رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 533100

السياسات الاقتصادية في الاسلام التاريخ والواقع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السياسات الاقتصادية في الإسلام التاريخ والواقع

أيها الاخوة

السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ وبعد

أُزجي الشكر خالصاً لمؤسسة عبد الحميد شومان ولمديرها الدكتور اسعد عبد الرحمن لاتاحتهم الفرصة لي خاصة وإني واحد من المستضعفين ولست واحداً من النخبة لان أتحدث من فوق منصة أحيانا تتاح للمستضعفين وهناك غيرها لا تتاح أبداً.إن هذه المحاضرة في واقعها ردٌ على دعايات النخبة لمعطيات اللبرالية الاقتصادية التي تسارعت وتيرة الدعوة لها.

شكراً لكل من يحب أن يسمع مني وشكراً لكل من يكره أن يسمعني فالفكرة أية فكرة يشتد عودها من خلال مشاعر الحب والكره معاً وتفجر الحوار والنقاش والجدال.هذه المحاضرة هي دعوة لاعادة بناء عقل الأمة الإسلامية على أساس فكر المعتزلة إنها الرسالة التي أوقفت نفسي وعقلي لها ولن أَملّ من تردادها حتى يطويني الردى او أن ترتفع رايتُها خفاقةً وتسير الحياة على هدي الفكر الإسلامي على طريقة المعتزلة في التفكير وعلى منهجهم لفهم النص القرآني وعلى أسسهم في التثبت من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي العودة للمنابع والأصول من خلال قراءة إبداعية للتراث كل ذلك في سبيل إعادة أمة تستحق عن جدارة تسنم المكان اللائق بها تحت الشمس .

أيها الاخوة

عنوان هذه المحاضرة هو السياسات الاقتصادية في الإسلام التاريخ والواقع محاولةً في فتح إمكان لاعادة تبني هذه السياسات فهي ليست مجرد اجترار للتراث او تفاخر فيه.

(1) مدخل البحث

كيف يمكنُ أن يُدركَ الإنسانُ أنّ في هذا التوجه سياسات اقتصادية؟ وأن ذلك التوجه يخلو من سياسات اقتصادية؟ وكيف يمكنُ إدراك أن نظرية هذا التوجه في حالةِ قدرةٍ على علاج المشاكل الاقتصادية مهما تجددَّتْ وتنوعت؟ وأن التوجه الآخر في حالةِ تصورٍ عن علاج المشاكل المتجددةِ المتنوعة؟ وكيف يمكن إدراك أن علاج هذا التوجه للمشاكل الاقتصادية علاج صائب يؤدي إلى حلّ المشاكل حلاً صحيحاً؟ وأن علاج التوجه الآخر للمشاكل الاقتصادية هو علاج مُعْوَجٌ يؤدي إلى تفاقم المشاكل وجعل حياة الإنسان عُرضةً لمهلكة العوز ومضيعة الفقر وذلِّ الحاجة ومرارة الحياة؟.

الحياة الإنسانية عصبُها الاقتصادُ فالحياة على هذا الكوكب ذات مطالب عديدة.

(1) مطالب الضرورة للحياة هي أكسجين الهواء والماءُ الذي في السماء والطعامُ الناتجُ من نبات الأرض والطعامُ الذي نحصل عليه من الحيوان الذي يتغذى على ما تنبته الأرض.

(2) مطالب حفظ الحياة وهي ملبسٌ يستر سوءته وبقية برد القر ويحفظُه من شدة الحر ومسكن يأويه من الغوائل يجنبهُ من ريح صر ودواءٌ يُشفي مرضه أو يسكنُ ألمه.

(3) ما يحتاجه لطمأنينة الحياة فهي آسرة ترعاه في صغره وزوج عند الكبر وأولاد يكملون حياتهما هم زينة الحياة الدنيا ورمز الذكرى والبقاء بعد أن يضم أحدهما وحشةُ القبر.

(4) ومعرفة تمكن الإنسان من الاستعمال الصحيح لمستلزمات الحياة بلا شطط ولا جور ولكن باعتدال وعدل.

(5) ونظام يأمن به على حياته ويلجأ إليه في تنظيم شؤونه وفض منازعاته.

(6) وبعدَ كلِّ ذلك يحتاج الإنسان إلى علم تجريبي مفتوحٍ وسائرٍ صعداً يطوع له الطبيعة ويسخرها له ويذللها لخدمته. تلك هي الحاجات الاساسية للإنسان وما عداها كمالٌ ورفاه فهل يمكن وجود هذا كلهِّ بالأماني والوعود وقصائد المديح لوجهةِ النظر او تلك؟

إنها حياة الإنسان المتشابكة المحتاجة لأفعال ونشاطات اقتصادية وأعمال سياسية ومعرفة ثقافية وحياة اجتماعية ودولة أمة تعبر تعبيراً صادقاً عن مفاهيم الأمة والمجتمع فالحياة الإنسانية كل مترابط يستحيل فيها التجزئة فكل مطلب يُطُّل على المطلب الآخر.

(2) هل الإسلام سياسات اقتصادية ؟

ما هو المعيار الذي يُمَكِّنُ من معرفة وجود سياسات اقتصادية ام لا؟ هل هي الكتب والأبحاث؟ ام هل العودة المرجعية الإسلامية لمعرفة ذلك؟ ام هي حالة فشل المجتمع وبروز مظاهر خاطئةٍ في المجتمع في تطبيق السياسات؟

أن كان الأمر في الكتب والأبحاث فان المكتبة تحوي الكثير من الكتب التي كتبت عن وجود سياسات اقتصادية في الإسلام منها ما هو باللغة الأم أي العربية ومنها ما هو باللغات الأخرى للشعوب الإسلامية حتى اللغات الغربية لا تخلو من مثل هذه الكتب ابتداء او ترجمة.

أن الدراسة الموضوعية الحقيقية لا يمكن أن تجعل المؤلفات هي الدليل بل الدليل كامن بالعودةِ إلى المرجعيات أي إلى رأس النبع أي إلى القرآن الكريم والسنة العملية ثم بعد ذلك قراءةِ كينيات تفعيل هذه المرجعية بقراءة التراث الذي نَظَّرَ من خلال المرجعيات وملاحظة حركةِ الواقع التطبيقي أي الممارسة في التاريخ ووضع الإنجاز المعرفي والعلمي في مساره الزمني موضعَ البحث فالدليل والبرهان إذن هو المرجعية أولا والتنظير المعرفي ثانياً والممارسة العملية ثالثاً والإنجاز المتحرك في المعرفة والتعليم تلك هي الوقائع التي تُعِرف منها الإجابة على السؤال الابتدائي بالنفي او الإثبات.

إن إدراك وجود هذه السياسات إنما يتأتى من تتبع المنبع او المرجعية او الأصل من خلال النظرية للإنسان والأرض كشف مدى علاقة الإنسان بالأرض فالاقتصاد بل الحياة الإنسانية كلُّها مرتبطةٌ ارتباط حتم بالإنسان وبالأرض فالكشف عن الإنسان وعلاقته بالأرض هو الذي يكشف عن أن المرجعية نحوي سياسات اقتصادية ام لا. القارئ المتتبع للواقع يدرك أهمية الأرض فالأرض هي المصدر الوحيد للمادة الاقتصادية فمن ظاهرها نأخذ طعامنا ومن باطنها أموالنا ومن غلافها الجوي الهواء ومن أعالي الجو أي من السحاب الثقال يأتي ماءنا فالحياة مرتبطة بالأرض فالمشكلة الاقتصادية كامنة في الإنسان ذي الحاجات والأرض التي هي مصدر المادة الاقتصادية.

(3) إني جاعل في الأرض خليفة

هل يمكن لإنسان أي إنسان أن ينكر أن الإنسان من حيث هو إنسان مستخلفٌ في الأرض؟ ربما ينكر المستخلف ولكنه لا يمكن أن ينكر الاستخلاف فالإنسان والأرض محوران أساسيان لا للسياسات الاقتصادية وحدها بل للسياسات بغض النظر عن حقيقة تلك السياسات والمرجعية الإسلامية (القرآن الكريم) ابرز هذه الحقيقة واضحةً جلية.

فالإنسان مستخلف في الأرض والإنسان يعمر الأرض وما في الأرض جميعا مسخر للإنسان والبحر وهو جزء من الأرض مسخر للإنسان بل سخر للإنسان ما في السمات الشمس والقمر والليل والنهار أن كل ذلك مسخر للإنسان ليس لإنسان دون آخر فالكل في هذه الأرض على وجه الشراكة ولكنها شراكة للإصلاح والصلاح لا الفساد والإفساد وما يصلح الأرض أو يفسدها هو طريقة الإنسان في تعامله مع الأرض ومن هنا يجري صراع الصلاح والفساد فمن هو المصلح ومن هو المفسد في هذه الأرض؟ وكيف يمكن مباشرة الصلاح دون الفساد؟ وكيف نعرف الصلاح من الفساد في سياسات الإنسان على وجه الأرض؟ أهي في إطلاق الحرية الاقتصادية أي في إطلاق يد الإنسان يفعل في الأرض ما يشاء؟ ام هي في تحقيق نوع من المساواة الفعلية؟ جوهر السياسات السائدة الآن في العالم هي سياسات إطلاق اليد أي ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية وجوهر السياسات التي اندحرت (الاشتراكية) هي تحقيق نوع من المساواة الفعلية ومع اندحارها ومع الأزمات الاقتصادية المتلاحقة للعالم الثالث نمت وترعرعت وتضخمت الدعوة للسياسات الليبرالية الاقتصادية وعلت أصوات الأبواق التي تذكر الناس بفضل السياسات الاقتصادية الليبرالية وإنها سياسات واعدة بالسمن والعسل وزوال كابوس الفقر والشقاء فالاقتصاد مرتهن بتبني هذه السياسات التنمية الاستثمار الخصخصة الانفتاح العولمة وكل هذه الكلمات تجعل الاقتصاد الضعيف في خدمة الاقتصاد القوي ومن هنا فلابد من رفع الصوت أن الداعين لهذا الاقتصاد إنما هم دعاة بسوء نية او بحسن نية للتبعية والهيمنة الأبدية ولن يُحصدَ من تطبيق هذه السياسات الا مزيد من الفقر والشقاء والتبعية والهيمنة والإقرار بيهودية فلسطين.

(4) عودة للمنبع

ليس من هم هذا البحث تأصيلُ النظرية الإسلامية الاقتصادية وانما هم هذا البحث التدليلُ على إمكانية تأصيل نظرية من المرجعية خلال عملية مراجعة وتوثيق وان المنبع جاء بما يَصلحُ ميدانا لتعقيد القواعد الاقتصادية وتأصيل الأصول واستنبات المعالجات عبر الزمان والمكان مهما اختلف الزمان والمكان إظهار الفرق الواضح الجلي بين سياسات الليبرالية الاقتصادية وسياسات الإسلام وإنها سياسات في محل القدرة لعلاج المشاكل.

وَلدت ولمّا لم أجد لعرائسي        رجالا وأكفاء وأدت بناتي

ركز البحث على اكتشاف محاور الاقتصاد وإنها الإنسان والأرض وأشار البحث في سرعة إلى أن المنبع وضع الأرض في دائرتها الطبيعية أن الآيات التي ذكرت الأرض في القرآن الكريم كانت كما يلي الأرض بالرفع أربع وثلاثون مرة الأرض بالفتح ستٌ وثمانون مرة والأرض بالجر مائتان وإحدى وثلاثون مرة وأرضا بالتنكير وتنوين الفتح مرتان وأرضيكم بالإضافة إلى ضمير الجمع المخاطب ثلاث مرات وأرضنا بالإضافة إلى نا الدالة على جمع المتكلمين ثلاث مرات وأرضهم بالإضافة إلى ضمير الجمع الغائب مرة واحدة وأرضي بالإضافة إلى ياء المتكلم الدالة على كلمة الجلالة أي رب العالمين مرة واحدة إذن محور كلمة الأرض إنها للإنسان آية واستخلاف وإحسان سياسة او سوءُها وصراع على السياسات وإصلاح فيها او فساد وحتى عندما أضيفت إلى كلمة الجلالة فان الآية جاءت بالنص التالي “يا عبادي الذين آمنوا أن ارضي واسعة فإياي فاعبدون” فإنها دعوة للإنسان لنقل دعوة إصلاح الأرض في أرض الله الواسعة فهي دعوة للإنسان ليتجاوز في دعوته للإصلاح المكان الضيق الذي حجزت الدعوة الإيمانية الصلاحية وليست الإصلاحية فيه.

يشكل الإنسان في القرآن الكريم المحور الثاني فعملية الإصلاح او الإفساد في الأرض مرتبطة بالإنسان فهو المفسد وهو المصلح وتأتي آيات القرآن الكريم الذاكرة للإنسان والمذكر له في خمسة وستين موضعاً في القرآن الكريم وهي كلها موجهة في صيغ مختلفة للسير في صالح الاستخلاف وإلا فالهوان والذل والفقر والشقاء والحرمان في الأرض والعذاب الشديد يوم القيامة وكما أن حياة الأرض ارتبطت بالشمس حرارة وضوءاً وبالقمر نوراً والماء النازل من السماء تحيى به الأرض بعد موتها فان اتصال الإنسان الكائن الأرضي بأوامر الله العلوية في صورة اجتهاد للإنسان وحركة تفعيل للإنسان دون اللجوء إلى قدرية غيبية هو الذي يجعل الإنسان يسير في طريق الصلاح.

وتُكملُ سنة المصطفى العملية عملية علاقة الإنسان في الأرض لا في كلياتها بل في جزئياتها فالأرض لمن أحياها وما في باطنها من معادن وأملاح للإنسانية جمعاء والناس شركاء في ضرورات الحياة واستغلال الأرض بإجارتها للزراعة محرم بل استغلالها بيده او بعمالة وهكذا تتوالى التفصيلات وكلمة الإنسانية الواردة في ثنايا البحث ليست مفتوحةً للعولمة بل مفتوحةً للمجتمع المتميز أي للمواطنة او للرعية بغض النظر عن الدين او المذهب او العرق فالإنسانية هي إنسانية المجتمع الواحد بحالة من إرادة وسيادة واتصالنا بالمجتمعات الأخرى التي أقامت نظام حياة أخر إنما هو اتصال يستند إلى حقائق العدل والهداية ومصلحة مجتمعنا الخصوصية ورفض سياسات السيطرة منّا او علينا وما يجب أن يلاحظ هنا ان الكلام هو عن مفهوم الأمة الإسلامية وليس عن مفهوم الأمة القُطرية او الأمة القومية وللحديث عن كيفية إعادة إيجاد الأمة الإسلامية مرة أخرى بحث غير هذا البحث.

(5) السياسات الاقتصادية الإسلامية في التاريخ

تاريخ أي سّياسة ينكشف من خلال أمرين الاول الحياة الفكرية للامة أي وجود التنظير والثاني وجود مستوى من التطبيق العملي لهذه النظرية اما على مستوى التنظير فانه يمكن إدراكه برصد الكتب التراثية في هذا الموضوع وأما معرفة مستوى التطبيق او أتعلان خلوة تاريخياً من الأزمات.

* (1) على مستوى التنظير أن قراءة فصول من كتاب أدب الدنيا والدين وهو كتاب كتبه علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي المتوفى سنة 450هـ أي انه عش في مرحلة من الردة على المعتزلة بعد إعلان الوثيقة القادرية ففصول الكتاب ناطقة ليس بوجود النظرية بل بوجود مرحلة من النضج في التنظير والاكتفاء في هذه العجالة بالإشارة إلى بعض العناوين يكفي لإدراك صورة هذا التنظير ومقدار تقدمه.

إن العناوين التالية جاءت عنوان عام هو أدب الدنيا وهذه هي العناوين

(1) الإنسان مدني بطبعه (2) الأخذ من الدنيا بنصيب (3) صلاح الدنيا بشيئين معينا الشيئين بأنه ما ينظم أمور جملتها والثاني ما يصلح به مال كل واحد من أهلها وقول الماوردي هذا ينقض مقولة الرأسمالية الليبرالية الغربية التي تبحث عن توفير الموارد لإشباع الحاجات وليس إشباع حاجات كل فرد من الأفراد فالدراسة الاقتصادية عند الليبراليين وهدفها الأسمى هو العمل على زيادة ما يستهلكه مجموع الناس من السلع والخدمات وليس إشباع حاجات الأفراد فالمفكر الاقتصادي الليبرالي مؤسس بحثه على حجم الإنتاج الأهلي. (4) يفصل الماوردي صلاح الدنيا في جملة قواعد هي دين متبع وسلطان قاهر وعدل شامل أمن عام وخصب دار وأمل فسيح وإذ انحرف ذوق الناس في المفاهيم فلابد من إفهامهم أن معنى دين متبع أي شرائع أي قوانين وسلطان قاهر أي وجود نظام سياسي اما العدل شامل والأمن العام وخصب الدار فهي معروفه والأمل الفسيح هو كون الناس تعمل للمستقبل ولابد من إدراك الفرق بين الآمال والأماني فالآمال ما تقيدت بالأسباب والأماني ما تجردت عنها وبحسب ما اختل من قواعدها يكون اختلالُ الحياة وفسادُها.

ويجعل الماوردي فصلاً حول صلاح الإنسان من حيثُ هو إنسان فيراه في نفس مطيعة إلى رشدها منتهية عن غيها والفة جامعة تنعطف القلوب عليها ومادة كافية تسكن نفس الإنسان اليها ويستقيم أوده بها مفصلاً هذه القواعد ويقف طويلاً عند القاعدة الثانية وعندما يأتي إلى القاعدة الثالثة وهي المادة الكافية مبيناً أهميتها وضرورتها ويقول أن بانعدام المادة الاقتصادية التي هي قوام نفسه لا تدوم له حياة ولا يستقيم له دين واذا المادة مطلوبة لحاجة الكافة اليها أعوزت بغير طلب وعدمت لغير سبب ويرى أن المادة (الاقتصادية) حادثة عن اقتناء أصول نامية بذواتها وهي نبت نام وحيوان متناسل ويرى الماوردي أن معايش الناس على أربعة أقسام زراعة وصناعة وتجارة وإمارة فمن خرج منها كان كلاً عليها ويفصلُ كلا منها بقول موجز.

ينتقل الماوردي بعد ذلك إلى بحث مذاهب الناس في الغنى والفقر ويرى أن طلب الزيادة والكثرة يتأسس على أربعة أسباب (1) الشهوة (2) الزيادة بصرفها في وجوه الخير (3) الزيادة للادخار للولد والرابع لأنه حلي له جمع المال وشغف باحتجانه فهذا أسوأ الأربعة.

في هذا القدر المختصر كفاية لإدراك أن التنظير للاقتصاد موجود في التراث ولكن الإشكالية كانت في محاضرة التنظير عند القرن الرابع وبداية القرن الخامس وبديلاً عن بعث امتنا من خلال عودتنا لمنابعنا وإعادة إنتاجها لمعالجة مشاكل العصر وقع دعاة الإسلام أسارى تنظير غريب هو الزكاة وحرمة الربا وقطع يد السارق والدعوة إلى أخلاقيات مساعدة للنظام السائد.

ونأتي للإجابة على الشق الثاني من السؤال الذي هو مستوى من التطبيق العملي للنظرية إن الكشف عن مستوى التطبيق إنما يظهر أو ينكشف من دراسة ثلاثة أمور أولها الفقه لان الفقه هو علم بالمسائل الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية وثانيها مدونات التاريخ وثالثها دراسة الوثائق والسجلات المحفوظة في أمهات المدن الإسلامية وهذه كلها تكشف عن جزئيات التطبيق إذا التطبيق في حقيقته متعلق بالجزئيات وفي دراسة الوثائق المقدسية التاريخية للدكتور المرحوم كامل جميل العسلي والتي صدرت بدعم مؤسسة عبد الحميد شومان يدرك القارئ نمط المعالجات من خلال هذه الوثائق ولن يرى فيها الا أنها تستند لنظرية إسلامية في المعالجة الاقتصادية بل وفي السياسات الأخرى.

وفي حقل تواصل الإنجاز المعرفي والعلمي فان التدليل عليها سهل وميسور من خلال الاطلاع على كتب التراث الفكرية والكلامية والعلمية والتشريعية وتتبع آثار المسلمين في الأبنية والطرق والقناطر والقصور والمارستنات والمكتبات وفي معرفة اثر ذلك الإنجاز المعرفي والعلمي على الغرب خاصة.

لابد من التأكيد أن التفصيل في القضايا التاريخية الشاهدة للتطبيق العملي والإنجاز المعرفي والعلمي هي قضيةٌ أكاديمية موسوعيةٌ لا يمكن إلا الإشارة إليها فقط وأن التدليل على مجرد أنماط منها لا استغراقها يحتاج إلى عدة مجلدات إذا إنها قصة الحضارة الإسلامية عبر اثني عشر قرنٍ.

يقول الرئيس الجمهوري الأسبق للولايات المتحدة الرئيس نكسون ت94 م في كتابه الفرصة السانحة نُشر عام 1990م ‘‘لقد سبق العالمُ الإسلامي العالم المسيحي على مدى خمسة قرون من 700-1200م وتفوق عليه في مستوى المعيشة والتسامح الديني والفلسفة والعلوم والثقافة وقد أدت الحروب المتتالية إلى عكس الآية فلقد قال أحد المؤرخين لقد خسر الغرب الحروب الصليبية ولكنه كسب حرب المعتقدات لقد تم طردُ كلِّ محارب مسيحي من الأرض المقدسة للمسيحية واليهودية ولكن الإسلام وقد أسكره النصر وفرق أوصاله المغول سقط في غياهب العصور المظلمة من الفقر والنسيان، بينما الغرب المنهزم وقد أنضجته الأهوال نسي هزيمته وتعلم من عدوه وبنى كنائس تصل إلى عنان السماء وقاد سفينته في بحار المعرفة وخرج منه الفلاسفة أمثال دانتي وشوسير وفيلون وسار بروح عالية في عصر النهضة.

إذن الغرب انتفع من هزيمته وأنضجته الأهوال وبديلا عن انتفاعنا بهزيمتنا وعوضاً عن أن تساعد الأهوال على نضجنا بهرنا الغرب فتحولنا إلى دعاة للاندثار والهزيمة الأخيرة وهنا بيت القصيد أن الدعوة مفتوحة لكم لتعيها أذن واعية أن الأحداث والأنباء والدعاوى كلها تنظر لا للخروج من التيه بل لقبول التيه فالله الله في أمتكم وأنفسكم ومستقبل الأجيال أنني أناشدكم للخروج من التيه من خلال بصر وبصيرة فالغرب عدونا والحضارة الغازية لن تنقذَنا والقطرية مرض سرطاني ينهك قوتنا والسطحية المبتذلة هي مرض الإيدز الذي تسرب إلى عقولنا لا تجعلوا الغرب قدوتكم وموئل رجائكم فلن يسير بكم الا إلى الهاوية وأية هاوية أقسى وأمر من ان يحول الغرب دولة إسرائيل المحتلة دولة شقيقة يجب علينا ان نفرح لفرحها ونحزن لحزنها ونترحم على شهدائها الأبرار وان نكتشف الآن دموية نظام العراق واستبداد نظام العراق ولا إنسانية نظام العراق اما حصار اهل العراق فهو عمل إنساني يسجل بمدار الفخر أليس ذلك هو الفاجعة والكارثة معاً ؟!

أن الغرب حين انتج حضارته من خلال انتفاعه بهزيمته لم يأخذ الحضارة الإسلامية ومفاهيمها ولم يتأثر أدنى تأثير بها بل أعاد إنتاج نفسه منتفعا لا متأثراً بمعطيات المناهج والكشوف وطرائق البحث فبنى نفسه من جديد غرباً جديداً منتفعاً لا متأثراً مبدعاً لا ناقلاً منتجاً لا مقلداً أسس لحياته من جديد بقي غرباً رومانياً يونانياً مسيحياً يهودياً بربرياً لم يتسرب إليه من الإسلام أيةُ فكرة فهل نعيد إنتاج أنفسنا أم نتحول إلى مسخ حضاري هزيل ذليل تابع هانت عليه نفسه فهان في عين اهل الدنيا كلها.

لقد تحول الإنتاج منذ زمن بعيد من إنتاج على سبيل الاستهلاك إلى إنتاج على سبيل الاستبدال وكان الاستبدال يتم مقايضة وتحول مع الزمن إلى النقود السلعية أي التي لها قيمة ذاتها وتحولت النقود السلعية إلى نقود ائتمانية أصدرتها أولا البنوك ثم اختص البنك المركزي في الدولة المعينة بالإشراف على إصدارها لقد كانت النقود الائتمانية عبارة عن أوراق مالية هي وثيقة لمقابل ذهبي لها ولكن الولايات المتحدة في بريتون وودز 44 اقترحت نظاماً آخر فتحول العالم إلى نظام النقد الإلزامي وكان لابد من أن ينتمي النقد إلى نقد قوي يعتبر هو أساس المبادلة العالمية فصار الدولار هو أساس المبادلة العالمية مع حرية تحويله إلى ذهب ولكن هذه الحرية انهارت عام 1970 أي ما هو معروف بالأزمة النقدية وأخذت الولايات المتحدة تقرض نظام عملتها كنظام مبادلة عالمي ونجحت الدول الكبرى في جعل نقدها جزءاً من نظام المبادلة العالمية اما الدول الضعيفة فلم يكن لها أي أثر في نظام المبادلة العالمية وبذلك حدثت سيطرة الولايات المتحدة على النظام النقدي العالمي عبر صندوق النقد الولي ومعلومة لكم تدخلات صندوق النقد الدولي في السياسات المالية والنقدية لدول العالم الثالث والأردن واحدٌ من هذه الأقطار.

الإسلام يرفض نظام النقد الإلزامي الائتماني ويرى ضرورة استعمال نظام النقد السلعي واستقراء أحكامه دلت على أن نظام النقد السلعي الإسلامي ربطه بالذهب والفضة ففي سبيل إلغاء سيطرة الولايات المتحدة وشركائها في السيطرة الاقتصادية على العالم لابد من عودة لنظام النقد السلعي الذهب والفضة ولابد من الدعاية لهذا النظام على أساس انه يتيح الاستقرار لأسعار المواد والسلع من جهة ويمنع سيطرة الولايات المتحدة من جهة أخرى.

أيها السادةُ حكامنا في سائر أقطارنا الشقيقة اسمعوا مني أن الامر جدٌ وخطير وانتم تدركون ذلك واقعياً ومعايشة وأن كل المدائح التي تكال لكم من المداحين لن تغير من الواقع شيئاً فالسواد هو السواد والظلم هو الظلم والفقر هو الفقر والهوان هو الهوان.

يكتب الدكتور محمد عباس في رسائله إلى الرئيس المصري مسقطا تاريخ غيلان على الواقع المعاصر فيقول :  (رأيت غيلان وقد تسلل إلى لقاء الرئيس بالمثقفين في معرض الكتاب واخذ مكبر الصوت عنوة وراح يصيح. اعلم أنك أدركت من الإسلام خَلَقَا بالياً ورسماً عافياً وربما نجت الأمة بالرئيس وربما هلكت بالرئيس فانظر أي الرئيسين أنت فان الله تعالى يقول وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا فهذا إمام هدى ومن تبعه ويقول وجعلناهم ائمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) ويستمر محمد عباس فيقول ورأيت الحرس ينقض عليه ويسوقونه إلى حيث لا اعلم ولم تنشر الصحف عن ذلك شيئاً.

وأضيف من عندي إضافة إلى إسقاط محمد عباس لا تمنونا بالسمن والعسل فهذه التمنيات هي مثل تمنيات صاحب عود الندّاف لا تمنونا بان السير مع أميركا والصلح مع إسرائيل سيأتي بالمال الوفير فلن تكون النتيجة الا نتيجة عود النداف وتسألون ما قصة عود النداف فأقول وبالله التوفيق كلنا يعرف منجد الفراش وكلنا يعرف عودة الذي يندف به الصوف والقطن لاعادة تنجيد الفرشات والْلُّحُف ، في بداية نهاره يكون الصوف كثيراً ، وإذ يقوم بندف الصوف بعودة ولجزالة الصوف يعطي العود رنيناً ونغماً يفسره صاحب العود بان العود يقول له أغنيك ! أغنيك ! أغنيك !.

ومع آخر النهار لا يبقى من الصوف إلا العِضرِط والعضرط كلمة عربية فصيحة معناها هو التُّباع وهو الخادم على طعام بطنه وبالنتيجة ما لا أهمية له ولا فائدة فيه وهي هنا بقايا الصوف ومع محاولة ندف هذا العضرط يتغير النغم فالرنين حل محله صوت آخر أتريدون أن تعرفوه؟! انه وباللحسرة والندامة! طر طاخ أو اعذروني لهذه البذاءة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته