أشكالية الخطاب الآركوني
الجمعية الفلسفية الأردنية
المؤتمر الفلسفي الرابع
محمد أركون اشكالية الخطاب الأركوني و قيمتة في احداث التغيير
اعداد أمين نايف ذياب
الدخول لفكر محمد اركون
كُلفت بالكتابة عن محمد أركون- من قبل الجمعية الفلسفية الأردنية- مشافهة، وتحديداً من قبل الاستاذ اسامة بركات، ولم يحدد المحور الذي ستعالجه الورقة، وهكذا كان الخيار امامي مفتوحاً، وإذا اعترف بأنني لست فيلسوفاً ، ولا امارس الفلسفة ، والكتابة المطلوبة هي عن محمد أركون، وهو يكتب كتبه بالفرنسية، فإن الامر يبدو محاطاً بسياج من الصعوبات.
يميز النص – من حيث هو نص- سواء كان مقالاً او كتاباً او غير ذلك بقضيتين معيارتين هما : الافهام والجدوى وغير ذلك يكون فصلاً، ومن هنا فإن هذه القراء لأركون تعتمد هذه المعيارية اعتماداً تاماً فكل كلام لايفهم هو من ؟ وكل ما لاجدوى له هو عبث وقد تميز القرن العشرين بكثرة قيل وقال مع افتقاد الفهم والتفاهم مع سلب الجدوى كل ذلك لهدف هيمنة العولمة، هذا الحكم ليس حكماً على نص العلم التجريبي وليس حكماً على نص النكتة مثلاُ هو حكم على نص التغيير أي هو حكم على النص الفكري.صدق القول او تزييفه له نهج فيه بعض الخصوصية ومع ان الاصل به أن يعتمد الموضوع فيعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ وغير ذلك من معياريات الا ان ذلك يترتب على الحكمين الاولين فكل قول لا يفهم وكل قول لا جدوى فيه لايمكن الحكم عليه.
كيف الدخول الى اركون؟ والمسمى من قبل اهله بمحمد! فهل هو محمد فعلاً من حيث نهج التفكير؟ ليس المراد من هذا السؤال اعلان تكفير اركون، فليس لاحد ان يمارس صلاحية بابا كاثوليكي، صدر الاعلانات التكفيرية، هو سؤال في عمق منهج اركون الفكري، وليس غير ذلك ، من له ادنى معرفة بالسياقات الفكرية المعاصرة، يدرك ان كتابات اركون تلاقي من المثقفين جدلاً حاراً وعنيفاً، فكتاباته فعلاً مثيرة للجدل! ومع انها مثيرة للجدل أي تنتج حركة لكنها داخل سياج بعض قليل من النخبة، ولهذا فهي بدون بركة!.لتسير هذه الورقة على درب بين، فلا تكون مجرد كتابة، تضاف الى كميات هائلة نشرت في زمن قصير جداً هو العقدان او الثلاثة من قرن انصرم، غير مأسوف عليه لما حمل في ايامه من بلاء ورزايا، شملت الكرة الارضية، ويبدو ان القرن الجديد، الوليد حديثاً اكثر عتواً وهمجية من سالفه، فقد انفرد- ولاول مرة في التاريخ البشري- وحيد القرن في الهيمنة على القرار العالمي، واخذ يمارس هواية القتل وعنفوان الهمجية، فمن الضروري ان تكون سائرة على منهج.
في هذه الاجواء ولتحديد المنهج يطفو فوق كل شيء السؤالان التاليان وهما سؤالان غير بريئين.
1- لماذا البحث في اركون؟
2- ما الذي تهدف اليه الجمعية الفلسفية الاردنية من عقد هذا المؤتمر؟ وهل صدفة اختارت في مؤتمراتها السابقة منيف الرزاز، انطون سعادة، غالب هلسا، مع الملاحظة انه مهما كان التصنيف ، فالثلاثة يجمعهم عنوان هو " مفكرون ماديون علمانيون" فهل يفترق اركون عن سابقيه رغم اسلامياته؟.
هذه الاسلاميات الاركونية، هي التي ستوضع تحت المجهر، لا لمعرفة النوايا والسرائر، بل لمعرفة المقاصد والغايات، فما الذي يقصده اركون من هذه الاسلاميات؟ هل يقصد فك اسر الاسلام أي المنهج والفهم والحياة من آسريه؟ اركون يكتب اسلامياته بالفرنسية فهل يريد تحسين صورة الاسلامي امام الغرب؟ هلي يريد اركون تحصين الاسلام امام عدويه: الجهالات والتحريفات؟ هل يريد تفعيله بحيث يأخذ دوره الطبيعي في الحياة الانسانية صنعاً ومشاركة؟ لماذا يصر اركون في اكثر من كتاب وفي العديد من مقولاته وضع الاسلام في صف واحد مع اليهودية والمسيحية؟
هل كان فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وخاتم البشر اكثر وعياً من اركون على الاسلام حين وضع الاسلام في سياق الايدلوجيات؟
قال فوكوياما : { صحيح ان الاسلام يشكل ايدلويا منسقة ومتماسكة، مثل الليبرالية والشيوعية، وان له معاييره الاخلاقية الخاصة به، ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية، كذلك فإن للاسلام جاذبية، يمكن ان تكون عالمية، داعياً اليه البشر كافة باعتبارهم بشراً ، لا مجرد اعضاء في جماعة عرقية او قومية معينة، وقد تمكن الاسلام في الواقع من الانتصار على الديمقراطية الليبرالية في انحاء كثيرة من العالم الاسلامي، وشكل بذلك خطراً كبيراً على الممارسات الليبرالية حتى في الدول التي لم يصل فيها الى السلطة السياسية بصورة مباشرة، وقد تلا نهاية الحرب الباردة في اوروبا على الفور تحدي العراق للغرب، وهو ماقيل (بحق او بغير حق) ان الاسلام كان احد عناصره} انتهى الاقتباس.
مصاعب فهم الخطاب الاركوني
كيف يمكن معرفة دور نتاج اركون وتأثيره في اعادة الحياة للفكر الاسلامي؟ وهو يكتب كما نوه بذلك من قبل بالفرنسية من جهة؟ والمعلوم ان مقالاته تستعصي على الفهم من جهة اخرى! جاء في هوامش وشروحات مترجم كتب محمد اركون للعربية السيد هاشم صالح ( وفي ما يخص كتب اركون اشعر احياناً - بعد المعاشرة الطويلة والمران المستمر- انه ليس ينبغي فقط ترجمتها وانما تلخيصها ايضاً، او كتابة عدة كتب عن كل كتاب مترجم لكي يفهم فعلاً، اقول ذلك : على الرغم من العناية القصوى التي اوليها لترجمته، وعلى الرغم من كل الهوامش والشروحات التي ارفقها بالنص المترجم). انتهى الاقتباس دون أي تصرف.ويقول هاشم صالح ايضاً – في بداية الملحق لكتاب اركون – (الفكر الاسلامي نقد واجتهاد): بعد مرور عشر سنوات بالضبط على تعاوني الفكري مع محمد اركون احببت ان التقي به، لكي نضع النقاط على الحروف بشأن قضايا عديدة: منهجية ومفهومية فالترجمات التي قدمتها، حتى الآن، اثارت من المشاكل والتساؤلات بقد ما قدمت من التشخيصات والاضاءات ، ان لم يكون اكثر.
ولذلك اسباب. فالمنهجيات التي يسلط اركون انوارها على التراث العربي- الاسلام لم تفهم كلها كما ينبغي، بل ان بعضها قد بدا في الترجمة العربية غامضاً، صعباً ، محشواً بالمصطلحات والمفاهيم الغربية، وعلى الرغم من كل الشروحات التي وضعتها في هوامش الكتابين اللذين صدرا حتى الآن (تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ثم الفكر الاسلامي : قراءة علمية) فأن النص الاساسي بقي صعباً على القارئ العادي ، بل وعلى القارئ المتخصص في بعض الاحيان، وبدا لي انه لكي انجز هذه المهمة كما ينبغي ولكي امشي بها حتى نهايتها، فإنه يتحتم على الاكثار من نشر المقالات والمقابلات والتلخيصات والشروحات المطولة. وبدا لي ايضاً ، من خلال تجربة تلك السنوات العشر الماضيات، انه لا يمكن للقارئ العربي ان يتوصل الى فهم اركون ان لم تنقل اليه مكتبة كاملة في الفكر الاوروبي المعاصر! هي : مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية.
هذه الصعوبة التي يصرح بها هاشم صالح تجعل اسلاميات اركون على فرض احسان الظن بمقاصدها ليست ذات جدوى في العمل للتعبير، فالكلام الذي لا يفهم لا يغير من مفاهيم الناس وهو يبقى مجرد كتاب على ارفف المكتبات الجامعية او العامة.من ناحية اخرى هل يمكن اتهام اركون بأنه – عن قصد وعمد واصرار- يمارس المراوغة ولهذا لا يصرح يما يريد متكئاً على الابهام والغموض والتعقيد.
لو قيل لاركون : ان القضية المعرفية الضرورية للانسان – من حيث هو انسان، ودون دخول على تشعباتها، واصولها، وفروعها، انما هي متصلة اتصالاً ضرورياً وثيقاً بمثلث واضح، هو : الله ، الانسان، الطبيعة . والفكر بكونه البعد الرابع الضروري لحل العلاقة بين ذلك المثلث، والفكر لايمكن عزله عن لسان ولغة، هي الرموز لما يتوصل اليه الفكر انتاجاً ونقلاً للغير، فالزاوية التي تحدد رؤية اركون وهو الذي يكتب بالفرنسية هي النظرة المعرفية الفرنسية المصابة بداء الاستعلاء من جهة والغموض والابهام من جهة اخرى.
يدرك هاشم صالح ان صاحبه اركون هو مفكر فرنسي، وليس مفكراً فقط، ولذلك يقول هاشم صالح : (ولهذا السبب بالذات {يقصد فهم اركون} قدمت عدة مقابلات مع بعض كبار المفكرين الفرنسيين، الذي يحتلون الساحة حالياً من امثال: بيير بورديو، جورج بالندييه، جيال غاستون غرانجيه، جاك دريدا. والاول عالم اجتماع، واما الثاني فعالم انتربولوجيا مقارنة، مختص بأفريقيا السوداء والمجتمعات الاوروبية الحديثة في آن معاً، والثالث عالم ابستمولوجيا، يحتل الآن كرسي ميشيل فوكو في الكولج دو فرانس ، والرابع فيلسوف مشهور ينقد الميتافيزقيا والعرقية المركزية الاوروبية، هذا بالاضافة الى الدراسات التي قدمتها عن فكر ميشيل فوكو، والتي لا يمكن للقارئ العربي ان يفهم احد المحاور الاساسية في فكر اركون – ان لم يطلع عليه ، او على الاقل على كتابيه الاساسيين في فلسفة المعرفة - : الكلمات والاشياء، ثم آركيولوجيا المعرفة. فبلورة مفهوم "الابستمية" او المنظومة الفكرية، او نظام الفكر في التراث العربي الاسلامي، لا يمكن فهمها لدى اركون، ان لم يكن القارئ مطلعاً على بلورة المفهوم نفسه من خلال التراث الاوروبي، ومن قبل ميشيل فوكو بالذات، في الكلمات والاشياء، لهذا السبب توقفت طويلاً عند ميشل فوكو، وحاولت ان انقل طرفاً من نظريته الابستمولوجية الى الساحة الثقافية العربية.
نظرة اركون للأمة الاسلامية
محمد اركون : الجزائري المولد، الامازيغي العرق، المولود من ام امية، كما يقول هو وهو لم يتعلم العرقية في صغره، بل تعلمها كبيراً، من المعلوم انه يشغل كرسي الاستاذية في جامعة السوربون هل يمكن تصنيفه بأنه مفكر اسلامي؟ وانه يسعى كما يوصف الى تطبيق معرفته للعلوم اللغوية والاجتماعية والانسانية الحديثة على التراث الاسلامي، من اجل تفكيكه، واعادة بنائهن قاصداً انتشال الامة من انحطاطها في جميع الصعد ، وهو مهتم كل الاهتمام بانقاذ الامة الاسلامية من وهدة الضياع!!هل اركون معني باعادة وجود الكيان السياسي للامة الاسلامية؟ في محوريه: طمأنينة العيش، وحماية البيضة من الهيمنة الغربية. وعليه فما هو موقف اركون من مصطلحات ثلاثة هي: الاصالة، الثورة ، الحداثة. وهي مصطلحات قد تتباين وقد تتفق حسب تحديدها وتوجيهها.
الاصالة التي هي قنطرة عبور: للاجتهاد في النوازل، والتفكير في المواضيع، والابداع في السيطرة على الطبيعة- دون جور او شطط – كل ما سبق هو حداثة. والثورة الفكرية في المجتمع بما هو كيان اجتماعي حي- يلي الثورة الفكرية ضرورة العملية المادية، وهي توافق هذه المصطلحات. ولهذا انتصرت الدعوة الاسلامية بمباشرتها المصطلحات الثلاثة.
لكن هذه المصطلحات – في صورة اخرى تتابين وتتعارض. فالحداثة التي تشترط احداث قطيعة بينها وبين الاصالة، وتعتبر الاصالة مجرد حالة مرت، وما على هذه الامة في سبيل امتلاكها الحداثة- كما هي عند الغرب- الا ركوبها والا قعدت على الطوار خارج التاريخ المعاصر، فإنها على هذا المستوى تحتاج الى بيان.الاصالة هي تفعيل التراث في صورته الحية الفاعلة، وترك التجربة الخاطئة، التراث هو الانا (الهوية) وليس الماضي أي التاريخ، التاريخ الى عبور مستمر ، والتراث هو حالة حضور تربط الحاضر بالماضي وتتوجه نحو المستقبل، واركون من دعاة التحديث – دون وضع معالم للتحديث - بل يرى التراث من خلال " وصفه بالسياج الدوغمائي الارثوذكسي المغلق" وهذا يعني وصف الاسلام – كنهج فكر محدد للهوية – هو حالة تجمد، وهو هنا لا يتعامل مع التراث كهوية، وانما يتعامل معه كتاريخ، او حركة احياء لتاريخ النهج السلفي تحديداً، وهذه ليست اشكالية حشد كبير من المفكرين، الذين انبهروا بظاهر الغرب من خلال وهج تقدمه الصناعي والعلمي، ومن ظاهرة مستوى الحريات التي يتمتع به شعوب الغرب، وهي حريات تصل الى حد البشاعة، بما فيها من فوضى، وفردية، وسيطرة المال، واهتزاز القيم، دون ادراك ان هذه الحريات في حالة مصاحبة للاستلاب، أي الدخول الطوعي في طريقة واسلوب العيش المحكوم بظاهر الربا ، والقمار العالمي، والدعاية الاعلانية لمنظومة الاستهلاك، وشدة القتل والتقتيل التي تلف العالم، وتحكم المرض والفقر في القسم الجنوبي من الكرة الارضية.
الثورة في الفهم الاسلامي متعلقة بالسياسة، مفرداتها هي : ولي الامر (أي الحكم) وحق الطاعة (أي الولاء) (بمفهوم العصر المواطنة) وحق المحاسبة ( أي المسائلة عن كيفية تنفيذ السياسات ) وحق الثورة او الخروج لوضع الامور في نصابها (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهذه المفردات ، ليست ذات معيارية واحدة، فوجد من جراء ذلك اجتهادات مختلفة، وعند واحدة من هذه المفردات، وهي الثورة او الخروج او القائم، تنوعت ما بين فوضى، ومنظم ومطيع ، ومنتظر ينتظر الفرج بالمهدي المنتظر: مهدي الشيعة واو مهدي السنة. هذه المفردات عند المجتهدين فيها استندت الى مرجعية الوحي بشقيه البلاغ ( أي نص القرآن) والبيان ( أي السنة) في صورها الثلاثة البيان بالكلام والبيان من خلال الفعل والبيان بتقرير أي الرضا واقعياً، وهما أي نصا الوحي استندا الى حجة عقل عند المعتزلة والزيدية.
ما هو موقف اركون من هذه المرجعية كمرجعية؟
يقول اركون : ( ان اهم واجب مطروح على المفكر المسلم او العربي اليوم هو التالي: كيف يمكن القيام بعملية التوضيح والاضاءة هذه؟ كيف يمكن ان نقرأ القرآن من جديد اليوم؟ كيف يمكن ان نعيد التفكير بالتجربة التاريخية للاسلام (التجربة التاريخية هي للمسلمين وليس للاسلام) طوال اربعة عشر قرناً من الزمن؟) وبعد حوار بين صالح واركون حول ضرورة النقد والاضاءة التاريخية يرى اركون (وحدة ما سماه بالعقل الاسلامي لانه يحيل دائماً الى نفس الاصول) يقول اركون في حواريته: عندما نقارن بين مختلف هذه العقول، اقصد عقول المدارس الاسلامية المختلفة، كفعل الصوفية وعقل المعتزلة وعقل الاسماعيلية وعقل الفلاسفة وعقل الحنابلة وعقل الشيعة الخ... فأننا نرى انها تختلف في مجموعة من المجريات والمسلمات لحظة الانطلاق. وعندما ننظر الى التاريخ نجد انها طالما اصطرعت وتنافيت وتناحرت ، ولكن عندما تعمق التحليل اكثر، ونظر الى ما وراء القشرة السطحية، والخلافات الظاهرية، فأننا نجد ايضاً ان هذه العقول تشتمل على عناصر مشتركة اساسية. وهذه العناصر المشتركة هي التي تتيح لنا ان نتحدث عن وجود عقل اسلامي (بالمفرد) بمعنى يخترق كل هذه العقول المتفرغة وشملها كلها. هذه العناصر المشتركة هي التالية:
١. خضوع هذه العقول كلها للوحي المعطى او لمعطي الوحي.
٢. اما الخصيصة الثانية المشتركة بينها فهي: احترام السيادة والهيبة وتقديم الطاعة لها.
٣. اما الخصيصة الثالثة المشتركة بين مختلف هذه العقول الاسلامية او المذاهب الاسلامية فهي: ان العقل هنا يمارس دوره وآليته من خلال تصور محدد عن العالم والكون وهذا التصور خاص بالعصور الوسطى.
بعد ان وضع اركون المشترك بين ما سماه العقل الاسلامي بالمفرد فالنقد عنده ضد المشترك وهو الوحي والهيبة والتصور المحدد عن العالم ، ماذا يقصد اركون بوضعه هذه المعالم المشتركة دون ان يصرح بما يريد؟ هل يقصد نقد العقل الاسلامي كونه يؤمن يمعطيات الايمان الاسلامي: وهي الله والرسالة والجزاء، رغم الاختلاف الشديد بعد ذلك، هل يبقى هذا العقل الاسلامي اسلامياً اذا الغى هذه الاسسس، والدليل على انه اراد هذه الاسس هو جمعه كل الفرق الاسلامية تحت عنوان العقل الاسلامي بالمفرد، وجمع المعتزلة مع الحنابلة مع الصوفية مع الاسماعيلية مع الشيعة مع الفلاسفة وليس بينها مشترك باقراره الا بموضوع الايمان، دون كيفية الاستدلال ودون النظرة المختلفة للحجج ودون الاصول.
يقول اركون في كتابه " الفكر الاسلامي نقد واجتهاد" : (وفيما وراء الساحة الدينية الاسلامية نجد ان مسألة المعنى تتجاوز الى حد بعيد، التحديدات والمقولات والتوظيفات التي يفرضها العقل داخل كل سياج ديني او فلسفي يرفض ان ينفتح على السياجات الاخرى) انتهى الاقتباس.ماهو المعنى الثاوي في نص اركون هذا؟.هل هذا النص هو بعث الحركة في الاسلام او قفز على الاسلام للخروج منه؟.
اذا صح وصدق ان ما من حديث (أي الدخول لعالم الحداثة) ، الا وهو التجسيد الراهن الحي لما تكشف عنه الماضي في مسيرته المتواصلة نحو الحاضر ، فأن هذا الحاضر المختلف الذي ينفرد به الغرب في هذا الزمان ليس سوى النتيجة اللازمة لماضيه الخاص، ولخط سيره المتميز، الذي ليس للشعوب والامم الاخرى، بما فيها الشعوب المتواجدة على ساحة العالم العربي والاسلامي، وهي شعوب وامم تحيا اليوم في العالم الحديث جنباً الى جنب مع الغرب، من غير ان تكون حديثة فحاضر الغرب ليس هو حاضرنا تأكيداً ، كما هو مشاهد ومدرك.ان يكن حاضر الغرب اذن غير حاضرة، لأن ماضيه غير ماضينا، وخط سير تراثه في التاريخ غير خط سير تراثنا. ان يكون لدينا رغبة او ان يرغب غيرنا من الشعوب المتخلفة دخول عالم الحداثة، بالمعنى الذي صنعه الغرب، او يصنعه الغرب يعني ضرورة اكثر بكثير من اخذ حياة حاضر الغرب الحديث، بكل تشعبات حياته، ونظمها ، وتجلياتها في السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والصناعة، ومنظومة الاستهلاك العالمي بما فيها من لهو وعبث وربا وقمار عالميين.ان ذلك يعني ان نتبنى ماضي هذا الغرب الحديث وخط سير تراه الذي افضى به الى هذا الحاضر، فالحاضر لا يمكن ان يؤتى فعلاً الا عن طريق الماضي، وهذا بالضبط ما يضعنا كشعوب متخلفة بالقياس الحضاري الغربي المعاصر امام الخيار الاصعب.
وعودة الى اركون، والعود احمد، يواصل اركون كلامه بعد الفقرة السابقة فيقول ( واذا ما عدنا صعدا الى الوراء- حتى القرآن نفسه- وجدنا هذا المعطى الثابت والمستمر المقبول من قبل كل انواع المثقفين المسلمين – بمن فيهم الفلاسفة – هذا المعطى هو : ان الساحة الثقافية التي تتاح فيها للعقل البشري حرية البحث والنظر هي دوغماتيا مغلقة من قبل النظرية الاسلامية للوحي. يقيم اركون سؤالاً هو : ماذا تقول هذه النظرية ؟ ويجيب.انها تقول : ان الله الواحد ، الحي، المتعالي، قد تدخل عدة مرات في التاريخ ، واتخذ المبادرة لتوصيل اوامره ووصاياه وتعاليمه الى البشر، بواسطة الانبياء، وقد اختار محمداً لهذا الغرض لآخر مرة، وهذا هو موضوع الوحي القرآني) انتهى الاقتباس.
هذه الصورة الدوغماتية عن الوحي، تلفت النظر كثيراً ، ويجب الوقوف عندها، ماذا يقصد اركون بالقول: قد تدخل عدة مرات في التاريخ ، رسالات الانبياء ليست تدخلاً في التاريخ، الم يرفض قوم نوح بلاغه رغم جدله الطويل معهم، وقد وثق القرآن ذلك بقوله { قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين} (هود: ٣٢) رسالات الانبياء من نوع البلاغ والناحية العملية هي من البيان { هذا بلاغ للناس} (ابراهيم : من الآية ٥٢) وقوله تعالى في شأن البيان: } وانزلنا اليك الذكر لتين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: من الآية ٤٤) وقوله: { وما انزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (النحل: ٦٤) وقوله { واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس مايشترون} ( آل عمران :١٨٧).
البلاغ والبيان لا يوصفان بأنهما تدخل في التاريخ، فالتاريخ يصنعه الانسان المكلف والا بطل الثواب والعقاب.القرآن الكريم نص، تلك حقيقة موضوعية لا تقبل الجدل، ولكنه نص من الله تعالى، وهذه حقيقة عند المؤمن بها، سواء كان ايمانه عن دليل وحجة وسلطان، وكإيمان اصحاب علم الكلام، او التسليم بمضمون الايمان، ويبقى نصاً ما دام يتلى كما هو دون أي تدخل، ولكن مجرد التدخل البسيط – ولو زيادة حرف، او حذف حرف، سواء كان حرف مبنى او معنى، احادي او غير احادي، يحوله من كونه قرآناً الى كونه فهماً، فالساحة الثقافية الاسلامية كانت ولا تزال تتيح للعقل البشري حرية البحث والنظر، وعلى ما يتوصل العقل له تجري احكام من قبل اهل العلم، مثل: حق/ باطل، صواب/خطأ، هدى/ضلال، ايمان/كفر، وغير ذلك وهذه الاحكام ليست حكم الله ولا حكم اهل كهنوت اسلامي، وانما هي احكام اجتهادية، تقبل الاخذ والرد.
ما الذي يريد ان يقوله اركون في الفقرة الثانية؟ وهي فقرة حول النبوات، ويطلق عليها التدخل عدة مرات في التاريخ، ولآخر مرة هي نبوة محمد. النبوات من منظور الاسلام زيادة حجة، وزوال غفلة، لبيان التكليف في علاقات الحياة لاستقامة المجتمع الاسلامي : الابرار، والفجار، والكفار وهذا التكليف مصلحة للعباد، اذ لاتبلغ الله المنافع والمضار. هل يقول اركون فقرته تلك نفياً للنبوات او اعتراضاً عليها؟ من مآسي الخطاب الاركوني انه لا يفصح عن نفسه.
اركون والتغيير
يربط اركون عملية التغيير في العالم الاسلامي في مفهومي العلمنة والحداثة ، دون تحديد لمعنى المفهومين، مثلاً صراع الحجج والادلة بين المسلمين قبل زمن الترجمة هو العقل والنقل اشتد هذا الصراع بين المعتزلة واصحاب الحديث لكن اركون لا يراه من هذه الزاوية يراه كما وضعه بين قوسين (علوم دينية نقلية/ علوم عقلية دخيلة) "التماسك التيولوجي يقصد الالاهيات النصرانية واضعاً علم الكلام مماثلاً للتيولوجيا النصرانية" مع ان علم الكلام المؤسس على العقل الناظر يختلف كلياً عن نظرة اصحاب اللاهوت تماماً ، ويقول وهذا نقل لفقرة كاملة من فقرات اركون : ( ان ضبط الجنس والحياة الجنسية عن طريق المحرمات العديدة التي تحيط بالمرأة، ثم اخضاع المرأة لمكانة ادنى وابقائها فيها، ثم الامتيازات والسلطات الموكلة للرجل من قبل القانون " الديني" كل ذلك يتيح تكرار السياج الدوغماتي المغلق واعادة انتاجه عن طريق الطاعة المباشرة التي يقدمها الابن للأب او البنت للأخ او الاب، او المرأة للزوج او الصغير للكبير الخ ....واما خارج العائلة فنجد ان المؤمن يخضع للعالم (رجل الدين) والمريد يخضع للشيخ (شيخ الزاوية الدينية). وكلهم يخضعون للأمير او للسلطان او للخليفة او للامام. واليوم يخضعون للرئيس او للزعيم او للسكرتير العام للحزب) انتهت الفقرة.
هذا الكلام هو عين كلام هشام شرابي في كتابه النظام البطريركي الذي حوله لاسم النظام الابوي بعد احتجاج رجال الدين المسيحي عليه وهو عين كلام الناشطات في قضية المرأة الممولات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمانيا والكلام عن المرأة لا يعتبر كلاماً في النهضة.
فهل اركون في حالة قدرة على اثبات فقرته هذه ميدانياً؟ أي بالمسح الميداني وهل هو في حالة قدرة انه لم يتأثر بنسخ هذه الصورة عن الحياة الغربية من اليونان الى الزمن القروسوطي.هذا الاسقاط الذي يمارس من قبل جماعات التغريب، واركون على رأس القمة فيهم ، يقابله جماعات التدين الاسلامي، وليس الحراك الحضاري، هما سبب استمرار الخمول الحضاري.
اضافة الى ذلك لا يجد القارئ لنتاج اركون أي قول يتعلق بالاهداف السياسية الكبرى وهي: اولا فك الهيمنة والتبعية السياسية المفروضة بالقوة والجبروت الغربي على العالم الاسلامي، بل وعلى العالم الثالث كله. ثانياً السير بمشروع الوحدة للخروج من كارثة الكيانات الكرتونية، التي لا تملك من مقومات الوجود الا عدم وجود من يهدمها. ثالثاً تفعيل الهوية الحضارية الاسلامية بما هي حركة حياة وليست مجرد حالة تدين.
اركون يجهل التاريخ الاسلامي، وليس لديه من التاريخ الاسلامي الا اسقاطات مسار الدينين اليهودي والمسيحي، يقول اركون: { لهذا السبب تلاحظ اني اشير دائماً الى المسيحية واليهودية عندما اتحدث عن الاسلام لكي اموضع الامور ضمن المنظور المقارن والصحيح} مع ان الاسلام جاء لكشف تحريفهما من جهة، وفضح وتعرية تسلط الاحبار والرهبان على التلاعب بالنص من جهة اخرى، واركون يسجل ان المفسر الطبري وغيره من المفسرين يعطون لانفسهم عين سلطة الاحبار والرهبان مع انه المعلوم ان الفكر الاسلامي قام على الاجتهاد وليس على الالهام من قبل الروح القدس.تلك معطيات دخول مشروع التغيير، فأركون ليس من اصحاب فكر التغيير، بل واحد من نشطاء التغريب.
اركون مباشرة دون وسيط مترجم
* في حوار مع اركون اجرته مجلة نزوى العمانية سأله محاوره : (وعلى صعيد الحداثة الفكرية نلاحظ ايضاً انه لم يقدم احد من المفكرين العرب مفاهيم ( في المنشور في الجريدة مفهوماً) معرفية جديدة (ايضاً في المنشور جديداً) يخترق بها نسيج الفكر العالمي هنالك (المنشور استهلالك) استهلاك للمناهج الغربية ولم تقدم أي منهم مفهوماً جديداً يثري الفكر العالمي؟
كان جواب اركون التالي : (هناك استهلاك، وهناك محاولات لا بأس بها، ولكن هذه المحاولات لا تتبناها اطر اجتماعية واسعة حتى تعطيها حياة وحيوية ونفوذاً في المجتمع، فأنت تكتب كتاباً فيه آراء صالحة منتجة يقرأه بعض الناس، ولكن ليس هنالك تيار يتبنى تلك الافكار، ويعطيها قاعدة اجتماعية، ويكتب عنها في الصحافة، وينشر الجدال والمناقشة والمناظرة حولها حتى تعم ويستفيد منها اكثر عدد من المواطنين، على العكس من ذلك تجد ان هنالك بين المثقفين حسداً وغيرة، فالمفكر والباحث يحسد اخاه حتى لا يشتهر اسمه اكثر منه، وهذه ظاهرة ملموسة عندنا.ودائماً نلاحظ في حديثنا ان هذه الظاهرة موجودة عندنا كعرب. بينما اليهود نجد انهم متماسكون متضامنون، واذا كتب احدهم كتاباً نجد ان جميعهم يؤيدونه ولا يقولون هذا كافر بالله يجب ان نبعده من الامة ونخرجه منها وهذه ظاهرة موجودة لدينا وانا ضدها مع اني لا ازال ادعو الى ما ادعوا اليه واكافح كما كنت اكافح من قبل، لكني تألمت. كم من الناس يكتبون في الصحف، وابداً ما رددت على احد. لانهم يكتب (هكذا هي في الجريدة) على اساس جهلهم فلماذا اناقش الجهل؟ اسكت واصبر.هذه العبارة التي تحتها خط تكشف كم هو استعلاء اركون.
* ربما هذه هي ازمة التنوير العربي فالكثير من المفكرين العرب قدموا افكاراً حيوية كان بامكانها لو وجدت القاعدة الشعبية التي تتبناها ان تنهض بالمجتمعات العربية وتنقلها نقلات كبيرة واسعة ولكنها لم تستطع ان تخلف تياراً مجتمعياً يدافع عنها. ولم يكن هنالك ابداً نقاشاً واسعاً لهذه الافكار.
يرد اركون قائلاً : لا يوجد نقاش وانا افضل ان اقول لاتوجد مناظرة. لان الافكار تطرح للمناظرة على مستوى فكري سليم ومحترم حتى يستفيد منها جميع الناس وهي طريقة لتثقيف الناس، اما النميمة والحسد والرفض والتكفير فلا تؤدي الا الى الخراب، والتعامل بذهنية التكفير والتحريم اذا سلطت على العمل الفكري فلنقل يرحمنا الله جميعا وهذا مع الاسف يحدث في جميع البلدان العربية والاسلامية التي زرتها . حيث وجدت هذه الظاهرة مع الاسف، وانا لم اشارك ابداً في أي جدال من هذا النوع وارفض دائما ان اتورط في مثل هذه المناقشات المبنية على الحسد والنميمة.
* كيف كان صدى مشروعك الفكري داخل المركزية الاوروبية؟
ويجيب اركون قائلاً : الاوروبيون لا يبالون ولا يهتمون بشؤونهم ولا يهتمون بمصائب الآخرين وهم لا يحبون من يقول ان تلك المصائب ترجع الى مسؤوليتهم التاريخية لانهم مقتنعون ان جميع مشاكلنا تتعلق بمسؤوليتنا نحن فقط لأن الاسلام جعل المسلمين متقيدين بعقائد غير متفتحة (على العلوم والحداثة).
* يسأل المحاور من قبل مجلة نزوى اركون السؤال التالي: دكتور محمد: قلت في تمييزك بين القرآن الكريم والظاهرة القرآنية انك تقصد الفرق بين تغذية الروح الاسلامية بكلام الله تعالى ودراسة النصوص القرآنية كما تدرس الظاهرة الفيزيائية او البيولوجية او الاجتماعية او الادبية الا يعتبر هذا تعدياً على قدسيتها التي تنطوي على بعد ايماني غيبي؟
لا ارى اين هو التعدي على قداسة النص وجميع المفسرين فسروا النص وقراءة نحوية وقراءة تاريخية واسقطوا على النص القرآني اشياء تتعلق بالامور الدنيوية فأين الفرق مثلا بين التفكيك الذي هو عملية علمية وبين تفسير الطبري او تفسير فخر الدين الرازي. هل اخترق الرازي اية قداسة للقرآن؟ بالنسبة لي لا ارى اين هو الخلاف. هذا من باب تخوف المسلمين. بل ان هناك من يتلاعب بالنص المقدس ويوظفه لمصالح بعيدة عن اية قداسة. هذا جرح للنص على عكس الذي يحترم النص في مستوى معانيه وقاعدته المعرفية ومقاصده الالهية ويحترم كل هذا. فلا ارى خلافاً مثلاً بين قراءة ابن عربي وقراءة فخر الدين الرازي للنص، وفي القراءة التي ادعو اليها باستعمال اساليب ومناهج جديدة احدثتها العلوم الاجتماعية والانسانية فكما ان فخر الدين الرازي كان يستخدم المعارف التي كنت لديه في زمنه من معارف طبية وعلم النجوم والرياضيات والجغرافيا والتاريخ استخدم انا العلوم الحديثة الموجودة في عصري فلا اجد خلافاً بيننا هذا ما خلق التخوفات والتخويفات التي يحاول ان يفرضها علينا الخطاب الاسلاموي وليس الخطاب الاسلامي الذي يحترم احتراماً كاملاً كلام الله وقداسته. وانما يدرسه بالالات التي تتوافر لديه في كل زمان من ازمنة المعرفة وتطورها.
في هذا الحوار الذي جرى في عمان، يقف اركون في مواجهة محاوره، وقد تعرى من سلاحيه اللسان الفرنسي والبيئة التي يتحدث فيها عادة، وهي اجواء الاكاديمية الفرنسية، ولهذا يرى في اجوبته تخليه عن التعقيد والغموض والابهام والاستعلاء، ويستبدل ذلك بسطحية متناهية في اجوبته، سواء في المبني او المعنى ، فما علاقة الحسد والغيرة- اذ كرر ذلك في جوابين من اجوبته – في انتشار الفكر والمنهج او عدم انتشاره، وكيف حشر علاقة اليهود ببعضهم حين صدور كتاب من كتبهم؟ هل لليهود من حيث هم يهود منهج في التفكير غير الفكر التلمودي؟ والفكر التلمودي يجد معارضة من العلمانيين اليهود؟ واليهود أي الدولة ومواطنيها يلاقون من الغرب منتهى التأييد؟ فلا تناقض في السياسة بين اليهود والغرب، الفكر الاسلامي ينتج كفكر نضالي بغض النظر عن كيفية التعبيرعنه او توظيفه، جدلية الفكر مع بعضه تعنى صدور احكام من هذا الفكر ، وذاك الفكر، ضد الآخر، فيجب ان يعلم ان صدور احكام الفكر على بعضه البعض لا تخيف احداً، فالاختلاف وان لم يكن مطلوباً، الا انه موجود من حيث الواقع.
يرى اركون الاسلام من زاوية واضحة، هي : انه دين لاهوتي، يساوي بينه وبين المسيحية واليهودية، سماها في اكثر من مكان اديان التوحيد، ويقول عن الاسلام انه جعل المسلمين غير متفتحين على العلوم والحداثة، وهذان الحكمان الجائران ضد الاسلام لاواقع لهما ليس بدلالة النص بل بدلالة التاريخ فالحياة الاسلامية كشفت عن حياة حية غنية في العلم والمعرفة ولا يحتاج هذا القول لاثباته في البيانات والجداول والمقارنات نعم الحياة الاسلامية الآن في حالة رقاد عميق ولكن الامر متعلق بالتوجه السياسي المفروض فرضاً على الامة.
لقد وضع الاصبع – في حواره لمجلة نزوى- على سبب المراوحة التي يعاني منها الفكر الاسلامي في قوله : ان محاولات تحديث الفكر الاسلامي- مع الاعتراض على رؤية اركون وغيره من دعاة التحديث – اذ دعوتهم للحداثة تقوم على الاستعارة والاستهلاك والناحية الشكلية خاصة في موضوع النص الادبي- يقول عن المحاولات: لا تتبناها اطر اجتماعية واسعة حتى تعطيها حياة وحيوية ونفوذاً في المجتمع، وفي عبارة اخرى يقول :ليس هنالك تيار يتبنى تلك الافكار ويعطيها قاعدة اجتماعية.
هل يريد اركون حواريين يقومون بنقل افكاره للمجتمع ؟ من اين يؤتى بهم ؟ كان عليه ان يقدم فكرة دعوة في المجتمع يحاول ان يشكل مجموعة مدركين لفكره ويؤمنون بأن فكره مشروع حضاري فيه امكانية للفهم والقبول وانه يحدث التغيير، وهذا ما لا سبيل اليه !!!