العمل السياسي المنتج

موسوعة جدل الأفكار (20)

في سبيل إعادة بناء الوعي وتحقيق النهضة

( جدل حول العمل السياسي المنتج )


قراءة في طرائق العمل السياسي

أمين نايف ذياب

قراءات

للنشر والتوزيع

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

هل هناك عمل سياسي منتج ؟ وعمل سياسي غير منتج أي ملهٍ أو من نوع العبث  ؟ ذلك هو السؤال الذي لا بد من الإجابة عليه ، من المعلوم أن الأمة قد تلبست بالعمل للتغيير ، منذ أكثر من قرنين ونصف من الزمان ، ومع كل حركة يتغير الوضع إلى زيادة في التردي ، ولقد جربت الأمة طوال زمن العمل للتغيير العديد من الحركات ؛ وأشكالا مختلفة من العمل ؛ من حركات الإصلاح الديني : كحركة الوهابية على اعتبار ما أعلنته عن هدفها ؛ لا على اعتبار الواقع ، إلى حركات الإصلاح التنويري ، كحركة الأفغاني ،  إلى نشوء بذرة العمل القومي [أي تحسين شروط عيش العرق العربي في ظل الدولة العثمانية ، أحزاب اللامركزية ] ورواد كتابة ومطالبة مثل الكواكبي ، والإصلاح في مناهج التدريس للحصول على المعرفة المنتجة ، ثم العمل القومي المتأثر بجملته رغم اختلاف محدداته بالأيدلوجيا الألمانية [أراء هيجل] ودخل العالم الحرب العالمية الأولى بسبب قضية مقتل ولي عهد النمسا ، ومع أن السبب في نشوب هذه الحرب العالمية الأولى هو الصراع الاستعماري الأوربي لكن جر الدولة العثمانية لتكون طرفا في قتال أُوروبي عجل نهاية الرجل المريض ليقتسم المنتصرون تركته وليعلنوا بعد أعمال سياسية معقدة من 1918-1924م نهاية آخر دولة إسلامية جامعة على ما فيها من هزال وتقصير وانحراف وتخلف.


المنهج


نـهج : طريقٌ بَيِّنٌ واضح ؛ فهو النهج ؛ قال أبو كبير :

فأجـزته بأفَـلَّ تحسب أثْـرَهُ        نـهجاً أبانَ  بذي فَريغٍ مَخْرَفِ


والـجمع نـهجاتٌ ونُهُجٌ وَنُهُوجٌ ؛ قال أبو ذؤيب :

به رُجُـمـاتٌ بـينَهُنَّ  مخارِمٌ        نُهُوجٌ كَلَبَّـاتِ الـهجائِنٍ فِيحُ


وطُرُقٌ نَهْجَةٌ ، وسبيلٌ مَنْهَجٌ : كَنَهْجٍ . وَمَنْهَجُ الطَّريقِ : وَضَحُه. والمنهاجُ : كالمنهج . وفي التـنـزيل : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )(المائدة: من الآية48) .

وَأَنْهَجَ الطريق : وضحَ واستبانَ وصار نـهجاً واضحاً بَيّناً ؛ قالَ يزيد بن الـحَذَّاق العبدي :

ولقد أضاءَ لك الطريق ، وأنـهجت   سبل الـمكارم ، والـهدى تـُعدي

أي تُعِينُ وتُقَوِّي .

والـمنهاجُ : الطريق الواضح . واسْتَنْهَجَ الطريق : صار نـهجا .

وفي حديث العباس : لـم يـَمُتْ رسول الله (ص) ، حتى ترككم على طريق ناهجة أي واضحة بينة . ونـهجتُ الطريق : أبنته وأوضَحْـتُـهُ ؛ يقال : اعمَل على ما نـهجـته لك .

 

ونـهجتُ الطريق : سلكتُهُ .

وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه .

والنهج الطريق المستقيم .

ونـهج الأمر وأنـهج ، لغتان ، إذا وضح .

والنهجة : الرَّبو يعلو الإنسان والدابة ، قال الليث ولم أسمع منه فعلا .

وقال غيره : أنـهج ينهج إنـهاجا ،  ونـهجت أنـهج نـهجا ، ونـهج الرجل نـهجا ، وأنـهج إذا انبهر حتى يقع عليه النفس من البُهْر ، وأنـهجه غيره . يقال : فلان ينهج في النفس ، فما أدري ما أنـهجه . وأنـهجتُ الدابة : سرتُ عليها حنى انبهرتْ . وفي حديث قدوم المستضعفين بمكة : فنهج بين يدي رسول الله (ص) ، حتى قضى .

النَّهْجُ بالتحريك ، والنَّهِيجُ : الرَّبْوُ ، وتواتر النَّفَسِ مِنْ شِدَّة الْحَرَكَةِ ، وأفعل متعد . وفي حديث عمر رضي الله عنه : فَضَرَبَهُ حَتَّى وقعَ عليهِ الرَّبْوُ ؛ يعني عمر . وفي حديث عائشة فقادني وإنّي لأَنْهَجُ . وفي الحديث : أنَّـهُ رأى رَجُلاً يرْبُو مِن السِّمَنِ ويَلْهَثُ ، وأنْهَجَتِ الدَّابة : صارت كذلك . وضربه حتى أنـهج أي انبسط ، وقيل : بكى . ونـهج الثوبُ : وَنَهُـجَ ، فهو نَهِـجٌ ، وأنْهَجَ : بَلِيَ ولـمْ يتشقق  وأنْهـجه البِلى ، فهم مُنْهـجٌ ؛ وقال ابن الأعرابي : أنهـجَ فيه البِلى : استطار ؛ وأنشدَ

كالثوبِ أنْهَـجَ فيه البلى    أعْيا على ذي الحيلة الصانعُ

ولا يقال : نَهَـجَ الثَّوبُ ، ولكن نَهِجَ . وأنْهَجْتُ الثَّوْبَ ، فهو مُنْهَجٌ أي أخلَقْتُهُ . أبو عبيد : الـمُـنْهَج : الثَّوب الذي أسرَع فيهِ البِلى . الجوهري : أنْهَجَ الثَّوبُ إذا أخذَ في البلى ؛ قال عبدُ بني الحسحاس :

فما زالَ بردي طيِّباً من ثيابـها   إلى الحول حتَّى أنـهج البرد باليا

وفي شعر مازن :

حتَّى آذنَ الجسمُ بالنُّهجِ

وقد نَهَـجَ الثَّوبُ والجسْمُ إذا بَلِيَ ، وأنْهَجَهُ البِلى إذا أخْلَقَهُ . الأزهري نَهَجَ الإنسانُ والكَلْبُ إذا رَبا وانْبَهَـرَ يَنهَجُ نَهْجا . قال ابن بزرج : طَرَدتُّ الدابةَ حتَّ نَهَجَتْ ، فهيَ ناهجٌ ، في شدَّةِ نَفَسِها ، وأنْهَجْتُها أنا ، فهي مُنْهَجَةٌ . ابن شميل : إنَّ الَكَلْبَ لَيَنْهَجُ من الحرِّ ، وقد نَهِجَ نَهْجَةً . وقالَ غيرُهُ : نَهجَ الفَرَسُ حينَ أنْهَجْتُهُ أي رَبا حينَ صيَّرْتُهُ إلى ذلك .

هذا ما ورد في لسان العرب حول كلمة النَّهْجِ والمَنْهَج ، وكما هو واضح فهي ذات معان متعددة :

1- فهي الطريق الواضح البين .

2- وهي الربو في الإنسان والدابة .

3- وهي البهر يقع على النَّفَس ، أي تواتر النَّفَسِ من شدة الحركة .

4- النهج في الجسم والثَّوب إذا بَليَ .

يجد القارئ نفسه أمام  معانٍ أربعة لـهذه الكلمة فهل من علاقة بين هذه المعاني ؟ ولا بد من السؤال التالي وهو أي هذه المعاني وضعها العرب للكلمة أولا ؟ أم أنَّ العرب وضعت الكلمة إزاء هذه المعاني دفعة واحدة ؟ من يدقق بالأمر يدرك أن وضع اللغة يتم بوضع معنى واحد إزاء الكلمة ولا يمكن غير ذلك ثم يتوسع واضعو المعنى في نقل الكلمة لمعان أخرى لعلاقة بين المعنى الأول والمعنى الجديد الذي صارت الكلمة تدل عليه وغير ذلك لا يمكن تصوره إذا درس الإنسان فقة اللغة وتحديدا فقه نشوء اللغات والظن إن الأصل في الكلمة المعنى الثالث وجاء المعنى الرابع نتيجة لهذه الحركة أي تقطع الأنفاس في الجسم فيبلى والحسم يبلى وكأنه له أنفاس قطعت والربو هو ضيق النفس أي حالة غير صحية تعتري التنفس وانتقلت للطريق الواضح البين فالطريق الواضح هو حركة صاعدة في الرقي ومن هنا تحتاج إلى معاناة في الحياة وهي أذن تبهر الأنفاس حقيقة أو مجازا فالنهج ليس السبيل الواضح البين بل والسير فيه أي تحمل مشقاته هذا هو المعني الذي يترجح لدارس الكلمة ضمن منطق التوسع في الاستعمال ولذلك قيل عند أبي حنيفة :  المجاز المشهور أولى من الحقيقة ورتب على ذلك فهما في الأحكام يعتبر مميزا والكلمة الموضوعة في الأصل لمعنى ما قد تموت والمثل على ذلك موت كلمة الفتنة [لِلْحُقِّ] علبة معدنية صغيرة مغلقة  يضع به الصائغ معدني الذهب والفضة المعدنين النبيلين لفحصهما بتعريض الحق للنار وسمي الصائغ فتان لقيامه بهذا العمل تمحيص المعدنين بالنار ولو قلت للصائغ اليوم أيها الفتان بكم تبيع غرام الذهب الذي فتنته لقام بصفع من يقول له ذلك زال المعنى الأصلي وبقي المعنى المنتقل التمحيص والفحص.


مقال لماذا المعتزلة وجدل مع التعليقات عليه

(1)

ألإخوة الكرام إدارة المنتدى وجميع أعضائه ومن كرمني بإيراد ملاحظات وتساؤلات على المقال

السلام  عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

أول تعليق بالترتيب كان تعليق باسم العضو الشريف حازم الحسيني فشكرا له أولا، وهذه خواطري حول تعليقه ، وهي ـ أي الخواطر ـ ليست إلا لبقاء التخاطب بين أعضاء هذا النادي النافع.

أشار الأخ الكريم تحت اسمه إلى إنه من [أهل الحقيقة] ، وهذا التعبير فيه إبـهام ، فهو تعبير يطلقه الصوفيون ـ أصحاب القول بالعلم اللدني على أنفسهم ـ ومثل هذا القول يشكل خطرا على الرسالة الإسلامية ، فالمعرفة الإنسانية أي كانت تدرك بالعقل لا بغيره ، فالعقل طريق المعرفة الوحيد ، ولكن مرجعية العقل لإدراك المعرفة هي التي تختلف فقط ؟ والسبب يكمن في طريقة التعامل مع المرجعية المعرفية ، ارتباط المعرفة بالعقل لا بغيره هي التي يجب أن تسود .

العبارة التي بدأت بـها ملاحظتك هي : إنّ الإسلام جلّهُ مغيبا عبارة أيضا هي حقيقة مُشْكِلَةٌ وجدلية ، فالمعرفة كما هو معلوم منوطة بالعقل ، فالمسألة مع التحفظ على مدلول العبارة ـ أي غياب جل الإسلام ـ فالناس مسلمون في كثير من مواقفهم وسلوكهم وتصرفاتهم ، فالغائب هو التفكير ، والفكر السياسي بكل تشعباته ، بل للفكر السياسي بقية ، وأن كانت لا تغير الحال بل تقاوم الواقع.

وبعد هذه العبارة مباشرة عرجت عن السبب لهذا الغياب لجل الإسلام ، فنفيت حدوث ذلك بإعلان إخراج المعتزلة كطائفة أخي الكريم ! المعتزلة لم تطرد كطائفة. المعتزلة طردت قصدا بسبب منهجها في التفكير ، وهو الاجتهاد في النوازل ، وبذل الوسع والطاقة في إنتاج التفكير ، ولو اخي الكريم طردت المعتزلة كطائفة ، وبقي منهج الاجتهاد والحث على التفكير وبقائه ، لما تأثرت الأمة أدنى تأثير ، بل لما تأخر المسلمون . لقد طردت المعتزلة وحل محل منهجها التقليد المقنن بديلا عن الاجتهاد ، والوثيقة القادرية نسبة للخليفة القادر من 381-422هـ ، وهي مذكورة بنصها وتمامها في المنتظم لابن الجوزي في احداث سنة 433هـ وهي تبين لك حدوث إحلال لللتقليد بدلا عن الاجتهاد تحت طائلة القتل راجيا مراجعة أمر الوثيقة في نفس الكتاب أحداث 408-409-420- 433هـ لترى بوضوح منع منهج المعرفة لا زوال الطائفة أو الفرقة أو المدرسة أو المذهب والفهم لواقع المعتزلة يدل على أن المعتزلة لا يطلق عليها مثل هذه الأسماء .

المعتزلة لا ترى الحرص أو التجارة باسم المعتزلة، لا المعتزلة الأصل سنة 101هـ تاريخ إطلاق الاسم. ولا المعتزلة المعاصرة، والله هو العليم بذلك، ولا يهم أي مثقف المهتم بأمته العودة للأسماء المشعرة بالتفرق، وقد حرصت المعتزلة المعاصرة ـ وبعد دراسة حقيقة ـ أن لا مناص لها من التعامل مع اسم المعتزلة مع توق شديد عندها للعودة للاسم الجامع المسلمون ، اسم المعتزلة مفروض عليهم امتدادا للاسم القديم ذلك أن قولهم بآراء من الضروري إبرازها وهي التوحيد التنزيهي لذات الله لنفي التجسيم والتشبيه وغيرهما والعدل لنفي الجبر بكل صوره وما ترتب على ذلك من مفاهيم فرض على هذه الحركة اسم المعتزلة فرضا .

الأخ الفاضل أو الابن الكريم  آمل قد وضحت أن ما يهم المعتزلة المعاصرة هو عودة المنهج لا الاسم .

والعبارة الأخيرة في ملاحظتك هي قولك : لغياب المنهج العقلي القرآني عن أفراد الأمة لكن السؤال الضروري ، من الذي نادى بالمنهج العقلي القرآني ؟ وأنتج بل أبدع علما إسلاميا خالصا هو علم الكلام، كل من أخذه إنما أخذه من منتجه الأصلي وهم المعتزلة ، وحدث ذلك قبل ترجمة الفلسفة اليونانية وقبل دخول علم المنطق، المعتزلة هي التي وقفت ضد قضايا الفلسفة والمنطق اليوناني وهو أمر ثابت ثبات يقين .

أخيرا أخي الكريم ! آمل استمرار النقاش ففيه عودة للحياة ، وشكرا لك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفي المرة التالية ستكون المطالعة خاصة بملاحظة الأخ الكريم شهاب السماء .

___________________________


للأسف كتاب غير مكتمل .......