رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 533016

بيان الى الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق وبيان ألى الأمة الإسلامية

أيتها الأمة الكريمة

11/9/2001م

ضربة موفقة ومؤذية شديداً للولايات المتحدة

كشف حادث يوم القيامة الصغرى على الولايات المتحدة 11/9/2001م ، الذي قامت به مجموعة فدائية تنتمي لجذع الأمة الحي ، كشف الحادث مقدار التبعية المهينة لحكام العالم الإسلامي ، وأكثرية العاملين بالحقل السياسي ـ ممارسةً ، أو تفكيرا ـ للولايات المتحدة والغرب ، يستوي في ذلك الموصوف بالأسلمة والدعوة إلى الله ، أو الموصوف بالعلمنة ، وكذلك الموصوف بالتبعية ، أو الموصوف بالتحرر ، باسثناء الحكم بالعراق ، ومع ذلك ظهر منه الحذر ؛ حتى لا يوصف بأنه مشجع للإرهاب ، إذ قد تراجع عن السماح لمشاعر الجماهير ؛ بأن تعبر عن فرحها بذلك اليوم ، وهو يوم أغر ، لا ولن ينسى في التاريخ ، ولن يمحى من ذاكرة العالم ، فستبقى ذكراه حاضرة ، ولم يكن غريبا موقف حكام المسلمين هذا ، ويسير سيرة الحكام أهل العمل السياسي الواقعي ، إذ هم جميعاً أسرى لثلاث حالات ؛ أثرت عليهم ؛ وكونت موقفهم من الحدث الأغر ، وحولتهم من العمل الجاد لصالح أمتهم ، ورفعة شأنـها وتحقيق عزتـها ، وتحرير إرادتـها ، والعمل لاستئناف حياتـها على أساس الحضارة الإسلامية الحية ، إلى أنْ فقد الكثير منهم الإيمان بالإسلام كحضارة ، ونـهج حياة ، وكنظام سياسي في الحكم ، والاقتصاد ، والاجتماع ، والثقافة والعلم ، وبالتالي السير صعداً بمدارج الرقي ومسار التقدم ، وتسرب اليأس إلى البعض الآخر من إمكانية صلاح هذه الأمة الخيرة ، مع بقاء الإيمان بالإسلام كحضارة ، ونـهج حياة ، ونظام حكم ، ولكنه إيمان راكد ، أخذ بنظرية الوعد ومباشرة الانتظار ، تلك هي حال أهل الحكم وأهل العمل السياسي الواقعي ، فقد تسرب إليهم جميعا الشعور بالعجز الدائم ؛ من إمكانية الوقوف بوجه الولايات المتحدة وشركائها ، أو مقاومتها ، ولـهذا يشعرون بالخطر من ظهور أية مقاومة للولايات المتحدة وشركائها ، والسبب الكامن في الموقف المتخاذل الجبان هذا يعود إلى ما يلي :

(1) عدم الثقة بالإسلام كمبدأ عالمي للحياة ، وكمنتج للحضارة ، ونظام حكم يقدم الرعاية ، وعلاقات عادلة مع الدول الأخرى ، ولهذا يزول العجب ، إذ رأت الأمة   الحكام وهم يتطوعون  للوقوف مع الولايات المتحدة ؛ في حربـها المعلنة ضد الناقمين على الولايات المتحدة  .

(2) عدم الثقة بالأمة الإسلامية كأمة ، وأنـها في حالة قدرة على أنْ تتسنم المكان اللائق بـها تحت الشمس ، بل تأخذ مكان الصدارة بين الأمم الكبرى .

(3) الرعب الذي تركز عند الحكام وأكثرية العاملين بالسياسة من الدول الكبرى الغربية وخاصة الولايات المتحدة ، بسبب ما تمتلكه هذه الدول من معدات الدمار ، ومن أساليب المكر والخداع ، ومن القدرة الاستخبارية الفائقة ، ومن السيطرة المالية العالمية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .

(4) من الملاحظ أنـهم لا يرتعبون من كل دولة كبرى ، كالاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا حاليا ، وكدولة الصين الوطنية سابقا ، والشعبية لاحقا ، وكاليابان إذ تحولت إلى قوة اقتصادية كبرى ، فهي عضو في مجموعة أل (G7) ، فرعبهم هو من الدول الغربية الاستعمارية فقط .

من اجل هذه المعطيات نأى حكام المسلمين عن الإسلام والأمة ، وجعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بـهذه الدول الكبرى ، والاستناد عليها ، والاستعانة بـها ، والإرتكاز على حمايتها لـهم ، مستسلمين لعدو الأمة بصورة تدعو للعجب والذهول .

نتج عن ذلك خوف الحكام من الأمة ، بدلا من خوفهم عليها ، فصار جُلَّ همهم حماية مصالح العدو من الأمة ، فتفننوا في إيجاد قوى القمع المتعددة الأسماء ، فما من نظام في العالم الإسلامي ، يخلو من عشرة من التشكيلات القمعية ، تستعمل لترويع الأمة ، أو مراقبتها ، أو التجسس عليها .

تلك هي الدواعي للموقف الجبان من قبل الحكام في العالم الإسلامي من أحداث يوم الثلاثاء 11/9/2001م ،  وكان وراء قيام الحكام بإدانة عمل فدائي استشهادي على أعلى قدرة في التنفيذ والتنظيم ؛ قام به زمرة من الشباب ، قدموا حياتـهم طوعا واختيارا وتصميما ، لضرب العدو في عقر داره ، ومركز قوته ، وأثبت عمل هؤلاء الشباب ؛ أنَّ الدولة الكبرى مهما امتلكت من قوة ؛ ليست بمنأى عن أنْ تصل إليها الضربات ، بل قد تصيب الضربة يافوخها فتكسره ، أمَّا الحكام فقد زوقوا الدعوى في ما لا ينطلي على أحد ، فالعدو في واقعه ليس فردا ، والعدو ليس جيشا يقابل جيش الأمة ، في معركة حربية لها ميدانـها ، متكافئة أو غير متكافئة ، إنما هي معركة يقودها كيان ، يستبيح لنفسه ما لا يجيزه لغيره ، من أسلحة دمار شامل ، وقوة اقتصادية لم يمتلكها نتيجة نشاطه ؛ بل كان ذلك  نتيجة نظام هيمنة اقتصادية وسياسية قذر ، وسيطرة تامة على الشرعية الدولية والقرارات العالمية ، وهذه الأمور جميعا لا يمكن أنْ تغيب عن ذهن الحكام ، فهم يعرفونـها حق المعرفة .

موقف الحكام هذا لا يثير الدهشة ، فالأمر معلوم عنهم ومنهم منذ زمن طويل ، لكن ما يثير الدهشة هو توظيف الإسلام ، والمراكز الإسلامية ، وبعض الحركات الإسلامية ، في إدانة عمل هؤلاء الشباب المقدام ، الذين لا يرتجون شهرة ، ولا مالا ، ولا مجدا زائفا ، فقد قدموا حياتـهم طوعا واختيارا ، قابلوا الموت الحتم بإصرار مذهل ، يعبر عن حيوية الأمة الكامنة ، وعن طاقاتـها القابلة لمقابلة عدو الأمة بلا خوف ولا رعب ، وعن شدة النقمة على تصرفات وحيد القرن  {الولايات المتحدة} التي أخذت تتصرف في مقدرات الناس ، تصرف السيد الروماني الهمجي  بلا رادع من قيم ، أو أخلاق ، أو إنسانية ، أمة أمريكية قذرة فقدت إنسانيتها ، لا تراعي لضعيف حرمة ، ولا لمريض رأفة ، ولا لجائع رحمة ، تسعى لـهوان الناس ، إلا نوع منهم هو ذلك الجنس { الأبيض الإنجلو ساكسوني البروتستانتي أي ما يطلق عليه (wasp) الذي يجب أنْ يحتل المركز الأول ، وتترتب الأعراق الأخرى في الدرجات التالية ، أي قد أخذوا نظرية هتلر بالأجناس والأعراق ؛ وطبقوها حرفيا لكن بخفاء شديد } ولا يغرَنَّكم ما تدعية من الحفاظ على الـحريات وحقوق الإنسان ، فهي تكيل بـهما كيلا مزدوجا يعلمه القاصي والداني .

لا يخدعنك من خطيب خطبة    حتى يكون على الكلام دليلا

الاستشهاد بالبيت من الشعر يأتي تحذيرا من الأحكام الارتجالية ، التي تتأثر بمشاهدة مشاركة الولايات المتحدة في العون الإنساني أحيانا ، لمصلحة لـهم ، ومن الذين غرهم ذلك ؛ فذكره سفر الحوالي ؛ في كتابه أي رسالته لبوش بعد 11/9/2001 م بأيام ، الولايات المتحدة وكل العالم الغربي لا يقدم عوناً خاليا من المصلحة ، وربما يقال وما الاعتراض على المصلحة ؟ الاعتراض ليس آتيا من العمل للمصلحة ؛ بل لأنَّ المصلحة هنا خرجت عن قيمتها وهي القيمة الإنسانية ، وتحولت إلى قيمة فرض النفوذ والسيطرة ليس غير .

الذي أصيب بالعمى ، يمكن أنْ يدرك ذلك بالعودة لأرقام القتلى ، في كوريا وفيتنام وفلسطين والعراق واليمن وأفغانستان ، وهذه هي أفعال قتل وتقتيل ، قامت بـها الولايات المتحدة بدور مباشر ، أو غير خفي ، في سبيل فرض سيطرتـها ،  منذ أنْ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، وكل دعوى يدعيها وحيد القرن من كون القتل ، والتشريد ، والموت الحاصل بسبب الفتن ، والحروب المحلية  والحروب الدولية ، والجوع والمرض للقارة السوداء وغيرها إنما هو خارج عن مسؤوليتها ، فهو كلام خارج من مجموعة الكذابين ، فما معنى دعوى قوامتها على العالم ؟ !!! ودولة الولايات المتحدة ليست عصابة ، وليست كتيبة ، أو لواءً من الجيش إنـها أمة ! قوامها ناسها  ومصانـعها ، وتجارتـها ، وشركاتـها ، ومطاراتـها وموانـئها ، ومبانيها ، ومسارحها  ومراقصها ، وفنادقها ، وخماراتـها ، وجامعاتـها ومستشفياتـها ، والحركة الدؤوبة بـها  هي كل هذا ، وأكثر منه ، وهي كلها مشتركة مباشرةً أو غير مباشرةٍ بمعنى وجود هذه الدولة ، وبواقع عملها في سياستها الخارجية ، وهي سياسة السيطرة على العالم ، بالقتل ، والهيمنة  وسياسة إشعال الحروب ، والحرائق ، فالشقاء العالمي الذي يلف العالم كله في القارات الخمس ، صنيع يديها ، ورسم ساستها ، ومؤيد من قبل أكثرية شعبها ، والمصابون بعمى الاختلاط ؛ يرون بؤرا قليلة العدد ؛ تستنكر أفعال حكومتها فيتعلقون بالقشة لتقذهم من الغرق ، ولا يدري العاقل كيف يمكن الفرز بين أكابر مجرميها ؟ والبقية الباقية من أهل الطاعة والتأييد لهذا الكيان الخبيث الرهيب ؟ !!!! قليل من الحياء أيها المتباكون على سيدتكم !!! .

أصحاب الفضيلة والسماحة ، وقادة الحركات السياسية المؤسلمة ، وإدارات الجمعيات العربية الإسلامية ، والمراكز العليا للتثقيف والإفتاء الإسلامي ، أخذوا جميعا على عاتقهم بيان حكم قتل الأبرياء ، وهذا البيان هل هو موجه للمليار مسلم القاعدين على الطوار [الرصيف] ؟ وقد تبلد حس أكثريتهم ، أم هو لتلك القلة من الشباب الأخيار الذين قادوا الطائرات ؟ وطبيعيا بعد الانفجار الرهيب لا يمكن العثور على جثة واحد منهم ، فلم تتمزق إربا إربا بحيث يمكن تجميعها ، بل تبخرت ، فإذا كان حديثكم لهؤلاء ؟!! فقد مضوا ـ والظن أنـهم مضوا إلى جنان الخلد ، مُرَحَّبَاً بـهم من الملائكة ، فهل تريدون أيها السادة الحديث مع أهل الجنان ؟ !!! إنـهم فرحون يستبشرون بالذين لم يلحقوا بـهم من خلفهم ، إنكم تريدون الحديث مع الذين لم يلحقوا بـهم ، لكن المشكلة أنـهم غير مقتنعين بكم ، فهم شباب والله مكتهلون في شبابـهم ، غضيضة عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل أرجلهم  أنضاء عبادة ، وأطلاح سهر ، باعوا أنفسا تموت غداً ، بأنفس لا تموت أبدا ، قد نظر الله إليهم في جوف الليل ، منحنية أصلابـهم على أجزاء القرآن ، كلما مرَّ أحدهم بآية تذكر الجنة بكى شوقا إليها ، وإذا مرَّ بآية تصف النار وحرها شهق شهقة ، كأنَّ زفير جهنم بين أذنيه قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وأنوفهم وجباههم ، ووصلوا كلال الليل بكلال النهار ، مصفرة ألوانُـهم ،  ناحلةٌ أجسامهم ، من طول القيام ، وكثرة الصيام ، مستقلون لذلك في جنب الله ، منجزون لوعد الله ، حتى إذا رأوا طائرات العدو ، تستبيح بلاد المسلمين في وضح  النهار ، تقتل الأطفال ، وترمل النساء ، يعربدون في طول بلاد المسلمين وعرضها  يسبح بحمدهم الرويبضات ، لكن الشباب المقدام استخفوا بقوة الأعداء ، فركبوا طائرات العدو ودمروا مركزهم التجاري المتطاول في السماء ، وضربوا مركز التخطيط ضد الضعفاء  بعون الله وتوفيقه وتأييده ، فهال ذلك الأسياد ، فطلبوا من الأتباع ، وشيوخ الإسلام أتباع السلاطين ، إدانة هذا العمل القوي الجري ، الذي هزَّ أركان دولة السيطرة الظالمة ، الدولة السافكة للدماء  راعية الفساد في العالم ، طلبوا منهم ذلك بحجة حرمة قتل الأبرياء ، ومع رضوخ هؤلاء المتأسلمين لما تريده الولايات المتحدة تلك الدولة الشريرة في العالم ، يكونوا قد أعطوا الإذن لها لتمارس هوايتها ـ وهي قتل المسلمين ـ وقدموا التأييد ليمارس الحكام هوايتهم بالاصطفاف مع عدو الأمة ضد الأمة ، ويظهر أنَّ السادة جمع المتأسلمين يغيب عن ذهنهم غيابا تاما قول الله تعالى : ((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (المجادلة:22) وقول الله تعالى : ((وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)) (هود:113).

فالولايات المتحدة دولة محاربة عدوة كافرة ، تباشر الحرب ضد الأمة الإسلامية عمليا ، بل ضد البشرية تدعم اليهود بالمال والسلاح ، وبسلاحها وتأييدها يقتل اليهود أهل فلسطين أطفالا وشيبا ونساءا وتحاصر هي وتابعتها بريطانيا العراق ، وتستبيحان شماله وجنوبه ، وتعلن يوميا أنـها تريد أنَّ تمنع العراق من تطوير قدراته العسكرية ، فامتلاك السلاح والقوة هو خصوصية لعالم الشمال ، الغاية من ذلك بقاء هيمنة الولايات المتحدة وشركاءها تتربع على عرش الصلف والكبرياء تلك هي دولة الولايات المتحدة ، فهل يسكت أفراد الأمة عنها ؟ أو يطلبون منها الفصل بين الأبرياء وغير الأبرياء ؟ ليتمكن الشباب من مواجهة غير الأبرياء  تلك هي المعضلة التي تطلب الأمة من أصحاب الفضيلة والسماحة وهم يتباكون على الأبرياء حلها ، وليفهم أصحاب السماحة والفضيلة أنَّ جميع أدلتهم لا علاقة لها بموضوع ما جرى يوم 11/9/2001 م ، وإنما علاقتها بـهدف الإسلام العام الرحمة والعدل والتكريم ، أو بالسياسة الحربية حين مبادرة المسلمين القتال وهم كيان ضد الكفر كفتح هداية ، إما في مثل حالة الولايات المتحدة المهيمنة بالقهر والجبروت على الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط  وقد تواطئ معها الحكام ضد شعوبـهم ،  فالقتل القتل ، والحرق الحرق ، والهدم الهدم فالمسالمة لا تجدي معهم ، فسياسة نوح هي التي يفتى بـها ليس غير ، قال تعالى : ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً)) (نوح:26، 27) .

بعض الذين يتعاملون مع سطح الأمة ؛ يأتون بالعجب العجاب : أولـها : إنكار أنَّ هذا العمل في طاقة وقدرة الجهاديين الإسلاميين ، من تنظيم وسرية وفنية ، وأدلة هذا القول تشكل إثارة شبهة ، وليس بناء أدلة ، بل الأدلة عكس ذلك تماما ، وهي ثورة الأمريكان والعالم الغربي كله ، ومباشرتـهم  حربا مجنونة ضد طالبان والقاعدة ، ورعب وخوف حكام العالم الإسلامي ؛ بحيث أعلنوا أنـهم مع أمريكا وضد الإرهاب ، وتأييد كل الإجراءات التي تتخذ ضد الإرهابيين ، فأي أدلة مع النافين . ثانيا : يربطون بين ماضي الجهاديين ؛ وهو كونـهم خدموا الولايات المتحدة في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت ، و لا ينكر أحد ذلك ؛ فيبنون عليه ؛ أنـهم لا زالوا لم يخرجوا عن كونـهم حلفا مع الولايات المتحدة ، وهذا القول خطأ واضح ، فلا شك أنـهم تعاملوا مع الولايات المتحدة من منطق الظاهر ، فهم أهل إخلاص خالص وليسوا أهل وعي ، ولـهذا إذ رأوا السوفييت وأعوانـهم يتسلمون حكم أفغانستان ، وهم مشهورون بالإلحاد ، فتحركوا ضدهم ، ثم رأوا صديقهم الذي أعانوه ، كيف صار ممكناً من البقاء في السعودية ، بقيمهم ومجنداتـهم ومسلكياتـهم ؛ التي لا تلاقي أي قبول عند أهل الورع ؛ وما ظهر من اختلاف بين علمائهم إثر مشاركة السعودية بحرب الخليج الثانية ، لقد ظهرت بسبب ذلك مدرسة سلفية متمردة على مواقف آل سعود والعلماء الذين يؤيدونـهم ، وقد شاهدوا أيضاً قواعد الأمريكان ؛ في الأقطار الخليجية الخمسة الأخرى وكيف تمارس القواعد يوميا طلعات جوية ضد العراق ؛ ويحاصر العراق ؛ ويموت الكثير من أطفاله بسبب هذا الحصار ، لعزة الدواء وشح الطعام ، وتعايشوا مع موقفهم الإجرامي في فلسطين ، ومقدار سندهم لدولة العدو اليهودي ، كل هذه حولت شبابا يمتلئون حماسا إلى تقديم حياتـهم في سبيل إضعاف أو الانتقام من وحيد القرن ، أنـهم تلوا قوله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة:111) ويستكثر بعض المسلمين ـ الذين يسيطر عليهم الحكم العام على عدم خيرية هذه الأمة ـ فلا يرونـها مؤهلة لمثل رد الفعل هذا ، وفي سبيل تركيز عدم الثقة بـهذه الأمة وهز ثقتها بنفسها ، أخذ الغرب يباشر عبر كل أنواع الإعلام نشر كثيرٍ من مقالات التشكيك ؛ في أنَّ شبابا عربا مسلمين هم الفاعلون لمشهد 11/9/2001م في سبيل عدم وضع هذا الأمر في محل القدوة من متمردين استشهاديين آخرين ، فتكرر ذلك يعني أنْ تفقد الولايات المتحدة هيبتها ، ويجري التشكك في قدرتـها على قيادة العالم من أخلص المخلصين لـها ، وبالتالي يبدأ العد التنازلي لفقدان قيادتـها للعالم .

إنَّ الولايات المتحدة وشركائها يدركون إدراكا تاما عجز طالبان والقاعدة عن إقامة أو بعث أو إعادة بناء الحضارة الإسلامية ، فالحرب المعلنة على الحضارة الإسلامية لا تزال سائرة في مسارها ، ومن وسائل تلك الحرب تشويه الإسلام بالوجه السلفي ، الوجه السلفي ليس هو السلفية فقط ، بل هو توقف الاجتهاد في النوازل ، وبعث حركة المعرفة والعلم التجريبي ذاتيا ، ومباشرة القراءة النقدية للتاريخ والتراث ، وعدم التواصل مع تراث الأمة تواصلا حقيقيا ، بحيث ينتج حداثته ، ولا يستعير حداثة الآخرين ، وهذه هي صفات السلفية حتى طالبان والقاعدة ، والوجه الأخر لتشويه الحضارة الإسلامية هي الدعوات النشيطة لاستبدال هوية الأمة بـهوية التغريب جزئيا أو كليا ، ومفردات هذا الاستبدال كثيرة ومتنوعة ليس هنا موضع شرحها .

إنَّ الولايات المتحدة بمقدار ما يعنيها منع الحضارة الإسلامية من الظهور ، يعنيها عدم وجود مقاومة مسلحة ضد مشاريعها ، حتى ولو كانت هذه المقاومة من قوة تفتقد الدعوة للمعنى الحضاري الإسلامي ؛ كما هي في طالبان والقاعدة ، ومن هنا فهي تمنع ما من شأنه إعاقة مشاريعها أو يمنع استقرار العالم على الوجه الذي تريد . ليس المراد من هذا القول اتهام طالبان والقاعدة في إخلاصهما ، لكن الأمر يجري حول قضيتين : الأولى الإخلاص المشاعري أغلق عليهم الوعي السياسي ، فكان تسخير المجاهدين ضد السوفييت لصالح الأمريكان أشرس عدو لنظام الإسلام ، وكان تسخير طالبان لصالح حكام باكستان ، والثانية وقد اتبعوا منهج السعودية السلفي (منهج ابن تيمية) ـ وفيه الدخيل والوهن ـ وقوة التدين وليس قوة الإسلام ، لم يحدث القبول لسياستهم من قبل المحكومين .

ما تسعى إليه الولايات المتحدة في العالم الإسلامي ؛ هو إلغاء الوجه الحضاري الحي في الإسلام ؛ وتحويله إلى دين علاقته بالعبادات ، والنسك ، والهيئات ، تحت شرط الحريات الأربع ، وقيمة العون أو الإحسان ، ومنع المخدرات . تلك هي صورة الإسلام كما تريده أمريكا ، وإذ تحول العون والإحسان إلى شوكة ليست في جنب أمريكا ، بل في صدرها ، طلبت من حكام المسلمين مراقبته ، وتوجيهه ومراقبته مراقبة تامة وأنْ لا يذهب لـمد العون لغير المقاومة ، وهي جادة في تحقيق هذا المطلب.