قنوات السنة

 

قنوات السنة

من كتاب جدل الأفكار الأول من ص 30 الى 34

يخطئ من يظن أن سنة الرسول، لم تصلْ إلينا إلا عبر قناة أهل الحديث، المبنية على ضبط وعدالة الراوي، واتصال السند، وخلوه من الشذوذ والعلة، سنداً ومتناً، مع ملاحظة أن خلوة من الشذوذ والعلة، إنصب على السند، ولم ينصب على المتن، أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصلت إلينا عبر قنوات أربع هي :

(1) قناة نقل الجيل نقلاُ عملياً - وليس روايةً عن الجيل الذي قبله عن الجيل قبله إلى أنْ يصل الجيل عبر خمسةٍ وثلاثين جيلاً، إلى جيل الصحابة، الذين شاهدوا عملياً صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصيامه وحجة، وكيفية دفنه للميت، وكيفية الزواج والطلاق، ومقدار أنصبة الصدقة المفروضة، وكيفية تعامله مع الأرض، وآبار المياه، والولائم والهدية والهبة، وكيفية توزيع أموال الصدقات والفيء،وكيفية عقده المعاهدات، وكيفية العمرة،وكيفية خطبة الجمعة والأذان، والإقامة، وكيفية تأمير الأمراء وعقد ألوية الجيش، وأحكام التعامل التفصيلي مع أسرى الحرب، وكيفية الرهن، وأحكام عقود البيع، والإجارة والحوالة، وأحكام توزيع الإرث التفصيلي، فكل ما نقله الجيل عن الجيل، فلا بد من فعله على الصورة التي نُقل عليها كماً وكيفا، فمن صلى صلاة الصبح المفروضة ثلاث ركعات أو أربع، فهي غير مقبولة، ومن صلى الظهر ست ركعات فهي صلاة غير مقبولة، ومن حج بلا إحرام من الميقات، أو بلا وقوف على عرفه، أو بلا طواف حول الكعبة، أو بلا أشواط بين الصفا والمروة، أو وقف بغير يوم التاسع من ذي الحجة على عرفه، فلا حجَّ له أنها أحكام كثيرة، مصدرها النقل الحسي المباشر، نقلاُ حياً مستنده الحس، فهذا الطريق أهم طريق لمعرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الطريق واجب الاتباع والطاعة ومخالفتُه بلا عذر كفرٌ عملي.

(2) لقد ابتدأ الفقه، أثر وفاة الرسول صلوات الله عليه مباشرة، وقيل عن فقهاء من الصحابة، وتبعهم فقهاء التابعين، ثم فقهاء تابعي التابعين، وابتدأت منذ نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني الهجري، مدونات الفقهاء اعتمدت مدونات الفقهاء القرآن الكريم أصلاً، والواقع مناطاً، والسنة النبوية بياناً لمجمل القرآن الكريم، فالفقه وبسبب الحاجة الماسة إليه، سبق علوم القرآن، وعلوم اللغة، وعلم مصطلح الحديث، ورواية السنة، في الصدر الأول كانت غايتها الفقه، فعلماء الفقه استندوا في استنباط الحكم الشرعي إلى السنة، وغالباً ما كان مستندهم المراسيل، مراسيل التابعين، أو تابعي التابعين ومقياسهم في صحتها، ليس السند بل مجرد التحمل، وأنها تستند إلى القرآن ذكراً أو معنى، وأنها تعالج قضايا عملية بياناً أو تخصيصا أو تقييداً، فهذه السنن التي ذكرها الفقهاء في مدوناتهم الفقهية، هي المصدر الثاني للسنة فأبو حنيفة أو ربيعة الرأي أو الإمام جابر بن زيد والحسن البصري وأمثال هؤلاء الفقهاء، تحملوا أثناء فقههُم سنناً سنها الرسول صلوات الله عليه، بياناً لما أجمله القرآن، فهذه القناة الثانية، أهم في موضوعها وأسبق من مدونات المحدثين، زماناً وأصحابها متحملون في الذمة، بينما مدونات الحديث تعفي أصحابها من التحمل، حين ذكر الإسناد، ولهذا يطمأن القلب، ويستقر العقلُ، لهذه القناة الثانية، لمصدر السنة خاصة مدونات الفقهاء الخارجين عن هيمنة السلاطين.

(3) عندما ابتدأ الصراع بين فقهاء الرأي وفقهاء النص، وبين أهل العقل وأهل النقل، بحثت كل جماعة عن مستند لطريقها، في تأصيل الأصول سواء في أصول الدين، وفي أصول الفقه. والقرآن الكريم كافٍ واف في تأصيل الأصول ولكن بعض القواعد الأصولية مثل قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل براءة الذمة، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة، والضرورة تقدّر بقدرها، والأصل في النص عدم التعارض، والسكوت في معرض الحاجة بيان، والأصل في العمل التوقف ومعرفة الحكم الشرعي،والأمر للطلب والقرينةُ تُعيّن نوع الطلب، وإذ حدث الاختلاف في هذه القواعد وحولها، منها أصول وقواعد عقلية، ومنها أصول وقواعد مأخوذة من فقه اللغة، ومنها أصول وقواعد أخذت من القرآن الكريم، ومنها أصول وقواعد أخذت من نصوص من السنة، فقد دونها الأصوليون في مناقشاتهم ومستنداتهم، وهذا هو المصدر الثالث للسنة، ولأن هذا المصدر يشكل أصولاً وقواعد عامة، ولا يمكن معارضته بأن هناك مصلحة لمن قال به، أو يشكل تأييد موقف ما في الجزء من الزمن، ولأنه يُبنى عليه فروع، فإن هذه السنن التي تحوي قواعد أصولية وهي قليلة جداً، فإن عليه الظن أي الراجح رجحاناً قوياً، أن الرسول قال هذا القول فإنها هي المصدر الثالث في معرفة سنن الرسول صلوات الله عليه.

(4) المصدر الرابع جرّ البلاء على الأمة، ولا زال، وهو ما يسمى برواية الثقات، وثقات أهل السنة والجماعة الحشوية، غير ثقات الشيعة الأمامية، ونقل الثقات نقل يتعارض ويتناقض، بل يتعارض ويتناقض نقل الواحد العدل الضابط، ويتناقض مع القرآن، بل ويتناقض مع عالم الشهادة واختلط حابله بنابله ، فكثير من الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة والجماعة هي أحاديث تفيد التجسيم مثل حديث الصورة إلى حديث النزول إلى أحاديث الرؤية. وأحاديث تهز بل تهدم نظرية الالتزام بالإسلام وهي مجموعة نظام البدائل أو قل هي صكوك الغفران ! بفعل الحج. أو إحياء ليلة القدر أو هذا القدر من التسابيح والتهاليل ومثل حديث الرجل القاتل لمئة من الأنفس، وحديث أمتي ليس عليها عذاب، وأحاديث الشفاعة لأهل الكبائر بعد الموت، وأحاديث عدم الخلود بالنار للعصاة الذين فعلوا أفعالاً يهون الكفر إلى جانبها وأحاديث فداء أهل الذنوب من أمة محمد بيهودي أو نصراني، وتأتي أحاديث أخرى لتهز صورة الرسول صلوات الله عليه، وصورة حمزة بل وصورة الفاضلين من الصحابة مثل حديث الحوض الذي يُذاد عنه أصحاب الرسول، وحديث رضاعة المرأة للكبير أي لمن كان أكبر من 15 سنة مثل حديث سهلة بنت سهل وحديث ستصالحون الروم صلحاً آمنا فتغزون أنتم وأياهم وتغنمون، وهو حديث استند إليه مفتي أعمى العين والبصيرة ليجيز التبعيه للكفار وإباحة الأرض لجيوشهم والرجال المسلمين ليكونوا تكئةً ومتاريس وأكياس رمل لصالح الأمريكان والغرب في حرب العراق وأحاديث الرؤيا الصالحة التي جعلتنا ننتظر انتصار العراق دون دخول المعركة.

ما سبق غيض من فيض من صورة القناة الرابعة وأفاعليها وهي مع أنها مجرد قناة وحالة ادعاء خالطه الهوى إلا أنها صورة بلغت من التقديس أنها قاضية على القرآن.

ففي سبيل إعادة بناء العقل الإسلامي بناء صحيحاً متيناً لا بد من قبول تحدي الأفكار الزائفة مهما حاول المفسدون في الأرض من إعطاء قدسية لها ولعلمائها منذ القرن الثاني الهجري وحتى اليوم !.

وبعد سلاماً سلاماً لمن لا يفهم! ودعوة حارة للفهم والمحاورة والجدال والحجاج والنقاش لمن يريد لأمته الخير، وويلٌ ويلٌ لمن أخذ يرتزق أو يشتهر على حساب تمتين مسلك الضياع والتوهة. (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) (يوسف:108) .

لبيك يا رسول الله !

يا من خاطبك الله بالآية السابقة وهي خطاب لأتباعك إلى يوم الدين فإنّا على البصيرة سائرون وسلام على عباده الذين اصطفى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.