ، وما لم توهب القدرة للإحاطة به ، وعلى أن تدع للمجهول حصته في الغيب الذي لا تحيط به العقول .
إنَّ سيد قطب لا يحل لنا المشكلة ’ بل يزيدها تعقيدا ، إذ لم يبين لنا كيفية إدراك الروح لهذا الغيب ؛ وهو لم يحدد لنا مراده من كلمة الروح ، فهي ترد على أكثر من معنى ، وهو لم يكشف لنا عن دور البديهة في هذه المعرفة ، ولم يفرق بين ما تعرفه البديهة وما تعرفه البصيرة ، ونفهم أنَّ المعرفة بالبديهة والبصيرة لدى سيد قطب معرفة واحدة ، تؤدي نفس المعرفة ، وتسير بنفس الطريق ، ولا يكشف لنا سيد قطب مراده بقول المدى الواسع للزمان والمكان ، هل مراده إطلاق الزمان والمكان ؟..
أما الشيخ إبراهيم القطان في تفسيره الميسر فيقول : (( إن معنى ( يؤمنون بالغيب ) هم الذين يصدقون بما غاب عنهم علمه ، كذات الله تعالى وملائكته والدار الآخرة وما فيها من بعث ونشور وحساب وجنة ونار )) ولا يتعرض الشيخ القطان للكيفية التي يتم بها هذا التصديق أهو دليل العقل أم بواسطة النقل ولا يكشف عن النقل الذي يصلح لتأسيس الإيمان بالغيب عليه ، أهو النقل المقطوع بصدقه أم المظنون بصدقه ؟ وإذا كان النقل المقطوع بصدقه أهو القطعي الدلالة أم الظني الدلالة ؟ وهكذا يتركنا الشيخ القطان مثل سابقيه في حيرتنا وبقاء تساؤلنا .
المفسرون كلهم مختلفون في تحديد معنى الغيب ، الذي مدح الله المؤمنين به فالكلمة عندهم تعني ذات الله والملائكة والجن والجزاء والخفي من الحوادث ، بسبب من الزمان أو المكان وهكذا لا يتحدد معنى كلمة الغيب من خلال المفسرين وتفاسيرهم ..
وعند العودة لقواميس اللغة علنا نجد ضالتنا بها ندرك منذ البداية أن مفاهيم كلمة الغيب في اللغة متعددة ، فالغيب في اللغة الشك وهذا أول معنى يطالعك في لسان العرب ، وهو كل ما غاب عنك وكل ما غاب عن العيون وان كان محصلا في القلوب والغيب ما غاب عن العيون محصلا في القلوب أو غير محصل ، والغيب ما بطن من الأمور وكل مكان لا يدرى ما فيه ، وكل ما بعد المكان المشاهد مما لا يعلم فهو غيب ، والغيب أيضا كل ما اخبر به النبي على جهة الإنباء مما لم يقع بعد ، ويمثل لسان العرب ( القاموس ) بأمثلة عديدة لمعنى الغيب موردا شواهد عليها. والنتيجة التي نصل إليها من لسان العرب ، هي أن كلمة الغيب ذات معنى نسبي فما هو غيب عندك هو مشهود عند غيرك ويصح العكس .
إن الإيمان بالغيب على مثل هذه الأحوال التي يعرضها المفسرون وأهل اللغة ، لا تحتاج لمثل هذا التوكيد الذي أورده القرآن الكريم ، فالقرآن أورد كلمة الغيب 48 مرة ، وغيبة مرة واحدة ، وعلام الغيوب 4 مرات ، وغائبة مرة واحدة ، وغائبين 3 مرات .
ولو أخذنا بأقوال المفسرين وعلماء اللغة في معنى الغيب ، لوجدنا أن كل إنسان يؤمن بالغيب على هذه الصورة أو تلك ، يستوي بذلك الملحد والمؤمن والعلماني والمتدين المؤمن بالإسلام والكافر به .
لقد طلع من يقول أو يدعي انه إذ يؤمن بالغيب ، فإن بإمكانه أن يدخل ( الإيمان بالغيب ، في حسابات المعركة وهو يقصد طبعا أن بإمكانه الإنباء عن إن مستقبل المعركة بين المسلمين وأعدائهم ، خاصة اليهود محسوم بأنه لصالح المسلمين لأنه اكتشف الغيب من خلال قراءته للقرآن الكريم ، ووجدنا من يقول إن الخلافة الراشدة آتية .. لا ريب في ذلك لقولـه تعـــالى (( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ )) (التوبة: من ألآية) . بل ويجعلها الشيعة هي دليلهم على المهدي المنتظر ورأينا من يدعي أننا فاتحون لروما ولا بد أن الرسول صلوات الله عليه أنبأ بأن المسلمين سيفتحون روما بعد القسطنطينية وعلمنا وسمعنا فتوى تقول في تبرير معاونة العرب الأعراب للكافرين الحاقدين على المسلمين ، المتجمعين لضرب القوة التي امتلكها العراق ، ولمنع التغيير في الخارطة السياسية ، تقول الفتوى أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( إنكم تصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون انتم وهم عدوا من ورائكم فتنتصرون وتغنمون )) انظر فتوى ابن باز بصفته الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية برقم 362/1هـ تاريخ 29/1/1411هـ وفق 21/9/1990 فهل مثل هذه الترهات و الخزعبلات هي الإيمان بالغيب الذي مدح الله المؤمنين به ، وهي تحوي من النكارة ما تحوي ، فبديلا عن إثارة الهمم للعمل الجدي لمقابلة العدو تروج له البقاء بقدر الله ، وتروج لمعاونة الكفار بإذن من الله وتدغدغ المقهورين بحلم النصر الموجود في رحم الغيب ،إنها الكارثة !
اختص الله بعلم الغيب نفسه وهو يأتي بالقرآن تمدحا لذات الله فلا مجال للقول بأن خلقه يشاركونه في العلم هذا ، مهما كانوا ، أنبياء او ملائكة أنسا أو جنا صالحين أو مفسدين سحرة أو كهانا أو شياطين الجن والإنس ، علماء أو جهلة من عامة الناس أو خاصتهم فالغيب معلوم له تعالى بخلاف خلقه الموجودين في قيود الزمان والمكان المخلوقين فالخالق من العدم هو الله (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً )) (الجـن:26- 28).
رغم أن سورة الجن بالتحديد ، بينت بوضوح أن الله : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) (الجـن:26) ، لإثبات النفي القاطع ( أن لا احد يعلم الغيب إلا الله ) ، إذ الجن عند الناس مظنة علم الغيب وهما لا حقيقة ، إلا أن هذه الصيغة القاطعة لا تلفت نظرهم ، ولا يلتفتون إلى النكتة البلاغية في كون هذا النفي ورد في سورة الجن ، ويلتفتون إلى الاستثناء الوارد في آية أخرى نكتة بلاغية أخرى ، ودون التفات إليها فيقررون أن الله يطلع على الغيب رسله ، مع أن الأصل أن نقول إن الله عالم الغيب ولا يطلع على غيبه أحدا ، ويطلع قليلا رسله على قليل من الغيب ، حفظا لهم وتمكينا لهم من إبلاغ الرسالة ، هذا ما يفهم من الآيات الثلاث المتتابعة في سورة الجن .
القرآن الكريم يركز تركيزا قويا ومؤثرا على اختصاص الله بعلم الغيب ، فكيف يدعى أهل الشعوذات المرتكزة إلى الميثولوجيا أو المرتكزة إلى السحر أو المرتكزة إلى الجن أنهم يعلمون غيبا ، والغيب كل ما غاب عن الإنسان بسبب من حاجب الزمان أو المكان ، أو الدقة أو اللطف أو البعد أو كونه لا يزال في العدم والإنسان لا يستطيع أن يعلم هذه المغيبات إلا بزوال الأسباب التي تجعلها غيبا فالدقة تحتاج إلى المكبر ، وهي لا تكون إلا بالأجسام ، والبعد يحتاج إلى المقرب وهذه لا تكون إلا بالأجسام وهكذا في سائر المغيبات وكل من يدعي انه يعلم غيبا مع بقاء الحاجب ، إنما يدعي مستحيلا ويقول بهتانا .
قد يدعي المدعي انه لا يعلم الغيب وإنما يعلم الإخبار عن الغيب كما ورد على لسان محمد صلوات الله عليه بوحي من ربه الذي هو عالم الغيب ، ونحن لا ننكر أن الحق جل جلاله يطلع رسله على بعض الغيب ، ولكن هذا الغيب مقيّد تماما بالقلة من جهة ، وبكونه من القصص أي حوادث ماضية فيها نفع للناس أو مما ينفع الرسول إثناء رسالته كمعجزة أو كتأييد ، أو الإخبار بالجزاء على وجه يبعث الشوق للجنة والخوف من النار .
وهذه الإخبار لا تأتي من خلال نص غير مقطوع به انه من الله تعالى ، لأن مثل هذه الإخبار تحتاج إلى التصديق الجازم ، وإلا تحولت إلى ظن لا يغني عن الحق شيئا ، ولهذا فإن الأخبار التي يرويها الرواة المحدثون عن ماض أو مستقبل ، ويزعمون أن الرسول قالها ، ويؤكدون أن الرسول قالها بدعوى مفادها نقل العدل الضابط مع اتصال السند وخلوه من الشذوذ والعلة ، فإن كل هذه المستندات لا قيمة لها ، ولا وزن له أمام التوحيد والعدل والنص القرآني والمعقول الحسي .
ولله در الشاعر الحنفي – أي علي الحنيفة دين إبراهيم عليه السلام – زهير بن أبي سلمى إذ يقول :
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم
يقصد أن الإنسان يعلم الحاضر الذي يعيش فيه ، والماضي الذي مرّ عليه ولكنه عاجز كل العجز عن معرفة ما في الغد من حوادث وأمور . إلا على وجه الظن والمعتاد مع عدم القطع لجواز أن يمنعه مانع .
إن علم الإنسان بالحوادث والأشياء مشروط بزوال الموانع ، وأما علم الحق جل جلاله فلا يخضع لأية شروط ، مكانية أو زمانية أو وصفية دقة ولطفا وبعدا وعدما ، والمقصود بالعدم الصفة الوجودية ، فالشروط الموضوعية للعلم الإنساني لا تجوز بحق علم الله إذ هو عالم بذاته لا بعلم زائد عن ذاته علم الله هو علم الإحاطة علم لا يحتاج لمعلوم ولا لشروط ولا لحاسة ولا يقبل التجزئة أو الزيادة أو النقصان أو النسيان .
فالإيمان بالغيب هو إيمان يقع الحس على مدلوله . وهو أن ما نعلمه ونعرفه لا يساوي قطرة من بحر المعلومات بل من بحورها اللامحدودة فكم من عوالم وأشياء وحوادث مضت أو آتية لا نعلمها لأنها غيب عنّا ، ولكن الحكيم الخبير العليم يعلمها على الإحاطة ، ليس شيئا منها قبل شيء وليس شيئا بعد شيء انه العلم المحيط بالغيب .
هذا معنى الإيمان للغيب أي إيمان بغيب يعلمه عالم الغيب والشهادة علاّم الغيوب فالإيمان بالغيب ليس إيمانا بالإلوهية ، لحضور وصف وجود اله حاضر بكل الكون وبكل الإنسانية وبكل أنواع الحياة ، بالكون والإنسان والحياة واقع محسوس وليس واقعا مغيبا والإيمان بالغيب ليس إيمانا بما أعلمناه إياه الحكيم الخبير في محكم قرآنه ، لأننا نعلم وجود الملائكة والجن والجزاء على الوصف الذي جاء بالقرآن وليس إيمانا بقدر الله أي الخاصيات التي قدرها الله في الأشياء لأننا نعلمها حسا ونستعمله في حياتنا .
إن الإيمان بالغيب إيمان بفيومية الله وعلمه المحيط بكل الحوادث والأشياء والوجود وهو إيمان يؤدي إلى أن الله لا تخفى عليه خافية ، ومن شأن هذا الإيمان وجود التقوى في السر والعلن ، في الظاهر والباطن ، وهنا يكمن البعد الحضاري للايمان بالغيب (( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) (النمل:75) .
القرآن الكريم
(( أسس الاستدلال به ))
لا يمكن الاستدلال بالقرآن الكريم على أي من الدلالات ، التي يدل عليها سواء أكانت : أمرا ؛ أو نهيا ؛ أو خبرا ، على أنها حق ، ما لم نستدل على أن القرآن الكريم هو كلام الله العدل ، أي أن القرآن من لدن العليم الخبير المنـزه عن فعل الشر والظلم ، وبالتالي فان الله العدل لا يفعل القبيح ، ولا يظهر المعجز إلا لصادق ، برهان صدقه في رسالته ، فالمعجز خاص بالرسول دون غيره ، والقائلون بأن الإعجاز يظهر على حالات هي : برهان صدق الصادق ، وكرامة للولي ، واستدراج للكاذب ، وقدرة تمكين في الساحر بمعرفته علم السحر ، وقدرة مخلوقة في عالم الجن يظهرونـها لمن حصل على شروط إعانتهم : فكافر الجن يعين شياطين الإنس والكفار ، ومؤمن الجن يعين الأتقياء والمؤمنين . فإن مثل هذه الأقوال تجعل النبوة كلها في مهب الريح فكل معجز لنبي يمكن تعقبه : بأنه ليس لإثبات نبوته ،بل يمكن أن يكون لصلاحه وولايته ، ويمكن أن يكون لقدرته على السحر ، ويمكن أن يكون لشدة عداوته للحق ، ويمكن أن يكون لان عالم الجن أعانه عليه ، فكيف يمكن إثبات نبوة مع هذه الدعاوى ؟!
إن الذين يقولون بان المعجزة يظهرها الله لغير النبي ، لا يقدرون على بناء إيمانهم على غير التسليم ، وبـهذا يفقدون القرآن الكريم خصيصته التي انفرد بـها ، وهي ظهور إعجازه ووضوحه على مر الزمان ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وتفريقهم بين المعجزة والولاية والاستدراج ، ليس تفريقا موضوعيا ، فالثلاثة متفقة بأنه خرق للنظام الكوني ، والتفريق عندهم إنما هو صفة من تمت على يديه ، وبناء على دعواه ، ولو سلمنا لهم جدلا : إن الولي لا يدع ذلك ، فإن الكافر والساحر وشياطين الجن يدّعون ذلك ، ورب العزة قد نبّه إلى أن الكافر يدعي أنه في محل القدرة على ذلك ، ليقدم البرهان على تكذيب النبي في دعواه ، فالله يقول ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258) والشاهد في هذه الآية واضح جدا زعمه أنه قادر على الإحياء والإماتة ، والمراد ما هو في مقدور البشر من قتل الإحياء ، ووضع النطفة في البضع . أو بصفته صاحب سلطة قادر على تقديم سبب الحياة له . فقد جعل القدرة تلك دليلا على إبطال دعوى إبراهيم عليه السلام ؟ فكيف لو كان متمكنا فيما ليس في مقدور البشر بحال ؟! حسب دعوى أهل تلك المقولات !
ويقص القرآن الكريم علينا قصة أخرى ، هي قصة ألسامري ، وهم يستشهدون بها على الاستدراج ، وهي أن ألسامري اخرج لهم عجلا جسدا له خوار ، ومع أنه عجل ، وأنه جسد ، وأنه له خوار ، أي يحوز كل صفات النقص ، إلا أن قوم موسى ـ ونبوة موسى لم تزل حية غضة وهارون بينهم ـ عكفوا عليه !
وسواء أكان الفعل الذي فعله ألسامري أي إخراج عجل جسد له خوار ، على الحقيقة أي انه فعلا اوجد عجلا حيا ، فقد كانت حياته بقدرة الله وليست بقدرة ألسامري ، أو أن ألسامري أوجده جسدا ميتا وخواره بأن استعمل خصائص حصر الهواء وإخراجه بحيث يصبح صوت الهواء هو خارج ماثلا للخوار ، على سبيل المطابقة أو المقاربة ،فإنه في كلتا الحالتين لا يصح الاستدلال به على الاستدراج لأنه إن أوجده ألسامري حيا والآيات لا تصرح بذلك فإن الحياة جاءت إليه بقدرة الله على سبيل التعليم ، من أن الجسد والخوار وفعل الإنسان والمصنوع من الذهب والقابل للحرق والنسف لا يمكن أن يكون إلها ، وأن هذا التعليم جاء والنبي بينهم لأن التعليم إنما يقوم به النبي كل هذا لا يجعل لقضية ألسامري أية قيمة في زعم معجزة الاستدراج .
إن حدوث المعجزات لولي كرامة فلا دليل أو برهان عليها من عقل أو نص ، وكل ما يشاغبون به هو الأحوال التي تمت لمريم ، فالأحوال التي تمت لمريم إرهاص لنبي والإرهاصات للنبوة دل عليها الدليل ، أما وقد قد ختمت النبوة بسيد الخلق النبيين محمد صلوات الله عليه فلا دليل على مشاغبتهم إلا دعاوى دون المشاهدات لا يقوم بها العلم .
أما دعوى قدرة التمكين بسبب العلم بالسحر أو بسبب الاتصال بالجن من المؤمنين أو الكافرين فالدليل عليها أن السحر لا يحدث تغيرا بحقائق الأشياء وإنما السحر قدرة في جعل العيون تتخيل أو تتوهم رؤية ما لا واقع له وهذه من أنواع الأوهام والتخيلات وأما الاتصال بالجن فالقرآن يرفضه رفضا قاطعا حاسما فلا يمكن أن نراه ولا يمكن أن نسمعه ولا يمكن أن يعلم الغيب ولا يمكن أن يفعل ما هو اختصاص الله بالقدرة عليه .
على ذلك يمكن الاستدلال بالقرآن على ما يدل عليه ، إذا تحقق التوحيد والعدل عقلا والقرآن محتاج للعقل لإثبات أنه من الله ولا يمكن أن يثبت أنه من الله إلا بإثبات التوحيد والعدل عن طريق العقل ، وبدون ذلك يبقى الأمر مجرد دعوى لا برهان عليها .
إن برهان أن القرآن معجزة والمعجز لا يؤيد بها الله العدل إلا النبي ، برهان صدق نبوته ، ولهذا فإن إعجاز القرآن يستدل به على نبوة محمد صلوات الله عليه إنما هي ثابتة أنها حق ببرهان العقل وليس من ذات الخبر .
قراءة القرآن الكريم
الحمد لله على جزيل نعمه ، نعمة الخلق ونعمة الإرادة والسيادة ، سخر للانسان السماء والأرض ، وجعله خليفة ، وبعث الأنبياء وختمهم بالمصطفى صلوات الله وسلامه عليه لهداية البشرية ، علمنا كرما منه تعالى ما فيه صلاحنا مدونة بالكتب السماوية لتنتهي الى القرآن الكريم الناسخ لها والمبين لكل شئ أنزله بالحق وبالحق نزل تنزيل من عزيز حكيم بلسان عربي مبين .
وقراءة القرآن فرض على كل مسلم لقوله تعالى (( فاقرؤوا ما تيسر من القرآن )) وتلاوته فوق كونها فرض فهي جلاء للقلب ، وغذاء للعقل ، وتهذيب للنفس وشفاء لما في الصدور ، وهداية الى الطريق وفرج من كل ضيق ، ما احوج كل مسلم اليه يرطب جفاف روحه بندى من آيات الله ويفرج ازماته بهدى كتاب الله ويبارك عمره ويزكيه ويعينه حين لا يجد المعين .
وتلاو القرآن وتدبره هي قمة الفروض والمؤمنون الداعين الى النهضة على أساس الاسلام اكثر احتياجا لتلاوته وافقرهم الى مدارسته وتدبر آياته اليس الله يقول (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) ويقول (( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا كبيرا )) ويقول (( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) ويقول (( وأمرت أن أكون من المسلمين وأن اتلو القرآن )) ويقول (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )) ويقول (( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون )) ويقول (( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )) وينعى على الذين لا يتعايشون مع القرآن (( أفلا يتدبرون القرآن على أم على قلوب أقفالها )).
والمسلمون اليوم وقد تثاقلوا الى الأرض رضوا بالحياة الدنيا عن الآخرة ولم يوحدوا بين الحياتين همهم التكاثر فهانوا أمام الاقوام الاخرى ، انهم بحاجة الى القرآن ليخشعوا من خشية الله والزم لهم هدى القرآن وتذكير القرآن وبشارة القرآن وهل غير القرآن ما يجعل الايمان حيا في نفوسهم حين غفلتهم وهل غير القرآن ما يجدد عزمهم ويقوي ايمانهم وهل غير القرآن يمكن أن يمدهم بأصدق الافكار واعلى القوى الا وهي القوة الروحية فيجعلهم خلقا آخر يصلح عوج الحياة لا يلفتهم عن ذلك شدائد او ازمات او ليس القرآن زاد المؤمنين وهداية الحائرين وتنبيه للغافلين ؟ اليس القرآن هو معالم الدرب وزاد الطريق ؟ فليكن القرآن الكريم موضع التلاوة والدراسة والتدبر والدليل الى العمل ، والمنبع الأول للثقافة ، ليكون الدليل الوحيد في متاهات الدروب ، والمصدر الاصلي للمذخور الروحي ، ولقوة الفكر ، سلاح المؤمنين الوحيد في خوض معركة الحياة ، بالرجوع اليه تستقيم الحياة وبدونه تعوج الحياة .
ان الذي يعيش مع القرآن تلاوة وتدبرا يرتفع علوا وسموا ليبصر بالبصيرة الجاهلية التي تموج في الارض من اهتمامات صغيرة هزيلة ،غافلين عن نداء القرآن العلوي يعيشون في المستنقع الآسن والدرك الهابط ، وفي بيوتهم مرتع زكي ومرتقى سام ونور وضئ .
فما بال المسلمين اليوم يقرآون القرآن تحسبه لهم وهو عليهم تراهم لا تهزهم آيات الله شوقا الى الجنة ، الجنة التي أعدها الله لاهل طاعته فيها النعيم المقيم لا يمكن ان يتصوره حس بشر ولا يثار لديهم الخوف من النار التي اعدها الله لاهل معصيته .
ان القرآن الكريم منهاج عمل فمن قرأه ولم يعمل به كان حجة عليه ومن تدبره ولم يحمل دعوته كان حجة عليه ان الايمان والعمل صنوان لا ينفكان وان الوسع والطاقة لم تترك لتقدير البشر فما آتى به القرآن فهو الوسع والطاقة .
إن أولى خطوات لاسير في معارج الرقي هو فهم القرآن وتدبر القرآن ، منه تستمد قواعد التصور ، وبه نفهم منهاج العمل ، وبالالتزام به تتحدد الأهداف ، كذلك لغاية واحدة هي نوال رضوان الله (( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر من ذلك هو الفوز العظيم )) .
إن الغاية هي الهدف النهائي أما الأهداف التي يسعى اليها القرآن الكريم فهي وجود جماعة انسانية مبصرة وبصيرة لتحقيق المهمة الانسانية للاستخلاف في الأرض في اعمارها وفي محاولة زوال الشقاء منها وتحقيق طمأنينة الحياة بالعدل كأعلى قيمة رفيعة يمكن أن يعيشها الانسان قال تعالى (( يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلوا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب )) .
نحو منهج لفهم القرآن الكريم
رأي في القراءات الشاذة للقرآن الكريم
يلجأ المفسرون والوعاظ والعلماء والدعاة الاسلاميين حين التعامل مع القرآن الكريم الى ذكر القراءات الاخرى للقرآن الكريم سواء تناولت هذه القراءة البناء الصرفي للكلمة او الحركة الاعرابية تارة لمجرد المعرفة و تارة لترجيح راي في التفسير ومرة لبيان مقدار معرفته للاخرين .
ان القرآن الكريم وهو كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لهداية المتقين وتنبيه الغافلين واقامة الدليل على المعرضين وبيان و ذكرى للذاكرين ينطق بالحق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فان الله رب العزة الحي القيوم قد تكفل بحفظ القرآن الكريم.
من التحوير والاندثار والضياع والتحريف فتهيأت له برعاية الله ان يصل للجيل تلو الجيل كما انزله الروح الامين على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتم به البشارة والنذارة والهداية والدعوة لا يمكن شرعا ان يتغير منه كلمة او تسقط منه حركة لا بدلالة العقل بل بدلالة الشرع وذلك في قول الله تعالى بالاية المحكمة من سورة الحجر الاية التاسعة ((انا نحن انزلنا الذكر وانا له لحافظون ))والمتمعن لهذه الاية الكريمة وما حوت من توكيد اثر توكيد توكيد ، النزول من الله وتوكيد الحفظ ذلك التوكيد ، الامر الذي ينبه الى ان القراءة التي وصلت الى المسلمين هي القراءة التي ارتضاها الله لنا فتكفل مجموع صحابة رسول الله الذين رضي الله عنهم على الجملة بان لايثبتوا أي قراءة شاذة ولا قيمة لما يذكر عن قراءات اخرى لاخرين ،لان هذه القراءة هي التي اجمع عليها الصحابة الكرام عندما تعددت القراءات في خلافة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل ان تطل الفتنة براسها ولا شك ان ذلك العمل الجليل من الخليفة الثالث الذي تم على مراى وعلم من الصحابة بل باشره خيار الصحابة لهو توفيق من الله ولطف للامة وحرص من عثمان ، فأيده الامام علي بن ابي طالب وبقية الصحابة وفيهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص وغيرهم على ان يصل القرآن الكريم للاجيال المتعاقبة كما نزل لتتمكن الاجيال الآتية من اتمام النور بحمله للبشرية القاصي منه والداني ولهذا لا قيمة لكل قراءة كانت ما كانت غير ما وصل لنا منقولا والله متم نوره ولو كره الكافرون .
ان دعوى القراءات السبع والتي عجز الباحثون عن تحديد ماهيتها فان الدارس لواقعها وبيان السماح بها يدرك انها رخصة وليست عزيمة .
ان النص الظني وهو نص مشتهر حول القراءات السبع يقول : اتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان الله يأمرك ان تقرأ امتك القرآن على حرف فقال : اسأل الله معافاته ومغفرته وان امتي لا تطيق ذلك ويفهم ان الامر رخصة وانتهت رواية الترمذي بالقول : (يا جبريل اني بعثت الى امة امية منهم العجوز والشيخ والكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط) .
المنافقون
يجمع العلماء والمفكرون المسلمون – قدامى ومحدثون – علماء تفسير او فقه او سير اوتاريخ بل وعلماء اللغة العربية على ان المنافقين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر وبعللون وجود ظاهرة المنافقين التي بدأت بالمدينة المنورة بتغير وضع المسلمين الى القوة والسيطرة والنفوذ الامر الذي دعا بعض من ظلت نزعة الفقر تغلبهم ان يتظاهروا بالدخول في الاسلام مع بقائهم في الحقيقة على ما يعتقدون ويؤيدون اقوالهم بالآيات الكثيرة – التي تذكرهم تلميحا وتصريحا والتي لا تخلو منها سورة مدنية .
ان ذلك التعريف وهذا التعليل يتهاويان أمام قراءة جادة وموضوعية للآيات نفسها دراسة الزعم بان المسلمين تغيرت حالهم من الضعف الى القوة والسيطرة والنفوذ بقراءة واقع المسلمين والاسترشاد بالآيات المتعلقة بمعركة بدر في سورة الانفال ومعركة احد في سورة آل عمران ومعركة الخندق في سورة الاحزاب ومعركة العسرة يوم حنين في سورة التوبة .
لقد فطن هؤلاء العلماء والمفكرون منذ البداية الى ان مجموع الآيات لا تسعفهم للوصوال الى نتائج دراستهما فقالوا بضربين من النفاق نفاق الاعتقاد ونفاق العمل بسب ملاحظتهم اثناء دراسة آيات المنافقين وصفهم بالخداع وتسرب المرض الى قلوبهم وتأخيهم مع الكفار ومصيرهم هـم و الكفار الى نار جهنم ولذلك استبعد العلماء والمفكرون ان يكون معتقدهم صحيحا بينما مصيرهم الى النار استنادا الى نجاة المؤمنين الصادقين من العذاب وعرض المؤمنين اصحاب الذنوب الى الحساب لما هو واضح في آيات القرآن الكريم واحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتعرض لهذا الموضوع .
ان هذا الاساس في الفهم خاطئ كل الخطأ ذلك ان الايمان الاسلامي ليس ايمانا بنظرية تنفصل فيها الفكرة عن العمل بل السمة الرئيسية للايمان الاسلامي ان الفكرة تشكل قاعدة للاسلام بشموليته وهي قاعدة للكل الاسلامي وليست هي الكل الاسلامي والكل الاسلامي ليس بمعرفة جامدة بل هو عمل دائب ينبثق عن الفكرة الاسلامية ويبنى عليها . فالعمل الاسلامي والعمل للاسلام هو الدليل الوحيد على صدق المعتقد وكذبه .
في تتبع آيات المعارك المتلاحقة التي كان احد اطرافها المسلمين في المدينة بعد ان اصبحوا في وضع آخر غير وضع مكة والذي عللت به وجود ظاهرة النفاق يتبن بكل وضوح التناقض الواضح بين قوة المسلمين المدعى بها وواقعهم في هذه المعارك ففي معركة بدر مثلا نقرأ في سورة الانفال (( وان فريقا من المؤمنين لكارهون ))(( كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون )) (( وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم )) (( واني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )) (( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب )) فهذه الآيات من سورة الانفال تعطي الصورة الحقيقة لقوة المسلمين الظاهرة من حيث تعدد العدد والعدة .
أما في معركة احد فإن الآيات من 124-174 من سورة آل عمران تكشف لنا مدى قوة المسلمين فرغم امداد الله لهم بخمسة الاف من الملائكة وانتصارهم بعد ان اهتبل خالد بن الوليد ترك الرماة لمؤخرة الجيش فأخذهم على حين غرة من الخلف .
تأتي بعد ذلك معركة الخندق ويكفي للدلالة على ضعف قوة المسلمين الاشارة الى جزء من الآية 13 من سورة الاحزاب (( ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا )) .
وفي سورة التوبة وهي الفاضحة لمواقف بعض المؤمنين في حالة ضعفهم والمنافقين وقد اعتراهم الخور وظهرت حقيقتهم المهزومة من رؤيتهم للمسلمين وهم قلة يبادرون الى السير الى حدود الشام لملاقاة اكبر دولة آنذاك وقد سمعوا انها تحركت للقضاء على تلك الدولة الاسلامية الناشئة .
هذه الحقائق وهي آيات في القرآن الكريم تقوض أي تعليل يعلل ظاهرة النفاق بقوة المسلمين .
لقد تحقق للمسلمين انتصارات رائعة كانت على خلاف المقدمات لقد حالفهم النصر ولكن ليس بقوتهم الظاهرة بل بقوة الايمان الكامنة في نفوس القلة الرائعة من اصحاب رسول الله وبقيادته فاستحقوا بهذا الموقف الايماني الفريد مدد الله وتأييده وعونه ، فيكون النصر لمؤمنين لطفا لا فعلا إذ الفعل من المقاتلين .
مثل هذه القوة لا يمكن بأية حال ان يدركها المنافقون ولهذه الحقائق تنهار الحجة في تعليل ظاهرة النفاق بأنها قوة المسلمين .
إن العطاء هو الذي كشف ظاهرة النفاق فلقد دخل في الاسلام جمع من الناس وهم مسلمون يشهدون شهادة الاسلام ولكن تلك الشهادة لم تستقر في القلب وان وجدت بالعقل اي لم تحدث سيطرة المفاهيم على الميول وبالتالي لم يستطيعوا ان يقدموا العطاء الذي طلبه الاسلام منهم ولنتعايش مع القرآن الكريم وهو يكشف قلة العطاء سواء في النفس أو المال .
(( وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا )) 167 آل عمران
(( الأعراب أشد كفرا ونفاقا واجدر ألا يعلموا حدود ما انزل الله )) 97 التوبة .
(( ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم )) 143النساء .
(( ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم )) 24 الاحزاب .
(( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه )) 77 التوبة .
(( الم تر الى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا )) 11 الحشر .
(( نسوا الله فنسيهم ان المنافقين هم الفاسقون )) 67التوبة .
(( وإذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا )) 61 النساء .
(( بشر المنافقين بأن لهم عذابا اليما )) 138
(( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة )) 46 التوبة .
(( انكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين )) 83
(( فرح المخلفون بمقعدهم خلا ف رسول الله )) 81 التوبة .
(( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون )) 87 التوبه .
(( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون )) 93 التوبة .
(( سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا )) 11 الفتح .
(( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله )) 12 التوبة .
(( قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم أولي بأس شديد )) 16 الفتح
(( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة )) 42 التوبة .
(( إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله )) 1 المنافقون .
إن قراءة جادة لهذه الآيات وقراءة سورة التوبة تري ، بلا غبش أو غموض أو إبهام أن أهل النفاق هم من جافى فعلهم قولهم فهم مسلمون حقا لكنهم لم يكونوا في مستوى تكاليف الاسلام ولهذا فهم يعملون من تكاليف الاسلام ما كان لا يكلفهم معاناة أو مشقة في انفسهم ولا يكلفهم الإنفاق لمالهم هذه هي صفتهم ولا صفة أخرى لهم انهم مسلمون ولكنهم يتعاملون مع القرآن تماما كمن يدخل لمحل نوفوتيه فينتقي ما راق له من ذلك المحل ولهذا فهم يعملون بالاحكام التي لا تكلف جهدا ويتركون ما عدا ذلك ويزعمون بعد ذك أنهم مؤمنون !
لديهم الخوف غريزة فخوفهم من غير الله اكثر من خوفهم من الله .
لديهم مباشرة العمل التجاري اهم من حمل الدعوة للاسلام .
لديهم المال والعمل بإكثاره بطريق حلال للمتحرزين أهم من العمل لإقامة حكم الاسلام .
لديهم الحياة الدنيا (( الدور والعقار والفراش )) أهم من العمل لللآخرة .
الايمان فكرة والعمل تخير والخوف حاصل والامتناع عن تجنيد المال في سبيل الله مظلمة ،(( أفلم يؤد حق الله وهي الزكاة ))فهل هؤلا مسلمون ؟!
إن ظاهرة النفاق كانت ولا زالت اشد الظواهر خطرا على الاسلام فهم ولائهم داخل الكينونة العضوية للمسلمين فعندما يهم المؤمنون بالحركة ترى المنافقين يستاذنون بعدم الحركة ويختلقون الاعذار (( ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ))
تشتد آيات الله على المنافقين كثيرا لانهم من المسلمين ولكنهم يشكلون ثغرة كبيرة وجيبا خطرا اثناء آداء المسلمين لاسلامهم فكان لا بد من علاج حاسم فكان هذا الفضح المثير لنفسياتهم وسلوكهم ففيهما أي في النفسية والسلوك يكمن الاعوجاج .
إن وضوح مسؤولية المسلمين عن البشرية المنكودة لم يكن واضحا بنفس الدرجة لكل المسلمين وخاصة حديثي العهد بالايمان والمؤلفة قلوبهم وضعاف القلوب والمتخوفين على انفسهم واموالهم ومصالحهم والمتقاعسين عن الافضلية والسبق من هؤلاء تشكلت طبقة المنافقين على تفاوت في درجة النفاق الذي قد يكون يضعهم في صف الكفر أو في صف المحاسبين او التائبين ومثل هؤلاء الناس (( المنافقون )) يقل تواجدهم أمام المسؤوليات العادية ويكثر عددهم في المسؤوليات الكبيرة .
سورة التوبة والتي رسمت العلاقات النهائية مع وثنيي الجزيرة العربية ومع اهل الكتاب بشكل قاطع حاسم واستغرق بناء هذه العلاقة الآيات من1-37 لكن الآيات من 38-129 أي نهاية السورة وهي السورة التي نزلت في السنة التاسعة للهجرة عالجت موضوع المنافقين مهما كان سبب هذا النفاق بشكل يجعل الانسان الذي لديه الايمان القوي يتخوف على نفسه ان يكون في موقف ما منهم وقصة الثلاثة الذين خلفوا خير مثال على ذلك .
إن النفاق ليس ابطان كفر واعلان اسلام بل هو اعلان الاسلام ودخول الاسلام واعتقاد الايمان الإسلامي والتأخر عن عدم العمل لله سواء أكان العمل يقتضي بيع النفس او بيع المال او بيعهما معا وسواء اكان العمل للاسلام بحمل الدعوة اليه باللسان او بالسيف اما ان أضيف الى ذلك موالاة أعداء الاسلام او الوقوف ضد الاسلام بالقوة واللسان فليس ذلك النفاق بل هو الكفر كله ، (( المقصود الكفر العملي )) .
ان الاموال والاولاد نعمة يسبغها الله على عباده حين يوفق الى شكر المنعم عليه بهما فيتوجه بهما الى الله بانفاق المال في سبيل الله وتهيئة الاولاد ومنذ الطفولة للقيام باعباء دعوة الله حين يبلغون القدرة وحين يصاب المؤمن بالمال او النفس او الاولاد احتسب ذلك كله لله تغمره سكينة النفس أليس ذلك ذخره ليوم الدين ؟ !
لكن الأموال والاولاد نقمة من اكبر النقم فالقلق على الأموال والأولاد والحرص على بقاء المال وحفظ البنين والبنات يحول الحياة الى جحيم ، الحرص على المال يؤرقه ويقلق اعصابه ينفق المال ليعود عليه بالأذى ويجمع المال ليعود عليه وعلى أولاده بالشر يشقى بالابناء والاموال .
(( فلاتعجبك اموالهم ولا اولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون )) .
اليس ذلك حريا ان يجعل المؤمن يعرض نفسه على هذا الصور التي لا يحبها الله حتى لا يكون على شاكلة هذه الصور ، الكفر العملي والنفاق والفسق والظلم والكذب والاجرام وكل هذه الصور الى النار حتى وان كانوا يشهدون شهادة المسلمين ويقومون بعبادة الله مع المسلمين ، ما لم يتوبوا في الدنيا ….
(( قل هذا سبيلي ادعوا الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين )) .
((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) آيه 9 سورة الحجر مكية
واذ كانت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام هي الرسالة الخاتمة وهي التامة والشاملة فلا نبي ولا رسالة بعد محمد عليه الصلاة والسلام فقد تكفل رب العزة بتدبيره ان يكون القرآن باقيا محفوظا من الاندثار والتبدل ، او يلبس بالباطل او يعتريه التحريف ، فالقرآن الكريم بتكفل الله هو رسالة الله الى الانسانية ، الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، فالقرآن قادر على ان يقود الناس اليوم الى الحق ، كما قاد الانسانية بالامس الى الحق .
ان الاجيال الاولى قرأت هذه الآية وآمنت بها ، ولكنها لم تتعايش معها لأن القرآن تنزل عليها ، فلم ينكشف لها المستقبل ، أما نحن اليوم وقد مرت القرون المتتالية نرى هذه الآية وقد تحققت على أرضية الواقع ، فلقد تقلبت على القرآن الكريم احوال وظروف وملابسات وعوامل واوضاع ، ولكن القرآن بقي هو القرآن لا تتبدل به كلمة ، إنه قدر الله الذي تكفل بحفظه وصيانته .
كشف حالة القرآن هذه عن قدرة تفوق قدرة وطاقة البشر ، إنها قدرة الله إنها أعظم وأكبر من كل التحديات التي مر بها القرآن الكريم خلال القرون المتوالية .
منذ الفتنة الكبرى والتي كان احد تبريراتها الزام الناس بقراءة واحدة ، من قبل الخليفة عثمان رضي الله عنه ، توالت الفتن وكثرت الفرق وطغى النزاع وتجبّر، فتن متوالية ، وفرق تظهر ودعوات وادعاءات تبرز، واحداث تموج موج البحر الغاضب ، وطلبت هذه الفرق وتلك الاهواء ، سند لها من القرآن و الحديث فأدخلت الحديث الموضوع ولم تقم بمثل هذا للقرآن الكريم ،لا بكلمة مكان كلمة ، ولا بجملة مكان جملة ، ولا بحرف مكان حرف ولا بزيادة او نقصان ، إنها آية الله لا غير تحفظ القرآن وترعى القرآن وتصون القرآن .
نعم كان هناك اختلا في فهم النصوص ، او اعطاء تأويل لها يخرجها عن معناها ، ومحاولة لي عنق نصوص القرآن لتوافق هذا الرأي أو تدحض ذاك الرأي ، ومع ان التعصب المقيت للرأي، جعلهم يزيدون في الحديث ويتأولون في نصوص القرآن بما لا تحمله اللغة ، الا أنهم لم يمدوا ايديهم لحرف من القرآن تبديلا او نقصا او زيادة ، حتى وان خرجت الفرقة بآرائها الى حد الكفر أو ادعت انها الناجية دون بقية المسلمين .
لقد بقيت نصوص القرآن عند كل الفرق كما أنزلها الله تعالى ، رغم تباين الفرق في الآراء ، فلم تحدث حدثا واحد في نصوص القرآن وبقي القرآن كما هو عند اهل السنة نفسه عند الدروز ليكون حجة الله الباقية والثابتة على كل تحريف او تأويل او سوء فهم في النصوص ، وبقيت النصوص نفسها سالمة من يد الانسان فتتجلى الآية موضوع البحث اصدق تجلي .
لقد كان الغزو الصليبي في ثوبه الجديد (( استعمار القرن التاسع عشر )) يطمح ان تعبث يد المسلمين في كتابهم ، ومع الضعف الشديد الذي لا زال المسلمون يعانونه حتى اليوم ، ضعفا في حماية النفس ، وفي حماية الايمان الاسلامي ، وفي حماية نظام الإسلام ، وأرض الإسلام وحماية الأعراض والأموال والأخلاق ، بل والعقول والادراك ، مع اعمال يد التغيير في اعراف المسلمين واحلال كل المنكرات في بلاد المسلمين ، ضعف في الايمان ، واهتزاز في صدق الافكار ، واضطراب في القيم والموازين ، وتغير في المفاهيم والمقاييس والقناعات ، فحل الانحلال محل الارتباط والالتزام ، وحل التعري محل الاحتشام ، وحلت الانتهازية محل الاستقامة ، والنفعية محل الحلال والحرام ، والجبن والتخاذل محل الشجاعة والاقدام ، فتحول المسلمون الى غثاء كغثاء السيل رغم كل ذلك بقي القرآن ثابتا على عوادي الزمان والمكان ، فلم يتبدل نص من نصوص القرآن أو يحرّف ، رغم تحرق الكفر وشدة رغبته في نوال هذه الامنية ولكن هيهات هيهات !..
لقد بذل اعداء الإسلام خلال القرون المتوالية كل ما يقدرون عليه للكيد لدين الإسلام قدروا على اعمال كثيرة ضد الإسلام فكان الوضع بالسنة ، وكان التزوير والتلفيق لتاريخ المسلمين ، وكان الاختراع لأحداث لم تكن وادخلوا اشخاصا في جسم المجتمع الاسلامي لتأدية ادوار المكر والخديعة للمسلمين ولدين الإسلام ، ومع قلب صور الاشخاص وتدمير المجتمع الاسلامي وافساد خصائص الناس ، الا انهم تولتهم الرهبة والعجز عن التعرض لكتاب رب العالمين رغم ان الظروف من حيث الظاهر مهيأة لهم ، والميدان مفتوح امامهم فليس من تفسير والحيلولة دونهم وما يريدون الا انه كتاب الله تولاه رب العزة برعايته وحفظه .
ان الكفر يأبى ان يرمي سلاحه مع ظهور ووضوح عدم قدرته على ان يحدث في القرآن ادنى تغيير، الا انه لجأ اخيرا للتشكيك بصحة القرآن الذي بين أيدينا ، وكعادته لا يستطيع ان يباشر الكفر فعله هذا بيده هو فقد عهد الى الذين يظهرون الحرص على الإسلام، ولكنهم مصابون بقلة التبصر وقصر النظر ، فاستهواهم اتهام الفرق الاخرى انها تشكك القرآن الكريم ، فعمدوا الى هذه الضلالة فأذاعوها مع انها لا اصل لها في الحقيقة ، والامر يحتاج الى بعض البيان .
أولا : لم يدع احد من الشيعة والخوارج والمرجئة او الاسماعيلية او غيرها ان بين ايديهم قرآنا غير القرآن ، الذي ألزم عثمان به سائر المسلمين ، مع مناظراتهم المتعددة لم يقل احد بوجود قرآن آخر لديهم .
ثانيا : ان الذين كتبوا من اهل السنة واشتهرت كتبهم حول اهل الفرق كتاب الفصل في الاهواء والملل والنحل لابن حزم المتوفي سنة 456هـ والملل والنحل للشهرستاني المتوفي سنة 548هـ وقبلهما الفرق بين الفرق لعبد القاهر طاهر البغدادي المتوفي سنة 429هـ ولم يدع احد من هؤلاء بوجود قرآن آخر بزيادة او بنقص عند الفرق رغم التحامل عليه وخاصة من البغدادي بحيث اخرجها عن الملة.
ثالثا : لم يظهر حتى هذا التاريخ لمثل هذه القرآن مخطوطة او طبعة رغم اندثار بعض الفرق واجتياح دول قامت لمثل هذه الفرق وانتقال اقوام او علماء من فرقة الى اخرى .
رابعا : ان شرح العقيدة الطحاوية والتي رآها الكثير من اهل السنة انها تمثل اعتقادهم والرد على التحريف ورغم تحقيقها وتهذيبها من عدة محققين إلا أنها لم تناقش او تشرح أي موضوع متعلق بادعاء زيادة او نقص في القرآن الكريم .
بعد هذه الامور الاربعة كيف قام ممن يظهر الحرص على الإسلام في ادعاء ان الشيعة تعتقد بأن القران الذي جاء به جبريل ليس هو القرآن المعروف ؟ معتمدا على ترهات قد تكون لاحد شواذ الشيعة او لاحد متحاملي اهل السنة.
ان هذا التلفيق والتزوير للتنفير من الشيعة ظاهرا لا يخدم في الحقيقة الا فكرة الكفر والكفار في اثارة التشكيك في القرآن الكريم لدى اهله وايراد نموذج لسورة مزعومة بمثل خط القرآن وبتلفيق واضح من بعض آيات القرآن على بعض يجعل اهل البصيرة يضحكون من سذاجة هذا العمل وسوء الصنعة ، فالكتب التي تزعم ان لدى الشيعة قرآنا لم تستطع ان توثق دعواها الا بتقول من اهل الدعايات المأجورة أو اصحاب العقول المقلدة فالقرآن الكريم هو القرآن الكريم عند جميع من يعد نفسه من المسلمين والدعاوي تفتقد البينة والاقوال الموجودة في الكافي تقول بوجود مصحف فاطمة ومصحف فاطمة مجرد دعوى وشتان بين القول بمصحف فاطمة والقول بأن القراآن الكريم تعرض للتحريف فالقرآن محفوظ بحفظ الله له .
ان معنى وجود مصحف لفاطمة لا يوجد فيه حرف من القرآن الكريم يعني وجود كلام بين دفتين اسمه مصحف فاطمة ومع عدم وجوده فإنه كما يقول الشيعة هو مجرد كتاب ملاحم لاخبار آل البيت المستقبلية وهو كتاب موضوع .
وقفة مع سورة التكاثر
الهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر (2 ) كلا سوف تعلمون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين (5 ) لترون الجحيم ( 6 ) ثم لترونها عين ايقين ( 7 ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) .
هذه السورة المكية ذات الآيات الثمانية خطاب للناس ، خطاب لا يحده مكان ولا زمان ما دام في الزمان والمكان الدنيوي اناس من خلق الله مكلفون بحمل اعباء دعوة الله والانسان في طبعه مفطور على فطرة الله وهي فطرة الشعور بالعجز - من شأن هذه الفطرة ان تكون محفزا للعقل للاستدلال والايمان بأن الانسان مثله مثل الكون الذي يعيش فيه مخلوقا لخالق ولو سار الانسان مع هذه الفطرة لادرك عقلا حقيقة هذه الدنيا التي تشده الى غير ما خلق له فالانسان من لدن ادم والى ان يرث اله الارض ومن عليها صاحب رسالة تصل الارض بالسماء وبدونها يفقد الانسان معنى انسانيته ومعنى استخلافه .
ان هذه السورة نداء لله العلوي للبشر لئلا يجعلوا التكاثر هو معنى وجودهم ولا بد من التفريق بين مفاهيم العمل للحصول على المال لاجل النفقة او طلب الدثور لاجل الانفاق فان هذين المفهومين ليسا موضوع السورة وانما موضوع السورة هو طلب المال لاجل المال فذلك الذي حصل على محل نوفوتيه يحقق له ربحا يزيد على نفقته وانفاقه فيتحقق له زيادة كمية في رأس المال سنة بعد اخرى وذاك الذي اشترى عقارا من ارض أو ابنية حققت له العيش الكريم وبدل من ان يشكر الله على نعمته فيكرس وقته او بعضه وما افاء الله عليه من نعمة المال في نشر الدعوة تراهما يكرسان كل جهدهما لزيادة كمية اخرى في مالهما ويجعلان حق الله في النفس والمال هو احكام العبادات ومشاعر الكهنوت ويتركان عامدين متعمدين ما عدا ذلك من الاحكام من جهد ببذل لاعلاء كلمة الله بالاتصال الحي في الناس لنشر افكار الإسلام الاساسية .
ان ذاك الشخص الذي جعل من ادارة شؤون ماله جل همه وجعل حمله للاسلام يدور حول مصلحته فلا رحلة ولا ترحال في سبيل الإسلام ونشر احكامه وافكاره بل الحل والترحال في سبيل صفقة شراء أو بيع افلا يكون فعلا ممن انطبق عليهم تهديد ووعيد هذه السورة .
ان القول الاعتباطي بأن حرمة التكاثر معللة بالالهاء هو عدم فهم مقصود لمعنى العلة فالعلة حتى تكون علة لا بد ان تكون وصفا ظاهرا منضبطا مناسبا غير قاصر دل الدليل الشرعي على انه الباعث على التشريع ، فالالهاء الذي تصدرت به السورة هو واقع التكاثر فما وجد تكاثر الا ووجد الهاء .
وبعد ....أيها السادة المخمورون بحمى التكاثر لماذا لم يكن المال عونا لكم على حمل دعوة الله ألم تعلموا يقينا أنه لا بد من زيارة المقابر أي موتكم فماذا تنتظرون من ما لكم الكثير بعد الموت ، عودوا واكثروا من قراءة هذه السورة بتدبر .
قال الله تعالى في موضع التنديدعلى العاملين لجمع المال ونقله من كونه وسيلة الحياة والعيش الى غايـة للحياة (( وتحبون المال حبا جما )) .
التفكير بالعيش والفكر الاساسي
التفكير بالعيش تفكير ضروري ، وليس تفكيرا اساسيا ، معنى أنه ضروري أي أنه لازم، وهو وضع لا يمكن الانفكاك عنه لاستمرار الحياة ، فلا حياة بلا طعام يشبع جوع المعدة ، ولا حياة بلا لباس يستر السوءة ، ويغطي العورة ، ويقي الجسم شدة الحر وبرد القر ، ولا حياة بلا سكن يأوي من الضواري ويحفظ به نفسه واسرته ورزقه ، وملابسه وفراشه ومتاعه ….
من لوازم التفكير بالعيش التفكير في الصحة ،لان المرض يهدد الحياة ،اذ يحدث الالم في الجسم ، والتعطيل عن مباشرة الاعمال الضرورية للعيش ،والتفكير بالأمن مهم لحياة الانسان ،لاحتياجه لحياة آمنة على نفسه وماله .
إن التفكير بالعيش تفكير فردي ،يرتفع للتفكير في أسرته من زوج وولد ،وقد يرتفع الى من لهم صلة رحم به من أصول وفروع وعصبة وقرابة ،ومثل هذا التفكير الذي ارتفع قليلا عن الذات ،سببه العيش الجماعي أو ما يعبر عنه بعيش القطيع .
إن التفكير بالعيش ضروري وخطير في آن واحد ،ضرورة التفكير بالعيش من الوضوح بحيث لا حاجة لشرح ،فالعيش هو الحفاظ على الحياة ،وصيانتها واستمرارها،إن التفكير بالعيش مع غياب التفكير الأساسي يؤدي إلى الصراع على الرغيف ،آكله أنا،أم أنت!؟ والرغيف كما يعبر عن حاجة الضرورة فإنه يعبر أيضا عن صورة بشعة هي حياة الترف .
من شأن جعل ترف الحياة مطلبا ،هو عودة بالإنسانية إلى مجتمع الوحوش الضارية ،بل إلى ما هو أكثر ضراوة ،فالوحوش ليس لـها حاجة للمتاع واللباس والفراش والزينة والتفاخر بالأموال والأولاد ،وليس لديها مفاهيم الحياة المدنية الراقية المتعددة المطالب ،ولا تعرف مفاهيم الاختزان والادخار والكنـز والتكاثر والاحتكار والغش والتدليس ،ولا تتحالف جماعتان أو أكثر ضد جماعة أخرى ،فمجتمع الوحوش لا يمكنه الاتفاق على حلف، مثلا بين اسود غابتين ضد اسود غابة ثالثة ،أو في مواجهة النمور ضد الثعابين .
من المعلوم أن المجتمعات الإنسانية في محل القدرة على عقد التحالفات ضد مجموعة إنسانية أخرى ، وهذا يظهر خطر الاقتصار على التفكير بالعيش ، وما الاندفاع الهمجي لمن يمتلك القوة لقتل البشر وسوق النساء والأطفال عبيدا ومعاملة الجماعة الإنسانية المهزومة بصورة وحشية وتدمير منجزات تلك الأمة التراثية والفكرية والعمرانية ،إلا مظهرا من مظاهر جعل التفكير بالعيش هو التفكير الأساسي ،وبذلك تظهر خطورته واضحة جلية .
وما الاستعمار الكوليونالي(Colonialism)فالاستعمار الامبريالي(Imberialism)ثم عصبة الأمم ثم هيئة الأمم(UN)وكل من تلك الجماعتين الدوليتين قامتا باقتراح الولايات المتحدة لتمكين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة من إحكام السيطرة على العالم طلبا للمنافع الاقتصادية ،أما النظام العالمي القديم الجديد فهو نظام هيمنة وسيطرة محكمة للمجموعة الأمريكية ،الولايات المتحد وكندا مع الشركاء الغربيين وهي مجموعة استعلائية رومانية ضد العالم النامي كل ذلك لتحكم فكر العيش في تلك المجموعة المهيمنة على العالم .
إن الفكر السياسي أي فكر الرعاية للإنسانية بعد تحديد الفكر الأساسي هو الذي يجب أن يقود الحياة ومنها تنظيم العيش وتوزيع الثروة ،ومن المؤسف والمؤلم والمضحك والمبكي معا إن العالم الثالث انخدع في مقولات وتحركات العالم الغربي فانصب تفكيره على العيش ،فوقع صريعا تحاصره أزمة المديونية وتخنق أنفاسه ،وتحول قراره السياسي إلى قرار تابع للهيمنة الأمريكية وما تغير نظرة الناس ((أكثر الناس))في العالم العربي والإسلامي نحو إسرائيل بمقدار180 إلا صورة توضح التغير ،فبعد أن كانت إسرائيل كيانا خطرا له طبيعة سياسية ،وانه جسر الاستعمار الغربي ورأس حربته ،تحولت النظرة إلى إسرائيل بأنها دولة مشروعة ،والتعاون معها في مشاريع الزراعة والسياحة والتجارة من شأنه تحسين الوضع الاقتصادي ، أي العيش ومعالجة البطالة والفقر والموازنة أي معالجة عجزها وتعديل الميزان التجاري وميزان المدفوعات ولن تكون تلك الأماني إلا سرابا وبرقا خلبا .
كبرت المأساة وتعظمت لان فكر العيش تحول إلى فكر أساسي فقاد فكر العيش السياسة فوقعت السياسة من عل مهيضة الجناح كسيرة القدمين. .
التفكير الأساسي هو تفكير في الكون والإنسان والحياة تفكير في سبب وجود الكون ونشأته(Cosmology) وفي مهمة الإنسان في هذا الكون (Humanity)والتفكير في كيفية حياته(Life way)وتفكير في بعثه بعد موته(Resurvection)أي تفكير يفسر الوجود من حيث الوجود والمهمة والحياة والبعث وبدون هذا التفكير لا يستطيع أن يقيم أساسا (Basic)يمكنه من المسير بدون هذا التفكير الأساسي تضطرب الأمور ولا تتحدد الأولويات ويصار بالحياة الإنسانية على غير هدى وبلا بصيرة .
الإنسان من حيث هو إنسان معنى بتفسير الحياة ومهتم بصنع الحياة على ضوء تفسيرها فالعلاقة بين التفسير والمسير ليست علاقة جدلية بل هي علاقة بنائية مستمرة صعدا .
لابد من بذل الجهد والوسع في المعرفة وتحول المعرفة إلى مفاهيم ومقاييس وقناعات وعلوم ، فتسير الحياة على عجلتيها : تسخير للأشياء ، وتسيير عدل لها ، فتتحقق طمأنينة الحياة للجنس الإنساني .
لقد حاول الإنسان من بداية وجوده تفسير الحياة ، وما يهم الآن هو إلقاء نظرة على التفسيرات السائدة على وجه الكرة الأرضية ، إذ هي مولدة شقاء الإنسانية والتفسيرات الموجودة الآن هي :
1- تفسير الحياة بأنها الحريات
2- التفسير المادي للحياة
3- التفسير الوجودي
4- التفسير الروحي
هذه التفسيرات الأربعة كلها باطلة ، ويتم تسويقها للمجتمعات الإنسانية من خلال المغالطة ، وتمييع الحقائق ، وتغليفها بالغموض والإبـهام تارة عن عمد ، وبالعواطف والأماني في حالات أخرى .
1- تفسير الحياة بأنها الحريات :
لم يقدم أصحاب هذا التفسير تفسيرهم مصحوبا ببرهانه، بل قدموه من خلال وهج الصناعات وإبراز المخترعات وتقديم التكنولوجيا ،وهذا ليس تفسيرا فكريا إنما هو في بحث مضمار تسخير خصائص الموجودات الكونية ،ولم يكن هذا التسخير في خدمة الإنسانية ،بل وظف في خدمة أهل النفوذ وطبقة أصحاب رؤوس الأموال ،فأنقسم العالم إلى عالمين عالم غني !!! غني من فرط غناه يقلق . وعالم فقير !!! فقير من شدة شقاه، وفقره يقول ليتني لم اخلق .
تلك الحريات أو بالحقيقة الحرية الوحيدة (حرية حركة رأس المال) لمصلحة من حرية حركة رأس المال ؟ !!! ولولا إن الولايات المتحدة روجت لنظام عالمي (عصبة الأمم ثم هيئة الأمم) لكانت العلاقة التي تحكم علاقات طبقة الرأسمالية هي الحروب الكونية ، أو حروب التحالفات ،والمسيرة الأوروبية منذ نهاية القرن الخامس عشر واكتشاف أمريكا تجلى فيها ما يلي ،إفناء الهنود الحمر ، جلب العبيد من سواحل إفريقيا قهرا وغلبة وقرصنة ،استعمار إفريقيا وجنوب شرق آسيا ،حروب الدول الأوربية نفسها ضد بعضها البعض وضد الدواة الإسلامية العثمانية ،إثارة النـزاعات العرقية والطائفية والدينية ، كل هذه المآسي تكشف الشقاء الذي وقع في العالم منذ تحكم أفكار المنافع والعيش من قبل تلك الإمبراطوريات الأوروبية ، لقد حملت الشقاء للعالم والهلاك والدمار والقتل والتدمير من خلال الاستعمار الكولونيالي ، فالاستعمار الامبريالي ، فالاستعمار عن طريق النظام العالمي القديم والجديد وكل ما فعله نظام هيئة الأمم هو توقف الحروب بين الإمبراطوريات الاستعمارية ، وتحويل العالم الثاني ( الاشتراكي سابقا ) والعالم الثالث إلى عالم في خدمة الشركة العالمية للهيمنة .
2- التفسير المادي للحياة ( الماركسية ) .
لقد فشل التفسير المادي للحياة ( الماركسية ) فشلا ذريعا في مباشرة نظام الحياة فالتفسير المادي يجعل الوجود المادي مصدرا لتفكيره ، لا موضعا لتفكيره ولذلك وقع منذ البداية في كبرى أخطائه ، الذي لا زال يعاني منها ، لقد ترتب على جعل الوجود المادي أساس تفكيره ، وإنكاره للتدين وتفسيره للقيم والأخلاق تفسيرا ماديا قسريا ، سقوطه سقوطا مفاجئا، إن التفكير المادي هو تفكير أوروبي بيئة وثقافة ، والدواعي إليه هي دواع أوروبية رأسمالية محضة ، إن الفكر المادي جاء لعلاج مساوئ الرأسمالية وطغيانها ـ في القرن التاسع عشر ـ، فالماركسية من حيث تكوينها هي فلسفة ألمانية ، وثورية فرنسية واقتصاد انجليزي .
لم يقدم حتى الآن تحليل فكري للأسباب التي جعلت الشيوعية الروسية تتحلل بسرعة مفاجئة ، ما قدمه الماركسيون تحليلات متسطحة أو تبريرات غير مقنعة ، أو حالة إدانة للشيوعية الروسية ، وجعلها مشجبا لتعليق الأخطاء الماركسية عليها ، مع إن علاقة الالتحام بين الفكر الماركسي والتطبيق الشيوعي الروسي من الوضوح بحيث يصبح إنكارا للحقائق الظاهرة الساطعة .
إن محاولة تبرير الماركسية نفسها بأن ليس من شأنها إعلان الحرب على السماء بل مهمتها شن الحرب على شقاء الإنسان في الأرض ، ( نظرية الحزب الشيوعي الايطالي ) تبرير غير مقنع ، لان المشكلة الماركسية ليست كامنة هنا بل المشكلة الماركسية هي في إصرارها على التفسير المادي للوجود ، والناس ليسوا في محل الغفلة إلى هذا الحد فالتفسير المادي يتضمن إنكار وجود الله نظريا ، وبالتالي إنكار النبوات والشرائع والبعث ، ومثل هذا التفسير يفقد القيم الرفيعة الروحية والإنسانية والخلقية ، بخلاف الغرب الذي حولها إلى قيم فردية بل وجماعية دون أن يكون لها دور في نظام الدولة ، والغرب يستغل تلك القيم في كثير من الحيان استغلالا ذرائعيا ( PRAGMATIISM ) يشكل هذا الموقف من الماركسيين حالة هروب من المادية الدايلكتيكية ( الجدلية المادية ) وهي نظرية التفسير إلى المادية التاريخية ، وهي نظرية التغيير ، وهكذا ترك الماركسيون أساسهم ، فأي مشروعية إذن للماركسيين بعد تركهم الأساس ؟ وأي إمكانية لتغيير العالم إذا فقدت نظرية التغيير أساسها ؟ ومركزها ؟ فالعلاقة بين المادية الجدلية والمادية التاريخية علاقة الروح بالجسد ، فالمادية الجدلية روح الماركسية ، والمادية التاريخية جسد الماركسية ، وما قيمة جسد يفتقد الروح ؟
تلك هي إشكالية الماركسية ، ورغم الجهود المبذولة من مفكريها ومنظريها الجدد إلا أن إشكاليتها لم تحل ، فالأساس نفسه محتاج لإعادة نظر ، وإذا أعيد النظر فإنها ستتهاوى مثلها مثل الليبرالية أي تتهاوى معرفيا .
3- التفسير الوجودي .
الوجودية في شعبها الثلاث تجعل الوجود الإنساني هو المشكلة الكبرى ، وان العقل الإنساني عاجز عن تفسير الكون وعاجز عن حل مشكلاته ، والحقيقة إن الوجودية المادية وهي واحدة من شعب الوجودية الثلاث ، إنما أقامت تفسيرا تحريفيا واجتزائيا للوجود فهي تقسم الوجود إلى :
1- وجود في ذاته وهو وجود الأشياء الخارجية .
2- الوجود لذاته وهو الشعور ، وانه موجود ليحقق نفسه ، وان هذا الموجود لذاته لم تكتمل فيه معاني وجوده ، لأنه متغير ينـزع دائما نحو المستقبل …الخ .
تلك هي مقولات الوجودية المنتهية بالقول بأن معنى الإنسان حر مرادف لقولنا إن الله غير موجود ، فالوجودية وخاصة وجودية ( هيدجر وسارتر) هي وجودية ملحدة .
ما سبق من أقوال هي محاولة الوجوديين لتفسير الوجود بالتحريف والاجتزاء ، ونظريتها في أفعال الإنسان أكثر تهافتا من محاولة تفسير الوجود .
أما وجودية كيركجارد الدانمركي فهي تفسير صوفي للوجود إذ يرى للإنسان وجودين : وجود فردي مؤقت، ووجود نزاع للحقيقة الأبدية ولهذا فالتدين أمر فردي والوجودية المسيحية التي ينشرها ماريتان انما يقيمها على فلسفة توما الاكويني الذي يعرض المسيحية وفقا لمنهجية علمية وان قضايا الإيمان يجب أن لا تخالف العقل . .
نـخلص من هذا إلى أن الوجودية وان ادعت عجز العقل الإنساني عن تفسير الكون ومشكلاته فهي في الحقيقة ـ بدعوى العجز عن تفسيره ـ فذلك القول في الحقيقة تفسير .
إن تفسير الحياة بالحريات أو بالمادية أو بالوجودية إنما هو تفسير متعلق بالحياة بشقها المادي فقط .
ولهذا فكل مساراتها إنما هي متعلقة في الدنيا بأمر العيش ، وهذا هو الأمر المشترك بين التفسيرات الثلاثة السابقة .
4 -التفسير الروحي :-
لأهل التدين رأي آخر خلاصته إن العيش إنما هو لأجل الآخرة ، ولهذا كان محور التفكير منصبا على الآخرة ، أي القيام بالعبادات ، وإذ يتعاملون من ناحية واقعية مع العيش كفكر ضروري ، وقعوا في التناقض مع أنفسهم إذ يفسرون الوجود بالناحية الروحية فقط ، فظهر عليهم التعبد وهم إذ يمارسون العيش كأمر ضروري سعوا في جلبه ، ومن هنا اعترى حياتهم الفصام والتناقض فصار التفكير بالعيش هو التفكير الأساسي ، ولا يتورعون عن ارتكاب أبشع صور المخالفات في سبيل العيش ، مبقين على الصورة الهزيلة في أداء العبادات في صورة شكلية تخلو من المضامين ،يستوي في ذلك اليهودي المتعبد ، والنصراني المتعبد ، والمسلم المتعبد ، ودين المتعبدين يتلقونه تلقيا عاطفيا من الأحبار والرهبان ، فتشكلت فئة أخرى منتفعة هي طبقة الأحبار والرهبان ، تعتمد مركزها الديني كفئة ، وتطلب العيش بأيسر السبل وأسهلها ولهذا ارتمت غالبا في أحضان السلطة السياسية مؤيدة للسلطة ، ويعتمد كل من السلطة ومنظومة الأحبار والرهبان على بعضهما ، وكل منهما يشايع الآخر ، واذ كانت السلطة هي الفئة الأقوى ووظيفة منظومة الأحبار والرهبان إنتاج خطاب الوعظ وهو خطاب يقيم جدارا بين الدنيا والآخرة ، من هنا سقط المتدينون في أحبولة الآخرة مع أن الآخرة هي حياة الجزاء ( الثواب والعقاب ) وهي ليست مطلبا بذاته بل هي دار جزاء على أفعال تقدمت في دار التكليف ومفردات دار التكليف إيمان وعمل الصالحات بصورة فردية وجماعية وبصورة نظام سياسي فعّال غاية كل ذلك المحافظة على الإنسان في نفسه وعقله وكرامته وعرضه وماله ، وهنا لا بد من إدراك أن هذه المقاصد القويمة لا يتأتى الحصول عليها لا من التفكير في العيش ، ولا من الناحية الروحية ( العمل للآخرة فقط ) بل هي في جعل (أمر الحياة) ـ بعد بذل جهد في تفسير الوجود ـ من خلال النظر في الكون ، مسيرا بأوامر الله عند الفرد والأمة الدولة .
5- التفسير الحق :
إن التفسير الحق للحياة هو التفسير القائم على النظر الصحيح والنظر الصحيح يوصل إلى التوحيد والعدل والنبوة والشريعة والجزاء .
التوحيد يوصل إلى أن الوجود مخلوق لله تعالى صفاته عين ذاته وهي كمالات لا تضيف معنى زائدا على الذات ، قادر وذاته القادر ، وعالم وذاته العالم ، وحي وذاته الحي ، وهو واجب الوجود إذ هو مصدر الوجود كله ، ولا يجوز عليه الزمان ولا يحويه ، ولا يحيط به المكان ، فتسقط نظرية التوحيد ألتنـزيهي كل من نصب نفسه إلاها ، فيتحرر الإنسان من تسلط الإنسان عليه .
العدل ومعناه أن الله منزه عن فعل القبيح ، ويوصل إلى أن الله لا يفعل محتاجا ، بل يفعل لحكمة تفيد مجمل الإنسانية في حياتها، فلا ظلم ولا تظالم ولا عدوان ولا استكبار ولا عتو في الأرض ولا استضعاف ولا تخاذل عن طلب الحق وفعله والأمر به .
النبوة لطف في الغافل وزيادة تكليف للحصول على العوض .
الشريعة تحريك لطاقات الإنسان نحو الرقي ومنع للتجاوزات الظاهرة .
الجزاء تحقيق عدل الله تعالى فمن فعل الطاعات حصل على الثواب استحقاقا لفعله وعدلا من ربه ، ومن فعل المعاصي حصل على العقاب استحقاقا لفعله وعدلا من ربه ، بهذا يستقيم تفسير الوجود وحركة الإنسانية في الاستخلاف في الوجود في صورة الحق والعدل والاستقامة .
والسلام على من سار على الهدى .
المسلمون والالتزام بالتدين
ما هو الإسلام ؟ الإسلام ايدولوجيا منسقة ومتماسكة ، له أساسه الفكري المتمثل بالإيمان بما قبل الحياة ، وهو الله ، وما بعد الحياة ، وهو البعث والجزاء ، وان الحياة الإنسانية هي حياة استخلاف وتكليف وللإسلام معاييره وموازينه للإقبال والإدبار عن فعل أو علاقة ، وله نظرية سياسية جماعية يضبطها العدل ، ونظرته إنسانية محضة ودعوة الإسلام دعوة عالمية ، للبشر كافة ، باعتبارهم بشرا ، لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية ، أو قومية ، أو دينية ، أو طائفية ورعايته تقدم للإنسان بصفته إنسانا وبشرا ، لا بأي اعتبار آخر .
ما هو الدين أو التدين ؟ الدين أو التدين : هو حالة شعورية ، عاطفية ناشئة عن شعورالإنسان الفطري ، بالعجز والنقص و الاحتياج ،وإشباع هذه الحالة الشعورية ، يتم بالتعظيم والتقديس ويتلقن الإنسان الناشئ ، منذ بداية تمييزه ، من أهله ومجتمعه ، كيفيات هذا التعظيم والتقديس بصورة دوغمائية فينشأ من ذلك الفرد المتعبد والجماعة المتعبدة ، تجمعها صورة التعبد ، ويفرقها الكدح في مطالب الحياة الأخرى ، ومن هنا تنشأ عند الإنسان المتعبد ، والجماعة المتعبدة ، مسلكيات متناقضة ، وغير متسقة ومفككة .
معنى أن الإسلام دين معنى واحد لا غير ، إن مصدره شكلا ، ومضمونا من عند الحكيم الخبير لكنه تنزل لصلاح الإنسانية وعلاج مشاكلها ، ولذلك فالإسلام ليس تدينا ، بل الإسلام ايدولوجيا شمولية لعلاج مشاكل الحياة الإنسانية ، مهما تنوعت وتعددت ، إن إعطاء الإسلام شكل التدين هو حالة اعوجاج عن الإسلام ، بل حالة خطرة تحرف الإسلام عن مساره وأهدافه ، وتجعله يلبس هديا غير هديه ويسير في مسار ليس مساره ، ويتمحور حول الآخرة من خلال العبادات والأخلاق وإعمال الخير مع فقدان العبادات والأخلاق وعمل الخير لحيويتها وجماعتها وإنسانيتها ، فالفردية أساسها والمظاهر حركتها والانتهازية والوصولية محورها إنها دخول سنن النصارى واليهود ، فتتحول الأمة في مجملها إلى أمة ميتة تمالئ من بيده الأمر وتهون على نفسها وتستكبر على الضعفاء والأيتام وتأخذ دينها من زمرة الأحبار والرهبان، تؤمن بالخرافات والأساطير وتنتظر القدرية الغيبية ليتحقق لها حلمها وإذ طال الدرب عليها لجأت إلى التبرير أو الكذب أو محاولة الاتصال بالجن أو بالسحرة لعل الجن والسحرة يقدمون لها العون أو تحولت إلى جماعة تنتظر المسيّا المنتظر ليحقق لها العدل والنصر تلك هي أحوال الأمم المتدينة سواء أكانت بوذية أو نصرانية أو يهودية أو إسلامية فلا فرق إلا ببعض المقولات ومع ادعائهم التدين والزهد فهم احرص الناس على الدنيا .
إن النظرة للإسلام على انه دين وتدين يفقد الإسلام روحه وحيويته ويحوله من كينونة حية نامية متحركة فاعلة ، إلى كيان ميت جامد متحجر مفتقد للفاعلية ، وهذا ما يلاحظه كل مراقب لحركة المجتمع ، والحالة الفكرية التي هو عليها ومراقبة حس المجتمع ، إن مجتمع التدين والمتدينين يثور حينما يطأ احد الناس سجادة مسجد ولا يتحرك أدنى حركة حين يلطم الجلاوزة وجه الإنسان ، بل إن الناس يشتركون مع الجلاوزة في لطم وجه الإنسان إذا سرق حصيرة مسجد ويبكي مجتمع التدين والمتدينين على عدم بناء مسجد في حارة ، ولا يتأثر إذا رأى عائلة تفترش الغبراء وتلتحف السماء ، ولهذا وصف القرآن الكريم مثل هذا المجتمع بقوله في سورة الماعون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَآؤُنَ (6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
لقد استطاع المتدينون تحويل هذه السورة القرآنية التي تندد بالمجتمع حين تحوله إلى مجتمع المتدينين بأنهم ( يكذبون بالدين ) رغم دعوى إيمانهم ، وأنهم يستحقون ( الويل ) رغم صلاتهم ، لأنهم في الحقيقة ( ساهون ) عنها ، إلى أنها تنديد بمن يؤخر الصلاة ، وتنديد بالكفار ، مع أن كل السورة حول مسؤوليات المؤمنين المصلين تجاه الآخرين الضعفاء اليتيم والمسكين وصاحب الحاجة وتنديد ( بالمراءاة ) التي لا تكون إلا للمستكبرين .
إن حركات المتدينين أمس واليوم وغدا ، هي المسئولة عن حالة الضياع التي عليه الأمة الإسلامية ، وهي التي وطأت لعدو الأمة الرأسمالي الغربي ليتحكم في مصير هذه الأمة الإسلامية الخيرة ، وهي التي حولت جماهير الأمة الإسلامية إلى حالة من الغثاء .
إن الأمة الإسلامية هي التي تعرف معنى التوحيد والعدل ، و المنزلة بين المنزلتين وصدق وعد الله وصدق وعيده ، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتباشر الحياة على هدى هذه الأصول الخمسة فتسعى بشكل امة لفك التبعية ووحدة الدولة تحت راية الإسلام بقيادة أمام هدى لا أئمة ضلالة ، وبذل الجهد في تحديد هوية الأمة فكرا وأحكاما وآراء مبلورة صافية نقية ، وتعمل لتتسلم قيادة العالم وإنقاذه من هوة الضياع وحراثة البحر وزراعة الأرض اليباب ، إلى استقامة الدرب واستنارة الفكر وجدية الفعل ، فتغير السيرورة التاريخية للأمة الإسلامية في نواة ثم التوسع في العالم الإسلامي ، والتأثير في السياسة العالمية ، والعلاقات الدولية فتكون رسالة الإسلام رحمة للعالمين وهداية للضالين وطمأنينة للمستضعفين وسعادة للمؤمنين في جنات الخلد .
والله أكبر ولله الحمد
13 / شعبان 1415 هـ
14/ كانون ثاني 1995 م
((المفاهيم الانضباطية في الدولة الإسلامية ))
تختلف الدولة في الاسلام عن مثيلتها في الرأسمالية والشيوعية فالدولة الاسلامية هي الامة والسلطة ومجموعها أي الامة والسلطة اساس نظرتهم الى الامور واحدة تلك النظرة المتمثلة بالايمان بالفكرة الاسلامية فالسيادة في الدولة الاسلامية ليست للناس وانما هي للشرع ومن هنا جاء الاختلاتف بين الدولة الاسلامية والدولة الرأسمالية والدولة الشيوعية .
لهذا كان من العبث ان تجري ابحاث الدولة الاسلامية على غير هذا الاساس وان تقاس صحة العلاقة بين السلطة والامة على اساس الحريات والديمقراطية للتباين الواضح بين المفاهيم الانضباطية في الدولة الاسلامية والمفاهيم الانضباطية في الدولة الرأسمالية اوالدولة الشيوعية .
ان مفاهيــم الانضباطية في الدولة الاسلاميــة تمثـل فـي التقـوى والاهتــداء بالكتـاب (( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) والحياة الدنيا لا تمثل لجمع المؤمنين الا طريقا للآخرة (( ياأيه االناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )) والتقوى المطلوبة هي الايمان والعمل على هدى النص ويمثل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الركيزة الثانية في هذه المفاهيم الانضباطية (( الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين )) وفي ايجاد كيان فكري يحرس الانسان بالدعوة اليه ومراقبة وجوده في الناس والمجتمع والسلطة (( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) فالتقوى في الافراد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيان الدعوة والمراقبة والمحاسبة هي الركائز الثلاث التي ينتج عنها احسان التطبيق فتقل المظالم او تتلاشى ، وتزول المفاسد وتقل المعاصي فيحصل بسسبب ذلك استقامة في الافراد وفي العلاقات ، ان الركائز الثلاثة السابقة هي التي انتجت الخلافة الراشدة وهي ركائز فوق بساطتها ، فهي عملية قابلة للتطبيق مهما اختلف الزمان والمكان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد بن عبد الملك وقبل هذين معاوية الثاني من الادلة والشواهد على امكانية ايجاد عصر مثل صدر العصر الراشدي مع لفت النظر الى خلفاء أخر آل العباس وآل عثمان بل ومن امراء الدويلات ، وخاصة دويلات الزيدية وهم معتزلة والإباضية .
لكن لقضية احسان التطبيق الان وجه آخر يظهر فيه الخلط والاختلاط بين مفاهيم الإسلام ذات النظرة المميزة وبين مفاهيم الحريات وحقوق الانسان نظرة العالم الليبرالي ونظرة التساوي بالملكية والغاء الطبقية النظرة الشيوعية بحيث ادى الاختلاط الى عدم تبين السبل .
نظرة الإسلام لا تعطي للجماعة ( الامة ) والسلطة ( الحكومة ) حق التشريع في شقيه : السياسي ( رعاية الشؤون ) والتشريعي ( معالجة المشاكل ) وانما هذا الحق للدين أي للنصوص التي تنزل بها الوحي ( الكتاب والسنة ) تطبيق هذا التشريع بشقيه منوط من حيث الاساس بالامة والامة تنتخب من ينوب عنها في هذا التطبيق ولم يعين الإسلام اسلوب هذا الانتخاب وانما ترك اسلوب الانتخاب يقرره اختلاف الزمان والمكان .
تلك النيابة عن الامة ليست مؤقتة ولا دائمة وانما هي مستمرة بوجود شروط الانعقاد في الشخص ( رئيس الدولة ) وعدم الانحراف عن الشريعة أي عدم تسرب أي فكر سياسي الى كيان الدولة يخالف الإسلام مع جواز توقيتها دفعا للهيمنة ، هذه المفاهيم الثلاث مفهوم التشريع ومفهوم السلطان ومفهوم الاستمرار أوجد سوء فهم حصل مبكرا أدى الى الفتنة الكبرى مما أدى الى مظنة عدم اواستحالة تطبيق الإسلام مثل تطبيق ابي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وبدل القيام بعملية تحليل للاسباب والظروف والاحوال التي ادت الى سوء الفهم هذا لاجراء عملية تحديد اكثر وضوحا وبلورة في المفاهيم التي تداخلت على بعضها البعض لرسم المستقبل الاسلامي اخذنا بالاتصال بالتاريخ لتأكيد هذه المقولة او تلك و الاصل في التاريخ ان يفهم للاعتبار به ، لا لجعله مرجعية :وليت الامر اقتصر عند حد التاريخ بل ادخلت مفاهيم الرأسمالية والشيوعية كأساس من أسس البحث مع تجاهل سوء التطبيق الرأسمالية والشيوعية في ذاته او رغم التباين الزمني (( مرحلة تطبيق الإسلام على الناس ) ومرحلة تطبيق كل من الرأسمالية والشيوعية على الناس )) واختلاف وسائل الاتصال والاعلام والاجهزة في الزمنين .
يقتضي التحديد في هذا البحث أن نميز بين مفهومين ، مفهوم المظلمة الاعتداء على النفس والمال بشبه حق ، ومفهوم المفسدة الاعتداء على الحق والشرع فالاول يتم التغيير عليه باللسان فقط ، والثاني بالسنان ،ووضع المظلمة مكان المفسدة او المفسدة مكان المظلمة من شأنه ان يوجد المفسدة او المظلمة ولهذا فإن مرتكبي الفتنة الكبرى استبدلوا بالسنان باللسان فوقعت الامة الاسلامية كلها في دوامة المفسدة والمظالم في آن معا .
ان أتون هذا الخلط استمر طيلة الدولة الاسلامية الثلاث المتعاقبة ليكون محرقة ذهبت كثير من الانفس الزكية ضحيتها، ومع هذا الاتون فقد عملت التقوى والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل والرأي العام الجماعي في ابقاء ذلك السير الممتاز في نشر الإسلام وحماية بيضة الإسلام على شكل يلفت النظر ويكون ظاهرة تحتاج الى تعمق في دراستها فرغم الفتن والثورات التي تزعزع الجبال بقي الإسلام في توسع بالرقعة والناس .
ان كلمة المفسدة تعني الغاء سيادة الشريعة جزئيا او كليا مثل اغتصاب السلطة او ادخال امر تشريعي ولو كان امرا واحدا قام البرهان على مخالفته الصريحة للشريعة اما اذا كان الامر مظنة مخالفة الشريعة مثل اجازة سماع الغناء او السماح بالسينما او تدريس نظرية دارون او رفع حد القطع في السرقة رفعا مؤقتا فمثل هذه وتلك لا يمكن اقامة البرهان على مخالفته للشريعة فإن هذا الامر لا يسمح به باستعمال القوة .
واستعمال القوة لازالة المفسدة لا يجوز ان يقوم به فرد او مجموعة من الافراد او كيان يشمل جزء من الامة بل تقوم به الامة بالصفة الكيانية لها التي هي أي الصفة الكيانية ليست شخصا ولا اكثرية ولا اقلية بل هي رابط يربط الناس ناتج من توحد المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تربطها جميعا العقيدة الاسلامية فمن يمثل الناس المفاهيم والمقاييس والقناعات الموجودة عند الناس مع الناس فهو القادر على تحريك الامة للوقوف في وجة المفسدة والانحراف .
أما في حالة غياب ما يجعل الامة فالمفروض والمطلوب هو ايجاد مثل هذه الامة ينشأ عنها نشوء طبيعيا دولة تتوسع فيما يليها بقوة الفكر وازالة الحواجز المادية ، حين وجود الاجواء والاوضاع التي تسمح بذلك .
والمظلمة لا يطلب تغييرها بحد السيف بل استعمال السيف بتغييرها من اشد المحرمات فالرسول صلعم يقول (( من رأى من اميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإن من فراق الجماعة شبرا فمات ، فميتته جاهلية ) وفي حديث عبادة بن الصامت في البيعة ( وان لا ننازع الامر اهله الا ان تروا كفرا بواحا ) فطريقة تغيير المظلمة هي اللسان فقط وايجاد راي عام ضد المظلمة ، ولابد هنا من ملالحظة كلمة أميره في الحديث الاول أي ليس مجرد اميره وكلمة اهله في الحديث الثاني أي لا بد من اهليته وليس من غير مؤهل للأمر .
إننا في امس الحاجة لاستئناف الحياة الاسلامية لا للمسلمين فحسب بل للبشرية جمعاء ولكن بتحديد اكثر للمفاهيم الانضباطية وهي الطاعة والمحاسبة والعصيان بالاضافة الى مفهوم سيادة الشريعة وسلطان الامة ونشر الإسلام بالدعوى والفتح .
7/شعبان 1407 هـ
5/4/1987 م
حركة التفاف المجتمع حول الفكرة
* المجتمع حالة متماسكة بين مجموعة انسانية يجمعها ويربط بينها علاقات دائمة وتسعى كجماعة لتحقيق المصالح العليا للمجتمع يربط بين افراد المجتمع الفكرة السياسية الواحدة ويحافظ على بقاء الفكرة السياسية الواحدة المشاعر الواحدة وتعالج مشاكلها باللجوء للنظام الواحد .
* المؤثرون في المجتمع عادة هم الفئة المؤثرة وهي عادة تتكون من الشباب الذي يمثل العنفوان والقوة والكهول التي تمثل النضوج والاستقرار الفكري والشيوخ الذين اكتملت عندهم التجربة وبلغوا اعلى انواع الحكمة .
* هذه الفئات الثلاثة المؤثرة من حيث العمر هي الباب من 15- 30 سنة الكهول من 31-50 سنة الشيوخ في اكثر من 50 سنة – الفئات غير المؤثرة هي الاطفال دون سن 15 وان كانت في محل التأثر، والعجزة من الرجال والنساء والهامشيون ( المستضعفون ) الذين اقعدتهم الحيلة واعجزهم السبيل .
* نسبة المؤثرين عادة الى فاقدي التاثير يساوي خمس عدد الناس الى عشر الناس فبقاء الرأي العام يقتضي العمل بهؤلاء المؤثرين مع ملاحظة ضرورة التأثير دائما بالجيل القادم الاطفال من 7-15 سنة .
* هذه القراءة ليست اعتباطية ولكنها ارتجالية أي ليست مبنية على احصاءات وانما على رصد ومشاهدات وعيش طبيعي بين الناس وملاحظة ما عليه الناس في الفكر والحس والتأثير والتغيير .
* هذا الادراك ضروري لكسر حصر العمل السياسي والفكري عند المستويات الفردية والنخبوية مما يفقد الامة قدرتها على التأثير .
* انظر الشكل التالي لادراك حركة التفاف المجتمع حول الفكرة .
حركة التفاف المجتمع حول الفكرة :
اسم الفئات |
النسبة المئوية |
النسبة العددية من 100 |
صفات الفئة |
فئة القيادة فئة الطليعة فئة الاتقياء الانقياء فئة العامة 1 فئة العامة 2 فئة العامة 3 فئة تحمل افكار اخرى ولكنها تحمل التابعية |
0.1% 1% 10% 18.9% 25% 35% 10% |
1 10 100 189 250 350 100 |
ذكاء حاد + تقوى شديدة +قيم رفيعة + وعي سياسي عال ذكاء جيد + بصيرة + تقوى + وعي سياسي( قوى الاسناد ) ذكاء مرتفع + تقوى +وعي عام ذكاء متوسط +تقوى متوسطة + تسليم للفكرة والقيادة اهل تكليف + تقوى عادية + تسليم فيه خلخلة . اهل تكليف + ترجرج بالتقوى + ترجرج من حيث الفكر ولاء للدولة ( تابعية ) |
الدولة الاسلامية
* يخلط الناس بل وحملة الدعوة الاسلامية في اشكالية الدولة الاسلامية بين ثلاثة مستويات مما يجعل صورة الدولة الاسلامية يحفها الغموض وهذه المستويات الثلاثة هي :
1- الإسلام على مستوى النص، القرآن والثابت من السنة .
2- الإسلام على مستوى فهم التراث الاسلامي .
3-الإسلام على مستوى التاريخ ،تاريخ الإسلام السياسي .
* ويخلطون ايضا بين الدولة الاسلامية في مستوياتها حين التطبيق ومن استقراء التطبيق يتبن انها مرت في مستويات ثلاثة ايضا :
1- دولة العدل، الامة تختار الرئيس وظهر منه تحقيق العدل وهنا يجب على الامة تجاه مثل هذه الدولة الولاء والطاعة ولا يخرج عن الولاء والطاعة الا فئة قاسطة او فئة ناكثة لعهد الله او كفار نقضوا عهد الذمة .
2- دولة الجور وهو ولي امر اختارته الامة ثم جار في حكمه ويكون حالين .
أ- ماظهر من الجور فقط هو في عدم تحقيق العدل في احسان الرعاية وسوء تصرف في المال فالواجب على الامة اظهار الغضب منه واعلان ذلك باللسان دون السيف شريطة ارتداعه وخلاف ذلك بالسيف .
ب- فإن ظهر منه الفساد بأن حكم بالكفر او فعل كفرا او فسقا ظاهرا بنفسه او بغيره بأن قتل بلا محاكمة أمام القضاء او افسد حياة المسلمين فالواجب حمل السيف عليه .
3- دولة القهر والغلبة وهو من قاد فئة من اهله واتباعه من سفهاء المسلمين والتأمر على المسبلمين رغما عنهم فهو :-
أ- اما ان يكون عدلا فالواجب التريث والطلب منه باللسان اعادة السلطان للامة وان لم يعد السلطان للامة فالسيف .
ب- أما ان ظهر الفساد او الكفر البواح او ظهر منه الفسق فالواجب حمل السيف عليه ومن الفساد ان يطلب من المسلمين مبايعة ولي عهد له سواء اكان ابنه او احد اقاربه .
معنى مصطلح السيف
معنى هذا المصطلح استعمال الامة الاساليب المادية للتغيير واذ اساليب التغيير كثيرة منها في التاريخ الاسلامي في قرونه الاولى الخروج بالسيف والمقصود في كلمة السيف اى يجب ان يقاوم حتى ولو وصل الامر الى استعمال السيف .
المعطيات المعاصرة والدولة الحديثة اوجدت معنى جديدا للتغيير اولها طريقة الحكم بالطريقة التشريعية البرلمان او القضاء وثانيها العصيان المدني وثالثها المظاهرات والاضرابات ورابعها وهي طريقة استعملت في العالم الثالث الانقلاب العسكري عن طريق الجيش وخامسها والاخيرة الثورة كما حدث في اكثر من مكان .
افضل طريقة للتغيير ما كانت اقل كلفة واسهل تبعة وايسر منالا ولهذا فان من الضروري وجود آلية لتغيير الحكم حين خروجه عن خط رضى الامة والطريق الامثل هو الطريق التشريعي مجلس الشورى والقضاء .
المشكلة حين حالة الاستعصاء بالارتكاز الى القوة العسكرية الجيش ان وجود الوعي ومعرفة ان مهمة الجيش هي حماية البيضة والامة والدولة لا تجعله اداة بيد السلطان فيتم الامر ببساطة ويسر .
الفرد والجماعة والمجتمع والسلطان
يطلق الفرد ويراد به الكائن الانساني ، الذي يمتلك الارادة والسيادة ، ويظن كثير من الناس ان الجماعة او المجتمع هي مجرد اجتماع مثل هؤلاء الافراد الى بعضهم البعض ، والحقيقة المشاهدة في الواقع غير ذلك ، فالجماعة ليست جمعا من الافراد فالجماعة حتى تكون جماعة لا بد ان تكون جمعا من الناس توحدت رؤيتهم وتوحيد الرؤيا لا يمكن ان يحدث الا اذا كان لهؤلاء الناس منظومة فكرية واحدة ، وهذه المنظومة الفكرية هي مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات ، فتكون الامة بمعنى الجماعة والجماعة بمعنى الامة فالامة او الجماعة ونتيجة لارتباطها بالمفاهيم والمقاييس والقناعات الواحدة المرتبطة باساس ايماني عقلي ، ينشأ عن ذلك طبيعيا وحدة الرأي بحيث يكون عرفا عاما تنتج عنه ارادة عامة هي ارادة الجماعة او الامة او ارادة الجماهير ، كما يقول عنها الفكر اليساري ولذلك من الخطا ان يقال عن المسلمين اليوم انهم جماعة المسلمين ، او المسلمون او الامة الاسلامية لتكوّن رأي عام او عرف عام لدى المسلمين يخالف الرأي العام والعرف العام الاسلاميين .
ان المسلمين اليوم افراد مسلمون وجماعة تعيش في دار ليست دار اسلام ويطبق عليها احكام غير اسلامية ، فالاسلام غير موجود وجود جماعي لدى جمهرة المسلمين وما هو موجود لدى المسلمين تسليم بالمعتقدات وممارسة العبادات وتظهر فيهم مشاعر الكهنوت ، وحتى هذه تندفع لاعمار المساجد فقط من بناء وزخرف وفرش ولا تندفع للوقوف في وجه سيطرة الظلمة عليها لتزيل هذا الكابوس ، ان مثل هذه الافكار قاصرة عن ان تربط الانسان بالانسان لتتكون منها جماعة لجزئية هذه الافكار ، ام المجتمع فهو امة مستكملة الربط ، نظام الحياة فيها منبثق عما تحمله هي من افكار ، اما السلطان فهو السلطة فان كان نائبا عن الامة في تطبيق النظام الذي ارضته كان سلطانا طبيعيا اما اذا اخذ الحكم بالقوة والغلبة والقهر وطبق نظام الامة فهو السلطة المغصوبة وان كان اخذ الحكم بالقوة وطبق غير نظام الامة فهو نظام كفر وسلطان قهر يجب على الامة ان تزيله فورا تأثم الامة في التأني بذلك اما السلطة المغصوبة فلها احكام …
ان اغتصاب السلطة الذي تم على يدي معاوية عام 41 هـ والذي سمي عام الجماعة بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة شكل ضربة قاتلة لعقد الرضا والاختيار اذ تحولت الخلافة الاسلامية بعد ذلك الى ارث يتوارث طيلة عهود الدولة المركزية الثلاثة حين زمن الاموية او زمن العباسية او زمن العليّة العثمانية .
ان الامة بحاجة الى وضع قواعد تنظم فكرة الحكم الاسلامي انتظاما تاما بحيث تسد الثغرات التي ظهرت في كيفية اختيار الحاكم والى أي مدى يطاع وان يحرص على ان تتحول الى عرف عام وقاعدة اساسية تفرض نفسها على الحاكم والمحكومين وبالتالي لا يعود الانحراف بالحكم يتكرر مرة اخرة .
الإسلام والمجتمع
* المسلمون الذين لا يقيمون مجتمعا اسلاميا او لا يعملون لاقامته بجدية هم من اهل المنزلة بين المنزلتين .
* المسلمون الذين يرضون بأنظمة الجاهلية مع كرههم القلبي لها هم من اهل المنزلة بين المنزلتين .
* المسلمون الذين يديرون ظهرهم للاسلام من اهل المنزلة بين المنزلتين .
لم تأت رسالة الإسلام الخاتمة لتوجد مسلمين يقولون لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، يؤمنون بمشاعر العبادات تجاوبا مع غريزة التدين وتنتهي مهمتهم عند هذا الحد ، ويجعلون من حمل الدعوة للاسلام فرضا يؤتى به حسب الظروف ، ويجعلون قيام المجتمع الاسلامي مهمة القدر ويجعلون الحد الفاصل بين الإسلام والكفر والمنزلة والمنزلتين قول لا اله الا الله وان محمدا رسول الله والقيام بطقوس العبادات وترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله ليس هذا هو الإسلام .
الإسلام شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمد رسول الله وان رسالته القرآن والسنة وان مهمة المسلمين هي القوامة على الدنيا بأسرها لإقامة مجتمعهم الاسلامي وابلاغ الدعوة للناس كافة واقامة حكم الله حتى على غير المسلمين وبهذا يتحقق وعد الله وطلبه (( هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون )) .
فما لم يعملوا لأن تخفق راية الاسلام في سماء موسكو وبارس ولندن وواشنطن وروما [1] فالمسلمون ليسوا آثمين فحسب بل هم اداروا ظهرهم للاسلام فلا يقبل منهم صرف ولا عدل ولا يخرج منهم الا من اوقف حياته على قيام المجتمع الاسلامي فعسى ان يخرج منها مثل هذا كفافا لا له ولا عليه .
(( والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ))
ان الذين يخدعون انفسهم بانهم يؤمنون بالاسلام فهم يقولون شهادة الدخول بالاسلام وهي ترفع السيف عنهم ولا تجعلهم من اهل الفوز الا بالايمان والذين يقومون بالعبادات مكتفين بذلك ليسوا من اهل الفوز فالله تعالى يقول :
(( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ))
فإقامة الصلاة لا القيام بالصلاة والاهتداء بالكتاب لا الاهتداء ببعض الكتاب والانفاق من رزق الله في سبيل الله لا الحرص على المال وايتاء الزكاة والايمان بما انزل الله على رسوله (( كتاب وسنة )) لا بعضهما والايمان بالرسالات السابقة والتيقن من الاخرة الذي يقضي تذكر الجنة والطمع بها والخوف من النار والفرار من الاعمال التي تقرب اليها هكذا فهم صحابة رسول الله طريق الفلاح فدانت لهم الدنيا فالدنيا لا تدين للكسالى الخامدين التي لم تستطع مفاهيم الإسلام ان تحركهم وان تثير فيهم كوامن الشوق الى الجنة وطلبوا الجنة اتكالا وتواكلا وتخـاذلا .
-----------------------------------------------
(1)ربما يظن بعض الناس أنمثل هذا القول حالة من الهذيان والحقيقية أن التاكيد جاء بهذه الصورة لبيان أن العمل للاسلام وطلب القوامة له على العالم وانتزاع القوامة من دولة الشيطان الأكبر الولايات المتحدة هو أمر ضروري اما تحقيقة واقعيا فهو عملية سياسية بعيدة المدى ومحكوم لمفاعلة سياسية معقدة.
الادب والنهضة
* الادب هو التصوير الشعوري للحياة من خلال منظومة كلامية تعبر عن موقف انفعالي تجاه امر ما .
* طرفا العمل الادبي اذن المنظومة والموقف الانفعالي عبر عن الاولى بالشكل والاخرى بالمضمون .
يقوم الناقد بفحص المنظومة الكلامية من حيث الكلمات والتراكيب وهذا نقد للشكل ويحاول معرفة انفعال الاديب من حيث صدق الانفعال او عدمه ومن حيث تأثيره على السامع او القارئ وهذا نقد للمضمون .
لكن الناقد يصرعلى السكوت عن جدوى هذا العمل الادبي من حيث مقدار حاجة الجماهير اليه في بناء نهضتها سواء في ارتفاع فكرها او ارهاف حسها .
يستمد النص حيويته وحرارته من ادراك قائلة للواقع الذي يدل عليه النص او من تصديقه للواقع الذي يدل عليه تصديقا جازما او غير جازم وإذ من الممكن اصطناع التصديق وتصنّع اظهار المشاعر فإن انخداع الناس بصاحب النص امر يحدث كثيرا .
اما قراء النص او سامعيه فإنهم يتحمسون بمقدار تصديقهم للقول بغض النظر عن وجود واقع له في اذهانهم او عدو وجود هذا الواقع أي بمقدار النص على اثارة مشاعرهم .
ولتفاوت المشاعر عند الناس فإن نصا ما يمكن ان يثير مشاعر جماعة ولايثير نفس النص مشاعر جماعة اخرى .
من هذا ندرك ان النص لا يستمد قيمته من ذاته ولا من قائله وانما من مشاعر الجماعة التي يؤثر فيها وبما ان المشاعر عرضة للتغير فسرعان ما يتغير موقفها تجاه نص ما من التأييد الى نقيضه .
اما المواطن الجمالية في النص فهي تبقى بمقدار وجود عدد يدرك هذه المواطن الجمالية .
نصل الى استنتاج مفاده ان النص الادبي ليس طريقا للنهضة لافتقاده قدرته على ايجاد الافكار عند الناس .
النص الادبي من حيث هو نص موضوع للذّة وهز المشاعر ولا يعني ذلك خلو النص الادبي من المعاني او المعارف مطلقا فليس هناك نص الا ويحوي معارف او معاني يمكن للعقل ان يستفيد منها فالذي يصوغ نصا ادبيا تنصب عنايته على الكلمات والتراكيب ويطلب الكلمات الجميلة والتراكيب الجميلة لأن الاديب يقصد من النص مظهر الجمال ظاهرا او خفيا أي يختار ما يوجد التأثر والانفعال باعثا في السامع ما يقتضيه الانفعال من غبطة او رضا ومنتزعا التصفيق والاعجاب او كلها تتجه نحو النص الادبي لبقاء الامة في حالة تخدير وعدم حركة من خلال مبهمات غامضة يثيرها النص الادبي في العقل والمشاعر .
اسس النهضة
1- المحور الاول النهضة
أ - النهضة هي الارتفاع الفكري في مجمل الامة ( 1 ) خاصة تفهم الدقيق من الافكار ( 2 ) عامة تدرك الافكار على سبيل الاجمال .
ت - اللغة ليست جزءا من الفكر ولا هي جزء من اية فلسفة للنهضة ولكن اللغة العربية ولانها لغة القرآن فإن اللغة العربية جزء جوهري في النهضة على اساس الإسلام .
ث - الإسلام اساس النهضة في العالم الاسلامي لا لأن العالم الاسلامي قد ترسخ فيه الإسلام فقط بل لأن الإسلام ايضا يملك الاساس الصحيح غير القابل للنقض والاسلام رغم ثرائه الفكري الا انه يختصر في كلمتين لا غير التوحيد كنظرية معرفية والعدل ممارسة عملية .
2 - المحور الثاني النظام المعرفي
أ) العقل اول الحجج لله على خلقه ومن هنا فالنظام البرهاني المعتمد على عالم الشهادة هو الاساس المعرفي للافكار والاراء والحكام .
ب) الكتاب والسنة وقد اعتمدهما العقل انهما من الله مصدران للفكر والاراء والاحكام من خلال عملية عقلية وانطباق النص على الواقع انطباقا تاما لا انطباق مماثلة او مشابهة .
ج) هذا الفهم العقلي منه ما هو يقين ومنه ما هو ظني ومنه ما هو احتمالي ولا يتشكل الايمان الا باليقين اما العمل فيقام به من خلال غلبة الظن والاحتمالي ينظر اليه ليتكون الترجيح .
3- المحور الثالث الحقول المعرفية .
أ) يسلك العقل سبلا متعددة لتكوين المعرفة فهي من النص تشريعا ومنه فكرا غيبيا على ان يكون النص قطعي الثبوت قطعي الدلالة وهي ظنا غير ذلك ، ومن التجربة علما عالميا ومن الاستقراء او الاستنباط في العلوم الانسانية ومن الممارسة تصحيحا ومن الحساب والمنطق تعقلا ومن الممارسة والتجربة والخطأ للوصول الى الاحسان احترافا .
4 - المحور الرابع والاخير العقل الجماعي للامة .
أ) ان المراد من العقل الجماعي للامة هو انشاء فكر سائد للامة يعتمد خصوصيتها ويستند الى تراثها ويفجر طاقاتها الابداعية كل هذا يكون في الامة على وجه الاجمال من خلال وحدة افكارها وارتباطها بالمشاعر الواحدة ، وتعيين نظام حياتها في صورة دستور وقوانين وتعليمات والاحتكام اليه حين الاختلاف .
افعال الانسان وافعال ((القضاء والقدر))
لم تكن ابحاث القضاء والقدر بهلاتين الكلمتين مجتمعتين من ابحاث المسلمين طيلة فترة التنزيل وصدر الإسلام ، وانما تسرب هذا البحث بعد الفتن اثر مقتل الخليفة الثالث ، وتحول الحكم الاسلامي الى الملك العضوض ، فنشأت مشكلة ((القضاء والقدر)) والجبر والاختيار ، ولامقصود بهاتين الكلمتين معا البحث في افعال الانسان من حيث الانشاء ، لترتب الجزاء على هذا الانشاء ، أي هل الانسان مختار بالقيام بأفعاله ام هو مجبر عليها ؟
ان البحث يجب ان ينصب على الافعال لا على نتائجها سواء انتجت خيرا او شرا فبحث نواتج الافعال سواء اكان محل الناتج انسانا او حيوانا نباتا او جمادا او أي شيء آخر لا بد من ان لا يتسرب الى البحث .
فالنتائج ليست موضوع البحث فالسجين الذي هو مفعول للساجن لم ينشأ هو فعلا في نفسه ولم ينشأ فيه القضاء والقدر مجتمعين او منفردين بل الذي أنشأ الفعل فيه هو الساجن أي انسان معين سواء اكان السجن بحق او بالباطل – وحتى لا يختلط الامر لا بد من التفريق بين الناتج حين يكون للفعل الانساني وحين يكون للقدر أي للخاصيات فوقوع السجن على المسجون ليس خاصية من خواصه بل هو نتيجة لفعل الساجن بخلاف حلاوة السائل الناتج عن عملية تذويب السكر بالماء فظهور الخواص مغاير تمام المغايرة لظهور اثر السجن على المسجون ، مع ملاحظة ان الحلاوة فعل متولد للفاعل باستعماله الخاصيات .
هناك اختلاط آخر وهو ظهور اثر فعل على انسان ما بسبب فعل من افعال غير الانسان كتدحرج حجر من شاهق يؤدي الى اصابة انسان او عاصفة بحرية تؤدي الى غرق سفينة بمن عليها او سيل عرم يؤدي الى هدم الابنية واغراق حيوانات واناسي وغيرها فإن تدحرج الحجر ووجود العاصفة والسيل العرم ليست من افعال الانسان اصلا حتى تكون موضع بحث وانما هي افعال الطبيعة او بالحقيقة فعل القضاء سواء اظهر لها ام لم يظهر وسواء اظهر الاثر في الانسان او غيره .
ان البحث يجب ان ينصب على الافعال التي تقع من الانسان أي من جنس الانسان سواء كان ناتج الفعل وقع عليه كقيامه بعملية الانتحار او على غيره كضرب الاب لابنه او سجن السجان للمجرم او نقله الكرسي او تجويعه للحيوان او غير ذلك فالبحث ينصب على الفاعل حين يكون انسانا لترتب الجزاء عليها بخلاف الانسان حين يكون مفعولا به فلا جزاء على ذلك .
ان تجاوز سبب البحث انشأ اختلاطا كثيرا في بحث هذه الافعال فقد اضاف باحثو القضاء والقدر سواء اكانوا محدثين كلاميين ممن يسمون انفسهم اهل السنة والجماعة – امورا متعلقة بذات الله من مشيئة واراده وعلم وكتابة باللوح المحفوظ واوصاف اخرى كالعدل وتمام القدرة وغيرها واضافوا ايضا الافعال ومتولدات الافعال واخطأوا ايضا حين جعلوا اساس البحث افكارا متعلقة بالايمان وغالبا هي من الافكار الغيبية بدل ان يكون البحث في واقع الافعال وهي كلها تقع تحت ادراكنا .
ان البحث في الافعال التي تقع في الدنيا بحث في واقع مدرك ولذلك كان من السهل واليسير ادراك واقع الافعال ادراكا حقيقيا يؤدي الى يقين ، بسلوك طريق العقل في مثل كل ما يدرك واقعه .
ان العقل يستعمل طريقة واحدة لادراك الحقائق التي يقع الحس عليها ولما كان بحث افعال الانسان بحث في واقع يدركه الانسان كان لا بد من سلوك الطريقة العقلية ذات المنهج الاستقرائي لنصل الى اليقين وهذه الطريقة تعتمد مراحل ثلاث للوصول الى يقينها وبدون هذه الطريقة لا يتأتى وجود اليقين .
أولها : ملاحظة الواقع الذي يراد الاستدلال به .
ثانيها : اصدار حكم على هذا الواقع التي هي ربط معطيات الحس عن الواقع بواسطة الدماغ بالمعلومات السابقة .
ثالثها : الاستناتج وهو الانتقال من الحكم الجزئي الناتج عن عدة عمليات عقلية لوقائع مختلفة بحيث ينتج لدينا حكم كي تندرج تحته جميع اجزائه .
ان التدقيق بأفعال الانسان حالة كونه فاعلا حقيقيا لها نحكم ان افعاله هو الذي ينشأها في نفسه او غيره ضمن قدراته فهو محكوم حين انشاء الفعل بهذه القدرات فلا يتعداها وهذه القدرات لا علاقة لها بالفعل من حيث هو فعل بل تتحكم في وصف الفعل فالانسان يركض باختياره لكن سرعة الراكض وزمن الركض والواقع الذي يستطيع ان يركض عليه ليس فعلا حتى يجري البحث فيه .
ان ارادة الانسان في الفعل ايضا محكومة بضوابط لا تؤثر على الفعل من حيث الانشاء بل تؤثر على الفعل من حيث النتائج وهي الخطأ والنسيان والاستكراه (( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) .
ان ارادة الانسان ونتيجة فعله يقع الجزاء عليها فإرادة الانسان الفعل دون وقوع الاثر او وجود الاثر او وجود الارادة لا يقع ضمن المسؤولية (( رفع عن امتي ما حدثت به نفسها ما لم تقل او تعمل ))
اما افعال الانسان التي ليس هو فاعلها على الحقيقة وان كان فاعلها حسب قواعد اللغة مثل مات الرجل وحملت المرأة وكل افعال انظمة الوجود فهي افعال ليست للانسان من حيث الانشاء فلا يتأتى ادخالها في ابحاث افعال الانسان وانما هي افعال القضاء في الانسان وقعت عليه فهي ليست موضع جزاء .
من اين جاءت التوراة
من جزيرة العرب
ام من أين ؟!
قراءة لمحاضرة الأستاذ فرج الله ديب القاها في منتدى مؤسسة شومان
يوم السبت تاريخ 29/9 /1994م
من اين جاءت التوراة من جزيرة العرب ام من أين ؟!
العنوان هو عنوان محاضرة القاها المحاضر البناني الأستاذ فرج الله ديب في قاعة مؤسسة عبد الحميد شومان مساء يوم السبت تاريخ 24/9/1994م استمع اليها جمع كثير العدد كثرة تلفت النظر .
المحاضر كما جاء في برنامج مؤسسة شومان هو الكاتب المختص بأبحاث التاريخ والثقافة الشعبية وفي تقديم الدكتور اسعد عبد الرحمن للاستاذ المحاضر عّدد عددا من كتبه المنشورة والتي في سبيل النشر .
محور المحاضرة ومرتكزها نفي صلة اليهود واحداث التوراة رجالا وبلدانا ومواقع بفلسطين والعراق ومصر وبلاد الشام وتحويل هذا المحور نحو اليمن شماله وجنوبه ونحو قسم من اراضي نجران معتمدا في ذك على دراسة لاسماء المواقع كما هي في اليمن ونظرا لتباين الاسماء من ناحية صوتية بين التوراة والواقع الجغرافي المعاصر فقد بحث في صوتيات اللغة العربية ولهجاتها واللغة السريانية وصوتياتها … الخ مرتكزاته للوصول الى النتيجة التي وصل اليها كما يظهر قبل البحث بل توصل اليها افتراضا ثم فتش عما يصلح دليلا لافتراضه .
مقولته ان التوراة لا صلة لها بفلسطين والعراق وبلاد الشام ومصر وهي مقولة سبق للدكتور كمال الصليبي ان قالها في كتابه (( التوراة جاءت من جزيرة العرب )) ، والكتاب نشر عام 1985 وان كان الدكتور كمال الصليبي قد الفه وانتهى منه 1982 .
منهج الدكتور الصليبي هو عين منهج الأستاذ فرج الله ديب ورغم وحدة المنهج الا ان المقارنة بينهما هي ان الصليبي ارتأى ان عسير جنوب المملكة العربية السعودية هي مكان احداث التوراة بينما ارتأى الأستاذ فرج الله ديب ان يتجه جنوبا اكثر فاكثر بحيث اوصلها الي ( ابين ) الواقعة قرب مدينة عدن ومع ان الباحثين الدكتور الصليبي والاستاذ فرج اعتمدا على ان الحفريات في فلسطين لم تؤكد ان فلسطين هي مكان احداث التوراة رغم النشاط المستمر في الحفريات طيلة قرن كامل الا انهما اهملا الحفريات تماما في الادعاء بأن التوراة جاءت من جزيرة العرب بل واهملا اوصاف المدن واهملا ايضا تاريخ العراق وبلاد الشام وفلسطين ومصر أي هل كانت هذه البلدان الاربعة بدون سكان ؟ ودون احداث في فترة ابراهيم ولوط واسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداوود وسليمان ؟ وهؤلاء الرجال هم انبياء ورسل الى بني اسرائيل بنص منطوق القرآن الكريم .
الاسماء التي جعلها الباحث موضع الاستشهاد ، هي اسماء محدودة لا تبلغ اكثر من خمسين اسما ومحاولة اثبات مطابقتها لاسماء بلدان ومواقع في اليمن ، تم ضمن منهج متحيز ومتعسف في كل احواله ، ولكن ما تناساه السيد المحاضر هو ان الاسماء لمواقع وبلدان ورجال ونساء في العهد القديم ، تبلغ الالاف فأين بقية هذه الاسماء ؟!
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام ، فهو تسليمه تسليما تاما بصحة روايات التوراة التاريخية ، فلا بد ان الوجدان الشعبي اليهودي ثم المسيحي عملا في تفصيلات الاحداث بما يروق لهما فالتوراة وخاصة سفر التكوين والخروج بل كل العهد القديم بجميع اسفاره القانونية وغير القانونية والعهد الجديد احدث فيه مؤلفوه او كتبته اضافات وتوصيفا مخالفا للواقع ، وهذا ما يقر به التوراتيون المحافظون يهودا او نصارى .
والسؤال المشروع والمطروح بعد ان اكد المحاضر عروبة العبريين وانهم من اهالي اليمن في القرون السالفة ، وان هؤلاء اليهود الاوروبيون هم مجرد تجميع اوروبي ليهود اوروبيين عرقا وان الادعاء التاريخي والديني بانهم من بني اسرائيل ومن جذور كانت تسكن في فلسطين هو مجرد وهم – ما هي فائدة البحث ؟
ان رد دعوى يهودية وسامية اليهود الاوروبيين لا يحتاج لاثبات ان اليهود من سكان اليمن ، بل يحتاج الى بحث في تاريخ التكونات والتجمعات اليهودية الاوروبية ، من حيث الاصل والهجرة ومن حيث اللغة ، ومن حيث العرق فهو بحث في تاريخ اليهود الاوروبيين وعلاقتهم بالمجتمعات الاوروبية ، التي لم تكن تقبل بهم لدعوى ساميتهم او لتدينهم باليهودية ، التي هي محل سخط واستنكار من الفكر المسيحي قبل العلمانية ولا زال الوجدان الشعبي الاوروبي يرفض اليهودية لاسباب معلومة دينيا والذين يقبلونهم انما هم مجموعة العلمانيين والسلطات الليبرالية الديمقراطية الموجودة في الحكم في كل اوروبا واميركا واستطاعت هذه السلطات الليبرالية الديمقراطية ان تؤثر على البابا والاكليروس المسيحي وانتزاع الاعتراف باليهودية ، وما تبرئة اليهود من دم المسيح عنا ببعيد !
ومما يلفت النظر ان فرج ديب الباحث وقبله الباحث الدكتور كمال الصليبي لم يرفضا التواجد اليهودي في فلسطين ، بل ارتأيا ان اليهود هجروا اليمن ، وان الاسماء الموجودة في فلسطين هي تسميات محدثة ، احدثها اليهود بعد هجرتهم لفلسطين ، فجاءت هذه التسميات مساوية تماما للاسماء التي هاجروا عنها .
يستخلص من مادة المحاضرة ما يلي :
1) اليهود عرب عاشوا في اليمن وهاجروا فيما بعد الى فلسطين وتركوا هناك اسماءهم ولا تزال ماثلة حتى الان ، ونقلوا الى فلسطين بعض هذه الاسماء وهذا سر التطابق بين اسماء التوراة واسماء موجودة في اليمن اما الاسماء في فلسطين فهي مجرد انتقال اسماء من الدار الاصل الى دار الهجرة .
2) صحة المرويات التاريخية التوراتية بدليل وجودها في اليمن ، الموجود الاسماء فقط على حد زعم المحاضر .
3) احداث هزة في كل تاريخ الامم والدول والشعوب ، في العراق وبلاد الشام ومصر ، فالكلدانيون كما جاء على لسان المحاضر هم بنو خالد !
اما ما هي الفكرة التي ارادها المحاضر فقد تركنا في حيرة من امره ، دون أي بيان فهل الكتابة عن هذا الموضوع ذات هدف علمي معرفي أي لحساب التاريخ ، ام انها تتجاوز ذلك الى اهداف فكرية او هي ذات اهداف سياسية !
في الحقيقة ان مقولة ان التوراة جاءت من جزيرة العرب فضلا عن عدم ترابطها معرفيا وتناسقها علميا فهي مجرد اجتهاد على راي الأستاذ فرج ديب الا انها تحتوي او تتضمن هدفا سياسيا واخر فكريا اما السياسي فهو من الوضوح حول عروبة اليهود والتوراة ويعطي لدعاوى التوراة التاريخية مصداقية بديلا عن التشكك في معطياتها التاريخية من حيث التفصيل على الاقل .
اما الفكرة فأكثرها خطورة ، فرغم ان القرآن لم يؤرخ لبني اسرائيل وانما اورد قصصا لابراهيم ولوط واسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون ويونس والياس واليسع وايوب ، وذكر بني اسرائيل وال عمران واضطهاد اليهود على يد فرعون ورحلة موسى الى مدين واخبر عن ملك داود وسليمان وتحدث عن جالوت وطالوت والارض المقدسة والارض المباركة ، وزكريا ويحيى ومريم وعيسى والاحبار في كل مترابط ، اوردها القرآن الكريم للتفكر والاعتبار والتثبت وتحرير موضع الاختلاف وزواله ، ذاكرا مسرح هذه الحوادث تلميحا لا تصريحا ، ولم يأخذ المفسرون المسلمون اسس هذه الحوادث ومحاورها من التوراة وانما اخذ بعض تفصيلاتها من اهل الكتاب ، رافضين بعض التفصيلات التي تتعارض مع القرآن الكريم .
ان رفض تلميح القرآن الكريم من خلال الكلمات التالية مصر فرعون مدين ومجاوزة بني اسرائيل البحر ، وغرق فرعون والارض المباركة والطور وهامان وسبأ وملكة سبأ ، وغيرها يعني بالتحديد التشكك في صحة قصص القرآن الكريم .
ان التشكك في القرآن الكريم وصحة قصصه يتلازم تلازما تاما مع هذه المحاضرة سواء اكان ذلك عن قصد من المحاضر وهذا لا ادعيه او بدون قصد والدليل على ذلك مقولة احد المحاورين ، حين ادعى ان الغرب نقد مقولات النص المقدس العهد القديم والعهد الجديد ولكن المسلمين يرفضون نقد النص القرآني !
ان النص القرآني ليس نصا مكتوبا بواسطة اناس ملهمين كما هي الدعوى حول الكتاب المقدس بعهديه ، بل هو عين كلام الله خلقه الله على قلب جبريل ، وبلّغه جبريل محمدا صلوات الله عليه ونقل الينا بواسطة كتبة الوحي امامه ولهذا فالنص القرآني لا يقبل النقد ، ولا يجوز نقده بل يجوز الاجتهاد في فهمه ، وتغير فهمه بسبب من الزمان والمكان والافق المعرفي ، وهذا التغير هو تغير فهم الناس وليس تغير النص القرآني .
ان النص القرآني هو نص فكري ، حوى ابدع ما في الاسلوب الادبي من صور بيانية .، وهو نص معطاء لا يتوقف عطاؤه ، لكن عطائه مرتبط بأصول منهجية معلومة ومعروفة ، هي لغة العرب وتراكيب العرب ومصداقية التراكيب ، أي مفاهيم المفردات والجمل والسياق وهو مؤسس على اصول الدين الاسلامي التي هي التوحيد والعدل والنبوة والشريعة والجزاء .
ان البحث بالنص القرآني صحة وبطلانا انما هو بحث في اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله ، فالاقرار بهذين الشهادتين اقرارا عقليا يقيم الدليل الواضح البين ، على صحة القرآن الكريم ووجهة دلالته ، فالبحث في القرآن يتوجه أولا الى البحث في الالوهية ثم صفات الله الذاتية وصفات افعاله ثم في النبوات ، والمعجزات هي اساس برهان النبوة ، ثم في المعجزة القائمة والشاهدة الى قيام الساعة معجزة القرآن وبالتالي تتم الشهادتان شهادة ان لا اله الا الله وشهادة ان محمدا رسول الله ، لنعلم يوم القيامة والملائكة وكل المغيبات من خلال القرآن فقط هكذا هي طريقة بناء الايمان الاسلامي .
ان الايمان الاسلامي لا يتجزأ فالايمان بما اورده القرآن الكريم من اسماء للانبياء ، وقصصهم ومسرح تحركاتهم وحياتهم ، هي حقائق ثابتة ، والتاريخ الحقيقي المدون ووقائع الحفريات دالة على صحة قصص القرآن الكريم على وجه الاجمال .
ان الدعاوى النشطة الان حول التوراة واليهود ودعوى انهم من جزيرة العرب ، لا يمكن على المستوى المعرفي ان تكون اقوى علمية واوضح برهانا واجلى حقيقة من الدعوى الكلاسيكية القائلة بأن ابراهيم من كلدان العراق وانه عبر الاردن وعاش في جنوب فلسطين ، وانه رزق بولدين اسماعيل واسحق وان اسحق ولد له يعقوب وان يعقوب واولاده البالغ عددهم اثني عشر استقروا في مصر وتوالدوا وكثروا وانهم خرجوا في عهد موسى ، وانهم دخلوا الارض المقدسة في زمن خليفة موسى ، فهذه ترتكز الى تاريخ وحفريات العهد القديم والعهد الجديد ، والقرآن الكريم يشهد للاجمال بالصحة ولا يشهد للمفردات بالصحة ، بل يسكت عن المفردات والتعيينات فالانقلاب على على كل هذا واعطاء تصور آخر يفقتد المرتكز والبرهان ، امر في غاية الغرابة .
لقد تسرب الينا منهج التحطيم ، وهو منهج غربي يعمد الى المقولات السائدة فيحطمها تحطيما ، طلبا للحداثة وهذه الحداثة لابد ان تحطم طلبا لما بعد الحداثة وهكذا ليس هناك ، من ثابت فلا تستقر الانسانية في اللتفكير بل هي عملية بناء وتحطيم ، ومثل هذا المنهج ان صلح جزئيا للمعارف العلمية التجريبية او للمعارف الفلسفية غير المستقرة ، واذا ظهر ان لهذا المنهج بعض الفوائد الا ان هذا المنهج في الحقيقة ليس هو قائد حركة التاريخ ، ولا نشاط العلم ولا التقانة ولا العمل السياسي ، وكلها سائرة على طريقة النمو واالمتداد والتمحيص والتحقيق من خلال السبر والتقسيم ، ومعاودة عملية الاستقراء وتنامي عملية التدوين والفهرسة ومواصلة البحث والاكتشاف أي هي سيرورة متواصلة ولا ترتكز للتحطيم او القطيعة .
ان احبولة التحطيم هي مجرد احبولة ، يستعملها الغربيون لإيقاع المغفلين في هواهم ورهين محبسهم ، دون ان يكون لمنهج التحطيم حقيقة واقعية عند الغرب ، اما حقيقة المنهج النظرية فلا خلاف عليها ولكن المنهج بلا مسمى .
النظام السياسي في الإسلام
بين
النظام التاريخي
و
النظام المأمول
و
النظام المطلوب
النظام السياسي المطلوب
لا يشك واحد من أهل القبلة ، بل وأي واحد من الناس له بعض دراية بالتاريخ الإسلامي – بوجود ارتباط بين الإسلام (النص) والإسلام (التطبيق) وكما أن الإسلام (النص) يحتاج إلى فهم فإن الإسلام (التطبيق) يحتاج إلى قيادة سياسية لها صلاحيات التطبيق فتجعله مطبقا ، هذا ما فعله الرسول صلوات الله عليه إذ كان يخبرهم بالنص (القرآن) كنبي ورسول ويقوم بالتطبيق كرئيس دولة ، ومن عمله التطبيقي فعله هو وإقراراه لعمل يعمله الناس أمامه ، ومن مقولاته كبيان لكيفية التطبيق وجد النص الثاني (السنة) .
وإذ توفي الرسول صلوات الله عليه انتهى النص الموحى به قرآنا وبيانا ومع ضرورة الاستمرار في تطبيق الإسلام اختلف المسلمون فيمن يخلفه أي لمن ولاية أمر المسلمين بعد الرسول (القيادة السياسية) ؟ وهل هذه القيادة السياسية هي مرجعية لفهم النص (الكتاب والسنة) حين الاختلاف في الفهم أم لا ؟ .
ما سبق هو أساس الاختلاف ومنه تولدت كل الاختلافات ، وبعبارة موجزة فإن أول اختلاف كان حول الإجابة عن سؤالين مهمين : السؤال الأول : لمن الأمر بعد الرسول ؟ والثاني إلى أي مدى يطاع ؟ .
لقد أجاب المسلمون على السؤال الأول إجابتين مختلفتين الإجابة الأولى : إن الله أناط أمر المسلمين بـهم يعطونه لمن يبايعونه بالرضا والاختيار على تطبيق النص والالتزام به . الإجابة الثانية : هي أن الأمر لله وضعه في آل بيت رسوله .
ومع الزمن نما الاختلاف واتسع وكثر الجدال فيه جاعلين النصوص سندا لواقعين مختلفين ، وتحول الأمر إلى اختلاق نصوص بل إن الذين قالوا بالرضا والاختيار – ولأن الرضا والاختيار لم يتحقق في ولاية أبي بكر وعمر دون معارضة قليلة جدا لكن تحقق الرضا بهما رضوان الله عليهما من مجمل الناس بشكل واضح – عمدوا إلى وضع نصوص تسد هذه الثغرة – مع ملاحظة أنه تحقق القبول والطاعة لولايتهما .
إن كل إجابة من تلك الإجابتين حملت في طياتها اشكاليتها ، فقد اختلف المسلمون على الصفات التي يجب أن تتوفر في صاحب الأمر هذا ، واختلفوا في اختياره ، فهل يختاره أهل الحل والعقد؟ أم الأمة كلها ؟ وما هي صفات أهل الحل والعقد ؟ وما هو العدد من أهل الحل والعقد الذي تنعقد فيه الخلافة ؟ وهل أهل الحل والعقد أهل العاصمة ؟ أم العاصمة والأمصار ؟ وهكذا يتضح أن الإجابة الأولى أثارت مشاكل عديدة ، وان الرجوع إلى تاريخ الراشدين يبين مدى هذه المشاكل ، ويوضح العديد من الاختلافات ، فبيعة أبي بكر فلته كما وصفها عمر ، وبيعة عمر في عهد من الخليفة قبله بعد التشاور مع الناس ، كما قيل أو بدونها ، كما قيل أيضا ، وبيعة عثمان تمت بعد مشورة سرية من قبل عبد الرحمن بن عوف لأهل العاصمة رجالا ونساء ، وإذ بايع عبد الرحمن لعثمان بايعه على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين (المقصود بالشيخين أبي بكر وعمر) وهكذا يعلم كم هي المشاكل الناتجة في هذا الجزء .
أما إلى أي مدى يطاع فالأمر أكثر تعقيدا ، فأحاديث الطاعة التامة وان أكل الأموال وان سرقها وان جلد الظهر وان فعل المنكر في نفسه وفي المسلمين ، ما لم يأمر بمعصية ، مع أحاديث تقابلها وتعارضها من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإزالة الجور بحد السيف … الخ هذه المقولات المتناقضة.. نتج انقسام داخل من يقول بفكرة عقد المراضاة .
وعند العودة للإجابة الثانية ، وهي أن الأمر لله ورسوله وضعه رسوله بوحي من الله في آل بيته ، أي انه في علي وأبنائه من فاطمة ليكون في عقبهما إلى يوم القيامة . إلا أنها أثارت من المشاكل الكثير . إذ ادعّى العباسيون بالذات أن الحكم لهم ، فانقسم آل هاشم إلى عباسيين وطالبين . وزعم مؤرخو الفرق انقسام الطالبية إلى جناحية وكيسانية وآل البيت ، وانقسم آل البيت إلى : إمامية وزيدية وإسماعيلية ، اندثر البعض منها ولا تزال إلى الآن في ثلاث فرق كلها تنتمي إلى آل البيت هي : الإمامية والنصيرية فرع منها ـ ولكنه فرع فيه الغلو الشديد ولهذا فهو مطرود من الإمامية ، والزيدية ، و الإسماعيلية المنقسمة إلى نزارية ومستعلية ، وأخيرا الدروز إذ هم فرع من الإسماعيلية النزارية وانقسام المستعلية منذ 1005 هـ إلى بهرة سليمانية وبهرة داهودية والحقيقة هي قسمة أهل النص إلى زيدية وامامية ثم انقسام الإسماعيلية عن الامامية إلى انقسامات ، وهكذا يعلم اختلاف القائلين بالنص إلى العديد من الآراء والفرق .
وعند موضوع الطاعة تتباين الآراء فهو مطاع معصوم عند الشيعة الامامية وله ولاية تكوينية ، وهو مطاع ما دام عدلا عند الزيدية ، وهو إله أو حل فيه الله عند الإسماعيلية وما تفرع عنها من فرق .
الخلاصة المكثفة السابقة أظهرت جليا المشاكل المتعددة والمختلف عليها في الفكر السياسي الإسلامي ، وأوضحت أن السبب يكمن في أدارة فهم النصوص وفق الهوى المسبق ، وفي الجرأة على وضع الأحاديث خدمة لرأيهم ، مما جعل المسألة داخل هذا المساق عسيرة الحل إن لم تكن مستحيلة الحل .
إن زعم الزاعمين بأن أحاديث الرسول صلوات الله عليه كافية لنزع فتيل الشقاق والنزاع أمر لا يثبت إذا علمنا أن كلا من أهل السنة والجماعة والامامية وهي الفرق الأكثر تناقضا يقوم سندهم على رواية الثقات ، ولكن أي ثقات ؟ !!! ثقات أهل السنة والجماعة كذبة عند الشيعة ، وثقات الشيعة الامامية كذبة عند أهل السنة والجماعة وهكذا يستعصي الأمر .
ولرب قائل يقول بوجود أحاديث مشتركة بين الشيعة وأهل السنة والجماعة ، فلماذا لا تكون هذه الأحاديث المشتركة هي الحل كحديث الثقلين ؟ وحديث غدير خم وحديث الرزية يوم الخميس وحديث الراية يوم خيبر وحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى .
إن هذا القدر المتفق فيه رواية مختلف فيه اختلافا بينا معنى ، ليس بين أهل السنة والجماعة والشيعة ، بل داخل الشيعة نفسها ، فالزيدية ورجالهم خاصة من آل البيت ، الحسن بن الحسن ، وعبد الله بن الحسن المثنى ، وزيد بن علي زين العابدين ، ومحمد النفس الزكية ، يرفضون مقالة الشيعة الإمامية ، ويرونه نصا غير جلي ، بينما يقول الامامية بأنه نص جلي وقطعي ومن أصول الدين عندهم .
لكن المشكلة الأكبر لو سلمنا جدلا أن الرسول عين عليا أميرا للمؤمنين بعده فما هي مرتكزات تعيين الحسن والحسين إلى إثني عشر إماما هم أئمة أهل البيت ؟ وما هي المرتكزات لدعوى العصمة لهم ؟ وما هي المرتكزات لأن يكون النص على إثني عشر لا غير ؟ أمور كلها غير مبررة وغير مقنعة . ولهذا تباين فيها أهل البيت أنفسهم .
إن الأنكي من هذا ربط المسلمين عودة العدل واستقامة الأمر وزوال الاعوجاج في أمام من آل البيت مهدي هذه الأمة، يصلحه الله في ليلة عند أهل السنة والجماعة ، وهو في الغيبة الكبرى عند الشيعة الامامية ، ويدعون دائما (عجل الله فرجه) ، وإذا كان لمن سيم العذاب والقهر والجور في العهد الأموي والصدر الأول من العباسي عذر لمثل هذا الحلم المكذوب مع أن الإمامية في التقية والقعود لم تتعرض للقتل كما يزعمون !! إن جعل العدل يأتي لوحده ممكن القبول به بسياق زمني محدود جدا فإن في انتظار هذا العدل وقد مرت المئات من السنين وحال الأمة تزداد سوءا يعتبر هذا الانتظار حالة تخلف وقعود ورضا بالظلم واستمرار للهوان ، أما مقالة أهل السنة والجماعة بضرورة الفعل مع الحكم عليه سلفا بالفشل ، إذ أنهم يرون عودة الخلافة الراشدة مرتبط بمجيء وعد الله إذ بدون زمنه فالفشل هو الحليف ، ومقالة ولاية الفقيه عند الامامية التي جاءت متأخرة فإنها لن تنجي الأمة من المهلكة والضياع والعذاب الشديد يوم القيامة .
لكن كيف قابل أهل السنة والجماعة أهل النص والتعيين والعصمة والمهدي المنتظر ؟ قابلوه بنفس المادة والتعيين لأبي بكر وعمر ثم في قريش وأقاموا عصمة لكل الصحابة في سائر طبقاتها يستوي أهل الطبقة الأولى مع الطبقة الأخيرة الثانية عشرة وينتظرون مهديا منتظرا من آل الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وفرضوا وجوب طاعة الظلمة ودافعوا عن تصرفات يزيد بن معاوية .
إن النظام الإسلامي العادل هو نظام مأمول عند الشيعة الامامية وهم خمس الأمة الإسلامية وعند أهل السنة والجماعة وهم أربع أخماس الأمة الإسلامية وهكذا تحولت الأمة إلى امة منتظرة وما تقوم به من أعمال غير جدية لإعادة الرشد الإسلامي ، إنما تقوم به لزوال الإثم عنها ، وليس لتحقيق النتائج .
الإسماعيلية بجميع فرقها وان كان تعد من حيث الأصل من الأمة الإسلامية إلا أنها خرجت من هموم الأمة الإسلامية وهي الآن حركات دينية مغلقة ، أما الطائفة النصيرية وهي من حيث الأصل من الامامية ، وكون آل الأسد :حافظ الأسد وابنه بشار من النصيرية لا يعني عودة النصيرية للسياسة فهي لا تزال أدوات خارج الهم السياسي كل ما في الأمر أنها تستغل كواحدة من أدوات الإسناد لحكم آل الأسد في سوريا بالإضافة إلى السند حزب البعث السوري لكن السند الأساسي لحكم سوريا هو الغرب خاصة الولايات المتحدة ، رغم الاختلاف الناشب بينهما الآن.
بقي من الأمة الإسلامية الزيدية في اليمن الشمالي ، والاباضية في عمان أما الاباضية في ليبيا وتونس والجزائر فقد ارتضوا نظام العزّابة كصيغة سياسية وقائعية تمنع الاندثار ، أما الزيدية في اليمن والاباضية في عمان فعوامل التآكل لفكرهم السياسي هي من الوضوح بمكان ، وعوامل التآكل لجماعتهم كجماعة سياسية واضح تماما ، إذ تتعرض الفرقتان لهجوم سلفي واضح .
إن المطلوب الآن هو إحداث نقلة في الأمة الإسلامية كلها ، ولكنها أي النقلة لا بد أن تبدأ بمجال حيوي ومهم وقادر على حماية نفسه وعلى التوسع ، هذا المجال هو العراق وبلاد الشام كلها ومصر وشمال الجزيرة العربية موئل مهبط الوحي كجغرافية سياسية فكرية تستهدف هذه النقلة بناء طريقة تفكير على أساس الإسلام عندها وفي مجملها وبيان منهج لفهم النص الإسلامي يصحح مفاهيمها ويسير بها في مدارج الرقي وحركة جماعية للتغيير السياسي والثقافي الحضاري وبناء قدرات الأمة في العلم التجريبي والاكتشاف والاختراع والصناعة لتتمكن من إيجاد دولة الأمة الإسلامية المميزة القادرة على صنع التاريخ وليست الواقفة في محطة مر منها التاريخ لتنتقل بعدها إلى الأمة المتسلمة زمام القوامة على العالم .
ذلك هو النظام السياسي المطلوب نظام الدولة الإسلامية دولة العدل والهداية مرتكزة لمجمل الأمة الواعية القادرة على الفعل وهذا لا يتأتى بالعودة إلى التاريخ وإنما بصناعة الإحداث سياسيا ، أي صناعة التاريخ منتفعة في ما مضى من التاريخ تفكرا واعتبارا وتثبيتا واقتدارا على إنتاج الأفكار .
إن النظام المطلوب مرتبط ارتباط حتم بحس الأمة حسا مرهفا بحاجتها إلى إعادة بناء نفسها في فكرها ومشاعرها بتحرير إرادتها وسيادتها من السيطرة ، وممارسة الفعل ممارسة مستمرة ،دؤوبة جدية ، وان الفعل لأجل هدف فما لم تكن على هذه الصورة فإنها ستكون سائرة في الحلقة المفرغة كما قد سارت سابقا وحصدت منه الفشل والتردي والسقوط واستسلمت الآن لعدوها في حالة من يأس وقنوط إن ذلك هو الاندثار لأمة أراد الله إرادة شرعية أن تكون هادية للبشرية ، وفي محل القوامة عليها .
إن مثل هذا الهدف لا يتأتى وجوده بدون تغيير أساسي شامل في مجمل فكر الأمة بحيث تعود لها فاعليتها ويعيد للنص قدرته على حل مشاكل الحياة مهما تجددت ومهما تنوعت وكيف تعقدت بإعادة الاجتهاد وهذا البذل يجب أن يتوجه نحو الفكر السياسي والفكر الحركي لصنع أمة قادرة على إنتاج دولة الأمة وهي أمة ذات حضارة إنسانية راقية وذات إنجازات علمية متقدمة .
إن دولة الأمة هي الدولة المرتكزة والمعتمدة على الفكرة السياسية المبدأية والموصوفة بالتحديد والوضوح والبلورة والصفاء والنقاء والحيوية من خلال التطور والحركة والنمو والإنشاء والارتقاء شريطة أن تكون ذات مرجعية ليست مرجعية أشخاص بل مرجعية فكرية وحشد من المفكرين والمبدعين أو المدركين لواقع الأفكار يشكلون عقل وعين الأمة برفع وعيها رفعا حقيقا أي إنهم ليسوا أوصياء عليها وإنما هم أصحاب دعوة يقدمونها لغاية رسالية ( الرسالية تعني مباشرة الدعوة كمهمة وليس طلبا للمجد أو المال أو الحكم وان كانوا يعملون على وصول فكرتهم للحكم ) فإذا حدثت النقلة في الأمة قام النظام السياسي المطلوب ولا بد من استمرار الرساليين في العمل على المحافظة على الأمة من الانتكاس في الحس والفكر ومنع السلطة من الجور .
في سبيل فهم التراث
الكلام والحديث والنطق واللفظ
الإنسان كائن مفكر ، فالفكر أهم صفة يتميز بها الكائن المعلوم (( البشر)) عن غيره من الكائنات ، بدونه ينزل الإنسان إلى درك الحيوان ، لكن الفرد الإنساني المفكر لا يكتفي بمباشرة التفكير ، بل يحاول نقل فكرة إلى غيره من إخوانه من البشر ، هذا النقل هو الذي يجعله إنسانا ، والأداة الأمثل لنقل الأفكار هي الكلام ، والكلام هو الحروف المنظومة والأصوات المقطعة وفق نظام مخصوص ، والإشارة ليست من الكلام ، وإنما هي بديل للكلام ، يلجا إليها في حالات مخصوصة ، هي العجز والأسباب الخاصة ، والمهمل والمستعمل كله كلام ولكن المهمل يجري مجرى العبث حين التكلم به ، بخلاف المستعمل فإن الحكمة لا بد أن تكون واضحة فيه .
والكلام من نعم الله تعالى العظام على الإنسان ، به يتمكن من الإفهام والاستفهام ، ولا يقوم غيره مقامه ، ولا شيء يتسع اتساع الكلام ، للتعبير عن جملة المعاني التي تدور في خلد الإنسان ، فالتلازم بين إنشاء الأفكار إلى كلام أمر لا بد منه .
ومع أن الكتابة أدت ماضيا وحاضرا نفعا عظيما للإنسان ، إلا أن نفعها وفائدتها ترتبت على الفائدة بالكلام والكلام يضاف إلى موجدة سواء أكان مسموعا من موجدة أو من غيره وسواء أكان مكتوبا أو منطوقا به .
فسماع رائعة مالك بن الريب أو قراءتها من كتاب ، لا يغير من واقع هذه القصيدة إنها له دون غيره . فالكلام لا ينسب إلا لمن أوجده بغض النظرعن الصورة التي أوجده فيها .
والأصل في الكلام أن يكون حقا ، وان يعبر عن حق ، ولهذا وصفت الكتب السماوية المنزلة بأنـها كلام الله ، والكائن الإنساني هو الذي يخرج الكلام عن وظيفته الأصلية ، فيحوله من كلام طيب إلى كلام خبيث ومن كلام صدق إلى كلام كذب ومن كلام حسن إلى كلام سوء ومن كلام عدل إلى كلام ظلم ومن كلام جميل إلى كلام قبيح .
والحديث وان كان يعبر عنه أيضا بالكلام المسموع أو المكتوب ،إلا إن الحديث لا يعبر عن إنشاء لقائله،وإذ الكلام بالحديث يتعلق بالحادثة والجدة ولكن الحديث من حيث هو حديث لايشترط جدته بل الجديد مجرد الحديث عنه وأغراض الحديث الإنس واللهو والأخبار والحدث ماض أو آت ورؤيا المنام ، ومن هنا افترق الكلام عن الحديث ، ليس من ناحية المعنى فقط بل من ناحية الغرض ومن ناحية الإنشاء،فالجملتان هذا كلام وهذا حديث لا يتطابقان في المعنى .
وما يلاحظ الآن من تغيير في المعنى بالقول هذا كلام ! من أن المقصود مجرد كلام عديم النفع والفائدة، فان المراد ليس وصفا للكلام من حيث هو كلام ،بل المراد هو الحالة الفصامية بين المتكلم وبين كلامه ، إذ يقول كلاما متعلقا بالإيمان لكنه من ناحية عملية يفرغ الكلام عن محتواه الإيماني ،أو يقول كلاما يدعو إلى أفعال فتراه أول من أدار ظهره للفعل .
وتحريف الكلام عن موضعه أو تبديله بلاء ابتليت به الإنسانية ، فحرفوا كلام الله عن موضعه بل وبدلوه ، ولا زالوا اليوم وأمس وغدا يمارسون التحريف والتبديل والتحوير وهكذا عمدوا إلى أعظم نعم الله فأفقدوها خاصيتها وميزتها .
وتحريف وتبديل الكلام يؤثر فيما يؤثر على العامة ، فيجعلها ذات عقل منحرف ولا يميز بين الحق والباطل ، وبين الرشد والغي ، وبين الصواب والخطأ وبين الحسن والسوء ، وبين الخير والشر ، وبين الحكمة والعبث ، وبين النافع والضار وبين الصلاح والفساد فيختل عندهم الميزان .
وما اختل ميزان قوم إلا وساروا إلى الهاوية ، وما صلح ميزان قوم إلاّ وساروا نحو العلو والرفعة ، والرقي ، واختلال الميزان أو صلاحه له أصل واحد لا غير هو الكلام ، فصلاح الكلام صلاح لأحوال الناس ، وفساد الكلام فساد الأحوال الناس . ذلك أن الكلام أداة التعبير عن الفكر .
وللناس ستة أحوال في طلب الصلاح هي :-
1- حال الفرد كفرد في الدنيا أي حال عيشه .
2- حال الفرد كفرد في الآخرة أي حال عبادته .
3- حال الفرد في الدنيا والآخرة أي حال عيشه وعبادته .
4- حال المجتمع والفرد جزء منه في الدنيا أي حال نظام المجتمع .
5- حال المجتمع والفرد جزء منه في الآخرة أي حال عبادات المجتمع .
6- حال المجتمع والفرد جزء منه في الدنيا والآخرة أي حال المجتمع على سبيل الشمول .
والحالة السادسة هي الحالة المثلى ، وما عداها من أحوال فهي الغثاء والحالة السادسة تضم الأحوال الخمسة وتحتويها ، وغيرها لا يضمها ولا يحتويها . واللادينيون خارجون عن الأحوال الستة فلا تضمهم إلا حالة العبثية والعدمية وهذه لا تسمى حالة حياة .
والرسل ارسلهم الله بكلامه لجعل الانسانية مجتمعا ودولة وفردا على الحالة السادسة ، والمصلحون نادوا بكلام من عندهم لجعل الانسانية على الصلاح مجتمعا ودولة وفردا على الحالة الرابعة . والمتصوفون والمتعبدون قالوا كلاما من عندهم لجعل الإنسانية على الصلاح مجتمعا ودولة وفردا على الحالة الخامسة ، والأحوال الثلاثة الأخرى مجرد أفراد ذاتيين ، يهتمون بأنفسهم من خلال قوة الغرائز لديهم .
وكلام الله حق يعبر عن فكر حق ، ليس لأنه من الحق بل لأن الناظر العاقل يدرك انه حق إذ يستطيع أن يعلم انه كلام مبني على التوحيد والعدل وهما أي التوحيد والعدل ميزان الإنسان لمعرفة الحق من الباطل .
والحديث أي حديث لا يعرف انه حق إلا بعرضه على كلام الله الحق وكلام الله لا يعرف انه حق إلا بميزان العدل والتوحيد ، ومن هنا تعلم أن الحديث لا يعلم أنه حق إلا بميزان العدل والتوحيد .
والحديث كلمة غير مرادفة للسنة لا جذرا ولا معنى ولا يوجد قدر مشترك في المعنى بين الكلمتين ، فالحديث متعلق بالأخبار عن أمور ماضية أو آتية ، وقد تكون هذه الأخبار حقا أو باطلا والتي يجعلها حقا أو باطلا هو الميزان ((العدل والتوحيد)) أما السنة فهي تدل على أعمال سبق أن عملت ومطلوب عملها على سبيل المعاودة والاستمرار أما السنة المضافة إلى رسول الله كبيان لما أجمله كلام الله تعالى سواء ورد البيان قولا أو عملا أو إقرارا .أما النطق فهو التصويت بالكلام أو بكلام غيره ولهذا فإن من الغرابة أن يستشهد الأصوليون بقول الله تعالى ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3- 4)) ظنا منهم أن هذا دليل على السنة ، إذ المعلوم أن تصويت الرسول بكلام غير القرآن ليس وحيا ،حتى تصويته بالسنة ليس وحيا ، وإنما الوحي هو المعنى فقط ، والدليل للسنة هي أدلة الطاعة للرسول وأدلة التبيين ، والنطق من أفعال بني الإنسان ، والنطق لا يجوز بحق الله تعالى إذ هو من أفعال المحدثين المخلوقين ، فالنطق يحتاج لمحل وحدث ويتغير ويتتابع النطق بالحروف لنكون الكلمة . والله منزه عن الحاجة للمحل والحدوث والتغير ، وأمر تنزيه الله عن النطق يعلم بدون إعمال ذهن المفكر والعالم بل المفكر العادي واللفظ من حيث اللغة أن ترمي بشيء كان في فيك ، ولفظت الشيء رميته ، والدنيا لافظة لأنها ترمي بمن فيها إلى الآخرة والأرض تلفظ الميت إن لم تقبله ورمت به . والبحر يلفظ ما في جوفه إلى الشطوط ومن المعاني الجديدة الاستعمال أن المجتمع يلفظ من لا يرضى عنه خارجه ومثل هذا الاستعمال ليس صحيحا ، لأن المجتمع ليس بطنا على الحقيقة أو على المجاز حتى يستطيع أن يلفظ من يريد لفظه من المجتمع ، وعلاقات المجتمع توصف بالولاية والبراءة والإقبال والأدبار والقبول والرفض .
ولفظ الرجل يعني انه مات ، لأنه لفظ آخر أنفاسه وأرماقه ، وقول الله تعالى ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18) .يعني ما يخرج من كلام من فيه ، واللفظ هنا لا يراد به النطق أي التصويت بالكلام ، وإنما يراد به على ضوء معنى اللفظ إن المراد الأقوال التي تحوي مجازفات لا تجد لها لاقط لأنها من الأقوال الملفوظة أي المرمية فهي تعود على صاحبها باللوم ، ولا تنفع غيره وكون البحر يلفظ النافع والضار على شطوطه لا يعني أن اللفظ من الإنسان فيه النافع والضار بل هو الضار مطلقا ..
والحقيقة التي يراد التوصل إليها تكمن في إدراك الفروق في الجمل البسيطة التالية من خلال عملية تفكيكها :
1- تكلم احمد في جمع من الناس .
2- حدّث احمد جمع الناس .
3- نطق احمد أمام جمع من الناس .
4- لفظ احمد قولا في جمع من الناس .
في هذه الجمل الأربع اسند الكلام والحديث والنطق واللفظ لأحمد في جمع من الناس ولا أظن واحدا يتمتع بقليل من الحس اللغوي يقول بان هذه الجمل تخبر عن معنى واحد مجتمع في كل تفاصيله بحيث يقوم كل فعل مقام الآخر .
إن إدراك الفروق ضروري للفهم ، وبدون إدراك هذه الفروق تختلط الأمور علينا وتتشابك ، فالتفريق في الكلمات وهي مفردات ، والتدقيق في الكلام أي في الجمل والفقرات والسياق ، الربط الوثيق بين الكلام كمعاني وبين الواقع من حيث أن الكلام لا بد أن يدل على واقع ، أو يدعو لإيجاد واقع ،أو استبدال واقع بغيره ، كل هذا يشكل طريقا جليا لتوحيد الأفكار ، وإدراك معاني الأفكار ، ومن ثم السير قدما نحو حياة متدفقة حيوية ممتلئة بالعطاء حافلة بمعاني الخير .
من الواضح أن هناك علاقة حيوية بين الفكر والنهضة والكلام (اللغة) فبمقدار سعة الوعاء (اللغة) وصدق الفكر وحيويته تحدث النهضة ، والتلازم بين الكلام (اللغة) والفكر شرط موضوعي لإحداث النهضة واللغة العاجزة جين التعبير عن الأفكار وإدراكها تفشل في إحداث النهضة لأن الأفكار يستحيل تجسيدها في كيان الأمة إلاّ عبر لغتها .
والعرب حين كانوا أهل لغة عربية فصحى على السليقة استوعبوا معاني الأفكار التي جاء بها القرآن بسرعة مذهلة ، وتغيرت حالهم تبعا لتغير أفكارهم ، وحين اختلط العرب بأمم أخرى من خلال الفتح واحتكوا بما لدى هذه الأمم من أفكار ، صارت الحاجة ماسة لوضع قواعد ومعاجم ودراسات في فقه اللغة ، للتمكن من استيعاب الأفكار الجديدة والتراثية ، واتخاذ موقف بشأنها من انتفاع أو رفض وسار الاجتهاد باللغة والاجتهاد بالفكر الإسلامي في خط صامد متلازم .
واللغة العربية اليوم ومنذ الغزو الثقافي تتعرض لهجوم شرس يحاول المهاجمون فيه إقناع الناس بان أحوال الأمة السيئة إنما هو بسبب من لغتها وتراثها ، وبعضهم يزعم وبلا خجل أن في القرآن أيضا يكمن سبب الانحطاط ، ومن يظهر بحسن النية منهم يحاول أن يرى في اللغة العربية لغة العواطف ، والإسلام في رأيهم من العواطف أو يراها لغة الأساطير ويدعو إلى قراءة القرآن قراءة السنية أو قراءة تاريخية .
أي إن أي قراءة للقرآن يجب أن تكون محكومة بمرجعية التوحيد والعدل ، بدون هذه المرجعية تتحول الحقائق إلى النسبية وتتحول الأهداف والغايات إلى النفعية ، وتصير الحياة مجرد عبث ، ويتحول المجتمع الإنساني إلى مجتمع من الأسماك ، يلهو ويلعب ويسبح ويتزاوج ويأكل الكبير الصغير ، وتبقى الحياة هكذا حتى يجف البحر .
إن الاستدلال في القرآن على ما يدل عليه ، لا يتأتى إلا لمن علم التوحيد والعدل ، فالتوحيد والعدل وسبيل إثباتهما العقل يجعلنا نعلم ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز ، والذين يزعمون أن القرآن هو الدلالة على التوحيد والعدل ، مثل هذا القول ظاهر الفساد إذ كيف يستدل بكلام من لا يعرفه ، ولا يعلم إن كان ممن يتكلم الحق والباطل ، أو الحق وحده ولهذا لا يعلم أن القرآن حق إلا ممن علم التوحيد والعدل أولا .وإذ وجب تقدم معرفة التوحيد والعدل ليعلم بعد ذلك أن كلامه تعالى حق ودلالة فإن الواجب أن يعرض ما في كتاب الله من الآيات الواردة في العدل والتوحيد على علم الإنسان المقدم بالتوحيد والعدل فما وافق التوحيد والعدل العقلين حمل على الظاهر ، وما خالف حمل على المجاز وإلا كان الفرع ناقضا للأصل .
والذين يزعمون أن في القرآن تناقضا ، لا يمكنهم البقاء على هذا الزعم ، إذا ألزمناهم أن آياته المحكمة والمتشابهة لا بد من عرضها على دليل العقول ، أي على التوحيد والعدل ، ليفهم مراد الله فيها والحق جل جلاله توجه بالخطاب إلى أهل العقول دون غيرهم ، شريطة امتلاكهم أداة التعبير القرآني (اللغة العربية) في علومها العشرة المعروفة .
القرآن الكرم ينبه على ما تعلمه العقول دون الهوى والظن والموروث والتقليد والمغالطات فهذه الخمسة هي التي تفسد العقول وتجعلها في محل الخلاف أو التباين أو التناقض أو التضاد .
إن الاعتماد على اللغة سواء في المفردات وقواعد النحو والإعراب والعناية بالنظم القرآني وضرورة بقاء الصلة اللغوية والمعنوية قائمة بين الآية والآيات وضرورة معرفة البيان العربي في الحقيقة والمجاز ، وإدراك أن مفردات اللغة معقولة المعنى قبل دخولها في التركيب ، كل هذا مع رده إلى التوحيد والعدل يقيم منهجا واضحا للتعامل مع كلام الله تعالى دون تحميله ما لا يجوز في العقل .
الأحد الحادي عشر من محرم الحرام 1412 هـ
وفق الثاني عشر من تموز 1992 م .
مقتطفات من مفكرين إسلاميين .
1- لأن طريقة الإسلام الدراسية أن تدرس أحكام الشريعة كمسائل عملية للتطبيق من قبل الدولة فيما يختص بها ومن قبل الفرد فيما هو من شأنه ((مفاهيم حزب التحرير ص 6)).
2- انهم في الجيل الاول لم يكونوا يقرأون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع ولا بقصد التذوق والمتاع ، لم يكن احدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة ولا ليضيف الى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولا يملأ به جعبته ، انما كان يتلقى القرآن ليتلقى امر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها (( معالم في الطريق ص 17-18 )).
3- غير ان هؤلاء العلماء المتعلمين بل جمهرة المسلمين درسوا الإسلام للعلم النظري المجرد كأنه فلسفة نظرية خيالية ((مفاهيم حزب التحرير ص 6)).
4- هذا الشعور شعور التلقي للتنفيذ كان يفتح لهم في القرآن آفاقا من المتاع وآفاقا من المعرفة لم تكن لتفتح لهم لو انهم قصدوا اليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع ..((معالم في الطريق ص 18 )) (( ملاحظة الكاتب يتكلم عن كيفية تلقي الصحابة لمفاهيم القرآن)) .
5- ولم يفهموا معنى التثقيف بالاسلام ، الذي يعني تعليم المسلمين امور دينهم تعليما يؤثر في مشاعرهم ، ويخوفهم عذاب الله وسخطه ، حتى يصبح المسلم طاقة مؤثرة ، حين ترتبط مشاعره بعقله ((مفاهيم حزب التحرير ص 6)) .
6- وتصحح لهم اخطاء الشعور والسلوك ، وتربطهم في هذا كله بالله ربهم ، وتعرفه لهم بصفاته المؤثرة في الكون ، فيحسون حينئذ انهم يعيشون مع الملأ الاعلى تحت عين الله ((معالم في الطريق ص 19)) .
7- ((أن هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين)) 17/9 وتأثير خالد واثره في النفس واضح لكل من عاشره واثر صحبته والتفريق يجب ان يكون واضحا بين المنهج والبشر فالمنهج يبقى ثابتا والبشر يتغيرون (( خالص جلبي في النقد الذاتي ص 216 )) .
8- إذن فالتفكير السليم لا بد وان يكون تفكيرا في واقع ، او في اثار واقع ، والا كان تفكيرا عاما تخيليا ، يبعد بنا عن الحقيقة ، إذ في عملية التفكير لا بد من واقع محسوس ينقله الحس الى الدماغ لتتم العملية العقلية ((محمد ابو حمدان طرق الفكر الاستنباط ص 23)) .
9- عرف العقل بأنه نقل الواقع بواسطة الحواس الى الدماغ ومعلومات سابقة تفسر هذا الواقع ((نداء حار ص 18)) .
10- واما الجهاد فإنه من الكذب على الإسلام ان يقال أنه حرب دفاعية ((نداء حار ص 13)) .
11- ويقولون وهم مهزومون روحيا وعقليا ان الإسلام لا يجاهد الا للدفاع ((معالم في الطريق ص 65)) .
الفكر القومي
ينصب جل اهتمام المفكرين القوميين على دراسة التاريخ لتأكيد مقولتهم ان العرب جماعة ظهرت فيها خصائص القومية قبل ظهور الإسلام ، فالقومية إذن هي الرابطة الوحيدة والاساسية لوجود العرب كجماعة انسانية ذات مميزات خاصة وهوية ذاتية ميزتهم عن سائر الاقوام الاخرى …
ولبرهنة تلك المقولة اعتمدوا اعتمادا كليا القوميات الاوروبية المعاصرة ومرتكزات وجودها وهويتها وبعملية قياسية قياس (القومية العربية) على الشاهد (القوميات الاوروبية) وصلوا الى نتيجة هي المرتكز الوحيد لدعوى القومية العربية والفكر القومي والهوية القومية ساكتين عن عمد واصرار عن الولايات المتحدة ، الاتحاد السوفياتي ، أو الهند والصين كوحدات سياسية لا تتوحد على أي اساس من الاسس القومية المشاهدة في القوميات الاوروبية ولنفس الغرض ايضا سكتوا عن بيان الاسباب الكامنة وراء تفرق شعوب جنوب شرقي اسيا رغم الاساس القومي العرقي الواحد في العديد من الكيانات السياسية .
ان نظرة سريعة فاحصة لتاريخ العرب قبل الإسلام تقلب كل المرتكزات والاسس التي يقوم عليها الفكر القومي فرغم الوطن الواحد والانتماء للجد الواحد واللغة الواحدة بل والشحنات الوجدانية والقيم المعنوية الرفيعة رغم كل هذا هي مرتكزات الفكر القومي فلم تقم للعرب الدولة الواحدة على الاطلاق بل ان تاريخهم هو تاريخ النزاعات القبلية المخفضة لأية قيم وحدودية او انسانية .
أمام هذه الحقيقة التاريخية الصلدة وجد القوميون انفسهم أمام القصور الذاتي لمرتكزات الهوية الذاتية فإخذوا حديثا يدخلون الدين الاسلامي كمرتكز من مرتكزات القومية العربية والقارئ للفكر القومي خلال العقدين الثامن والتاسع من هذه القرون يدرك هذه الحقيقة ببساطة ، مع ملاحظة ان ادخالهم للاسلام كمرتكز من مرتكزات القومية هو ادخال شكلي لا مضمون له .
لكن القوميين سكتوا في تحليلهم عن ترتيب المرتكزات حسب اهميتها في الهوية الذاتية للقومية العربية ولو قاموا بعملية تحليلية على مستوى التاريخ لوجدوا ان ترتيب اهمية المرتكزات سيكون كالتالي :
1- الدين الاسلامي بصفته الشمولية من ناحية نظامه المعرفي ومن حيث نظرته الانسانية في احكامه ونظرته للفرد والجماعة فلا طغيان للفرد ولا اخضاع تام تسلطي للجماعة على حساب الفرد واعلانه قيما عليا اقامها لصيانة المجتمع وربطه كل ذلك بأساس الإقرار بعبـوديـة الجميع للآله الواحــد (التوحيد) واختيار الانسان التام لفعله ومن ثم يقع يوم الجزاء تحت المسؤولية (العدل) .
2- اللغة العربية بما فيها من قدرة على الاتساع والنمو ومن ثم نمو المعرفة الاسلامية بحيث تواجه جميع المشكلات الانسانية الحادثة او التي ستحدث .
اما المرتكزات الاخرى ، الآمال ، الآلام ، التاريخ ، فإنما هي ناتج للمرتكزين السابقين فالتاريخ إنما يقرأ بلغة العرب وبما ان التاريخ هي الحوادث المصنوعة بصفتها السلوك الانساني المحكوم بالمفاهيم فتكون المفاهيم الاسلامية هي المحرك والباعث للحركة التاريخية علوا وهبوطا .
الآمال محكومة للقيم من خلال الحركة التاريخية وهكذا تكون المفاهيم مرجعية للآمال وتكون وحدتها بسبب من وحدة الوعاء الفكري (اللغة) .
الآلام هي المعاناة الوجدانية الجمعية للحركة التاريخية الهابطة ومبعثها ايضا .
المفاهيم وتوضحها وحدة الوعاء الفكري اما الوطن فهو ضرورة حتمية للحركة التاريخية وهو يتسع ويضيق تبعا للمفاهيم وتوسع المجال للوعاء الفكري .
هكذا بالتحليل الاستقرائي يتبين ان البنية الوحدوية للعرب راجعة للاسلام واللغة وما عدا ذلك فإنه مجرد نواتج لهما .
ومن هنا كم هي الاهمية لان تقام ندوات إعادة بناء الفكر الاسلامي على ضوء الضرورة الحتمية لمزج الطاقة الاسلامية (المعاني) بالطاقة العربية (الوعاء) واعتبار العالم العربي نقطة البدء في هذا البناء لكن المفكرين القوميين ومنهم نسبة عالية من الاقلية المسيحية العربية وقعوا أسارى مقولة تفتقر السند الفكري والسند التاريخي والسند الواقعي هذه المقولة عند المفكرين المسيحين العرب هي التوهم خوف من فكر الاكثرية الاسلامية بحيث تؤدي سيادة الفكر الاسلامي الى عملية اضطهاد تقوم على اساس الدين وهم يضخمون حوادث قليلة وقعت اثناء غياب الوعي الاسلامي وترتكز هذه الحوادث في القرن التاسع عشر الى محرك لها هي الدول الاوروبية الاستعمارية .
ان الإسلام يرفض رفضا باتا انشاء علاقات في الرعية السياسية على اساس العرق او اللون او الدين او الطائفة وانما الكل سواء والقضية الوحيدة التي تثار احيانا هي الحق السياسي أي حق قيادة الدولة ان كل العالم قام على حق الاكثرية بصفتها اكثرية بقيادة الدولة (النظام الحزبي) فعلام هذا التهويل حينما يمنح الإسلام هذا الحق للمسلمين بصفتهم اكثرية على ان نظرية الحكم بالاسلام تقوم على اساس ان الحكم ليس مركزا اجتماعيا او مركزا من مراكز القوة الاقتصادية او مركزا من مراكز الهيمنة والتعالي وانما تقوم على نظرية العطاء والاحتراق والخدمة والمحاسبة في الدنيا من قبل المحكومين والعذاب الشديد والويل والثبور لمجرد التقصير في الآخرة .
مثل هذا الفعل لا يتطلع اليه الا ايمانيون شديدو الايمان وخائفون الى حد الرعب من عذاب الله الشديد والسريع وعندما يصل الى من هم غير ذلك فهي المظالم والمفاسد .
والتاريخ الاسلامي منذ اواحر ايام الخليفة الثالث هو صراع بين النظريتين، النظرة الى الحكم من خلال أنه عقد مراضاة بين الامة والحكم على احسان تطبيق الإسلام وطاعته ما اطاع الله وعدل في الرعية أي النظرة الى السيرة التي عليها : أبو بكر ، عمر عثمان ، علي ، عمر بن عبد العزيز يزيد الناقص ائمة الدول الرستمية الستة الكثير من ائمة الدولة الزيديةباليمن الكثير من ائمة الاباضية في المشرق عدا عن العدي من الثورات التي حاولت من خلال الاستشهاد اعادة موضوع الخلافة وسيرتها الى النظرة الاولى .
اما النظرة الثانية فهي نظرة جواز الامامة القاهرة والمتسلطة والجائرة والوراثية، والصلاة والحج والجهاد معه وان افسد وظلم فطاعته واجبة على كل حال وهذه النظرة هي التي سادت طيلة حكم الدولة الاموية والعباسية ، والعثمانية العلية .
فالتاريخ الاسلامي الداخلي كله هو صراع بين هاتين النظريتين نظرية العدل الاسلامي ونظرية الهرقلية الرومانية الشرقية او الامبراطور الروماني الغربي التي لا زالت هي المسيطرة في الغرب ، والليبرالية الديمقراطية الغربية والليبرالية الاقتصادية ( السوق الحر ) لا يمكنهما اخفاء هذه العيوب او سترها.
اساس النهضة
ينهض أي مجتمع انساني(المجتمع هي المجموعة الانسانية التي نشأت بينها علاقات دائمة)بارتفاع فكرة وهذا يعني ان المجتمع بصفته كيانا يقوم على الانسان المتبني اساسا فكريا مشتركا لمجمل المجتمع والاساس الفكري الصالح يكون في حل التساؤل الكبير القائم عند الانسان من حيث هو انسان وهذا السؤال ناتج عن كونه يرى نفسه واعيا لذاته واعيا للكون الذي يعيش فيه واعيا للحياة التي يحياها والموجودة في الكائنات من حوله نباتا وحيوانا فيكون سؤاله الكبير عن سر وجود هذه المادة الجامدة الذي يتألف منها الكون وعن الحياة الموجودة في بعض من الكون والنبات والحيوان ويرى نفسه من دون كل الاحياء مميزا يعي ذاته وما حوله فيسأل نفسه عن هذا الوجود هل له من قبل هو سبب هذا الوجود ؟ ام ان سبب الوجود قائم في ذات الوجود المدرك ؟ واذ كان لهذا الوجود قبل فما هي علاقة هذا الوجود فيه هل هي علاقة الخلق والايجاد ولا شئ آخر ؟ ام هناك علاقة امر ونهي ؟ ام هي قوانين الكون فقط ؟ وهل لهذا الوجود من بعد ؟ أي هل هناك حياة اخرى فيها عن كيفية حياته التي كان يحياها أي حياة جزاء بعد حياة التكليف .
ان الاجابة عن هذه الاسئلة انما هي مؤسسة على عالم الشهادة واذا كنا لم نشهد خلق انفسنا ولا نشوء حياتنا ولا سبب وجود كوننا فهل نقول ان العقل قاصر عن ادراك اجوبة لمثل هذه الاسئلة وعليه ان يلجا لمثل هذه الاجوبة من خلال معطيات دوغمائية دينية تسكن اليها نفسه وبالتالي نؤمن بالمقولة القائلة ان الايمان قبل الحياة لا يمكن ان يقوم على الادراك العقلي و انما يقوم على التسليم .
ان اساس الدليل العقلي هو الاستقراء فنحن نشهد ان الانسانية كلها انما وجدت في هذه الحياة بسبب اتصال الابوين الجنسي فكل مخلوق انساني هو نتيجة حتمية لاتصال جنسي بين ابوين فهل تحل هذه الاجابة نشوء الانسانية بمثل هذا القول لا يمكن ان يكون الأمر هكذا من قديم الزمان لان الحقيقة تقول : اذا كان الامر هو هكذا من قديم الزمان لكن الملاحظة تشير الى ان كل جيل يتلو غيره في الزمان وانما هو اكثر عددا من الجيل قبله فالانسانية في تكاثر مستمر وهذا ما يعمله كل فرد من بني الانسان فلا بد ان تنتهي الانسانية الى اصل لم يكن موجودا في ابتداء الوجود الانساني لقد حاول الانسان ان يحل مشكلة وجوده بالتسليم بخالق او بنظرية النشوء والارتقاء واستقرار الحضارة الانسانية يظهر ان الغالبية مالت الى المقولة الاولى وان قلة من الناس مالت الى المقولة الثانية .
ان البحث العقلي الذي لا يعتمد المغالطات يصل بضرورة عقلية استدلالية على ان هذا الانسان وهو سيد الوجود امتلك ناصية المعرفة وامتلك من خلال هذه المعرفة سيادة الوجود فيصل بالدليل العقلي ان الانسان وهو آية في نفسه دالة على ان خلقه محكوم لقوانين تدل على انها من حكيم خبير فكيف يمكن ان نفسر خلق الانسان من علق ان العلق كثير فلماذا لم تتحول كثير من العلق الى انسان ولذلك يقول القرآن الكريم في أول آيتين نزلتا من القرآن الكريم اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الانسان من علق (2).هل يمكن لكل علماء الدنيا تفسير الخلق الانساني من نطفة الى مضغة الى علقة ؟ .
ان الانسان هو الآية الكبرى الدالة على ان الانسان مخلوق لخالق من خلال معرفته لنفسه فالانسان هو الدليل العقلي على وجود الله (( وفي انفسكم افلا تبصرون )) .
قول في مؤتمر علوم الشريعة الواقع والطموح
انعقد في عمان ((مؤتمر علوم الشريعة الواقع والطموح ) بين 16-19 ربيع الاول عام 1415هـ الموافق 23-26 آب ( اغسطس ) عام 1994 م واشرف على تنفيذه المعهد العالمي للفكر الاسلامي وجمعية الدراسات والبحوث الاسلامية والجامعة الاردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة وقدمت اوراق للمؤتمر في خمسة محاور ورغم محاولة المداخلة حول كل ورقة قدمها المحاضرون الا ان المنع والقمع كانت السمة السائدة للمداخلات .
قدمت هذه المداخلة للجلسة النهائية وامكن قراءة بعضها وهاهي المداخلة بكاملها .
امين نايف ذياب الداعية لإعادة بناء العقل الاسلامي على اساس فكر المعتزلة فكر التوحيد التنزيه الخالص وفكر العدل لذات العليم الخبير المنزه عن فعل القبيح الحكيم فلا يظهر المعجز على يد الكذابين ليس بالامكان التفصيل حول اوراق هذا المؤتمر ولهذا سيكون الكلام بصيغة البرقيات .
****
البرقية الاولى : سمات المؤتمر الواضح ان المؤتمر متحيز منهجيا لفكر الاشاعرة والسلفية ، وهم ورقات المؤتمر كما جاء في عناوين الجلسات هو علم الشريعة أي ان الهّم ليس المعرفة الاسلامية بل جزء الفقه منها ولذلك كان الفقه هو المحور الرئيس في هذا المؤتمر مع ان الفقه عبادات واخلاق وتصرفات واحكام معاملات وبيانات وعقوبات ليست هي اساس النهضة بل هي لازمة بعد تحول المجتمع لأفكار النهضة الاسلامية فأين هم النهضة وقبول التحدي وصراع الافكار ؟…
البرقية الثانية : اشكاليات المعرفة الاسلامية تتمحور حول أربعة أمور .
الامر الاول : اشكالية العقل ، تعريفه ، مهمته ، دورة نتاجه ، علاقته بالنص تابع او مؤسس .
الامر الثاني : اشكالية فهم النص القرآني ، تصنيفه : محكم ، متشابه مفصل مجمل محكم ، مبين بيان ، مبين حقيقة ، مجاز ، سياق ،خبر ، طلب ، قصص ، تفسير ، استنباط ، تأويل وما هي مدارس فهمه ؟ اللغة والعقل / او النقل / تفسير موضوعي او شمولي .
الامر الثالث اشكالية السنة : تعريفها وقنوات وصولها الينا ، مهمتها ،السنة على وجه الاجمال ، مفرداتها ، علاقتها بالقرآن قاضية عليه ، او مبينة له ، البيان يكون للمطالب العلمية او الخبرية ؟
الامر الرابع : التراث ، حقيقة ، مدارسه ، مذاهبه ، تاريخه ، كيفية الانتفاع به ، النظرة اليه هل هو مقدس ؟ او هو اجتهاد كيفية علاقة الحداثة به .
****
البرقية الثالثة : علاقة المثقفين بالنهضة ،علاقة انتاج فكر فقط ، ام هو فكر ودعوة ، وهل انتاج الفكر انتاج ابداعي جديد من خلال التفكير بالوقائع والحوادث والاشياء ؟ والنص معالم على هدى ؟ والتراث هو الحكم المعرفي التراكمي الذي يشكل القدرة على حركة التفكير والابداع ؟ ام ان نتاج الفكر هو نتاج سكوني تكراري قاله السابقون ؟ ..
****
البرقية الرابعة : حول طريقة العرض والتعقيب والتعليق ما معنى ان يكون احد المعلقين ان الامر يفيد الوجوب ما لم تصرفه القرينة عن الوجوب ؟
محيلا قاعدتين اخريين الى الرفوف العالية .
القاعدة الاولى : الامر في لغة العرب موضوع للطلب ، والقرينة تعين نوع الطلب .
القاعدة الثانية : الأصل في الامر الاباحة ما لن يصرفها عن ذلك صارف .
ما يلي كلمات خمس هي : الجدال والحوار والنقاش والسجال والمراء كلها تتعلق بالافكار عرضا وقبولا ورفضا ، القرآن الكريم اورد ثلاثة كلمات منها هي الجدال والحوار والمراء القرآن الكريم طلب الجدال و الحوار وذم المراء والمراء هو جدال بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير والنقاش ضروري في حالة العالم والمتعلم اما السجال فهو نقاش لا يلتقي ولا ينتهي فهوعين العبث .
الذي حكم هذه الجلسات هو السجال والمراء على قله .
فكيف يمكن توحيد الرؤيا على وجه الاجمال ؟
البرقية الخامسة والاخيرة :
الإسلام عند المسلمين على مستويين المستوى الشعبي : وهو عبارة عن موروث اسلامي غير محدد المعالم وينقصه النقاء والصفاء والبلورة والوضوح ،هو مجرد مفاهيم اعماق قابلة للاهتزاز والتحول والمفاضلة والتناقض الحاد داخل الذات ، واعراف سائدة يختلط حابلها بنابلها ، وسقيمها بصحيحها ، وحقها بباطلها ، وصالحها بطالحها ، فردية المحتوى والحركة ، من هنا ظهرت في الامة حالة الشلل والكساح والعجز والتردي والسقوط ، هي كل على مولاها ، تنتظر المهدي المنتظر او القائد الملهم .
والمستوى الاخر هو المستوى المدرسي : العاجز على الانتاج ينتج خطابا وعظيا غير متعلق بالحياة الدنيا وانما متعلق بالفرد والآخرة او خطابا على كل شئ افتاء في فقه العبادات غالبا وفي فقه المعاملات احيانا وغالبا لأخذ تبرير شرعي لفعل تظهر فيه المخالفة او على شكل معلومات مدرسية تحفظ عن ظهر قلب ولا تفهم ومن هنا ظهرت مدرسة سلفية واخرى اشعرية وثالثة زيدية ورابعة اباضية وخامسة امامية فكل مدرسة بسبب من رموزها الاحياء والاموات اختلفت وتباينت وكل منهم يغني على ليلاه يطلب جاه او مالا او وظيفة او الكل معا وغاب موضوع النهضة والتغيير تماما .
نص الكتاب المفتوح
كتاب مفتوح الى مرشحي مجلس النواب عام 1989 م سلم هذا الكتاب المفتوح لأغلب المرشحين في عمان لانتخابات مجلس النواب الاردني عام 1989 م وتسلمه بعض من الحضور الذين كانوا يحضرون نقاشات وحوارات ورؤى المرشحين للمستقبل السياسي للقضايا الكبرى بشكل عام وللقضايا الخاصة بالاردن بشكل خاص .
لقد حاولت محاورتهم وكان اسلوب الحوار ان تكتب سؤالا على ورقة وتقدمها الى اللجنة الثقافية لنقابة المحامين الاردنيين التي اشرفت على الحوار .
ورغم استلام اللجنة للسؤال الحواري قبل أي سؤال الى انهم كانوا يعتمدون وباصرار ان لا يقرأ السؤال المرسل من قبلي وحتى هذه اللحظة عجزت عن معرفة الدواعي لموقفهم هذا .
كان لا بد من كسر محاصرتهم لحواري وسؤالي فعمدت الى طباعة الكتاب المفتوح ورغم تسليمي الكتاب المفتوح لكل الصحافيين الممثلين للصحافة المحلية ووكالات الانباء العالمية الا ان الصحف المحلية لم تشر ابدا الى حواراتي او الى الكتاب المفتوح .
ربما كان سبب التعتيم ان الكتاب المفتوح وقبله حواراتي تشكك بالحصول على اية جدوى من عودة الحياة النيابية للأردن .
وبديلا عن البحث عن الاسباب التي لم تمكن البرلمان والبرلمانيين من عمل أي شئ لإزالة هذه الاسباب خروا عن هذا المثل صما وعميانا وجعلوا اصابعهم في اذانهم خشية السماع .
هاهي الحياة البرلمانية الاردنية العائدة بدعاية ضخمة وثوب جديد الى ان كل الشعارات التي رافقت الحملة الانتخابية عام 89 م لم تكن الا وهما اما الشعارات التي رافقت الحملة الانتخابية عام 93 م والتي انخفضت وتيرتها عن عام 89 م فها هو الوقت يمر وتثبت الاحوال انها مثل سابقتها بل قبل مجلس النواب التعايش مع السقوط الاخير .
ان قراءة الكتاب المفتوح بعناية رغم انه بداية الفهم الاستطلاعي للمستقبل السياسي تكشف وتعين الاسباب التي تجعل الحياة السياسية في العالم العربي والاردن جزء من هذا العالم انها ( كل على مولاه اينما توجهه لا يأت بخير ) وبعد فالكتاب المفترح حمل توقيعي واسمي الصريح وعنواني ورقم تلفوني وقد امتدحه الكثير واذهلهم التوقيع والاسم الصريح والعنوان … الخ .
بسم الله الرحمن الرحيم
من امين نايف حسين ذياب الى الاخوة المرشحين لمجلس النواب الاردني الكرام
سلا م عليكم ورحمته وبعد ، ،
منذ ان اعلنت الحكومة الاردنية عن رغبتها اعادة الحياة النيابية للاردن حتى تصاحب هذ الاعلان ، مع اعلام مواز له من سائر اجهزة الاعلام على مستوى التلفاز والاذاعة والصحافة والندوات ، والاجتماعات بشكل لم يتوقعه اكثر الناس مراقبة للاحداث السياسية ، واخذ الناس يبحثون عن الاسرار المختفية وراء هذا الاسلوب من حيث اعلانه وما رافقه من حماس للترشيح فاق كل السوابق الانتخابية . لقد تركت السلطة (وخاصة سلطات القمع) الحبل على الغارب لا للمرشحيين فقط لمحاوريهم من الجمهور بحيث قيل في رجال السلطة (سوابق ولواحق) ما لم يقله مالك بالخمر .
معذرة ايها السادة المرشحون اذا كان خطابي المدخول اليه بعد هذه المقدمة يصدم عاطفتكم المتمثلة بظهوركم جميعا مهما كان الانتماء والولاء ،بأنكم جميعا ما رشحتم انفسكم الا من اجلنا ولتحقيق ما نطمح اليه من اهداف وما نرجوه من آمال .
كم اكون مغبونا ! اذا صدقت هذه الحكاية ، ودعوة حارة لكم للاستماع لي وانا اناقش حكاياتهم ، بعد قراءة لها قراءة فحص وتمعن ، قراءة لا تستر العيوب بل تفضحها وتكشف من خلال رؤية صادقة ، مقدار ما تحتوبه بياناتكم الانتخابية وشعاراتكم اليافطية ، ومأثورات اقوالكم في ندواتكم من محاولة الاستهتار بعقل الجمهور .
ايها الاخوة المرشحون لو كانت لكم وقفة صادقة ، لارحمتونا من عناء قراءة بيناتكم ، ورؤية يافطاتكم وسماع طروحاتكم ، ولقلتم بصراحة ( اننا طلاب وجاهة ) فليس في مقدوركم فعل شئ من الوعود الصغيرة والكبيرة ، التي تحويها البيانات والشعارات .
ولأثبت انكم طلاب وجاهة ايها السادة : فإني سأقف قليلا مع اقوال انتماءاتكم ونحن أمام انتماءات عديدة :
الانتماء الاسلامي بكافة تشكيلاته الجماعية والفردية وبعد ذلك يأتي اليساري والقومي والليبرالي والعشائري والفردي .
يجعل الاسلاميون رؤيتهم في مجمعة من الشعارات هذا بعض منها :
1- الإسلام هو الحل 2- رفع راية القرآن 3- فلسطين اسلامية من البحر الى البحر .
اما كيف ومتى وأين ! فهي ادوات استفهامية اهملها الاسلاميون عن تعمد وسبق اصرار .
وامام الجمهور العام المختلط ، ينادي الاسلاميون بالديمقراطية والتعددية الحزبية وحرية الرأي ، وجذور هؤلاء الاسلاميين هي نفس القائلين بأن الزيدية والامامية والاباضية والمعتزلة والمرجئة فرق مصيرها النار وبئس المصير فهي جذور تقهر حتى الرأي الإسلامي الآخر ، وهم يحيلون كل الاهداف التي يرسمونها الى مجرد المطالبة والاماني ، بل يقذفون بها في آخر المطاف على المستقبل ، ثم بعد ما بال بعض الاسلاميين خصوا انفسهم باسم الحركة الإسلامية ، مع انهم جزء من الحركة الاسلامية .
لنترك الاسلاميين من كثرة ما سكتنا عنه من عيوب في خطابهم السياسي ، مكتفين بإبراز ما سبق من عيوب ، ولنقرأ اليساريين قراءة تشخيصية تكشف عيوب وضعف خطابهم في البيانات والشعارات
شعاراتهم تحوي الكلمات التالية : الديمقراطية ، الحريات ، المساواة ، العيش الكريم ، المشاركة الشعبية ، محاسبة المسؤولين عن الفساد ، دعم نضال الشعب الفلسطيني ، دفاعا عن لقمة الكادحين ، على طريق الاردن الوطني الديمقراطي ، الدفاع عن وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ، وأحاول ان اجد جوابا لكيف ومتى واين ! فلا اجد من اجاب على هذه الكلمات الثلاث القاسية المشاعر التي لا ترحم هؤلاء المرشحين .
انها اذن أي الشعارات مجرد حلم واماني ومطالبة ، انها كارثة الخطاب السياسي العربي الذي يحيلنا على شرط لا وجود له لتحقق المشروط .
وحتى يتحقق ما تمنوه فإنه يحتاج الى جملة من المرتكزات :
أولا : النجاح في الانتخابات .
ثانيا : سماع السلطة التنفيذية لطرحهم .
ثالثا : قبول السلطة التنفيذية الاخذ بطرحهم .
رابعا : احتلالهم الاكثرية البرلمانية .
خامسا : النجاح لهذه الشعارات وتحولها الى عمل من قبل الدولة والشعب بعد صوغها في بنود دستورية او قانونية .
انها خمسة شروط غير موجودة فالمشروط لن يأتي ابدا .
ماذا يقول التيار القومي ؟ ان ابرز ما في التيار القومي انه وحدوي أي يدعو للوحدة العربية ، ولكن أي وحدة يدعو لها هذا التيار ؟ اهي الدولة الواحدة ذات العلم الواحد والجيش الواحد ؟ ام هي وحدة كونفدرالية (اتحادية) أي ذات جيش واحد ووزارة خارجية واحدة ونقد واحد وابقاء الولايات المتحدة مستقلة في امور الصحة والتعليم والادارة والقوانين والمعاملات والعلاقات والاحوال الشخصية ! ام هي وحدة كونفدرالية تماما كالجامعة العربية ! واطفالها الصغار ! دول التعاون الخليجي ! ودول مجلس التعاون العربي ! ودول التعاون المغربي ! .
ان الوحده ايها السادة تتحقق من خلال دولة توسعية بواسطة التأثير الفكري والمنوارات السياسية وأخرها الاعمال العسكرية ، فهل ستعملون على جعل الاردن كيانا فكريا مؤثرا ؟ يبدع بمناوراته السياسية ويمتلك القدرة من بعد ذلك على القيام بالاعمال العسكرية وما اظن ان مثل هذا المنظور دار بخلدكم .
ان ما يدور بخلدكم هو مجرد الاحلام والاماني والاحالة على مستقبل حين العجز اما بقية الشعارات فهي تكاد تكون نفس شعارات اليساريين على الغالب وما ينطبق على شعارات اليساريين من عيوب ينطبق عليهم .
اما الليبراليون فأكثر غرابة ! فهو وصف ينطبق على الاسلاميين واليساريين والقوميين والعشائريين والفرديين فكلهم تحوي شعاراته المناداة بالحرية السياسية ورفض سياسة القمع والمطالبة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لصالح الافراد تارة ، ولصالح المجموع تارة اخرى ، بحيث اختلط الفرد مع المجموع والمواطن مع الوطن والسلطة مع الشعب وبرلمان المستقبل مع الناخبين .
أما الانتفاضة ! التي الهبت وجدان قحطان وعدنان ، فالكل سند لها ، وبدون ان الهب وجداني واحرق مشاعري ، ارجوكم رجاء حارا ، الاجابة على سؤالي التالي : هل بوسع حجارة الصغار ان تزيل دولة اسرائيل وتحرر فلسطين من البحر الى النهر ؟
ايها السادة اهل المزاودة لو كنتم صادقين مع انفسكم لاعلنتم ان تحرير فلسطين يحتاج الى اعلان النفير العام ، ومباشرة القتال فعلا لا قولا ، واتخاذ اجراءات القتال ، ولرفضتم كل ما يجري على ساحة العالم الاسلامي العربي خاصة ، من حوادث وامور غير معقولة لا يرتبها الذهن ولا يقبلها عقل العشائريون يمزقون عباءة العشيرة ، ولكنهم يعودون فيلبسونها أمام العشيرة ، تلك العشيرة التي تطلب الوظيفة في اكثر الاحيان والتمييز في المعاملة أمام دوائر السلطان ، ولهذا وقع المرشح العشائري في حيرته ، ولكنه ادرك ان سوق المزايدات مفتوح بلا أي ضابط ولا أي رقيب فتراه يقدم شعارات متناقصة متباينة تنتمي للوحدة وللتجزئة ، وللاسلام ولليمين اللييرالي ولليساري الديمقراطي الشعبي ، وللعشسيرة وللوطن والمواطن ، اما كيف ومتى واين ؟! فإنه يتناساها كما نسيها قبله اصحابه من اهل الإسلام واليمين اليسار ، انه زمن السقوط يحاصرنا في كل موقعنا .
وخاتمة المطاف هي مع هؤلاء الفرديين المتوزعين ، على ثللاثة أنواع فقط لا غير هي :
أ- المحترفون السياسيون برلمانيون ووزراء .
ب- اصحاب الفعالية الاقتصادية .
ت- طلاب الشهرة والوجاهة .
المحترفون السياسيون :
ماذا نجد عند هؤلاء المحترفين السياسيين انهم يعلنون براءتهم التامة من اية مسؤولية عن الازمات الاجتماعهية والسياسية واخيرا الاقتصادية ، ويدينون ادانة تامة الوزارات السابقة والبرلمان الطويل العمر صاحب الصيت والسمعة السيئة ، ولكن هل يمكن ان نصدقهم ؟ ولماذا لم تظهر هذه الادانة قبل هذا الوقت ؟ انهم يدركون ان الجمهور عاطفي ، ولذلك يخاطبونه من هذا الادراك …
أما اصحاب الفعاليات الاقتصادية :
فهم لأول مرة يعرضون خدماتهم الاقتصادية ، لتدر البلاد لبنا وعسلا ، ويعلنون ان بإمكانهم وقد جمعوا الملايين لأنفسهم ان يجمعوا الملايين للجميع ، بمجرد وجودهم تحت قبة البرلمان فشعارهم الذي ينفردون به هو (ملايين الدنانير للجميع ) .
ونأتي اخيرا لهذا العدد الجم من طلاب الشهرة والوجاهة سلاحهم المزايدات والدعوة والحلم والاماني
ايها السادة الكرام المرشحين في كل المواقع
دعوة حارة لكم لان تقوموا بقراءة لكتب الدكتور محمد عابد الجابري وهي الخطاب العربي المعاصر وبنية العقل العربي وتكوين العقل العربي ومع مخالفتي للقليل من مقولته فإن في الكتب الثلاثة ثقافة انتم في امسّ الحاجة لها وهي تشكل مشروع الجابري الثقافي إعادة بناء الحضارة من جديد .
والسلام عليكم وتمنياتي لكم جميعا بالنجاح ولو كنت في موقع المسؤولية لوافقت عليكم جميعا برلمانا ولكم بدون دفع رواتب لكم اليست النيابة خدمة عامة ؟!.
نمط من الاسئلة
أمين نايف حسين ذياب
جبل الحسين ش بيت لحم رقم المنزل (1) التاريخ 29 / ربيع الاول 1410 هـ
بريد جبل الحسين الغربي ص ب 922084 الموافق 29/ تشرين (1) 1989 م
تلفون 668217
سؤالات لجميع المرشحين :
س 1 : تركز بيانات جميع المرشحين على ضرورة التصرف الدستوري للسلطة مستقبلا ، ويمتدح الجميع بالدستور فما هو تحليلكم لعدم التزام السلطات السابقة بدستورية القرار ؟ وما هي مرتكزاتكم لوجود هذا الإلزام؟
(ارجو ان يكون الجواب بالعبارات ذات المصداقية)
س 2: ((دعم الانتفاضة )) العامل المشترك في كل بيانات المرشحين المرجو تحديد هذه العبارة تحديدا جليا وبيان مشروعكم للدعم بمجموعة من العناوين .
س 3 : (معالجة الاقتصاد) هاجس مشترك لجميع المرشحين المطلوب بيان اسباب ضعف الاقتصاد ، وشرح خطوات علاجكم للاقتصاد وبيان الزمن المحتاج اليه لظهور اثر ونتيجة العلاج .
س 4 : يتغزل المرشحون جميعا (بالديمقراطية) حتى الاسلاميون مع عدم ذكرها في بياناتهم ، نأمل تحديد مفهوم كلمة (الديمقراطية) تحديدا جامعا مانعا وبيــان الكيفيات لوجـــود هــذه ( الديمقراطية) في حياتنا :
س 5 : ما معنى عدم تقدم اي مرشح بمشروع ثقافي ، يؤدي الى نقل الامة من الغثاء الى الفاعلية ، ومن الهامشية الى الوجود الحق ومن الفردية الى الجماعية ومن الرغبة والحلم الى الارادة والممارسة ومن سطحية التفكير الى تعمق التفكير ومن المطالب الجزئية الى المطالب الجماعية الشمولية ومن الانانية الى الرسالية .
(( من الضروري ملاحظة المغايرة التامة بين المشروع الثقافي والاهداف العلمية التربوية ))
أسئلة عن اعمال الولايات المتحدة ضد ليبيا
س1 : اذا كانت المسألة من مسائل تأديب ليبيا والقذافي فكيف اشتركت بريطانيا هذه المشاركة الفعالة ؟
س2 : لماذا ظهر الاهتمام الواضح من قبل الدول الاوروبية وما علاقة الدول الاوروبية بهذا الموضوع وما هو اثره عليها ؟.
س3 : لماذا كانت مناورات الاسطول الامريكي في البحر المتوسط بهذه الضخامة وبهذه المدة الطويلة ؟
س4 : لماذا احتاج تبرير ضرب ليبيا أمام دول السوق الاوروبية والدول الصناعية السبع الى كل هذه الجهود ؟ .
س5 : هل توجد علاقة في المزاحمة على الموقف الدولي وبين هذه الاحداث ؟ .
س6 : هل توجد لروسيا وهي احدى العملاقين مصالح دولية في المتوسط وفي ليبيا ؟ وهل ذلك العمل لا علاقة له البتة في مصالح هذه الدولة ؟.
س 7 : ما معنى التصريحات المتعددة من قبل السياسيين اثناء العمل وبعده عن علاقته بأمن العالم ؟
س8 : هل نظر الى القضية سياسيا انها قضية شرق اوسطية او قضبية دول كبرى ؟.
س9 : ما معنى عروض حيادية البحر المتوسط وحل الاحلاف اثناء العمل ؟
س10 : اليست خطة بريطانيا التي تكاد تكون ثابتة أن تعمل لضد روسيا بشتى الاساليب دوليا وفي السياسات الجزئية وتعمل بكل الاساليب لإبقاء حالة التزاحم بين روسيا وامريكا الى حد اثارة الحرب العالمية ؟
هذه الاسئلة لا بد ان يضعها السياسي في تفكيره لفهم الحدث .
مقرانة بين آراء سياسية لحزب التحرير منذ عان 82 م وبين آراء سياسية للمعتزلة
( كل التعليقات التي وردت في ذيل آراء حزب التحرير هي للمعتزلة )
آراء حزب التحرير |
آراء المعتزلة |
راي الحزب : ... ان ضرب ليبيا من قبل طائرات الولايات المتحدة والتي اقلعت من مطارات بريطانية بانه صراع امريكي بريطانيا ((مع ان حشد اسطول الولايات المتحدة في البحر المتوسط كان ملفتا للنظر ، لقد ارتعبت اوروبا الغربية من ذلك العمل اذ رأته احتكاكا بين العملاقين مما ينذر بحرب نووية )) |
رأت المعتزلة ان ضرب ليبيا وحشد قوة بحرية من اسطول الولايات المتحدة بشكل ملفت للنظر انما هو من اعمال استعراض القوة ضد الاتحاد السوفياتي لإرغام الاسطول السوفياتي على ترك البحر المتوسط وقد حدث ذلك فعلا اذ انسحب الاسطول الروسي لقد كان ذلك العمل بداية انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم . . |
رأي حزب التحرير : ان حرب الخليج – العراق ايران انما هي من اعمال الصراع الامريكي البريطاني ( رغم رؤية التحرك الوهابي المذهبي ضد الشيعة ) . |
رأت المعتزلة - أن حرب الخليج متعلقة بالقضية الاسلامية لتعميق الاخدود بين المسلمين على اساس عرقي وعلى اساس مذهبي وضرب القوتين المتناميتين ببعضهما . |
راي حزب التحرير : ان الصحوة الاسلامية بشرى خير تبشر بعودة الامة الاسلامية للاسلام . |
رأت المعتزلة – ان الصحوة هي حالة من حالات الاحتواء والتذويب والمواجهة لايجاد حالة احباط عند مجمل المسلمين . |
راي حزب التحرير : ان اعمال الانتفاضة هي ذاتية وانها فاجأت الكل )( رغم ان العمل المستمر والمنظم لا بد له من قيادة واذ تخلو الساحة الفلسطينية من قيادة الا قيادة الفصائل الفلسطينية فلا بد له من ربطها بذلك وانها ممهدة للشروع في اعمال الصلح مع اسرائيل ). |
رأت المعتزلة - ان اعمال الانتفاضة هي تحريك سياسي من قبل الفصائل الفلسطينية وظهر من اول لحظة مباركة الدول العربية والولايات المتحدة والدول الاوروبية لها وظهر ان المقصود من الانتفاضة تحريك القضية الفلسطينية نحو خط النهاية وظهر فيما بعد انه خط مدريد – اوسلو – واشنطن |
راي حزب التحرير : ان مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي ومجلس الاتحاد العربي هي اعمال سياسية بريطانبة من غاياتها الوقوف في وجه نفوذ الولايات المتحدة لصالح بريطانيا . |
رأت المعتزلة – ان المجالس الثلاثة هي من اعمال التنسيق الامني والسياسي والاقتصادي لخدمة التجزئة وتنمية التبعية اي لخدمة الحكام ولهذا فهي مباركة من قبل الولايات وشركائها وخاصة بريطانيا . |
راي حزب التحرير : ان احتلال العراق للكويت عمل بريطاني موجه ضد الولايات المتحدة وان الولايات المتحدة لن تقوم بضرب العراق . |
رأت المعتزلة – ان احتلال العراق للكويت هو تجاوز للخطوط الحمراء الثلاثة وان العراق سيضرب بشراسة وهزيمته متحققة . |
يتحدث شباب الحزب عن ان الصراع اليمني اليمني هو صراع بين الولايات المتحدة وهي مؤيدة لليمن الجنوبي وبين بريطانيا وهي مؤيدة لليمن الشمالي . |
رأت المعتزلة – ان الصراع اليمني اليمني هو صراع بين القوة السياسية القبلية المؤيدة لعلي عبدالله صالح وبين القوة السياسية الحزب الاشتراكي المؤيد لعلي سالم البيض وانه بالتالي صراع محلي . |
الاسلام وتحديات العصر
كتب هذا البحث قبل الاستماع لكلمات المحاضرين ووزع منة عدد لا باس بة على الحاضريين ولقد صدقت كلمات المحاضرين التوقعات التى اوردها هذا القسم تماما .
1) كلام حول ندوة (( الإسلام وتحديات العصر )) امين نايف ذياب الداعية لإعادة بناء العقل الاسلامي على اساس فكر المعتزلة .
قبل الدخول الى الندوة لا بد من تنبيه القائمين على الندوة ، والمتكلمين في هذه الندوة ، ان عنوانا هكذا هو عنوان خاطئ ، فالتحدي المعاصر ليس تحديا للاسلام بل تحديا للمسلمين ، فالاسلام هو نص انزل على نبي الهدى محمد صلوات الله عليه بلسان عربي مبين ، هو القرآن الكريم وبيان عملي لما اجمله القرآن من مطالب عملية هو نص السنة ، والمسلمون عبر الزمان حاولوا فهمه فكان التراث ، وحاولوا تطبيقه فكان التاريخ ، فالنص بشقيه الكتاب والسنة العملية والتراث بشقيه محاولة فهم النص ومحاولة تطبيق (النص أي الإسلام المنزل وهو الاصل وهو المقدس) (والإسلام التراث هو الفرع) وليس مقدسا وهما معا ليسا في موضع التحدي ، بل التحدي هو للمسلمين حكاما ودعاة وجماهير .
المتكلمون في هذه الندوة اربعة رجال ، يجمعهم الإسلام والتراث السني ، ويفرقهم النظرة الخاصة لكل منهم للفكرة الاسلامية والطريقة الاسلامية ، لانتاج النهضة أي قبول التحدي وكيفية معالجته .
1- فالدكتور همام سعيد هو سلفي العقيدة بمفهوم السلف المعاصر ، أي يعتقد مفاهيم الوهابية في الاعتقاد ، واخواني التوجه أي نظرة حسن البنا التربوية الاصلاحية ، وهو احد اعضاء جبهة العمل الاسلامي المتكيفة مع الواقع المعاصر .
2- المهندس ليث شبيلات والذي هو كما يقال : صوفي الخلفية كفاحي سياسيا يؤمن بسياسة المراحل ، ويسعى مع اخرين لا ينتمون للتيار الاسلامي مندفع الى حد حماس المتقطع النظير ، بقوة الذات لا بقوة الافكار .
3- الدكتور غازي الربابعة ، والذي كان احد ضباط القوات المسلحة قبل تحوله الى المركز الاكاديمي ، تغلب الاكاديمية على نظرته للامور ، والاكاديميون بجملتهم يعملون من خلال الذات ، وبقوة الذات ، وهو في محل الاعتدال تجاه الموقف الاردني في الصلح مع اسرائيل ، ومحل التشدد تجاه الموقف الفلسطيني في الصلح مع اسرائيل ، ويميل الى رؤية الاخوان المسلمين ..
4- المهندس عطا الرشتة وهو عضو في حزب التحرير ، يحكمه توجه حزب التحرير مرحلة ما بعد الشيخ تقي الدين النبهاني ، التي يرى المستقبل من خلال فكر النبوءات ، عودة الخلافة الراشدة وفتح روما والنصر يأتي من الله تعالى .
اذن المتكلمون الاربعة مختلفون في الرؤية متفرقون في الانتماء متناقضون في الطريقة فكل منهم يغني لاتجاهه .
هذه جمل منقولة من كتاب التفكير للشيخ تقي الدين النبهاني ومن ص 174 بالذات .
1- ان الامة الاسلامية قد بليت في القرن الرابع الهجري بعلماء عملوا على تعطيل التفكير في الامة .
2- وقد تبنى الرأي العام في جميع اقطار الإسلام هذا الرأي ، وبذلك تعطل التفكير ووقف الناس عند حد التقليد ، والغوا عقولهم .
3- لذلك وقفت الامة عند التفكير حتى هذا القرن ( القرن الرابع عشر ) الهجري فسلخت عشرة قرون وهي معطلة التفكير . والسؤال ما يواجه التحدي هو عودة التفكير للامة فكيف يعود ؟!
*** ملاحظة :
أدار الندوة المهندس محمد ابو طه ولم يسمح لي بسؤال ضمن دقيقة واحدة فقط وقد توجه السؤال لكل من الدكتور همام سعيد والمهندس عطا الرشتة حول استعمالهم نصوصا ظنية الثبوت هي احاديث الملاحم اذ قد اورد الدكتور همام حديث ركوب ثبج البحر الاخضر واورد المهندس الرشتة حديث فتح روما أليس عجبا ان يدعو مثل هؤلاء الدعاة لمثل هذه الاقوال ؟!
الحنابلة وتأجيج الخلاف الاسلامي
** البحث في الحنابلة بحث في الآراء والافكار والاحكام المنتجة من قبل علماء المذهب ككل ولا يجوز ترك واحد منهم من ان تطال ارائه وافكاره واحكامه البحث والنقد لان المشكلة هي في اتجاه فكري متواجد يعمل على ان يتولى القيادة الفكرية للامة الاسلامية وقد تمكن بما لديه من امكانات بسبب تأييد البتروليين له ان يصبح الفارس السابق في قيادة الامة وتكوين افكارها .
** احمد بن حنبل هو مؤسس هذا الاتجاه فالبحث في احمد بحث في اساس الاتجاه من حيث صوابه او خطأه ابتداء ويتأتى هذا الامر بدراسة كتبه هو وكتب تلاميذه واتباعه التي جعلت احمد نبراسها .
** كتب احمد المطبوعة هي المسند 6 مجلدات والرد على الزناقة فيما ادعت به من متشابه القرآن والزهد والعلل والرجال (4) مجلدات وله كتب لا تزال مخطوطة هي الاشربه ، والمسائل وذكرت له كتب ولكنها لا تزال مفقودة التاريخ والناسخ والمنسوخ ، والتفسير ، وفضائل الصحابة والمناسك .
** صنف في احمد بن حنبل في سيرته ومناقبه ابن الجوزي (( احد اتباع مذهب الامام احمد )) مطبوع وابو زهرة ( ابن حنبل مطبوع ) وهناك دفاع عن الاتهامات لمسندة كتاب بعنوان ( الذب الاحمد عن مسند الامام احمد ) مطبوع .
** للحنابلة كجمهور مواقف شائنة عرضت الامة لفتن حدث فيها قتل للمسلمين وازهقت فيها ارواح بريئة ومن يقرأ تاريخ ابن كثير المتعاطف مع الحنابلة يعلم ذلك .
** جرأة احمد بن حنبل على التبديع والتفكير لمجرد مخالفة العلماء الآخرين لفهمه جرت الامة الويلات لا زلنا نعاني منها .
** احمد بن حنبل عالم حديث وليس مفكرا ولا فقيها وليس عالم لغة ودخوله على التفكير والفقه اعاق تقدم هاتين المعرفتين .
** احمد بن حنبل في اصول الدين اثري ويقبل الاحاديث المروية عن رسول الله بمجرد ثقته بالسند وهي عنده تفيد العلم ( الاعتقاد ) والعمل .
تركزت الاضواء على احمد بن حنبل من خلال ما يسمى تاريخيا بالمحنة ومع ان الذين طالتهم المحنة كثر بل ان بعضهم مات في السجن مثل ( ابو مسهر الدمشقي ، ونعيم بن حماد ) الا ان الشهرة حصل عليها احمد فقط .
ان المحنة ليست صراعا بين المعتزلة واهل الحديث بل هو صراع بين سلطة سياسية جبرية وليست عدلية هي السلطة العباسية التي وقعت بين نارين نار الشيعة الاسماعيلية المتسلحة بالسرية والباطنية والاراء الفلسفية ونار المحدثين المؤيدين من قبل العامة .
اراد المأمون من خلال تقربه من الشيعة وفتحه باب الجدال على مصراعيه نقل الاسماعيلية من تحت الارض الى سطحها ليتمكن من ضربهم ولكن اهل الحديث العاجزين عن مواجهة الاسماعيلية من خلال الجدل رأوا في هذا العمل انحيازا لمخالفيهم فعمل المأمون على كشفهم من خلال امتحانهم بقضية خلق القرآن لكشفهم أمام العامة وهذا ما تكشفه رسالتاه حول ذلك الى نائبه اسحق بن ابراهيم بن مصعب ليقوم في الامتحان .
ارتباط قضية خلق القرآن بالمعتزلة فقط مغالطة واضحة ومقصودة لبقائها خارج الوعي، خلق القرآن تقول بها جميع الفرق الاسلامية الا اهل الحديث والحنابلة .
هذه الأفكار ناتج دراسة طويلة مضنية بالحنابلة والمعتزلة والمحنة وقضية خلق القرآن المأمول من الناس اعادة النظر في ذلك .
اتفاقية مناظرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله على من سار على دربه من اصحابه والتابعين الى يوم الدين وبعد .
حرصا على وحدة المسلمين ارتأى امين نايف ذياب إجراء مناقشة وحوار بقصد الوصول الى الحق والصواب فيما اختلف فيه المسلمون (مع الشيخ ناصر الالباني) .
ولكي يبقى التآلف دون التنازع والصحبة بديلا عن التقاطع والطلب للحق والاستقامة دون العجب والخيلاء رؤي تدوين هذه الورقة لتشكل نظاما يتعهد المتفقان التزامه وعدم الاخلال به والله خصيم من يخلّ به .
أولا : يعين المتفقان زمان ومكان الحوار بحيث يلائم وضع الشيخ ناصر الدين الالباني ولا يتعارض مع وضع امين نايف دياب .
ثانيا : يكون عريف الحوار السيد الشيخ عبد الفتاح عمر محمود .
ثالثا : اتفق الطرفان على منح السيد ناصر الدين وقتا يزيد عن الممنوح للسيد امين نايف بنسبة 4:5
رابعا : مدة المناظرة ساعتان ويجوز تمديدها بطلب الشيخ ناصر الدين الالباني وأمين نايف ملزم بقبول التمديد .
خامسا : يحضر هذه المناظرة أعداد متساوية تماما يعين كل طرف اسماء من يرغب بحضورهم ويجوز لكل واحد منهم الاستعاضة عن الغائب بأي واحد ورد اسمة بالاحتياط .
سادسا : يسمح بتسجيل هذه المناظرة لكل من يريد ذلك بواسطة الكاسيت او الفيديو .
سابعا : يسمح بوجود عدد من اهل الاستقامة والنزاهة بالاتفاق مع العريف لا يزيد عن خمسة اشخاص .
ثامنا : يسمح لممثلي الصحف المحلية الرجال دون النساء حضور هذه المناقشة والحوار .
تاسعا : يمنع رفع الصوت بما لا يزيد عن الحاجة ويمنع الانفعال ويمنع القدح او الذم او السب او الشتم لأي شخص سواء اكان الشخص تراثيا او معاصرا او غير ذلك او توجيه هذا من قبل المحاور لزميله او من قبل الحضور للمتحاورين .
عاشرا : يمنع الضحك من قبل المتحاورين او من الجمهور الحاضر .
حادي عشر : تقرأ هذه الاتفاقية من قبل عريف الحوار قبل البدء بالحوار على المتحاورين والحضور.
ثاني عشر : لا يجوز لأمين نايف ذياب الامتناع عن تعيين موعد الجلسة الثانية لحوار اذا طلب الشيخ ناصر ذلك بسبب عدم اكتمال مواضيع الحوار .
حررت هذه الاتفاقية للالتزام بها من قبل الطرفين وعليه جرى التوقيع .
الطرف الاول الطرف الثاني الشهود
ملاحظة : قرأ الشيخ عبد الفتاح هذه الاتفاقية على الشيخ تلفونيا فوافق عليها وعيّن موعد اللقاء ومكانه ماذا حدث بعد ذلك ؟!
ان القارئ للاتفاقية يستطيع ان يستخرج الاسباب التي دعت الالباني رفض مباشرة قراءتها لانها تجعل النقاش والحوار والجدال يدور وفق امور واضحة اهمها الوقت لأن من عادة الالباني اخذ الوقت كله والاتفاقية اعطته وقتا مميزا وثانيها عدم اللجوء للقدح والذم والشتم والسبّ لأن من عادة الالباني ان يلجأ الى ذلك عندما تقطع حججه وثالثهما ان للالباني جوقة تباشر الضحك والمهاترة لصالح الالباني للتأثير على مجادله ، ولأن هذه الامور الثلاثة ضبطتها اتفاقية المناظرة ببنودها ذوات الارقام 3 ،9 ،10 وجد نفسه وحيدا عاريا من اسلحته فقتل نفسه .
يجب ان يعلم كل الناس وكما جاء بالاشرطة ان الذي طلب الجدال والحوار والنقاش وخلال زمن اكثر من سنتين انما هو امين نايف ذياب ودعواه انني ( ابو صياح ) دعوى مردودة عليه فإن من المعلوم انه لم يحدث نقاش بيني وبينه ابدا كل ما في الأمر انني حضرت احدى جلساته في جامع المرابطين في النزهة بعد تناوله هو وجوقته العشاء في الطابق الثاني من المسجد والعشاء هو عقيقة عقها أمام جامع المرابطين المصري الجنسية الوهابي المذهب لولاده غلام له واسم الامام المصري شريف هزاع وممن حضر تلك العقيقة الشيخ سعد الحصين الملحق الديني السعودي .
بعد تلك العقيقة وتناولهم الطعام جلس الالباني وطلب ان تكون الاسئلة مكتوبة على الورق وكان السؤال الثاني كيف يمكن اقامة الدولة الاسلامية والحكام يرفضون اقامتها وكانت اجابة الشيخ مبنية على فهمه الخاطئ إذ اشترط لإقامة الدولة الاسلامية صلاح الافراد وصلاح نسائهم وصلاحهم في هيئات لباسهم وكان تدخلي ومقاطعتي لجوابه بصورة حاسمة حين اخبرته ان صلاح المجتمع ليس هو صلاح الافراد بل ولا صلاح نساء الدعاة بدليل عدم صلاح امرأتي نوح ولوط بل صلاح المجتمع هو صلاح افكاره العامة على وجه الاجمال وارتباط مشاعره بأفكاره وانبثاق نظامه عن افكاره ومثل هذا الفهم فوق مستوى الالباني او حزبه .
وأوسع القوم لي مكانا لنقاش الالباني لكنهم عادوا لرفض السير بالنقاش إذ وجدوا ان احابيلهم وضلالتهم ومغالطاتهم تتحطم على صخرة الحق واعدين اجراء النقاش في زمن أخر .
هذه الصورة صورة الوقوف في وجه مغالطات الالباني وهو الذي لم يتعود ان يقف احد في وجهه كما علق الدكتور سعدي جبر هي التي جعلت الالباني يتفلت من النقاش .
وإذ وصل الى علمه بواسطة الشيخ عبد الفتاح (ابو الحارث) أمام مسجد سهيل بن عمرو من ان الشيخ الالباني يدلس في الاحاديث وانني في سبيل كشف تدليسه وبيان جهالته والتدليل الواضح البين على انه احد النواصب المعادية للامام علي بن ابي طالب وزوجه الطاهرة من خلال دراسة علمية لتضعيف حديث احب النساء والرجال لرسول الله صلوات الله عليه وافق على اللقاء ومع انه اشترط رجلين او ثلاثة معي الا انه احضر جوقة بلغت خمسة عشر رجلا .
لقد تدخل الشيخ محمد ابراهيم شقرة في الجدل الابتدائي للدخول الى النقاش الموضوعي ولكنه بدل ان يطلب من الشيخ تنفيذ ما اتفق عليه دار مع الشيخ ليجعلني اوافق على جعل منهج الشيخ هو اساس البحث لقد طلبت ان يكون اساس البحث الانسان او العقل الانساني من كونه هو الشاهد شهادة الاخلاص لكنهم تعنتوا ولقاء اصرار الشيخ على عدم قراءة الاتفاقية وعدم البدء من نقطة متفق عليها كان لا بد من القاء القنبلة وهي ان ما من آية من كتاب الله الا وقد اختلف المسلمون في فهمها على اكثر من وجه .
ان الذي يستمع الى الاشرطة وعددها ثلاثة اشرطة ذوات الارقام 643/644/645 ويستمع لها استماع الفاحص وهي جدل فيما بين الالباني وفريقه اداروه فيما بينهم بعد مغادرتنا لهم يعلم ان هم ّ الالباني تركز على التفلت من النقاش الا بالإلزام الذي يريده هو ! وسيرى ايضا مبلغ المستوى الخلقي الرفيع الذي هم عليه !
حديث فتح روما وفتح القسطنطينة
حديث أي المدينتين تفتح اولا لم يرد في البخاري ولا في مسلم ولا عند اصحب السنن الاربعة ولم يورده موطأ مالك وانما اورده مسنداحمد مسندا الى عبدالله بن عمرو بن العاص جزء ثاني ص 176 والدرامي ( 116/2 ) وابن ابي شيبة في مصنفه ( 47/153/2 ) وابو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن ( 116/2 ) والحاكم ( 3/422 ) و ( 4/508 ) وعبد الغني المقدسي في كتاب العلم ( 2/30/1 ) والدراسة لهذا الحديث تتوجه لسنده ومتنه كما هو في مسند احمد .
سند المسند كله من حيث هو مسند هو ما يلي :
اخبرنا الشيخ (1) ابو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن احمد بن الحصين الشيباني قراءة عليه وانا اسمع فأقر به قال : اخبرنا (2) ابو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي الواعظ يعرف بأب المذهب قراءة من اصل سماعه قال (3) اخبرنا ابو بكر احمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قراءة عليه (4) قال حدثنا ابو عبد الرحمن عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم قال حدثني ابي (5) احمد بن حنبل بن هلال بن اسد من كتابه .
الى هنا اسناد مسند احمد وبعد ذلك يسند المسند كله الى عبدالله عن ابيه ثم اسناد الحديث بحيث جرى صراع حول المسند أهو مسند احمد ام هو مسند القطيعي ؟ (ولا يهم باحث الاحاديث مفردة مثل هذه المواضيع ) .
واسناد حديث فتح روما كما ورد في المسند (جزء 2 ص 176)
حدثنا عبدالله حدثني ابي ثنا ( 1 ) يحيى بن اسحق ثنا (2 ) يحيى بن ايوب حدثني ( 3 ) ابو قبيل قال كنا عند ( 4 ) عبدالله بن عمرو العاصي – هكذا وردت في المسند وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينة أو رومية ؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتابا ، قال : فقال عبد الله بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله عليه السلام أي المدينتين تفتح اولا أقسطنطينية أو رومية ؟ فقا رسوال الله صلى الله عليه وسلم : مدينة هرقل تفتح أولا – يعني قسطنطينية .
دراسة لرواة هذه الحديث
الراوي الاول يحيى بن اسحق البجلي ابو زكريا ويقال ابو بكر السلحيني ويقال السالحيني والسلحين[3] قرية بقرب بغداد أخرج له مسلم والاربعه .
الموثقون له
(1) قال حنبل بن اسحق عن احمد شيخ صالح ثقة صدوق .
(2) قال عثمان الدارمي عن ابن معين صدوق المسكين.
(3) قال ابن سعد كان ثقة حافظا لحديثه ومات سنة 240 هـ .
الراوي الثاني يحيى بن ايوب الغافقي [4] ابو العباس المصري اخرج عنه الستة اما الموثقون فهم :
1- قال اسحق بن منصور عن ابن معين صالح وقال مرة ثقة .
2- قال ابن ابي حاتم سئل ابي : يحيى بن ايوب احب اليك او ابن ابي آلموال قال يحيى بن ايوب احب اليّ ومحل ايوب الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به .
3- قال لآجري : قلت لأبي داوود : ابن ايوب ثقة فقال هو صالح .
4- قال النسائي ليس به بأس وقال مرة ليس بالقوي .
5- ذكره ابن حبان في الثقات .
6- قال ابن يونس كان احد طلاب العلم بالآفاق وحدث عنه الغرباء احاديث ليست عند اهل مصر قال احاديث جرير بن حازم عن يحيى بي ايوب ليس عند المصريين منها حديث وهي تشبه عندي ان تكون من حديث ابن لهيعة .
7- قال الترمذي عن البخاري ثقة .
8- قال يعقوب بن سفيان كان ثقة حافظا .
9- قال ابن شاهين في الثقات .
10- قال ابراهيم الحربي ثقة .
ما سبق هو تعديل يحيى بن ايوب
اما تجريحه فقد ورد كما يلي :
1- قال عبدالله بن احمد عن ابيه سئ الحفظ وهو دون حيوة وسعيد بن ايوب .
2- قال ابن سعد منكر الحديث .
3- قال الدارفطني في بعض احاديثه اضطراب ومن مناكيره عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن ابيه مرفوعا (( وان كان مائعا فانتفعوا به )) .
4- قال الاسماعيلي لا يحتج به .
5- قال ابو زرعة الدمشقي عن احمد بن صالح كان يحيى بن ايوب من وجوه اهل البصرة وربما خلّ في حفظه .
6- قال ابن صالح له اشياء يخالف فيها .
7- قال الساجي صدوق بهم .
8- كان احمد يقول يحيى بن ايوب يخطئ كثيرا.
9- قال الحاكم ابو احمد اذا حدث من حفظه يخطئ وما حدّث من كتاب فليس به بأس .
10- ذكره العقيلي في الضعفاء وحكى عن احمد انه انكر حديثه عن يحيى بن سعيد عن حجر عن عائشة في القراءة في الوتر وكذا نقل ابن عدي ولا أرى في حديثه اذا روى عن ثقة حديثا منكرا وهو عندي صدوق لا بأس به .
الراوي الثالث ابو قبيل حيي بن هانيء بن ناضر بن يمنع المعافري المصري روى عنه البخاري في الادب المفرد وابو داوود في القدر والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير .
11- قال احمد وابن معين وابو زرعة ثقة قال ابو حاتم صالح الحديث .[5]
قال يعقوب بن شيبة له علم بالملاحم والفتن !! ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئ ووثقه الفسوي والعجلي واحمد بن صالح المصري وذكره الساجي في الضعفاء وحكي عن ابن معين انه ضعّفه .
الراوي الرابع [6] هو عبدالله بن عمرو بن العاص اخرج له الستة وغيرهم صحابي من الطبقة التاسعة شارك في الحرب مع معاوية ضد علي بن ابي طالب من المعلوم انه وجد حملي زاملتين من كتب اهل الكتاب يوم اليرموك فهل هي الموضوعة في الصندوق الذي له حلق من حديد ؟.
هؤلاء هم رواة الحديث مذكور كل جرح وتعديل واحداث تاريخية شاركوا فيها ليتأتى من خلال الاطلاع على ما دون عنهم اتخاذ موقف من الحديث موضوع البحث عن بينة واضحة وبرهان جلي فالحديث يعطي للناس دائما ويذكر امامهم في محاضرات سياسية مع ان الاصل في العاملين في السياسة الارتكاز لسنن التغيير لا مقولات النبوءات او الاعلانات السرية عن المستقبل خاصة وان الحديث في احسن حالاته هو نص ظني لا تبنى عليه اعتقادات او مرتكزات سياسية .؟
دراسة في سند حديث فتح روما
رواة الحديث ليسوا من رجال البخاري كسند كامل وليسوا من رجال مسلم كسند كامل فيحيى بن اسحق اخرج له مسلم ولم يخرج له البخاري ويحيى بن ايوب اخرج له البخاري ومسلم ، ولكن ( ابو قبيل ) لم يخرج له مسلم او البخاري وليس على شرطهما ولا على شرط واحد منهما فعلى أي شرط حكم الالباني للحديث بالصحة ؟! مع انه ايضا ليس على شرط أي واحد من علماء الحديث .
ذكر الالباني ان عبد الغني المقدسي اخرجه في كتاب العلم ( 2/30/1 ) وقال حديث حسن الاسناد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال الالباني وهو كما قالا ولا يبين الالباني الاسباب الداعية لحكمه على الحديث انه كما قالا بل لا يكشف الاسباب التي دعت الحاكم الى تصحيحه وموافقة الذهبي له .
ان توثيق يحيى بن اسحق انما هو توثيق من الدرجة الثالثة واما توثيق يحيى بن ايوب فهو توثيق رجل وثّق بلا بيان ومجرح بشكل واضح بلا لبس ولا غموض والمعلوم ان الجرح مقدم على التعديل اما ابو قبيل فلا يوجد من وثقه توثيقا واضحا ويعقوب بن ابي شيبة يقول له علم بالملاحم وفي متن النص ورد ان عبدالله بن عمرو دعا بصندوق له حلق فهل كان الصندوق ذو الحلق يضم احاديث الرسول صلوات الله عليه ام يضم ما عثر عليه عبدالله بن عمرو بن العاص من اهل الكتاب يوم اليرموك ؟! هنا لا بد من الاشارة الى ان الدعوة المسيحية التي توجهت الى روما على يد بطرس والدعوى التي توجهت الى آسيا الصغرى على يد بولص ويوحنا ورغم وجود كنائس مسيحية الا ان الاضطهاد لاحق المسيحين ولكن في 313 م منح قسسطنطين امبراطور الدولة الرومانية الشرقية حرية العبادة للمسيحيين فتحول الدولة الى مسيحية انما حدث في القسطنطينية على يد قسطنطين بينما تحولت روما الى المسيحية بعد القسطنطينية على يد البابا ليو الاول حوالي عام 455 م فدخول المسيحية رسميا حدث في القسطنطينية أولا ثم روما ثانيا فهل كان امر فتح القسطنطينية أولا وروما ثانيا انما هو اجتهاد من عبدالله بن عمرو بن العاص قياسا على دخول المسيحية ارتكازا الى مقتنياته في صندوق الحديد ؟
ذلك هو سند الحديث الذي تحول بقدرة قادر الى حديث له حضور قوي وتام في الندوات السياسية مع ان السياسة تبنى على تفعيل دور الناس (الامة) للعمل المستمر الدائب لإقامة دولة اسلامية في مجال جغرافي محدد وروما لا يجوز ان تكون من هذا المجال .
ان احاديث النبوءات والملاحم التي اخذت تسيطر على ذهن العاملين بالسياسة امر مستغرب ومستهجن لكن الهزيمة الداخلية يغطيها المنهزمون دائما باللجوء الى اختراع مثل هذ النصوص ويؤكدون صحة الحديث بأن مدينة هرقل القسطنطينة قد فتحها محمد الفاتح سنة 1453 ميلادي واذا تحققت النبوءة الاولى فلا بد ان تتحقق الثانية هذا على زعمهم .
النبوءة عن فتح القسطنطينة
لم يرد نص يخبر عن فتح مدينة القسطنطينة الا في مسند احمد بن حنبل 4/335 ووردت اشارات حول فتحها في مسلم كتاب 52ح و 34و 37و38 وابو داوود كتاب 36ب2-4 والترمذي كتاب 31 باب 58 وابن ماجة كتاب 36باب 35 ومسند احمد المجلد الاول ص 178 مكرر و435 والثاني ص 174 و176 والرابع ص 193 وكلها ذات متون غريبة منكرة ومبهمة وفي اسانيدها رجال ليس القول فيهم يسيرا وها هو نص مسلم في ذلك حدثني زهير بن حرب حدثنا معلى بن منصور حدثنا سليمان بن بلال حدثنا سهيل عن ابيه عن ابي هريرة ( ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالاعماق أو بدابق فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار اهل الارض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين اخواننا فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليه ابدا ويقتل ثلثهم افضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث لا يفتنون ابدا فيفتحون قسطنطينة فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان ان المسيح قد خلفكم في اهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذ جاؤوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدوا الله ذاب كما يذوب الملح بالماء فلو تركه لانداب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ) .
قراءة لرجال بسند الحديث عند مسلم
اخرج مسلم الحديث بقوله حدثني زهير بن حرب حدثنا معلى بن منصور حدثنا سليمان بن بلال حدثنا سهيل عن اليه عن ابي هريرة ( ان الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث ، فالحديث مؤنن بين الرسول وابي هريرة ومعنعن بين سهيل ووالده وبين والد سهيل وابي هريرة) .
1 - زهير بن حرب ابو خيثمة
خرج احاديثة اصحاب الكتب الستة الخمسة مباشرة والنساء وحده بواسطة ولادته سنة 160هـ ووفاته على الاغلب سنة 234 ، فهو من اقران احمد بن حنبل ويحيى بن معين وهو نسائي من حيث النسبة ولكنه نزل بغداد قال معاوية بن صالح عن ابن معين ثقة وقال علي بن الجعد عن ابن معين يكفي قبيله وقال ابو حاتم صدوق وقال يعقوب بن ابي شيبة : زهير اثبت من عبدالله بن ابي شيبة وقال جعفر الفريابي قلت لابن نمير ايهما احب اليك ؟ فقال ابو قيثمة وجعل يطريه وقال الآجري ! قلت لابي داوود كان خيثمة حجة في الجال قال ما كان احسن علمه ! وقال النسائي ثقة مأمون وقال ابو بكر الخطيب كان ثقة روى له مسلم 1281حديثا وقال ابن ابي حاتم في الجرح والتعديل سئل ابي عنه فقال ثقة صدوق وقال ابن ابي وضاح ثقة من الثقات لقيته في بغداد وقال ابن حبان في الثقات كان متقنا ضابطا من اقران احمد ويحيى بن معين والخلاصة ان زهير بن حرب مجمع على توثيقه عند علماء الحديث وانه من شيوخ مسلم إذ اكثر مسلم من اخراج احاديثه ووالوحيد الذي وصفه بصيغة توثيق اقل هو ابو حاتم .
2- معلى بن منصور
اخرج احاديثة اصحاب الكتب الستة بوسائط ، نزيل بغداد وهو رازي من حيث النشأة ت سنة 211 هـ اخرج له البخاري مباشرة بغير الجامع .
من دراسة ما ورد في تهذيب التهذيب عنه وشدة قول احمد فيه بحيث كذبه صراحة نفـــهم ما يلي (1) ان معلى بن منصور من كبار اصحاب ابي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني ومن ثقاتهم في النقل والرواية وهذا القول منسوب لاحمد بن حنبل وهو قول يتعارض إذ وصفه بأنه من ثقاتهم مع اتهامه له بالكذب في منقولات اخرى وها هي قال الميموني عن احمد ما كتبت عن معلى شيئا قط وكذا قال الاثرم عن احمد وقال ابو طالب عن احمد كان يحدث بما وافق الرأي وكان كل يوم يخطئ في حديثين وثلاثة وقال محمد بن يوسف الطباع سألت احمد بن حنبل عن معلى الرازي فسكت وقال ابو حاتم الرازي قيل لاحمد كيف لم تكتب عن معلى قال كان يكتب الشروط ومن كتبه لم يخل ان يكذب ، وقال ابو زرعة بلغني انه كان في قلبه غصص ظهرت على المعلى بن المنصور كان يحتاج اليها وكان المعلى اشبه القوم واهل العلم وذلك انه كان طلابا للعلم رحل وعني .
فأما علي بن المديني وابو خيثمة وعامة واصحابه فسمعوا منه .. المعلى صدوق وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة وقال الحسين بن حيان قال زكريا اذا اختلف معلى الرازي واسحق بن الطباع في حديث مالك فالقول قول معلى في كل حديث معلى اثبت منه وخير منه وقال العباس بن محمد عن ابن معين : كان المعلى يصلي فوقع على راسه كور الزنابير فما انتقل ولا التفت وقال العجلي ثقة صاحب سنة وكان نبيلا طلبوه للقضاء غير مرة فأبى وقال يعقوب بن شيبة ثقة فيما تفرد به وشورك به فيه متقن صدو فقيه مأمون وقال ابن سعد كان صدوقا صاحب حديث ورأي وفقه فمن اصحاب الحديث من يروي عنه ومنهم من لا يروي عنه وقال ابو حاتم الرازي كان صدوقا في الحديث صاحب رأي وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به لأني لم اجد له حديثا منكرا وقال الحاكم : قرأت بخط المستملي حدثني سهل بن عمار ، وقال عند المعلى ! (فقال من قال القرآن مخلوق فهو عندي كافر)ذكره ابن حبان في الثقات وقال ممن جمع وصنف ونقل عبد الحق في الاحكام عن احمد انه رماه ف يالكذب وفي التقريب أخطأ من زعم ان احمد رماه بالكذب .
هل معلى بن منصور ثقة ؟
من الواضح ان احمد بن حنبل يتهمه بالكذب ومن الواضح ان معلى بن منصور هو فقيه من اهل الرأي أي من اتباع المذهب الحنفي وانه من كبار اصحاب ابي يوسف ومحمد ويظهر انه من القائلين بخلق القرآن الكريم ويفهم ان مروياته تلاقي هوى عند علماء الحديث (النمط الاثري) من هنا تباينت فيه الآراء فهو ثقة متقن طلاّبه للعلم وهكذا فإنه حين النظر اليه من خلال مروياته فهو في محل رضا علماء الحديث (النمط الاثري) وبالنسبة لموقفه في التفكير والاجتهاد فهو ليس في محل الرضا ولهذا تباينت به الاقوال .
ان البحث بمروياته وتعيين الاسباب التي جعلت اهل الحديث يقبلونه لاجلها تحتاج الى جمع مروياته ومعرفة مواضيعها والمعاني التي تدل عليها وهذا ما لا يتوفر الان .
3 - سليمان بن بلال ( انظر تهذيب التهذيب جزء 4 ص 154 )
هو سليمان بن بلال التيمي القرشي مولاهم ابو محمد ويقال ابو ايوب المدني اصله من البربر وكان جميلا عاقلا حسن الهيئة مات بالمدينة سنة 172هـ اخرج له الستة بواسطتين او اكثر مارس الافتاء وتولى خراج المدينة اخرج حديثه اصحاب الكتب الستة من الطبقة الثامنة من طبقات الرواة قال ابو طالب عن احمد : لا بأس به ثقة .
قال الدوري عن ابن معين : ثقة صالح .
قال عثمان الدارمي قلت لابن معين سليمان احب اليك ام الدارودي فقال سليمان وكلاهما ثقة قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث .
قال الذّهلي : ما ظننت ان عند سليمان بن بلال من الحديث ما عنده حتى نظرت في كتاب ابن ابي اويس فإذا هو قد تبحر حديث المدنيين .
وقا لابو زرعة : سليمان بن بلال احب الي من هشام بن سعد .
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال الخليلي ثقة ليس بمكثر لقي الزهري ولكنه يروي كثير حديثه عن قدماء اصحابه اثنى عليه مالك وقال ابن حجر رأيت رواية مالك عنه في كتاب مكة للفاكهي ، قال ابن ابي الجنيد عن ابن معين انما وضعه عند اهل المدينة انه كان على السوق وكان أروى الناس عن يحيى بن سعيد .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : ندمت ان لا اكون اكترث عنه .
وقال ابن شاهين في كتاب الثقات قال عثمان ابن ابي شيبة لا بأس به وليس ممن يعتمد علي حديثه وقال ابن عدي ثقة .
وفي سؤالات ابن ابي شيبة لعلي بن المديني ، كان عندنا ثقة واليا على السوق .
4- سهيل ابن ابي صالح .*
هو سهيل ابن ابي صالح ( وابو صالح هذا هو ذكوان السمّان ابو يزيد المدني ) مات في ولاية ابي جعفر المنصور وأرخه ابن قانع انه مات سنة 131هـ حسب طبقات الرواة فهو من اتباع التابعين أي الجيل الثالث وبدراسة مقالات اهل الجرح والتعديل فيه فانه يعد من الطبقة الثالثة من طبقات اتباع التابعين ونزل الى الطبقة الرابعة وهو في بغداد .
مقالات اهل الجرح والتعديل فيه .
أ – المعدلون
قال ابن عيبنة كنا نعد سهيلا ثبتا في الحديث .
قال حرب عن احمد : ما اصلح حديثه .
قال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن عدي : لسهيل شيخ وقد روى عنه الائمة حدث عن ابيه وعن جماعة عن ابيه وهذا يعني تمييزه بين ما سمع من ابيه وما سمعه من غير ابيه وهو عندي ثبت لا بأس به .
قال ابن سعد : كان سهيل ثقة كثير الحديث .
ب – اما مجرحوه فهم [7]
قال ابو طالب عن احمد قال يحيى بن سعيد محمد يعني ابن عمرو احب الينا وما صنع شيئا سهيل اثبت عندهم ومحمد بن عمرو لم يرو له البخاري ومسلم الا متابعة ، قال الدوري عن ابن معين سهيل ابن ابي صالح والعلاء بن عبد الرحمن حديثهما قريب من السواء وليس حديثهما بحجة .
وقال ابن ابي حاتم عن أبي زرعة سهيل اشبه واشهر يعنى من العلاء ، وقال ابو حاتم يكتب حديثه ولا يحتجه وهو احب اليّ من العلاء .
روى له البخاري مقرونا بغيره والدارقطني والنسائي رأيا في ترك البخاري إنما هي من ما يؤخذ على البخاري إذ البخاري اخرج لمن هم دون سهيل كأبي اليمان ويحيى بن بكير وغيرهما وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ وذكر البخاري في تاريخه قال كان لسهيل اخ فمات فوجد عليه فنسي كثيرا من الحديث وذكر ابن خيثمة في تاريخه عن يحيى قال : لم يزل اهل الحديث يتقون حدبثه وذكر العقيلي عن يحيى أنه قال : هو صويلح وفيه لين وقال الحاكم : في باب من عيب على مسلم اخراج سهيل احد اركان الحديث وقد اكثر مسلم الرواية عنه في الاصول والشواهد الا ان غالبها في الشواهد .
وقد روى عنه مالك وهو الحكم في شيوخ اهل المدينة الناقد لهم .
ثم قيل في حديثه بالعراق انه نسي الكثير منه وساء حفظه في آخر عمره وقال ابو الفتح الازدي صدوق الا انه اصابه برسام في آخر عمره فذهب بعض حديثه .
5 - ذكوان [8]
ابو صالح السمّان الزيات المدني مولى جويرية بنت الاحمس الغفطاني ذكوان هذا من التابعين وتقريب تهذيب عده من الثالثة خرّج احاديثه الستة قال عبد الله بن احمد عن ابيه ثقة ثقة من اجل الناس واوثقهم .
قال حفص بن غياث عن الاعمش كان ابو صالح مؤذنا فابطا الامام فأمنا فكاد لا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء .
وقال ابن معين ثقة ، وقال ابو حاتم ثقة صالح الحديث يحتج بحديثه ، وقال ابو زرعة ثقة مستقيم الحديث ، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ، وجعله ابن معين من عداد الثقات في ابي هريرة ، وقال الساجي ثقة صدوق ، وقال الحربي كان من الثقات ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال العجلي ثقة ، قال يحيى بن بكير وغير واحد مات سنة 101هـ باستثناء الاعمش لم تكن امهاتهم قد ولدت بعد حين موت ابي صالح السمّان لا بد ان يلاحظ القارئ ان كل موثقيه أي بين ولادتهم وموته اكثر منن ستين سنة لأقربهم ايه وتصل الى 120 سنة او اكثر فما هي مستنداتهم في توثيقه ؟ طبعا وعلى الغالب دعواهم نقل ثقتين عنه اما من وثق هذين الثقتين فهم علماء الجرح والتعديل وهكذا يعلم ان علم الجرح والتعديل قائم على معدلين كلهم من اهل القرن الثالث الهجري وبينهم وبين من عدلوه انقطاع في الزمن أي نفي المعاصرة واللقيا وتلك هي اشكالية النقل التي تمرر بدعاوى ليس عليها بنية او برهان .
6 – ابو هريرة .
ابو هريرة مشهور شهرة واسعة جدا ، ومع شهرته الواسعة الا ان عامة المسلمين وجماهيرهم بل الكثير من الوعاظ وطلبة العلم الاسلامي لا يعرفون عنه الا انه صحابي مشهور ولا يدركون مجمع الاشكاليات حول هذا الصحابي .
1- اشكالية اسمه ونسبه .
2- تاريخ اسلامه .
3- عدد مروياته .
4- تلمذته على كعب الاحبار .
5- تهديد عمر بنفيه الى ارض القردة .
6- موقفه السياسي من الظلمة أي من بني امية .
7- نقد مروياته كمباني فكرية .
ليس من وظيفة هذا البحث دراسة ابي هريرة ، بل الاشارة الى ان في مرويات ابي هريرة وفي حياته الاشكاليات الكثيرة فمروياته بلغت 5374 حديثا رغم ان مدة اسلامه هي ثلاث سنوات فقط في اعلى تقدير ، اما معاني مروياته فهي اكثر اشكالية وهذا الحديث موضوع البحث هو احد الاحاديث المشكلة ، والمطلوب من الذين يقرأون هذا البحث التمعن التام في الحديث هذا ، واستخراج معانيه ودلالاته ومحاولة ادراكها موضوعيا مقارنة مع وقائع فتح القسطنطينة على يد محمد الفاتح .
لقد اخرج مسلم احاديث كشواهد لحديث ابي هريرة وهي ثلاث احاديث كلها عن يسير بن جابر الكوفي عن عبدالله بن مسعود ، وثقة العجلي وابن سعد وابن حبان وسكت عنه الباقون وضعفه ابن حزم واحاديثه الثلاثة مملوءة بالغرائب المقصود غرائب الوقائع وليس غرائب اهل الحديث .
لا يوجد حديث في فتح القسطنطينة صريحا الا حديث بشر بن سحيم الذي انفرد احمد باخراجه بسند هو حدثنا عبدالله بن محمد بن ابي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني الوليد بن المغيرةالمعافري قا لحدثني عبد الله بن بشر الخثعمي / عن ابيه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لتفتحن القسطنطينة فلنعم اميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش قال فدعاني مسلمة بن عبد الملك فسألني فحدثته فغزا القسطنطينة ورجال السند كلهم ليسوا موثقين توثيقا قويا بل التوثيق يضعهم في الترتيب التالي :
عبد الله بن محمد بن شيبة ثقة ، حافظ تصانيف من العاشرة ، مات سنة 235هـ .
زيد بن الحباب صدوق يخطئ من التاسعة مات سنة 203 هـ.
الوليد بن المغيرة مات سنة 172 هـ من السابعة .
عبدالله بن بشر صدوق من الرابعة .
بسر بن سحيم صحابي ! قيل له رواية عن علي روى عنه النسائي وابن ماجه .
ان القراءة المتأنية او المتعجلة لبشر بن سحيم تكشف عن انه مجهول تماما فكل ما ورد عنه في الاصابة ترجمة 661 هي ما يلي :
بشر بن سحيم بن فلان بن حرام بن غفار الغفاري ويقال فيه النهراني والخزاعي والاول اكثر وروى له احمد والنسائي وابن ماجه حديثا واحدا في ايام التشريق وانها ايام اكل وشرب وصححه الدارقطني وابو ذر الهروي وقال ابن سعد كان يسكن كراع الغميم وضجنان اما ابن عبد البر في استيعاه فيقول هو بشر بن سحيم بن حرام بن غفار بن حليل بن ضمرة بن عبد مناة بن كنانة الغفاري وروى عنه نافع بن جبير بن مطعم حديثا واحدا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ايام التشريق انها ايام اكل وشرب ولا احفظ له غيره ويقال فيه بشر بن سحيم البهزي وقال الواقدي بشر بن سحيم الخزاعي يسكن كراع الغميم وضجنان والغفاري في بشر اكثر .
ولا يرد في كتاب تهذيب التهذيب اية زيادة مهمة تزيل الابهام عن بشر بن سحيم هذا ومثله تقريب التهذيب وعليه فإن صحبة بشر بن سحيم هي مجرد دعوى ولهذا ينهار السند من بدايته دون بحث في بقية رجال السند ويكشف الحديث عن علاقة ما بين بشر بن سحيم والامويين فالحديث يقول فدعاني مسلمة بن عبد الملك فسألني فحدثته فغزا القسطنطينة .
غزو القسطنطينة
القسطنطينة عاصمة الدولة الرومانية البيزنطية وهي تقع على مضيق البسفور الاوروبي فكيف غزا مسلمة بن عبد الملك تلك المدينة واذا اضيف ان هضبة الاناضول او بلدان سواحلها من جهة البحر المتوسط لم تكن بيد المسلمين حتى العصر العباسي الاول والثاني ادرك القارئ استحالة الوصول الى القسطنطينة ولذلك فغزو يزيد بن معاوية ثم من بعده مسلمة بن عبد الملك هي مجرد خيالات واكاذيب فالحديث ترويج لخيرية يزيد بن معاوية وادعاء انه وصل القسطنطينة قضية مكذوبة من اولها الى اخرها فالحديث وضع في زمن معاوية لأجل يزيد لجعله ممدوحا على لسان الرسول صلوات الله عليه حقيقة انه حديث مكذوب وان خبر وصوله القسطنطينة امر مكذوب ايضا ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم من هذه الاكاذيب ومن كاذبيها ومن مروجيها بالامس ومروجيها اليوم إذ هي تجعل الامة تعيش على الاماني والاحلام بدل العمل الدائب المستمر والله المستعان على عقول تحب الاكاذيب .
واخيرا لا بد من مصارحة الناس ان احاديث الملاحم والفتن واشراط الساعة واحاديث الاتصال بالجن او القدرة على التأثير الحقيقي بواسطة السحر او الامراض او الاشفاء بواسطة الجن والسحر كل ذلك احاديث مكذوبة لا علاقة لها بالاسلام وانما هي استعارات من افكار اليهود والنصارى وتزوير سند لها ثم تصحيح السند لن يعطيها شهادة مرور الى الرسول صلوات الله عليه فالرسول والغر الميامين من اصحابه واهل العدل والتوحيد يعلنون وبقوة تكذيب هذه الاحاديث والله نستعين على هـدم الضلال .
الفهرس
الاهداء
المقدمة
ما هي المعتزلة
الفكر الاسلامي والمعتزلة
دواعي نشوء المعتزلة
الالوهية او الالخالقية
اشهد ان لا اله الا الله واثرها في الافراد والمجتمع
الايمان بالغيب
القرآن الكرم (( اسس الاستدلال به ))
قراءة القرآن الكريم
نحن منهج لفهم القرآن ( رأي في القراءات الشاذة للقرآن الكريم )
المنافقون
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
وقفة مع سورة التكاثر
التفكير بالعيش والفكر الاساسي
المسلمون الالتزام بالتدين
المفاهيم الانضباطية في الدولة الاسلامية
حركة التفاف المجتمع حول الفكرة
الدولة الاسلامية
الفرد والجماعة والمجتمع والسلطان
الإسلام والمجتمع
الادب والنهضة
أسس النهضة
افعال الانسان وافعال القضاء والقدر
من اين جاءت التوراة من جزيرة العرب ام من أين ؟
النظام السياسي في الإسلام
في سبيل فهم الذات ( الكلام والحديث والنطق واللفظ )
مقتطفات من مفكرين اسلاميين
الفكر القومي
اساس النهضة
قول في مؤتمر علوم الشريعة ( الواقع والطموح )
نص الكتاب المفتوح
نمط من الاسئلة
اسئلة من اعمال الولايات المتحدة ضد ليبيا
مقارنة بين آراء سياسية لحزب التحرير والمعتزلة من عام 93 م
الإسلام وتحديات العصر
الحنابلة وتأجيج الخلاف
اتفاقية مناظرة
حديث فتح روما وفتح القسطنطينة
[1] العبودية لله تعالى سلوك ايماني وعملي والقول بوجود الايمان الفطري لا الاكتسابي يعني وجود الايمان ضرورة وبهذا تسقط نظرية التكليف وبسقوط نظرية التكليف نسقط نظرية الجزاء .
[2] ربما يظن بعض الناس ان مثل هذا القول حالة من الهذيان والحقيقة ان التأكيد جاء بهذه الصورة لبيان ان العمل للاسلام وطلب القوامة له على العالم وانتزاع القوامة من دولة الشيطان الاكبر للولايات المتحدة هو امر ضروري اما تحقيقه واقعيا فهو عملية سياسية بعيدة المدى ومحكوم لمفاعلة سياسية معقدة .
[3] انظر تهذيب التهذيب جزء 11 ص 155 طبعة دار الفكر
[4] انظر تهذيب التهذيب جزء 11 ص 163 طبعة دار الفكر
[5] انظر تهذيب التهذيب جزء 3 ص 14 طبعة دار الفكر
[6] انظر تهذيب التهذيب جزء 35 ص 294 طبعة دار الفكر
[7] انظر ترجمة تهذيب التهذيب جزء 4 ص 231/232 طبعة دار الفكر
* لقد ضعف الأستاذ حسان عبد المنان هذا الحديث بسبب ضعف سهيل ابن ابي صالح !
[8] انظر ترجمته في تهذيب التهذيب جزء 3 ص 189/190 طبعة دار الفكر .