رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 498215

الله عالم لا يجهل


رسائل جدل الأفكار (2)

الله عالم لا يجهل

رسالة وهي قراءة نقدية وتوضيح تناقش موضوع أنَّ الله عالم

أمين نايف ذياب

أصل هذا البحث ليس لكم أيها اللادينيون !!! هو للقائلين بالجبر من المسلمين ، لكن وجدت من يتفيهق أكثر منهم . وهو منكر لوجود الله أصلا . وبدل من مناقشة الأصل ، عمد للفرع ، وهو علم الله ليصل بمراوغة عجيبة لإشكالية وليس لمفهوم . الإشكالية لا تعني شيئا . هل تعلم ذلك يا رجل أعمال ؟ ثم ما لي أراك تكاد تتميز غيظا ولم تقدم جوابا على ما أسأل عنه ، العجز عن الجواب أثارك كثيرا . فأحببت أن أضع لك القسم الأول وهو جزء أقل من العشر في هذا الموضوع علك تفهم معنى أن الله عالم

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم

نِقاطُ‎ٌ لِلْجِدالِ حَوْلَ تَحْقيقِ مَعْنى أنَّ الله عَالِمٌ

قال تعالى : {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:90- 99).

بغض النظر عن أي تفسير لهذه الآيات ؛ ينقلها عن موضوعها ، فإنَّ الموضوع الحاضر في مباني هذه  الآيات ؛ هو التهديد لمن يفهم القرآن أجزاء وتفاريق ؛ إذ القرآن الكريم وحدة موضوعية تترابط ككل ؛ فالفهم يجب أن يتوجه لجعل هذه الآيات تفهم دون تناقض ، أو تعارض بينها فالقرآن لا ينقض بعضه بعضها ، ولذلك سيجدُ القارئُ الكريم في نـهاية البحث مسردا ؛ سرد جميع آيات القرآن ؛ الواردة قي هذا الموضوع الخطير ، وهو الموضوع الذي كان سببا أساسيا لنشر فكرة الجبر .

حقائق من الضروري حضورها في الذهن قبل الدخول للموضوع

(1) أن الله عالم لا يجهل . يُبنى على كونه عالماً لا يجهل ، علمه بالمعلوم ، بخلاف الإنسان الذي يبنى على كونه متعلما أنه عالم ، فلا بد من الإدراك بين كون الله عالما وبين كون الإنسان عالماً .

(2) لا يصح أن يكون عالما بعلم لغناه عن الافتقار .

(3) عالم بالمعلومات عن الأشياء والوقائع والحوادث على الإحاطة فلا قبل ولا بعد .

(4) يعلم ما يخلق لكونه عالما لا يجهل وليس لكونه عالما بمعلومات .

(5) يعلم المعلومات على ما هي عليه ، وهذا العلم صفة فاعلية لله تعالى مثلها مثل إرادته تعالى حادثة لا في محل فالله يعلم ما يخلق ويعلم ما يحدث مع ضرورة فك القيد الزمني والمكاني عن علم الله .

(6) ويعلم المكلف أنَّ الله عالم من إدراك وقوع الفعل من الله تعالى على وجه الاتساق والإحكام .

(7) لا بد من إعادة التأكيد على أنَّ القول بأنَّ الله عالم لا يجهل هو صفة ذات لا يصح أنْ يكون لها متعلق أمَّا كونه علم ويعلم فهي صفة فعل ولذلك فلها متعلق فلا بد من عدم الخلط بين صفة الذات التي لا يصح الوصف بضدها وبين صفة الفعل التي يصح ربطها بوجود متعلقها فالعلم بالمعلومات لا بد من ربطه بمتعلقه على الصورة التي يصح ربطه بـها فيعلم ما يخلق ويعلم ما يقع .

(8) يلاحظ المتمعن بـمسرد آيات العلم أنها كلها تحوي متعلقها.

تذكير

من الضروري التذكر دائما أنَّ البحث يثبت أنَّ الله عالم لا يجهل ، أي أنَّ العبارة متضمنة في آن واحد الإثبات لصفة أن الله عالم ونفيا للجهل عنه ، وهذا الوصف هو وصف للذات وليس لصفة زائدة عن الذات ، فالله جلَّ تعالى ليس مفتقراً لاسم معنى يجعله على هذه الصفة ، فهو ليس عالماً بعلم بل هو عالم وذاته العالم .

إنَّ كلمة (علم) هي اسم معنى ، وهو اسم يقع على مدلوله ، وهو العلم بالمعلومات من حيث هي مفردات دالة على أشياء أو وقائع أو حوادث وجودية ، والعقل الإنساني يدرك أنَّ الله عالم ولكنه في محل العجز ـ حين البحث في هذا المعنى ـ ما لم يضع مفهوما محددا لمعنى أنَّ الله عالم ، يجعله أساسا لفهم الآيات ، وليس باختيار بعض آيات تخدم ما يريد تمريره ، وعادة يثبتون زمانا قديما لما يعلمه الله ـ قبل زمان الفعل أي يثبتون للمعلومات زمانا أزلياً أي هي مع الله تعالى مستشهدين ببعض من آيات الذكر الحكيم ، مثل قوله تعالى : (( سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ )) (المسد:3) وقوله : (( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )) (الروم:2-  3) وقوله : (( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )) (هود:36) وقوله تعالى : (( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً )) (الإسراء:4) .

هذه الآيات لم تحدد زماناً لعلم الله بـها ، فمن أين جاءوا بمفهوم زمني لـها ؟ مع أنه يجب تنـزيه الله تعالى عن مماثلة البشر ، أو أي مخلوق له تعالى ، أي من الضروري نفي الزمان وجوبا عن مثل هذه الآيات الموهمة بالزمان الأزلي ، إذ لا يجوز عقلا وجود زمان أزلي ، لأنه يكون غير مخلوق .

يجب أنْ يفهم المدعين للعلم ما يلي : إنَّ اسم العدلية أو المعتزلة أو القدرية كما يزعمه أعداء المعتزلة العدلية ، هو اسم لمجموعة واحدة ، هم نفاة الجبر أو الكسب ، ونفي قول القائلين بأن الله خالق أفعال العباد ، والناس فاعلون لها على الحقيقة ، ونفي قول القائلين بمفهوم الدائرتين الذين عمدوا إلى تفريغ مفهوم الدائرتين من مبناه ومعناه ، بالقول بأنَّ نتائج الدائرة الاختيارية أو المتولد عنها هو قضاء الله . ولهذا لا فرق بين معبد الجهني وواصل بن عطاء ، فكلاهما عدلي يقول بأنَّ الإنسان خالق أفعاله ، وقد لا تخلص العبارة لواحد منهما ، أو لأي عدلي أو معتـزلي غيرهما ، ولكنَّ المراد واحد ، ويمكن لمن يريد فهم الاتفاق العام ، الرجوع لكتاب شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ـ فصل الغرض به تحقيق الكلام في كيفية استحقاقه تعالى لـهذه الصفات ص 183- 213 ، مع البيان أنَّ العبارة بالقياس إلى هذا الزمن ـ قد لا تسلم من احتمال القول بمقال ، وكأنه مخالف لـهذا الشرح ، والحقيقة المعتـزلة جميعا ترفض أنْ يكون الله عالما بعلم ، فإذا ثبت هذا الأمر ، فافهم الأمور كيف تجتهد بالفهم دون نفي لقول المعتـزلة .

كان الأولى بمن يجادل ـ بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ـ الاكتفاء بالقول: إنَّ الله عالم لا يجهل ، وينفي أنَّ الله عالم بعلم أزلي ، إذ القول بالعلم الأزلي هو دخول للجهالات  وعليه بعد ذلك أن يسكت ، قال تعالى : (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ)) (الحج:8) .

تبدو أثناء النقاش ـ مع أفراد أو مجاميع ـ لبلورة معنى أن الله عالم لا يجهل ، ضرورة التركيز على فهم ذلك مقيدا بقيدين : الأول نفي العلم الأزلي الكلي السابق الذي حصيلته الجبر لذات الله ، ونفي القدر الأزلي السابق على المكلفين ، ليكون المكلف على الخيار قبل الفعل ومعه  ومن الآيات التي استشهدت بـها واحدة من مجاميع العبث والعدمية ـ قول الله تعالى : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) (الحديد:22) ومع أنـها لا يدل منطوقها تصريحا أو تلميحا على علم أزلي ، بل قول الله تعالى في كتاب أي في اللوح المحفوظ ـ وهو مخلوق يقينا ـ فتكون الكتابة حادثة فيه  أي مخلوقة ، والمصائب في هذه الآية ليست قيام المكلفين أو عدم قيام المكلفين بما كلفوا به ، من إيمان أو أعمال ، وإنما هي الزلازل ، والعواصف ، والبراكين ، والأعاصير ، والجدب ، والقحط  والموجة الحرارية ، والصقيع ، حين كونـها قاتلة أو مؤثرة ـ أي ما لا يفعلها إلاَّ القادر وذاته القادر ، أي الله ، وليس ما تعلق بتكليف المكلفين .

يستطيع القارئ لمسرد آيات العلم  إدراك أنَّ القرآن الكريم ذكر آيات دالة على علم لاحق ، وهذه واحدة منها ، قال تعالى في سورة الأنفال آية 65 - 66 (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ))

فهل استنادا على مثل هذه الآيات يصح القول أنَّ الله يعلم الأمور لاحقا ؟ أم هو القول الحق وهو أنه عالم لا يجهل ، ويعلم الأمور الحادثة على الإحاطة.

لقد أراد الأشاعرة وما يسمى بأهل السنة جميعا تعظيم الله بأنه الخالق ، ولا من يخلق سواه ، فجعلوه خالقا للشر والكفر والمعاصي والفسوق والفساد ـ تعالى الله عن ذلك ـ وأرادوه إلاها غير مقهور فجعلوه ظالما ، وأرادوه لا يجهل فجعلوه مقهورا لعلمه ، وأرادوا إثبات وجوده عيانا وليس استدلالا فجعلوه يُرى يوم القيامة ، وأرادت السلفية تحديدا إثبات صفة العلو فجعلوه في المكان ، وأرادوا نفي السكوت والخرس عنه فجعلوه متكلما بصوت وحرف ـ تعالى الله عن ذلك ـ وللخروج من الورطة أضافوا كيف شاء متى شاء من عندهم ، وأرادوا نفي العجز عنه فجعلوه ينـزل ويأتي .

وقفة مع العابثين

يا قوم لا تتوهموا الله وهذا هو التوحيد ولا تتهموه فهو العدل

لم يكن هم مجموعة العبث العدمي العمل على بناء عقل متحرر من الجبر بشقيه ، الجبر لذات الله بسبب العلم السابق ، والجبر للمكلف بسبب القدر المعلوم السابق ، بل توجه كل همهم لإثبات علم سابق على الوقوع ، والمفترض على منهجهم البحثي ، أن يقولوا أنَّ الله سميع بالمسموع ولا مسموع ، وبصير بالمبصر ولا مبصر ، وعليم بطاعة الطائعين ولا طائع موجود ولا طائعين ، وعليم بكفر الكافرين ولا كافر موجود ولا كافرين ، ولذلك ورد في نقاشهم بعد آية 22 الحديد ذات المنطوق عن المصيبة قوله تعالى (( إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ))(الحديد: من الآية22) عند الرد عليهم بأنـها الزلازل وما هو مثلها ، فنقلوا الاستشهاد لجزء من آية في سورة المائدة وهو قوله تعالى في موضوع الوصية (( فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ))(المائدة: من الآية106) يلاحظ أنَّ القدر المشترك اسم المصيبة ، وليس (( إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ))(الحديد: من الآية22) بل اسندت الآية الفعل أصاب لمصيبة الموت وليس في الآية موضوع العلم السابق ، مما يدل على تحضير مسبق لسجال وليس لجدل يطلب منه الوصول إلى الحق .

نداء إلى الأمة

لا بد من تذكير الأمة ـ المقصود من كلمة الأمة جماهير الناس العاديين أي العامة أو السواد من المسلمين { أي الناس الذين هم محل المفاعلة المنفعلون بسبب تحريك غيرهم لهم } والغير الذي يحركهم : وهم المتنفذون من : الوعاظ ، والقصاص ، والمشايخ ، ومدرسي الدين الإسلامي ، في المدارس والمساجد والجامعات ، وهؤلاء جميعا قامت المعرفة عندهم على التقليد إمَّا لعلماء الأشاعرة من المتقدمين وعلى الغالب من الْمتأخرين ، وبعضهم على أساس السلفية خاصة في مسائل المعتقدات { مطالب الإيمان } ولهذا يصعب فهم المسألة الجلية ، فكيف إذا كانت من دقيق المسائل وعويصها ؟ ! إنَّ ما يجعلها دقيقة وعويصة ، ليس المسألة من حيث هي مسألة ، إذ وضع القرآن مفتاحا لكل المسائل فالمسألة لكي تحل لابد لها من مفتاحها ، وعند ما يكسل العقل ، يقوم باستحضار المقولات السابقة ، وليس نقد أو فهم المقولات ، ولتذليل هذه المسألة لا بد من أن ينصب البحث ، أولا وقبل كل شيء على كلمات هي : الأزل ، الإحاطة ، الاكتساب فأي كلمة منها تليق بالله المنـزه العدل ؟ لا يجوز الإصرار بجهالة على عملية تفكيك لمعنى الإحاطة ، من خلال بعض نصوص توهم الذهاب لمعنى الأزل ، فمعنى الأزل تثور عليه أمور كثيرة ، أولها وأكثرها أهمية هذه النتيجة التالية : وهي أن الله قادر لا يعجز ، ولكنه لا يمكن أنْ يفعل ، إلا ما سبق في علمه أنه يفعله ، ألا يترتب على ذلك أن الله عاجز عن إنزال المطر من السماء ؟!! على بلد تجمع فيها مصلون يؤدون صلاة الاستسقاء مرفوعة أكفهم إلى السماء يجأرون بقلب منكسر ودعوة صادقة مخلصة وحرارة إيمان ملتهب قائلين : اسقنا الغيث يا أرحم الراحمين ، أنه لن يستجيب لهم إلا إذا كان بعلمه السابق أنه يستجيب ، وهذا نص منقول من كتاب الفكر الإسلامي ، وهو من الكتب الثقافية لحزب التحرير ، اسم مؤلفه المدون عليه هو محمد محمد إسماعيل عبده ، من بـحث الدعاء في الإسلام ص 72 – 74 ، والفقرة من ص 73 ، ومن المؤكد أن الكتاب هو من تأليف الشيخ تقي الدين النبهاني ، وليس لصاحب الاسم المسجل عليه ، بل من المؤكد أنَّ مواضيعه نشرت في جرائد الحزب تقول الفقرة :

(( ولكن يجب أن يكون واضحا ،  أن الدعاء لا يغير ما في علم الله ، ولا يدفع قضاءا  ولا يسلب قدرا ، ولا يحدث شيئا على غير سببه ، لأن علم الله متحقق حتما ، وقضاء الله واقع حتما ، إذ لو دفعه الدعاء لما كان قضاءا ، والقدر أوجده الله فلا يسلبه الدعاء ، والله خلق الأسباب ومسبباتها ، وجعل السبب ينتج المسبب حتما ، ولو لم ينتجه لما كان سببا ، ولذلك لا يجوز أن يعتقد : أن الدعاء طريقة لقضاء الحاجة ، حتى لو استجاب الله وقضيت الحاجة بالفعل  لأن الله جعل للكون والإنسان والحياة نظاما تسير عليه ، وربط الأسباب بالمسببات ، والدعاء لا يؤثر في خرق أنظمة الله ، ولا في تخلف الأسباب ، وإنما الغاية من الدعاء تحصيل الدعاء بامتثال أمر الله )).

وقفة مع هذه الفقرة الخطيرة

عند الكلام والقول : إن هذه الفقرة وما هو مثلها إثبات للجبر ـ عند حزب التحرير ـ وعند من يفهم مثل فهمه ، وإنَّ الحزب استمد مقولته هذه من رؤية ابن تيمية ، بل مقولة أبن تيمية أرقى إذ يقول : إن الله يفعل كيف شاء متى شاء ، يجيب أعضاء الحزب ؛ أن لا جبر حفظا لا استدلالا ، مع أن المقولة  تصرح تصريحا جليا واضحا : إنَّ الله لا يفعل إلا وفق علمه الأزلي السابق ، فالعلم الأزلي السابق هو{لا غير} ما يفعل الله وفقه ، فالله مختار بأن يـحقق علمه ، وليس مختارا مطلقا وهذا يعني بكلام واضح أن الله مجبور ، أجبر نفسه ـ أي لم يجبره غيره ـ على تحقيق علمه ، أما الإنسان المكلف فهو لا يملك أنْ يختار ، إلاَّ ما قد علمه الله منذ الأزل ، وسجله عليه ، والرجاء العودة للفقرة وقراءتـها مثنى ، وثلاث ، ورباع ، والتفكر والتدبر فيها ، بدل الاتكاء على اللجاج والصوت العالي ونشر الأكاذيب .

يا حسرتاه ! لقد ضاع حزب التحرير بين الأشاعرة والسلفية ، وتركز الضياع بجهالة أعضائه .

مشاكسات

يحلو للكثير ممارسة المشاكسة ، بديلا عن إعمال العقل في الموضوع ، وتأسيس أصل تبنى الفروع عليه ، وإذ الإنسان عالم يـجهل ، وليس عالماً لا يـجهل ، لا بد أن يواجه ببعض النصوص ، التي تؤدي إلى علم سابق عن الحدث ، ومع أنّ الآية أو الآيات لا تنطق بعلم أزلي  وإنما تنطق بعلم متقدم عن الحدث تارة ، أو بعلم مقارن للحدث تارة أخرى ، وأحيانا يجعل آيات غير مصرحة بدعواه يجعلها اعتباطا بأنـها قبل الحدث ، وبدل الذهاب لتفسيرها بأنـها من باب التحذير ، أو الوعد والوعيد ، أو التعليم ـ  مع كون الله قادراً لا يعجز ، وعالماً لا يجهل ـ ومع العلم بأنّ القرآن أعلى أنواع الخطاب ، وأنه حـمَّالُ أوجه ، وأنّ في القرآن توسع ، وفي كل ذلك حكمة ، ومع كل ذلك ، فالتعامل مع القرآن يحدث بمنتهى السطحية ، بـجعله ينطق بما يريدون  دون الرجوع للآيات الأخرى ، ما سبق هي بعض من المشاكسات ـ أثناء محاولة نشر هذا الرأي ـ وهو رأي وُجد واضحا عند العدليين الأُوَل ، وخاصة معبد الجهني رضي الله عنه القتيل ظلما سنة 80هـ وإن كان هذا الشرح والبيان أكثر توضيحا ، وقبل الدخول لمسألة العلم ، تحضر الأسئلة التالية : هل يحيط اللوح المحفوظ بما هو مكتوب فيه ؟ أليس المكتوب في اللوح المحفوظ هو علم الله كما يقولون ؟ هل علم الله يقبل الإحاطة ؟ ولا يعني ذلك قبول إضافة اسم المعنى له تعالى فالله لا يفتقر لاسم المعنى ، بل المسألة معروضة من باب الإلزام !

من أنوا ع المشاكسات التي يشاكسون بـها الآيات الأولى من سورة الروم ، وهي قوله تعالى (( الم~  * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ  * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * )ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ )) (الروم:1-12).

ليس في الآيات أي كلمة دالة على زمن ، ولا يعلم عن زمن تنـزيلها على نبي الهدي ، إلاَّ أنه حدث بعد هزيمة الروم أمام الفرس ، كل ما يشاكسون به هو قول الله تعالى : (( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )) ولم يصرح القران بأن الأمر معلوم له منذ الأزل ، فمن أين جاء الزمن لـهذه الآية ؟ والله تعالى منـزه عن الزمن ، لماذا لا يتوقف البحث حين العجز عن الفهم للمفردة ؟ والذهاب إلى الأصل الْمُصِّرح بأن الله عالم بالمعلومات على الإحاطة فلا قبلُ ولا بعدُ .

الإهداء

يهدي أمين نايف ذياب هذه النقاط لنوعين من الناس

(1) طلاب المعرفة والحق وهم المخلصون الذين ليس بينهم وبين الحق عداوة.

(2) الجهلاء الضالون وهم على ضربين :

(ا) ضرب استمرأ الموروث والكسل الذهني ، فعجز عن الفهم .

(ب) ضرب يجهل أنه يجهل ، ولا يتورع عن اتهام الفاهم بنيته .

القارئ الكريم العاقل : قبل أنْ تبدأ قراءة هذا الموضوع ، اعلم هُديتَ هداية لطف للخير _ إذ هداية الدلالة والإرشاد تحققت برسالة المصطفى صلوات الله عليه _ أنَّ مسألة العلم الزائد عن الذات ، ليست مسألة حادثة ، بل وجدت مبكراً ـ منذ أنْ تحول الحكم الإسلامي إلى عضوض ثم جبري ـ أثناء محاولة الظلمة ، والفسقة  ، والفجار ، والمفسدين ، وجلاوزة السلاطين ، وعلمائهم ، تسويغ الظلم ، والفسق ، والفجور ، والفساد ، وإيقاع الأذى على الناس : في حقوقهم ، وأموالهم ، وأعراضهم ، وحياتـهم ، بل وفي دينهم ، بدعوى العلم الشمولي السابق ، ودعوى لا يقع في ملك الله إلاَّ ما يريد ، مع ملاحظة أنَّ إرادة الله تقع على معنيين الإرادة الكونية وهنا لا يقع الأمر إلاَّ وفق مراد الله تعالى (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) (يّـس:82) والإرادة الشرعية أي التكليف أمرا ونـهيا وهنا يقع في ملكه ما لا يريد قال تعالى : (( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ )) (الحجرات:7) فما يكرهه الله لا يريده يقينا ومع ذلك معلوم وقوعه من قبل المكلفين .

ولرد الأمور إلى نصابـها - بعد تركيز التسويغ - جاء هذا البحث .

المقدمة

الإنسان حقيقةُ معلومٌ وجودُها ضرورةً ، وهو ذات عارفة ، وموضوع يُعرف ، وإنكار ذلك ضربٌ من الجهالة الجهلاء ، والضلالة العمياء ، والعاقل يعلم أنَّ العدم الشامل ممنوع ولا يصح  ولا يوجد ، والناظر بالكون الذي يعيش فيه ، والحياة التي عليها الأحياء ، سواء كانت حياة نامية  {الحياة النامية هي الحياة الخالية من الجهاز العصبي ، أي حياة النبات ، أو حياة الأحياء الدنيا ـ التي يقال عنها لا روح لها ـ أو حياة الأجزاء من الأحياء أو الأعضاء من ذوات الروح لفترة وجيزة بعد خروج الروح} مظهر هذه الحياة النمو والإغتذاء ، وبمنع الغذاء عنها يتوقف النمو  وتبدأ رحلة الموت ، أو كانت حياة ذوات الجهاز العصبي ، من القملة إلى الإنسان {مظهر هذه الحياة الإدراك بأنواعه} : الجيني المُوَرَّث ـ كالنمل والنحل وثعبان السمك وما هو مثلها ـ  والغريزي المتعلق بالبقاء ، وبقاء النوع ، والمهارات التدريبية المرتبطة بالحاجة والغريزة : ككل أنواع الحيوان ، وكتدريب الكلب المعلم ، والصقر ، والقرد ، ومختلف حيوانات السيرك  وينفرد الإنسان بالإدراك العقلي _ إضافة إلى الاستعداد والإدراك الغريزي ، الذي يشترك فيه مع الحيوان _ وهو خصوصية له . والباحث في كيفية إدراك المدركات ، من تصرفات النمل والنحل  إلى الإنسان العارف العاقل ، يدرك أنَّ هذا الوجود المعلوم مشاهدة ، لم يكن ، والإنسان العارف يعلم أنَّ العدم المطلق لا يٌنْشِأُ وجوداً ، فالوجود فعل الموجد ، والفعل لا يصح إلا من قادر  ويحدث الوجود بقدرة القادر ، ولا يكون القادر إلاَّ قادرا مطلقا ، أو قادر بقدرة {القدرة غير الطاقة} وهذا الوجود هو فعل القادر المطلق ، إذ هذا الوجود مخرج من العدم ، سواء خُلق من العدم المطلق ، أو من العدم الوجودي ، فهو فعل القادر الذي لا يحد قدرته حد ، وإذ المقدور واقع على وجه الاتساق والإحكام ، فهو فعل العالم الذي لا يجهل ، من هذه النقطة بالذات ، تبدأُ المشكلة ، إذ في الذهن تلازمٌ ، بين كون الله عالماً ، وبين المعلومات الشاملة ، لكل الكونيات  والشرعيات ، وسبب الربط بين كون الله عالما ، وبين المعلومات الشاملة ، عدم الإدراك للمعنى الزائد عن الذات ، والذي لا يجوز بحق الله لكماله ، وعدم افتقاره لأسماء المعاني ، ولتركز الزمان  والمكان في أذهانهم ، فمع تنـزيه الله عن النقص والاحتياج ، وعن الزمان ، والمكان ، قولا ، إلاَّ أنَّ الواقع عكس ذلك تماما ، فالقول بالعلم المحيط يرونه وجها آخر للعلم الأزلي ، فلا يثير اعتراضا  أو يرونه وجها للعلم الحصولي المكتسب الحادث ، فتثور عليه الاعتراضات ، فعند أصحاب الجهالات ، كان اللهُ ، وكان معه العلم بكل المعلومات ، ويجرون عليه اسم القدر ـ مع أنَّ اللسان العربي لا يسعفهم ـ وإذا كان الأمر على هذا الوجه ، فالعلم بالمعلومات هل هو الله ؟ ! أو {لا هو ولا هو غيره} المقولة غير المعقولة ، التي تفتق عنها ذهن الأشاعرة من الضروري الإجابة [ الأشاعرة منهج ، تَكَوَّنَ متأخراً ، بعد 300 هـ ، على يد أبي الحسن ((علي بن إسماعيل)) سليل أبي موسى الأشعري ] تعالى الله عن ذلك ، والسؤال الضروري ، حول هذا القول الخطير ، الذي يجعل الله أسيرا للمعلومات ، مع أن الفاعلية تعني القدرة على الفعل والترك  في لحظة الفعل ، وإلاَّ فهو الجبر ، يرد في القرآن الكريم وصف الله تعالى بالقادر والقدير وتتكرر كثيرا [ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] فهل هو قادر ـ حين الفعل ـ على فعل الشيء ، وغيره  أو حتى عدم فعله ، وبقاء الله وحده ؟ أم هو لا يفعل إلاَّ ما سبق أنْ عَلِمَهُ وَقًدَّرَهُ منذ الأزل ؟ من المعلوم الشائع والمشهور القول  : بأنه كان الله ولا شيء معه ، فهل كانتْ معه المعلومات ؟ وهذه المعلومات هل هي الله أم هي غيره ؟ وهم أمام هذا السؤال ، أمام خيار من الخيارات التالية : أولا : إثبات أنَّ الله عالم لا يجهل ، لا لمعنى زائد عن الذات ، أي نفي أنَّ الله عالم بعلم ، بل هو العالم وذاته العالم . أو ثانياً : إثبات علم لا هو الذات ولا هو غيرها [ العلم لا ينفك عن المعلومات ]  ومثل هذا القول يعني قبول ما قاله النصارى عن الأقنوم [ الكلمة ] فالكلمة عند النصارى لا هي الله ولا هي غيره ] ولهذا ورد في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا ما يلي : 1- في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان مع الله ، وكان الكلمة هو الله ، 2- هو كان في البدء مع الله ،3- به تَكَوَّنَ كل شيء ، وبغيره لم يتكون أي شيء مما تكون 4- فيه كانت الحياة ، والحياة هذه كانت النور للبشر . وقبول ما قاله اليهود فهم يقولون : إنَّ الشريعة وُجدتْ لا محالة قبل أنْ يُخلقَ العالم ((في صدر الله أو عقله)) وعند أهل السنة وحزب التحرير منهم : أنَّ الكونيات والشرعيات  وسلوك البشر ، وأفعال المخلوقات الأخرى القادرة على الفعل ، وظهور الظواهر : الكونية  والحياتية ، والطبيعية ، كلها معلومة له تعالى منذ الأزل  . ثالثا : القول بأنَّ الله عالم بذاته بعلم  وعلمه غيره ، ومع أنه غيره ، إلا إنَّه أزلي .

فهم الشيخ تقي للقدر

كيف يفهم الشيخ تقي القدر ؟ يورد الشيخ المرحوم تقي الدين النبهاني في الدوسية ، في بحث القدر ، الجمل التالية فيما بعدُ مستعملاً كلمة [ الأزل ] في الجمل ، مُـحدِّداً المراد من القدر بما يلي :  هو أنَّه ما من شيء في الأرض ، والسماء  إلاَّ والله قدَّرَه ،ُ وسجلهُ عنده ، فلا يقع في هذا الوجود شيء ، إلاَّ وقد سبق أنْ قدره الله  وسجله ، فما سبق أنْ قدره الله ، وسجله ، يقع ، ولا مفر من وقوعه ، ولا يمكن أنْ يقع شيء  إلاَّ وكان الله قد قدره ، وسجله . يقول الشيخ تقي بعد إيراده الآيات التي ذُكرت فيها كلمة القدر : من أنها ذات معان متعددة ، وكلها لا علاقة لها بالقدر ، الذي طُلب الإيمان به  ، فيقول بعد ذلك :

هناك آيات وأحاديث جاءت بلفظ القدر ، وأرادت به تقدير الأشياء في [ الأزل ] .

ويورد بعد ذلك آيتين حول امرأة لوط معقبا عليهما بقوله : ـ

{ فمعنى القدر الذي جاء في هاتين الآيتين هو ما طُلب الإيمان به } . وقد أورد الجمل التالية :

1. وهو التقدير في [ الأزل ]  .

2. فظاهر أن الله هو الذي قدر في [ الأزل] .

3. قدرنا كونـها من الباقين في العذاب تقديرا جرى في [ الأزل ] .

4. (( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً )) (الأحزاب: من الآية38) فمعنى [ قدراً ] هنا أي أمراً جرى تقديره من قبله تعالى في [ الأزل ] .

5. أي لا بد من وقوعه لكونه قدراً قد جرى تقديره في [ الأزل ] .

6. فمعنى القدر في هذه الآية هو التقدير في [ الأزل ] .

7. [فَقَدَرْنَا] (المرسلات: من الآية23) يعني كان تقديرنا في [ الأزل ] أنها باقية في العذاب .

8. [قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً] (الطلاق: من الآية3) والمراد [ تقديراً ] في [ الأزل] .

9. لأنه إذا أعلم أنَّ كل شيء لا يكون إلاَّ بتقديره وتوقيته في [ الأزل ] .

10. وهو تقدير الله للأشياء في [ الأزل ] .

11. أنه جاء حسب القدر المقدر له في [ الأزل ] .

12. ولكن الأرجح أنَّ المراد هو أنَّ كل شيء خلقناه هو مقدر في [ الأزل ] قبل خلقه  .

13. وكل ما هو كائن مسطور في اللوح المحفوظ فيكون الكلام في الكتابة في [ الأزل] .

14. فالمراد بالقدر هنا هو التقدير في [ الأزل ] .

15. إنَّ أمرَ أكله من الشجرة وإخراجه من الجنة قد جرى تقديره من الله في [ الأزل].

16. أي الإخراج من الجنة مقدر على آدم في [ الأزل ] .

17. وأنَّه تقدير الله للأشياء والأعمال ولما هو كائن تقديراً حاصلاً في [ الأزل ] .

18. هو تقدير الله في [ الأزل ] .

19. أي قد كتب في [ الأزل ] ما أنت لاق .

20. إن القدر هو تقدير الله تعالى في [ الأزل ] .

21. ((لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)) (التوبة: من الآية51) .

22. إنَّ القدر هو تقدير الله في [ الأزل ] .

23. فهذه الأحاديث  صريحة على أن القدر هو تقدير الله في [ الأزل ]  .

24. بعد أن يذكر الشيخ تقي الآيات يقول : هذا بالنسبة للآيات التي جاءت بلفظ القدر وأرادت به تقدير الأشياء في [ الأزل ] ، {وَتَقْريرِها مِن قَبْلِ خَلْقِهَا} ! أمَّا بالنسبة للأحاديث التي جاءت كذلك بلفظ القدر وأرادت به تقدير الأشياء فإنـها كثيرة . المرجو من القارئ ملاحظة عبارة وتقريرها من قَبْلِ خلقها . يورد الشيخ ستةَ عشرَ حديثا ويراها أنـها تقدير الأشياء منذ [ الأزل ] من الملاحظ أنَّ الشيخ تقي الدين النبهاني لا يفرق بين الكونيات والشرعيات فهي كلها عنده منضبطة بالتقدير من الأزل فالشيخ المرحوم يقول بالجبر في صورته الثالثة هي فعل له متعلقان لله الخلق والتقدير منذ الأزل وللمكلف الفعل ولكنه وإن فعل ياختياره إلاَّ أنَّ الاختيار هو اختيار مساو ومتطابق مع العلم السابق فأي اختيار له إلاَّ دعوى الاختيار المزيفة ؟! .

من أين جاء المرحوم الشيخ تقي بكلمة الأزل وهي كلمة منحوتة من الفعل {لا يزال} ؟ ومن أين جاء بجملة [ ما طلب الإيمان به ] ؟ الظاهر أنه جاء بأصل التكليف الإيماني من الحديث وأن تؤمن بالقدر ، أما معنى القدر فأتى به من استقراءه هو ، المتوجه منذ البداية نحو إثبات مقولة الأشاعرة ، أما الكلمة الأزل فليست موجودة في نص الكتاب أو الحديث ، ولم يستعملها القرآن البتة ، ولم تأت كلمة سبق في القرآن بغير ما تدل عليه في اللسان ، أي إثبات السبق الزماني  وليس إثبات السبق منذ الأزل ، وكلمة الأزل التي استعملها الشيخ ثلاثا وعشرين مرة ما هو معناها ؟ هل المعنى الزمن القديم ؟ أي ما لا بداية له ، وما لا بداية له ليس مخلوقا  واللوح المحفوظ  وكلمة التسجيل ، والسجل ، والكتابة في اللوح المحفوظ ، والكرام الكاتبين ، هل هذه الكلمات  تفيد الزمن المطلق غير المخلوق ؟ وقول آدم لموسى ـ مع أنَّ الحديث مـردود عنـد المعتزلة ـ [ أتلومني على أمر قد قدَّره الله قبل أنْ يخلقني الله بأربعين سنة ] هل هذه الأربعون سنة تعني منذ الأزل ؟ ماذا تعني كلمة القلم التي وردت في الأحاديث ؟ ألم ترد كلمة القلم في القرآن الكريم وفي الحديث ؟ هل كلمة القلم الواردة في القرآن والحديث في معنى واحد ؟ القلم في القرآن هو القلم المعهود من حيث الجنس ،  أي القلم المخلوق الذي يكتب به البشر ، فهل القلم الوارد في الحديث مخلوق أو غير مخلوق ؟ وإذا كان مخلوقاً ، ألا يعني ذلك أنَّ الكتابة حادثة ؟ لماذا يكتب الملائكة خطايا ابن آدم حين وقوعها ما دامت مكتوبة ! منذ الأزل ؟ أين هو التكليف إذا كان الأمر في الإيمان والكفر والطاعة والعصيان معلوم منذ {الأزل} . [ هذه الأسئلة وحدة متكاملة فلا يجوز الإجابة على سؤال واحد منها ، كما حدث من الشنيك ].

‍‍‍ مشكلة هذا البحث ، وهو بـحث جاد ، يحاول أن يحل مشكلة عصية تؤدي إلى الجبر، لكن الزاعمين أنـهم أهل فكر إسلامي حق ، يهربون من البحث لسطحيتهم وسذاجتهم ! .

‍          هل يصح القول بأنَّ الله عالم بعلم ؟

علم الله ليس هو الله يقينا ، ولا صفته الذاتية إذ صفته الذاتية أنه عالم ، فهل يكون العلم وهو اسم معنى منذ الأزل ؟ فيكون في هذه الحالة وجود [ قديمين ] الله وعلمه ، أو أنَّ الله مفتقر مثل خلقه لصفة زائدة عن ذاته ، تضيف إليه الكمال ـ تعالى الله عن ذلك ـ أليس من الحق القول بأنَّ الله عالم بالمعلومات ؟ والمعلومات متعلقة بالأشياء والوقائع والحوادث ، والله عالم بالمعلومات عن الأشياء والوقائع والحوادث على الإحاطة ـ أي على ما هي عليه في ذاتـها وليس على ما عليه ستكون ـ والزيادة عن هذا الفهم ، هي حالة تنطع يراد منها فهم الله ذاتا ، والمشكلة أنـهم لا يفرقون بين العالم بعلم ـ أي يكتسب المعلومات والمعارف والمهارات ثم يستعملها ـ وبين ذات العالم الذي لا يجهل ، فلا تلفت نظرهم قول الله تعالى : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } (يوسف: من الآية76) فالله ليس ذي علم ، لأنه يكون فوق نفسه ، بل هو عالم لا يجهل . معنى أن الله عالم لا يجهل ، تعني أنَّ الله يقع منه الفعل على وجه الاتساق والإحكام ، وليس معنى ذلك وقوع فعله حسب علمه ، كما هو معهود العالِم بعلم ، مع أنَّ العالم بعلم ، لا بد أنْ يظهر أثر علمه ، في إحسان العمل  وإتقانه ، وإلاَّ لا يحكم له بكونه ذي علم .

لا بد من اليقين عند المؤمن ، أنَّ الله عالم لا يجهل ، ولا يكون  الله عالما عن تحصيل ، بل عالما على الإحاطة ، أي ليس عالماً بعلم أزلي ، وليس عالماً بعلم على سبيل الاكتساب والحدوث ، لكن المشكلة التي تواجه الفكر الإسلامي والمدعين التفكير المستنير ! هو قصور العقل عندهم عن إدراك معنى كلمة الْمحيط ، فالقول بأن الله عالم على الإحاطة ، لا تعني أنَّ الله عالم بعلم حادث  ولكنها لا تعني أيضا أنه عالم بعلم أزلي ، إذ في كلا المعنيين ، يَثْبُتُ النقص لذات الله تعالى ، والله مُنـزه عن النقص ، فالعلم الأزلي من لازمه ، أنَّ الله مقهور لعلمه ، فليس الله فعَّالٌ لما يريد ، بل فاعل لما سبق في علمه أنْ يفعله ! فهل هناك جهالة أكثر من هذا القول المنكر ؟ ! .

ظهور الإشكالية

ظهرت إشكالية فهم معنى ـ أنَّ الله عالم ـ مبكراً جداً ، فمع اتفاق المسلمين جميعا ، على تنـزيه الله عن النقص والجهالات ، في ذاته ، وأفعاله ، إلاَّ أنَّ الاختلاف في كيفية التنـزيه ، هو السائد ، والكلمات التالية ـ دالة على هذا الاختلاف ـ وهـذه هي الكلمات : (1) المعطلة (2) أهل التنـزيه [ أهل التوحيد والعدل ] (3) المفوضة (4) المتوقفة (5) الممررة على مراد الله (6) المشبهة بلا كيف (7) المثبتة للمعنى المعهود الحسي مع نفي الكيف (8) المجسمة بلازم قولهم وهم السلفية (9) المجسمة تجسيما صريحا (10) إيمان العجائز. وفي موضوع الأفعال ظهرت كلمات : القدرية بمعنى العدلية والقدرية بمعنى الجبرية والنـزاع حول من يقع معنى القدرية عليه معلوم ، ليتحدد فيما بعد باسم  الجبرية ، والعدلية ، وأهل لا جبر ولا تفويض ، والكسبية ، والقول بأن : {الله خالق والإنسان فاعل} وأخيرا مقولة الدائرتين ،  ولا يزال دخان صراعها المرير واضحا للعيان ، إذ المعركة الآن حامية الوطيس ، بين طرفي ((أهل السنة والجماعة)) : الأشاعرة ، والسلفية ، فالله لا تحل به الحوادث عند الأشاعرة ، إذ لا تحل الحوادث إلاَّ بالمخلوق ، لكن السلفية ترى أنَّ هذا القول تعطيل لصفات الله الفعلية ، ولن ينقذ الأمة تجاهل المعركة ، ووضع الرأس بالرمل ، مثل النعامة الغبية .

نص قديم

ورد في صحيح مسلم حديث في أول كتاب الإيمان برقم [ 93 ] متسلسل ورقم [ 1 ] في كتاب الإيمان من صحيح مسلم ورقم [ 8 ] ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي .

حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب : حدثنا وكيع عن كَهْمَس ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يَعْمُرَ ، ح : وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه : حدثنا أبي : حدَّثنا كَهْمَس عن ابن بُرَيْدَةَ ، عن يحيى بن يَعْمُرَ قال : كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحُميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين ، أو معتمرين ، فقلنا : لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدر ، فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب ، داخلاً المسجد ، فاكتنفته أنا وصاحبي ، أحدُنا عن يمينه والآخر عن شماله ، فظننت أنَّ صاحبي سيكل الكلام إليَّ ، فقلت يا أبا عبد الرحمن ! أنَّه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرأون القرآن وَيَتَقَفَّزُونَ العلم – وذكر من شأنـهم – وأنهم يزعمون أنْ لا قدر ، وأنَّ الأمر أُنْفٌ قال : إذا لقيت أُولئك فاخبرهم أني بريءٌ منهم ، وأنـهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ! لو أنَّ لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ، ما قبل الله منه ، حتَّى يُؤمن بالقدر ، ثم قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : بينا نحن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ذات يوم ـ ، إذ طلع علينا رجل شديدُ بياض الثياب ، شديدُ سواد الشَّعَر ، لا يُرى عليه أثرُ السفر ، ولا يعرفه منَّا أحدٌ ، حتى جلس إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه  وقال : يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ؟ . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : (( الإسلام أنْ تشهد أنْ لا اله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إنْ استطعت إليه سبيلا )) قال : صدقت ـ قال ـ : فعجبنا له ، يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ . قال : (( أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره )) قال : صدقـت . قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ . قال : (( أنْ تعبد الله كَأَنَّكَ تراه ، فإنْ لم تكن تراه ، فإنه يراك )) قال : فأخبرني عن الساعة ؟ . قال : (( ما المسئُول عنها بأعلم من السائل )) قال : فأخبرني عن أماراتـها ؟  قال : (( أنْ تلدَ الأمةُ ربتها ، وأنْ ترى الحفاة العراة ، العالة ، رِعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان )) قال : ثُمَّ انطلق  فلبثتُ مَلِيَّا ، ثُمَّ قال لي ، (( يا عمر ! أتدري من السائل ؟ )) قـلت الله ورسوله أعلم . قال : (( فإنَّهُ جبريل ، أتاكم يُعلمكم دينكم )) .

يورد مسلم الحديث في شيء من الزيادة والنقص وباختلاف في رجال السند بعد ابن بريدة في الرقمين { 94 – 95 } وفي { 96 } بعد يحيى بن يعمر ولم يذكر مسلم ماهية الزيادة والنقص ويورد في الرقمين { 97 – 98 } الجزء الخاص بسؤالات جبريل دون جملة [ وتؤمن بالقدر خيره وشره ] بسند عن أبي هريرة ثم يورده برقم { 99 } وبه جملة [ وتؤمن بالقدر كله ] بسند عن أبي هريرة .

هذا هو الحديث ، الذي دار على أساسه موضوع الإيمان بالقدر ، وبسببه جرى تكفير كثير من المسلمين ، وبسببه استبيح قتل مسلمين ، وبسببه صار القدر تكأة للظالمين المفسدين ، وقد اشتهر هذا الحديث عند محدثي أهل السنة والجماعة شهرة واسعة ، لقد ذكره مسلم في بداية صحيحه ومسلم انفرد كما تبين الدراسة بذكر معبد الجهني في الحديث بينما غيره ذكر موضوع القدر ولهذا لا بد من دراسة موضوع القدر دراسة مستنيرة .

دراسة في الأحاديث التي تذكر القدر

ورد في مفتاح كنوز السنة [ معجم فهرسة ] تحت مادة القدر عنوان ـ أنْ تؤمن بالقدر خيره وشره ما يلي : ـ

مسلم ك/1 ح / 1 . أبو داود ك / 39 باب 16 . الترمذي ك / 30 باب 10 و16 ك/38 باب 4 . ابن ماجة المقدمة باب 10 و 11 . مسند أحمد ثاني ص 107 في مسند عبدالله بن عمرو ، ص 181 في مسند عبدالله بن عمرو بن العاص أيضا . الخامس ص 89 في مسند جابر بن سمرة و 182 و 185 و 189 في مسند زيد بن ثابت . و 317 مكرر في مسند عبادة بن الصامت . السادس 441 في مسند أبي الدرداء . تشير هذه الفهرسة وجود القدر خيره وشره ب [ 5 ] كتب فقط من أصل [ 14 ] كتاب فهرس لها مفتاح كنوز السنة .

وجاء في مفتاح كنوز السنة تحت مادة القدر عنوان ـ أول من تكلم في القدر بالبصرة معبد الجهني ما يلي : ـ

مسلم ك/1 ح/1 . أبو داود ك/ 39 باب 16 . الترمذي ك/ 38 باب 4 .

تدل قراءة هذه الأحاديث في عنوانيها وفي مفتاح كنوز السنة على ما يلي : ـ

(1) البخاري لم يخرج هذا الحديث بشقيه ، كما هو في المعجم المفهرس أخرجه عن أبي هريرة فيه نقص كبير عن حديث مسلم  رغم أنَّ صحيحه فيه الكتاب رقم [ 82 ] مع العلم بأنَّ المراد من كلمة كتاب { القسم } في موضوع القدر خاصة ، وبلغ مجموع أبوابه [ 16 ] بابا وعدد أحاديثه المتصلة السند [ 27 ] ، وفيه عدد من الأحاديث المعلقة ، عدا عن عناوين الأبواب ، والسؤال هو لماذا لم يخرجه البخاري ؟ ورغم هذا العدد من الأحاديث عند البخاري لا توجد جملة : وأنْ تؤمن بالقدر خيره وشره . أو قول : من الله تعالى . مجتمعتين أو كل على انفراد .

(2) كتاب موطأ مالك : فيه الكتاب رقم [46] بعنوان كتاب القدر ، وأبوابه بابان وأحاديث البابين بلغت [ 16 ] حديثاً ، بعض هذه الأحاديث بلاغات ، ولا يوجد في موطأ مالك الحديث في شقيه ، أو جزء منه ، فلماذا لم يخرجه مالك أيضاً ؟ .

(3) يلاحظ القارئ أنَّ قصة معبد الجهني ، الْمُدْخَلَةَ على النص عند مسلم ، غيرُ موجودةٍ في مسند أحمد ، رغم تعدد رواة حديث سؤالات جبريل عند أحمد ، ومعلوم أيضا أنَّ أحمد روى حديث عبد الله بن عمر عن أبيه ، ومع هذا فالحديث بشقيه لم يورده أحمد في مسند عمر بن الخطاب ، ما ورد عند أحمد قول يحيى بن يعمر لابن عمر : [ إنَّ عندنا رجالا يزعمون أنَّ الأمر بأيديهم ، فإنْ شاءوا عملوا ، وإنْ شاءوا لم يعملوا ، أليس هذا القول بـهذا المنطوق  وبـهذه الصورة ، يعني استنكارا للقول بالفعل الإنساني الاختياري ، من قبل ناقلي صورة الرجال الذين عندهم ؟ فيكون القولُ دالاً على الجبر ! وفي نـهاية تعداد المواضيع الإيمانية تأتي عبارة {والقدر كله} وليس فيه عبارة خيره وشره وعبارة من الله .

(4) ما يصرح به نص الحديث في مسلم هو : وتؤمن بالقدر خيره وشره ، فأين هو موضوع العلم الأزلي السابق ، الشمولي للكونيات والشرعيات من جهة ؟ وأين هي المقولة المتداولة التي تضيف { من الله تعالى } ؟ وهل توصف المعاصي بأنـها شرٌّ أوقعه الله تعالى ؟ .

(5) في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، لم يرد ظهور جبريل بصورة رجل ، يُعَلِّمُ المسلمين دينهم ، ولا ظهور القائلين لا قَدَرَ ، أو معبد الجهني ، وإنما ورد أنَّ رسول الله قال : لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره .

(6) نص حديث جابر بن سُمرة هو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاث أخاف على أمتي : الاستسقاء بالأنواء ، وحيف السلطان ، وتكذيب بالقدر .

(7) نَصَّ حديث زيد بن ثابت : والنص عن أبي بن كعب : ويذكر في آخر الحديث أن ابنَّ الديلمي ، سأل  أيضا حذيفة وابن مسعود فقالوا : مثل قول أُبي وأتى زيد بن ثابت فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، يقول النص : حدثنا وهب بن خالد {هو الحمصي} عن ابن الديلمي قال لقيت أبي بن كعب فقلت يا أبا المنذر وقع في نفسي شيء من القدر فَحَدِّثْني بشيء لعله يذهب من قلبي ، قال : لو أنَّ الله عذب أهل سماواته ، وأهل أرضه  لعذبـهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ، ولو أنفقت جبل أحد ذهباً في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر ، وتعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، ولو متَّ على غير ذلك لدخلت النار . وفي ص [ 185 / 5] من المسند يصرح زيد بأن الكلام السابق بتمامه دون نقص ، هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ص [ 189 / 5] هو نفس النص في ص [ 182 / 5] .

(8) في ص [ 317/5 ] من المسند ، يرد حديثان عن عبادة بن الصامت ، والحديثان هما وصية عبادة لابنه ، قال عبادة في مرض موته : [ يا بني أنك لن تطعم طعم الإيمان ، ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى ، حتى تؤمن بالقدر خيره وشره ، ويتسائل ابنه كيف لي أنْ أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال [ عبادة ] : تعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، يا بُنَيَّ ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم ، ثمَّ قال ! أكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ، يا بُنَيَّ إنْ مُتَّ ولستَ على ذلك دخلتَ النار ، وفي الحديث المكرر نفس المعاني ، إلاّ أنه في الحديث الأول ، الوصية على لسان عبادة مباشرة ، بينما في الثاني  أنه سمع ابن عبادة الوليد  وصية أبيه ، في سند فيه ابن لـهيعة ، وليس في الوصية إنْ مت الخ  . وهذا الحديث يدل على أنَّ الكتابة مخلوقة بعد القلم ، والقلم أول الخلق ، وهو يدل أنَّ الكتابة للكونيات ، وكتابة الكونيات حادثة بعد القلم ، فإذا كانت الكونيات مكتوبة بالقلم المخلوق ، فكيف أدخلت الشرعيات بالكتابة ؟ .

(9) حديث أبي الدرداء قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر .

(10) حديث أبي داود هو عين حديث مسلم / أي حديث يحيى بن يعمر عن ابن عمر .

(11) يُلفتُ النظر ، أنَّ أمهات كتب الحديث ، لم تبوب لموضوع عنوانه [علم الله] ، فكتاب العلم في البخاري ك 3 ، موضوعه تحصيل المكلف المعرفة ، وعند البخاري كتاب بعنوان القدر ك 82 ، وعند مسلم العلم ك 47 ، والقدر ك 46 ، بعين مراد البخاري ، ومثل ذلك تماما في موطأ مالك ، ك 46 القدر ، و ك 59 العلم ،  وفي سنن الترمذي القدر ك 30 ، والعلم ك 39 ، ويرد القدر فقط في الباب العاشر من المقدمة عند ابن ماجة ، ويرد العلم فقط في سنن أبي داود ، ولا يرد الموضوعان في سنن النسائي ، فالقدر موضوعه خلق أفعال المكلفين بقدرة التمكين المخلوقة فيهم ، وليس موضوعه علم الله  .

في العودة إلى تعليق لي قبل سنوات ، على باب القدر في صحيح سنن ابن ماجة ، وهو كتاب جرى فيه الحكم على الحديث الواحد بكلمة واحدة ، من قبل الألباني ، مع الاكتفاء من حيث السند بالصحابي ، وقد قام الألباني بـهذا العمل بعقد إجارة بينه وبين مكتب التربية العربي لدول الخليج ، وهذا هو التعليق : [ هذه الأحاديث جزء من مادة الصراع حول موضوع القدر ، إنَّ موضوع القدر ليس موضوعاً يفهم من خلال النص ، بل هو موضوع يقع الحس على مدلوله ، هو خلق العباد لأفعالهم ، ولا يمكن للنص أنْ يكون في موضع المخالفة لما يقع العقل على مدلوله ، { والأغلب } أنَّ هذه النصوص موضوعة ، وضعها علماء السلاطين أصحاب الهوى ، والأغراض ، لتسويغ تصرفات الحكام الجائرة باسم القدر ، إنَّ دعوى أنَّ معنى القدر هو العلم ، لا يثبت من ناحية اللسان العربي ! .

وقفة ضرورية تتضمن الأبحاث التالية : ـ

بحث في دلالة هذه الأحاديث

بحث في معبد الجهني

بحث في يحيى بن يعمر

بحث في ترويج معاني الأحاديث

(1) بحث في دلالة هذه الأحاديث . هل معنى هذه الأحاديث أنَّ الله عالم بعلم أزلي ؟ وكلمة أزل لم ترد في القرآن البتة ، ولا في هذه الأحاديث . هل في القرآن وهذه الأحاديث أنَّ الله يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وما يعلم أنه يقع لا بد أنْ يقع ، وأنه لا يقع شيء إلاَّ مما علمه  إذا كانت هذه الجمل لا تعني الجبر فما هو الجبر ؟ ما معنى كلمة الأزل والأزلي ؟ أليس معناهما {القديم} أي واجب الوجود ؟ أي ما ليس له بداية هل كلمة أزلي وصف لعلم الله ؟ فهل علم الله هو الله ؟ أو كان الله وكان معه العلم ؟ المشكلة في مدلول كلمة علم إذا كان علم الله هو الله ، وعلم الله مفردات مثل مفردة : سيؤسس الشيخ تقي الدين النبهاني حزباً  يسميه حزب التحرير ، وهذه المفردة هي من علم الله الأزلي - على حد قولهم - وهذه المفردة من حيث هي من علم الله الأزلي ، فهي غير مخلوقة ، وهي لا بد أن تقع ، ولا يمكن أنْ يقع غيرها ، فهي مخلوقة من حيث الوقوع ، وغير مخلوقة من حيث كونـها مفردة من مفردات علم الله ، المعلومة سابقة على المفعولية ، والمعلومة جزء من علم كلي شمولي ، وحين وقوع المفعولية لا بد أنْ يصاحب المعلومة تغير مِنْ {سيؤسس منذ الأزل} إلى {أسس عام 1951 م} هل تبقى المعلومة هي ؟ أم تتغير تبعا لتغير واقعها ؟ العقل السني الكسول المتبلد المقلد {العقل الحافظ} أو {العقل المقلد} عاجز عن الفهم ، ولهذا لا يعيد البحث والنظر  ليحدد أفكاره تحديدا جلياً ، فيكون الفكر عنده نقيا ، لا تخالطه الشوائب ، وصافيا من الغبش واللبس والتمييع ، مبلورا واضحا كل الوضوح ، حيا قابلا للإنشاء والارتقاء ، ومن هنا تصعب مهمة إعادة بناء عقل الأمة ، واستئناف الحياة الإسلامية فتتحقق رسالتها الخيرة في الأرض ، وللعلم فإن عقل حزب التحرير ، في قيادتيه ، وفي لجنة المحافظة عليه ، وغير ذلك من تشظيات وتشرذم ، هو عقل سني ، تراوح بين الأسطوري والتسليمي ، على مثل إيمان العجائز ، والسطحي الساذج ، والحالم المنتظر ، والتنويري الذاتي المتمدح بذاته وبالحزب ويجعل الحزب مَرْكَباً لذاته ، ومنهم المعقد ، والديني الفردي المهتم بنسك العبادات والهيئات ، والمتعالي المترفع ، وقد أعاد مؤسس حزب التحرير طرح أفكار أهل السنة ، دون أنْ يخبر شبابه أنَّ هذه الأفكار هي أفكار أهل السنة والجماعة ، فظنوا إنـها من إبداعات الشيخ ، ورغم ديناميكية المؤسس بقي مجمل الكتلة كسولا بليدا ، ولذلك فقدوا القدرة على التأثير .

سعت مضامين أحاديث القدر إلى هز المسئولية الإنسانية من جهة ، وتفريغ محتوى وعد الله ووعيده ، بحجة القدر المقدور منذ الأزل من جهة ثانية ، ولاحظ أيها القارئ الكريم منطوق الأحاديث : { أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك } وهم لا يقصدون المصائب ، من جدب ، وقحط ، وإعصار ، وزلازل ، وبراكين ، وعواصف وهذه كلها حادثة خلقها الله بعد أنْ لم تكن بكونه فعَّال لما يريد ولا يقال خلقها لكونه عالما بـها منذ الأزل  ، وهم مع هذا يقصدون من القدر أعمال الله الكونية وأعمال التكليف : من إيمان وطاعات ، والنقيض الكفر والعصيان .

أهل السنة والجماعة مصطلح متأخر ، إذ يراد به الأشاعرة والماتريدية ، وشيخا الأشاعرة والماتريدية هما من علماء القرن الرابع الهجري ، فلابد من الانتباه لهذه الملاحظة .

(2) بحث في معبد الجهني . من هو معبد الجهني ؟ لماذا الحملة الشديدة عليه ؟ هل يستدعي قوله في القدر هذه الحملة ؟ من أعطى قول واجتهاد خصوم معبد صفة الحق المطلق ؟ أنطقت النصوص لصالحهم حتى بعد التدخل الظاهر فيها ؟ .

معبد الجهني : هو معبد بن عبد الله ، ويقال بن خالد بن عليم ، ويقال عكيم ، ويقال عويم الجهني البصري ، وغير ذلك ، لا يعرف تاريخ ولادته ، مات مقتولا سنة 80 هـ أول من قال بالقدر في البصرة[ هكذا دعوة خصومه ] ، سمع الحديث من ابن عباس والحسن بن علي ، وابن عمر ، ويزيد بن عميرة الزبيدي ، والحارث بن عبد الله الجهني وحمران مولى عثمان ، ومعاوية ، وعمران بن حصين ، ويقال مرسل ، وأرسل عن عمر وعثمان ، وحذيفة بن اليمان ، والصعب بن جثامة ، روى عنه الحسن البصري ، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وقتادة ، ويزيد بن رفيع ، ومالك بن دينار ، ومعاوية بن قرة ، و عبد الله بن فيروز الداناج { ابن الديلمي } وابن عوف .

من الملاحظ أنَّ الناقلين عنه كلهم من القائلين بالعدل حسب مفهوم المعتزلة للعدل .

حياته : حضر يوم التحكيم ، وانتقل من البصرة إلى المدينة ، فنشر فيها مذهبه في القدر ، { أي أنَّ المكلفين على الخيار } وعنه أخذ غيلان الدمشقي المشهور ، خرج مع ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف ، فجرح ، فأقام بمكة ، فقتله الحجاج صبراً ، بعد أنْ عذبه وقيل صلبه عبد الملك بن مروان ، بدمشق على القول بالقدر ثم قتله .

شذرات من مواقفه : قالت أمه للحسن : لقد شهدت ابني في الناس يقول : القول بالعدل وحكي أنَّ الحجاج أرسل إلى معبد الجهني ، وأخرجه من الحبس ـ وكان يطعمه خبز الشعير والكراث والملح ـ قال له الحجاج : يا معبد كيف ترى قِسْمَ الله لك ؟ ! قال : يا حجاج خلِّ بيني وبين قِسْمِ الله ! فإنْ لم يكن لي قِسْمٌ إلاَّ هذا رضيت به . فقال له : يا معبد أليس قُيِّدَّتَ بقضاء الله ؟ قال : يا حجاج ما رأيت أحداً قيدني غيرُك ، فأطلق قيدي فإنْ أدخلني قضاء الله رضيت به .

لماذا الحملة الشديدة عليه ؟ وهو من جيل التابعين ، مع انه وإن لحق بعض الصحابة ، إلا أنه حسب اعتبار الجيل 40 سنة ، من آخر جيل التابعين ، إن كان حساب الجيل من الهجرة ، وهو من أوائل جيل تابعي التابعين ، إذا كان حساب الجيل من بداية النبوة ، وهذا هو الأرجح . لا يشك أحد من المسلمين من كون الله عالماً لا يجهل ، وإنه علاَّم الغيوب ، وإنه عليم ، وإنه عالم الغيب والشهادة ، ومع الشهادة لمعبد بأنه ثقة في الحديث ، من قبل علماء جرح مشهورين ليسوا من أهل القول بالقدر ، كابن معين وأبي حاتم والعجلي والدارقطني ، إلاَّ أنّ جملة علماء الحديث صبوا جام غضبهم عليه ، لقوله بالقدر ، مع نفي معنى التقدير الأزلي .

مشكلة القدر أنـها ليست بحثاً من الأبحاث النظرية فقط ، بل للقدر توظيف معين ، هذا التوظيف هو تسويغ المظالم ، وخاصة مظالم الحكام عند القائلين بالجبر ، استنادا إلى علم الله الشمولي الأزلي للكونيات والشرعيات ، ولذلك يؤكد الشيخ تقي الدين النبهاني تبعاً لشيوخ الأشاعرة أنَّ الله يعلم الأشياء قبل وقوعها وما يعلم أنه يقع لا بد أنْ يقع  وأنه لا يقع شيء إلاَّ مما علمه ، تلك هي وظيفة العلم الشمولي الأزلي ، وإذ رفض معبد هذا التسويغ ، لأنَّ الله جعل المكلف في محل القدرة في لحظة التلبس بالفعل قادرا على الفعل والترك ، وهذا يعني أن ليس علماً أزليا جبره على الفعل ، أو كشف اختياره  {تسويغ حزب التحرير للجبر} ، شنَّ علماء السلاطين وعلماؤهم الحملة على معبد ، وأخيرا قتلوه صبرا ، وصلبوه ! ولا يزال أتباعهم يشوهون تاريخه ، كما شوهه أحبارُهُم من قبلُ ! . واليوم إذ يشبه البارحة ، يقوم أعضاء كانوا في حزب التحرير ، أو هم أعضاء الآن في حزب التحرير ، بشن هجوم على من أعاد بلورة موضوع القدر ، وعلاقته بكون الله عالما ، وعلاقة الموضوعين بالجبر والاختيار .

هل يستدعي قول معبد بالقدر هذه الحملة الظالمة ؟ وهل يجوز لعلماء أهل السنة والجماعة الكذب ضده ، وتشويه صورته ؟ ألم يسجن ويعذب في سجنه ، ويقتل ويصلب بعد ذلك ؟ .   القضية : أنَّ معبدَ عدلي ، وأنَّ الظلم عنده فعل قبيح ، وعند العدليين الله لا يفعل القبيح ، ولم يُقْدِّرْهُ ، ولا يُريدُهُ ، والله لم يُقَدِّرْ فعلَ الإنسان ، بل قَدَّرَ فيه الاختيار ، وجعله مكلفاً فإنْ فعل الحـَسَنَ فباختياره ، وإنْ فعل السوء فباختياره ، هذا هو فهم معبد للقدر ، وبالتالي ففهمه للقدر يسحب البساط من تحت الظلمة ، وأعوانـهم ، وعلمائهم ، من هنا كانت الحملة الشديدة عليه ! .

من أعطى قول واجتهاد خصوم معبد صفة الحق المطلق ؟ الإسلام إيمانيات [ عقائد ] والإسلام أفكار [ أصول وتعريفات وقواعد ] ، والإسلام أوامـر ونـواهي [ أحكام عملية ] تشمل العبادات والمعاملات والبينات والعقوبات ، وينتج عن اتباع الإسلام سجايا خلقية رفيعة ، والإسلام [ رحمة ومصلحة ] ، والإسلام تكليف للعقلاء القادرين ، والإسلام في أدلته ميدان فكري ، يتسع للفهم والاجتهاد في النوازل ، وهما أي الفهم والاجتهاد يسيران وفق منهج منضبط بالدليل ، على المسألة المعينة في قضايا الإيمان والأفكار ، وفي أنَّ النص يحوي المسألة المعينة في الأحكام ، مع تنـزيل الحكم على الواقع [ الناحية العملية ] وفي المواقف السياسية يرتبط الفعل في فن الممكن ، ولهذا فالفعل السياسي اشدها تعقيداً . ذلك هو الإسلام ، ويعلم ويفهم من خلال فهم الواقع [ المناط ] ، المراد بكلمة المناط فهم الشيء من حيث وجوده ، وصفته لإصدار الحكم العقلي عليه ، إذ الحكم على الشيء لا يكون إلاَّ عقليا ، بخلاف الحكم على الفعل من حيث الإيجاب والسلب ، أي من حيث الفعل أو الترك [ الأمر بالفعل والنهي عنه ] فله موازين تحددها وجهة النظر ، فمعايير المسلمين تختلف عن معايير غيرهم ، وقضية القدر [ أفعال العباد ] تتبع معايير العقل ، ولا يصح أنْ تستخرج من الوحي ، إذ لموضوع القدر [ أفعال العباد ] واقع يوضع الإصبع على مدلوله ، والواضح الآن ، أنَّ كل أحاديث القدر هي أحاديث موضوعة ، ودواعي وضعها ، هو الصراع السياسي ، على تسويغ أو عدم تسويغ ، الجور والمظالم والفسوق ، والعصيان ، فخصوم معبد  تسلحوا بنصوص موضوعة غالبا ، أو صحيحة لكن حدث اعوجاج في زيادة مبنى النص ، أو في طريقة فهمه ، لإعطاء قولهم صفة الحق المطلق ، ومع ذلك فإنَّ النصوص التي صاحبتها دعوى ، أنَّ الرسول قائلها  بل جبريل ذاتا تمثل برجل ، لِيُعُلِّمَهَا مباشرةً لفريق من الصحابة  لا يُعْرَفُ منه واحدٌ ، غيرَ عمرَ بن الخطاب ، على ذمة الراوي عن عبد الله بن عمر هذا من جهة فإنـها لا تصرح بمفهوم الجبر أو الكسب أو أنَّ الله خالق لفعل الإنسان  والإنسان فاعله أيضا ، ومن جهة أخرى فرغم كل الاهتمام بقيت المسألة في دائرة الإبْهام  ومحل النـزاع والأخذ والرد .

(3) بحث في يحيى بن يعمر . من هو يحيى بن يعمر ؟ كيف يتأكد للقارئ أنَّ يحيى بن يعمر أشغل ذهنه فعلا في مقالة معبد ؟ : [ لا قدر ] أي لا كتابة سابقة منذ الأزل بصورة أخرى أي لا جبر هل يعني ذلك أنَّ يحيى بن يعمر جبري ؟ على القارئ ملاحظة هذه التواريخ : عبدالله بن عمر مات سنة 73 هـ معبد الجهني قُتل سنة 80 هـ يحيى بن يعمر مات سنة 129 هـ ماذا تعني هذه التواريخ ؟ تعني أن مشكلة القدر حدثت قبل 73 هـ لماذا أثيرت قضية القدر ؟ هل كانت أحاديث القدر الكثيرة جدا ! غير معلومة ليحيى بن يعمر ، وصاحبه حميد بن عبد الرحمن الحميري ، وأهل البصرة ؟ لماذا انتشر واسعا مذهب القدرية في البصرة ؟ هل أدار أهل البصرة الظهر لرأي ابن عمر مبكراً ؟

يحيى بن يعمر الوشقي العدواني ، أبو سليمان الجدلي ! من أهل العربية والنحو ، أخذ اللغة عن أبيه ، والنحو عن أبي الأسود الدؤلي ، ولد بالأهواز ، وسكن البصرة ، أول من نَقَّطَ المصاحف ، وتشيع لأهل البيت ، صحب يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، وكان كاتب رسائله ، فأعجب به الحجاج ، فطلبه من يزيد فجاءه إلى العراق ، وحادثه فلم تُرضِ الحجاجَ صراحتُهُ ! نفاه الحجاج إلى مرو ، فتولى القضاء فيها أيام ولاية قتيبة بن مسلم ، ثم عزله بتهمة إدمان النبيذ ، عدَّه أبو القاسم البلخي من معتزلة أهل البصرة .

بلغت الأحاديث التي مرت عن طريقه إلى الصحابي كما يلي البخاري (5) مسلم (4) الترمذي (1) ابن ماجة (1) أبو داود (6) مسند أحمد (11) عدا الأحاديث المتكررة عند المحدثين والمشتركة بينهم  .

نقاط تحت المجهر

في حياة يحيى بن يعمر

يحيى بن يعمر بصري ، وأهل البصرة مشهورون بالقول بالقدر .

متشيع باعتدال لأهل البيت ، والمتشيعة المعتدلة هم عدليون قبل ظهور اسم المعتزلة .

لم يرض عنه الحجاج فنفاه ! فهل نفاه لقوله بالجبر ؟

ولاه قتيبة بن مسلم القضاء ثم عزله ! وهذه تكشف أمرين أنه على رأي أهل الكوفة بالمصنف ، والثاني أنه لا يمكن التسليم بأنَّ عزله تم على شربه المصنف ، بل لأن القائلين بشرب المصنف على الجملة ليسوا في محل التأييد لسلطة الظالمين .وُصف في تـهذيب التهذيب بأنَّه جدلي ، والجدليون اسم لأهل علم الكلام في بداية التكوين ، والظاهر من مدونة حياته أنه فقيه وجدلي ، وليس من أهل الحديث . إضافة للفقه والجدل فهو من أهل اللغة ، وأهل اللغة خاصة الأوائل هم من العدليين .

يدون تـهذيب التهذيب أنَّ الستة أخرجوا حديثه ، وأنه راوٍ عن عدد من كبار الصحابة ويعدهم تهذيب التهذيب كما يلي : عثمان ، علي ، عمار ، أبو ذر ، أبو هريرة ، أبو موسى الأشعري ، عائشة ، سليمان بن صرد ، ابن عباس ، ابن عمر ، جابر ، أبو الأسود الدؤلي وغيرهم

ما يظهر من نقاط تحت المجهر أنَّ تحميل يحيى بن يعمر هذا التساؤل عن القدر ، لتحويله إلى مفهوم الجبر عملية مطلوبة ، إذ المراد التشكيك في مفهوم الاختيار من داخل بيت القائلين به ، وقد أتقن أهل التشبيه والجبر هذه الصنعة ، وهي ظاهرة في أكثر من حديث .

(4) بحث في الدواعي لترويج معنى أحاديث القدر : ذكر القرآن الكريم كلمة { قَدَرٍ } بتنوين الكسر سبع مرات ، وباستعراضها كلها يظهر أنَّ معناها الكمية ، وكلمة { قَدَراً } مرة واحدة ، وكلمة { قَدَرُ } مضافة إلى هاء الغائب المفرد مرتين  ،وورد فيه تصاريف واشتقاقات متعددة من كلمة قدر ، وكلمة قدر ذات معان عدة كلها تعود إلى القدرة والتقدير ، والفعل الواقع على وجه الإحكام ، فمن أين جعل أهل السنة والجماعة معناها العلم السابق الأزلي والتسجيل الشامل ؟ وهذا التسجيل هل هو من الأزل ؟ لا بد من جواب شافٍ عن السؤالين ، والابتعاد عن الضلالات والجهالات .

أما و قد شُرِّعت الجهالات ، في موضوع أن الله عالم ، و انفتح باب الضلالات وحدث في الموضوع ،و حوله رجرجةٌ في القناعات ، وإذ الجدل لا يسير وفق نهج للفهم ، بل يعتمد على الذات المتعظمة ، و الموروث المسبق ، و المواضيع الجزئية ، والذرية ،التي لا تنطق بمفهوم أو مقولة ، متعلقة بعلم أزلي ، أو سابق ، بل هي آيات وعد و وعيد و شرط ، و هي تستعمل مجرد عائق ، لحركة تفكير كلية أصيلة ، تنتقل من الأصل إلى الفرع ، وليس بجعل الفرع ناقضا للأصل ، فان المراد من هذه النقاط إعطاء معالم و إشارات و نقاط ، لتقف الذات معها ، بديلاً عن سير و جدل ، لا يظهر فيه أنه سعيٌ حثيث للمعرفة ، و طلب الحق ، بل هو مجرد حالة سجالية سيئة مثل أي حالة سجالية ، موجودة في المجتمع الآن .

من المعلوم عند كل عدلي ، بل  عند كل من له معرفة بالـفرق الإسلامية ، أنَّ المعتـزلة ومعهم الزيدية رافضان للقول بأن الله عالم بعلمٍ ، لأن العلم وهو اسم معنى يقع على مدلوله ، فلا يجوز بحق ذات الله ، لان الله ليس مفتقراً لأي اسم من أسماء المعاني ، الموضوعة أصلا للمعنى أي المصادر مثل : قدرة ، وعلم ، وحياة ، وسمع ، وبصر ، ولذلك كان العدليون موضع التنديد لأنَّـهم يمنعون إطلاق : أنَّ الله قادر بقدرة ، أو عالم بعلم ، أو حي بحياة ، أو سميع بسمع ، أو بصير ببصر ، أو فاعل بحركة ، أو متكلم بحرف و صوت ، أو موجود في سياق الزمان ، والمكان ومع كل هذا الوضوح ، و مع كل الاتـهامات للعدلية بأنـهم معطلة لصفات الذات ، في باب الصفات والأفعال ، وإنْ كان الاتـهاميون لوجود قول للمعتزلة المتأخرين ، من أنَّ الله عالم فيما لا يزال ، وأنَّه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصح أنْ تعلم عليها ، ومع أنَّ العبارة ليس من منطوقها إنَّه عالم بعلم ، أو عالم بمعلومات أزلية ، إلا أنَّ خصوم المعتزلة ، قبلوا هذه العبارة في صورة لازمة في الذهن عندهم ، أي أنَّ معناها اللازم ، إن الله عالم بعلم ، أمَّا ما هو هذا العلم فالأمر لا يعنيهم .

إنَّ الإيمان بأن الله عالمٌ ، لم يُستمدَّ من النصوص القرآنية أو غيرها ، إذ الخبر من حيث هو خبرٌ يمكن أن يكون صدقاً أو كذباً ، ولا يمكن الاستدلال بالنصوص القرآنية ، قبل إثبات التوحيد والعدل العقليين ، فالإيمان بأن الله عالمٌ ، حجتهُ استدلالية ، من خلال النظر في الكون ، فيعلم أن وقوع الفعل منه تعالى جاء على وجه الاتساق والإحكام ، فالله عالم لصحة وقوع الفعل منه على وجه الاتساق والإحكام ، إذ النص ليس مصدر إثبات أن الله عالم ، بل هو من الاستدلال العقلي المحض .

ولا يقال أن الزلازل ، و البراكين ، و العواصف ، و الحيوانات المؤذية ، والأمراض  و تشويه صورة بعض من الإنسان ، و الآلام الحاصلة للمرضى ، ووجود المجانين ، وموت الأطفال بالمرض ، وافتراس الوحوش للبهائم الوديعة ، هي أفعال ليست على مقتضى الحكمة ، بناءاً على ظاهرها ، والحقيقة أنها على مقتضى الحكمة ، للاعتبار فيها و منها ، وللثواب العظيم الذي يحصل للمكلف على سبيل العوض ، والإنسان يعلم من نفسه أنه راغب بتحمل الصعوبات ، والمشاق ومعاناة الألم ، في سبيل محمدة في الدنيا ، أو منفعة زائلة ، فإذا نُفي عن فعل الله العبث ، أدرك المكلف ، أن أفعال الله تحصل على مقتضى الحكمة ، و لهذا فأفعاله تعالى واقعة على وجه الاتساق و الإحكام ، و ما يرى غير ذلك ، فهو على وجه الألطاف للاعتبار والعوض ، وهي بـهذا الوصف تَحْسُنُ.

تلك هي الصورة الضرورية ، لوجود إدراك لبنية تحتية ـ أي معلومات ـ يتمكن بـها من إدراك معنى أنَّ الله عالم ، وعدم جواز القول بان الله عالم بمعلومات بما سيكون ، وبما هو كائن وكيف يكون حين يكون ، منذ الأزل أي القول بعلم سابق .

النقاط

لقد انشطر الرأي في معنى أن الله عالم ، في العديد من الحدود و التعريفات ها هي :

* إثبات العلم القديم الأزلي الشامل للكونيات و الشرعيات .

* تؤكد الدوسية بعد إيراد آيات القدر { أنها كلها جاءت للدلالة على أنَّ الله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها وما يعلم أنَّهُ يقع لا بد أنْ يقع وأنَّهُ لا يقع شيء إلاَّ مما علمه .{ المطلوب من القارئ الكريم التمعن والتدبر بالجمل الثلاث التي تحتها خط } .

* أو إثبات العلم الحصولي أو الاكتسابي ، أي حصول علم الله بسبب الأشياء و الوقائع والحوادث لوجودها ، وهذا لا يجوز بحق الله تعالى .

* أو إثبات العلم المحيط بالأشياء ، والوقائع ، والحوادث ، على ما هي عليه في ذاتـها  على الإحاطة ، و الإحاطة تقتضي فك المكان و الزمان عنها .

* أو وجود علم سابق بالأشياء ، والوقائع ، والحوادث ، مع عدم وجودها ، مع نفي أن الله عالم بعلم ، وهو من القول المتناقض ، لأن المنفي هو عين المثبت .

* إنَّ الله عالم بالمعدومات ، ومع كونها معدومات إلا أنـها أشياء ، أي إثبات شيئية المعدوم و هو إثبات غير مفهوم .

* المعتزلة هي القائلة بشيئية المعدوم وإذ هذه الرسالة تنتمي لفكر المعتزلة فقد ظن بعض شباب المعتزلة بأنَّ القول السابق متضمن نفيا لشيئية المعدوم مع أنَّ النفي متوجه لنفي إدراك شيئية المعدوم من قبل العقل الإنساني لأن شيئية المعدوم من دقيق الكلام.

* البحث بشيئية المعدوم ليست بحثا بالعدم المطلق الذي لا يكون أبدا وليس بحثا بما يفعله المكلف بل هو بحث بالمعلوم قبل وجوده مثل يوم الدين فكونه معلوما يعني أنه شيءٌ.

* العلم بالكليات دون الجزئيات ، أي العلم بالقوانين العامة ، والسنن الكونية الكلية  والحقائق الإنسانية النفسية ، و هذا يعني أن الله عالم بأنه خلق الإنسان  مختاراً ، أما استعمال اختياره على هذا الوجه أو ذاك الوجه ، فيعلم بعلم الإحاطة لوقوعه ، وليس بعلم أزلي أو اكتسابي .

* المعتزلة تثبت معنى أنّ الله سميع أي بالمسموعات ، وبصير بالمبصرات ، أي أنّ الله مدرك للمسموعات والمبصرات ، لكونـها مسموعات ومبصرات ، ولا يقال سميع بالمسموعات ولامسموع ، وبصير بالمبصرات ولا مبصر .

* يبنى على معنى سميع وبصير كما مر ، بأنه عليم بالمعلومات ، والمعلوم موجود وقبل وجود المعلومات هو عالم لا يجهل ، أي يعلم الأشياء والوقائع والحوادث ، على ما هي عليه في ذاتـها ، وهو عالم لا يجهل وليس لأنه يعلم معلومات عنها ، وهذا معنى { بديع }.

* ما يفهم من مقولات الرافضين لعلم الإحاطة ، أن الله عالم بما سيكون من أشياء و وقائع و حوادث بكل تفصيلاتـها و جزئياتـها ـ أي بما سيكون كيف يكون ـ واللازم من ذلك أن الله عالم بعلم هو مجموع المعلومات ، و لا بد من تفسير لكيف أن هذا لا يكشف عن أن الله مجبور لمعلوماته ، والإنسان  مجبور لمعلومات الله ، و هذا يناقض معنى الألوهية  ويتعارض مع العدل ، وخلق أفعال العباد من قبلهم ، و خلق الله لكلامه .

* إن معنى أن الله واجب الوجود أو صمد أي مصدر الوجود ـ أي قديم أو أزلي ـ مع التحفظ على قديم وأزلي ، وإنه عالم بما هو كائن ، وبما سيكون ، وكيف يكون ، وهذه التي تعدت إلى (ما) ، هي معلومات شاملة للكونيات و الشرعيات ، و هذا يعني أن الله  مريد لها أن  تكون في وصف معلوم ومكان محدد ، وزمن معين ، فهل تتحول هذه إلى أشياء و وقائع و حوادث بإرادة لله واحدة  قديمة ؟ أو تحدث بإرادات حادثة ؟ لابد من تفسير لهذا ! .

* المسلمون مختلفون في معنى الإرادة ، والحق أن الله تعالى مريد ، وإرادة الله عند أهل العدل تقع على دلالتين : الإرادة الكونية ، وهي تعني تحقق فعل الله الكوني بلا فصل زمني بين كونه مريدا ، وكونه فاعلا على مقتضى الحكمة ، لا على العبث ، ولا على جلب المنافع لذاته ، ولا على دفع  المضار عن ذاته ، فهو الغني ، والدلالة الثانية : هي الإرادة الشرعية وهي كونه آمرا ناهيا ، وهنا يقع في ملكه ما لا يريد ، ممن خلقهم مكلفين مختارين ، وهم الثقلان ، لا عن عجز يفعلون ما لا يريد ، بل بالتخلية ، ولا يقال أنَّ هده التخلية تعني أنه يريد الكفر والفسوق والعصيان ، بل التخلية هي على مقتضى حكمة التكليف.

* إنَّ الأشاعرة منسجمون مع أنفسهم ـ أي ليس انسجاما مع الموضوع ـ حينما قالوا : انه عالم بعلم أزلي ، لا هو ! هو ! و لا هو غيره ! بل هو علمه الكلي الشامل ، الذي يترتب عليه ، إنَّه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها ، و ما يعلم أنَّه يقع لا بد أنْ يقع ، و أنَّه لا يقع شيء إلا ما علمه ، و لهذا من الطبيعي أنْ يـعمـد الأشاعرة ، لرفض الأسباب الفاعلة  وخلق التمكين ، و الاستطاعة قبل الفعل ، وإنكار وقوع الهداية و الطاعة من قبل المهتدين الطائعين ، أو وقوع الكفر و العصيان من قبل الكافرين والعاصين ، بل كُلَّهُ خلقٌ له تعالى  وهذا هو الجبر الصريح .

* إنَّ القائلين بالعدل و التكليف و الاختيار ليسوا في محل بناء عمارة منسقة متسقة متماسكة ، إذا قالوا بأن الله عالم من الأزل ، أو بعلم سابق بكل الأشياء و الوقائع و الحوادث قبل أنْ تكون ، وكيف ستكون ، إذ في الأمر تناقض واضح ، فالأمر معلوم قبل وجوده  ويقع مطابقاً للعلم السابق ، و أي قيمة للاختيار بقيت ؟ ! إلا تمحل الاختيار المطابق للعلم السابق .

* إنَّ الزمان ليس زماناً ذهنياً ، بل هو زمان نسبي ، له وجود مع المنسوب إليه ، فلا مادة ولا طاقة إلا و لها { زمكانها } الخاص ، وهو موجود مع وجودها ، على أنَّ جعلَ الزمان ذهنيا ، فهو أمر غير مفهوم ، فهل يكون المكان حالة ذهنية ثانية ؟ فيكون الزمكان في شقيه مجرد حالة ذهنية ، و لعدم وجود ذهن مشترك ، بل هو ذهن فردي . فهل يقال إنَّ آدم موجود لمجرد الوعي الذهني بزمانه ، أو هو موجود بسبب زمانه هو و في مكانه هو .

الزمكان كلمة منحوتة من كلمتي الزمان والمكان

محاولة الاستناد للقرآن الكريم في إثبات مجرد علم ، أو علم أزلي ، أو علم سابق  بالادعاء بوجود ذلك في القرآن الكريم ، هو مجرد أقوال لا سند لها ، إذ  قضايا القرآن الخبرية لا تعدو أنْ تكون من القصص ، و هذه أمور سابقة على نبوة محمد ـ صلوات الله عليه ـ أي هي حوادث ماضية ، و الادعاء بان أهل الكتاب ـ أي النبوات السابقة ـ أخبروا بأخبار مستقبلية ، فهي محمولة على باب الوعد و الوعيد ، وأجلى شيء ما يجده الإنسان من نفسه ، من انه يعد و يتوعد ، و لا يعني وعدُهُ و وعيدُهُ علماً مسبقاً ، بل يجد من نفسه قدرة مسبقة على فعل ما وعد به ، أو توعد عليه ، فالإخبار بالنبي من بعد النبوات محموداً في سيرته وظاهرة النكتة البلاغية في تسميته أحمد ، إذ المراد صفته لا اسمه العلم الذي أطلق عليه ، مع ضرورة ملاحظة العلاقة بين اسم العلم وصفته ، فهو اسم على مسمى خاتماً للنبوات ، هو في باب الوعد المصحوب بالوعيد لمن لا يسير مع هذا النبي ، والإخبار عن يوم الدين هو من باب الوعد و الوعيد أيضا ، و الشرط يدخل في باب الطلب من جهة ، ويدخل في باب الوعد و الوعيد من جهة أخرى ، والاستثناء من باب الوعد إن كان على وجه الثواب ، و من باب الوعيد إن كان على وجه العقاب ، و من باب التكليف إذا كان حصراً ممدوحاً مثل : (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) (العصر: من الآية3) ، و لـهذا صح أنَّ الكتاب كله هدىً يهتدي يه المتقون ، ومن المعلوم أنَّ الكثير من الآيات القرآنية الخبرية فإنـها مساقة مساق الطلب ، و إذا كان باب الوعد و الوعيد مقيداً بقيد ، صح القول بأنه هدى و ليس من الأنواع الإخبارية المجردة  ومثل ذلك القصص ، لما فيها من الاعتبار و الوعد و الوعيد ، و لهذا فليس للقرآن مهمة إخبارية بحتة .

إنَّ أخبار الفتن و الملاحم والتي يلجأ إليها الحديثيون [ أهل الحديث ] رغبة في التثبيط ورغبة في بناء العقل الميثولوجي الأسطوري ، ورغبة في نوال رضى السواد من الناس (العامة) وامتثالاً لرغبة الحكام الظلمة ، لإلـهاء الناس عن الفعل الجاد المفيد ، والتي لجأ إليها أصحاب الهوى في المذاهب و المقولات وأهل الوعظ ، شكلت تحولاً خطيراً و مؤثراً في طريقة التفكير الإسلامي ، فتناحرت المذاهب و أهل المقولات و الفرق و الشيع ، ومع هذا فإن التسليم بوجود بنية خبرية هي الفتن و الملاحم و العلامات ، يعني أنَّ الأمة الإسلامية يجب أنْ تبقى في محل الصدام و التناقض و التشرذم ، فكل بنية خبرية أسسها أصحابـها بطريقة تخدم مذهبهم ومقولاتهم ، وهيهات للزيدي أنْ يقيم الحجة على الإمامي ، وهيهات للزيدي والإمامي أنْ يقيما الحجة على الإسماعيلي ، وهيهات لـهذه الفرق أهل المقالات الشيعية الثلاث ، أنْ تقيم الحجة على أصحاب الدعوى انـهم أهل السنة و الجماعة ، وكذلك الإباضية ، فضلاً عن إنَّ مضمون هذه البنية الخبرية (الفتن و الملاحم) إنما هو الجبرية التاريخية ، وهكذا يقدم  هؤلاء أرضية فكرية و بنية تـحتية للنصارى واليهود بصحة بنيتهم الفكرية ، المستندة على ما يسمى بالإعلانات السرية ، كما هو الحال في سِفْر أشعيا ، وسِفْر حزقيال ، وسِفْر رؤيا يوحنا اللاهوتي و غيرها .

إنَ هذه القراءة و هذا التوضيح لـمعنى أنَّ الله عالم ، استندت إلى الخطبة الغنية الثرية ـ   خطبة واصل بن عطاء المنـزوعة الراء ـ إذ يقول عن ذات الله "فلا يحويه زمان ، و لا يحيط به مكان ، و يقول : "و علا على صفات كل مخلوق ، وتنـزه عن شبيه كل مصنوع ،فلا تبلغه الأوهام ، و لا تحيط به العقول و الأفهام  "أي لا تحيط به ذاتا و لا تحيط بفاعليته فهما بعد إثبات استحالة توهم ذات الله ، فإن أفعاله تحدث على مقتضى الحكمة ، فالله حكيم لا يعبث ، و استندت من ناحية ثانية ، إلى تفسير النظرية النسبية للزمان و المكان ، من أنّهما نسبيان ، فما هو ماضٍ سحيق يمكن أن يكون حاضرا ماثلا ، إذا ما تغير حال الحاكم عليه  على أنّ معنى : (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ )) (الحديد: من الآية3) ـ مع عدم الفصل بين الأول و الآخر ـ تعني أنّ الله تعالى لا يحويه الزمان ، و أنّ قوله تعالى : (( وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ )) (الحديد: من الآية3) ـ معاً بلا فصل بين الكلمتين ـ أنّه لا يحيط به مكان ، فنسبية الزمان والمكان وأنّهما وجودان نسبيان ، فهو أمر مستبطن في أكثر من آية في القرآن الكريم ؛ سبحانه في ألوهيته .

إنّ الإنسان و هو مشدود بوعيه إلى الزمان و المكان ، يعجز عن إدراك معنى عالم على الإحاطة ، ولهذا إذ يعجز عن تفسير معنى الإحاطة ، تراه ينشدُّ إلى معنى العلم الكامل ، كما هو في وعيه وذهنه ، فيلغي الإحاطة ، فيرتبط ذهنه بالعلم الأزلي ، أو العلم السابق الكامل  أو يحاول أنْ يدرك الإحاطة من التعاقب للزمان ؛ و التجاور بالمكان ، فيرتبط وعيه و ذهنه بالعلم الحصولي ، فالأول و الوعي الذهني له انه الأكمل ، والثاني و الوعي الذهني له انه العلم الناقص ، يجعله يميل إلى الأول ، و لو علم أنَّ وعيه و إدراكه الذهني هو إدراك الإنسان  الذي لا ينفك عن الزمكان ، لَعَلِم أنه في محل العجز عن تفكيك معنى الإحاطة ، فالأصل به أنْ يُسَلِّمَ بمعنى الإحاطة ـ كما هو معرفٌ ببداية هذه النقاط ، رافضاً لأزلية العلم أو العلم السابق و نافياً للعلم الحصولي .

إنَّ خطورة العلم الأزلي أو السابق من كونه هادماً لنظرية التكليف من جهة ، ومحولاً ذات الله إلى أنه أسير لعلمه السابق ، فالله في محل العجز في الكونيات من أن يفعل إلا ما قد علمه في الأزل ، ولهذا رأى بعض الناس أي الإمامية أنه و هو منـزه عن أن يكون أسيرا لعلمه ، فقالوا بجواز البَداء على الله تعالى ، وهي تعني أنه بدا لله تعالى أن يفعل غير ما قدره وهذه البداء خطورتـها معروفة ، لأن ظاهرها أنه تعالى يعتريه التردد و الخواطر و التغيرات ولهذا شنَّ عليها أهل السنة هجوماً شديدا ، ويظهر أنَّ مراد الشيعة ليس ظاهر كلمة البداء ويستشهدون لذلك بآية يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

عند العودة لكتاب الأصول من الكافي ، الجزء الأول ص 146 ط دار صعب ودار التعارف للمطبوعات ببيروت [ باب البداء ] والباب يحوي 16 نصاً ، منها عن أبي عبدالله المقصود جعفر الصادق [11] نصاً ، وعن أبي جعفر أي محمد الباقر [ 3 ] نصوص ، وعن علي الرضا نص واحد ، وعن العالم أي عن علي الهادي نص واحد ، وهي بـهذه المعرفة لمصدر النصوص ، أنـها مقولات إسلامية لأصحابـها ، ولا تعط مكانة الحديث أو الأثر ولكنها عند الشيعة الإمامية نصوص معصومين ، وهذه بعض النصوص : ـ

في سنده كما هو في الكافي عن أحدهما عليه السلام قال : ما عبد الله بشيء مثل البداء وفي رواية هشام بن سالم عن أبي عبدالله [ المقصود جعفر الصادق ] عليه السلام ما عُظِّمَ الله بمثل البداء ويعلق الطباطبائي بالهامش قائلاً : البداء من الأوصاف التي ربما تتصف بها أفعالنا الاختيارية ، من حيث صدورها عنا بالعلم والاختيار ، فإنَّا لا نريد شيئا من أفعالنا الاختيارية إلاَّ بمصلحة داعية إلى ذلك ، تعلق بـها علمنا ، وربما تعلق العلم بمصلحة فقصدنا الفعل ، ثم تعلق العلم بمصلحة أخرى توجب خلاف المصلحة الأولى ، فحينئذ نريد خلاف ما كنا نريده قبلُ ، وهو الذي نقول : بدا لنا أنْ نفعل كذا ، أي ظهر لنا بعد ما كان خفياً عنا كذا  والبداء الظهور ، فالبداء ظهور ما كان خفياً من الفعل ، لظهور ما كان خفياً من العلم بالمصلحة ، ثم تُوُسِّع في الاستعمال ، فاطلقنا البداء على ظهور كل فعل كان الظاهر منه خلافه ، فيقال بدا له أنْ يفعل كذا ، أي ظهر له من فعله ما كان الظاهر منه خلافه ، ثم إنَّ وجود كل موجود من الموجودات الخارجية له نسبة إلى مجموع علته التامة ، التي يستحيل معها عدم الشيء ، وعند ذلك يجب وجوده بالضرورة ، وله نسبة إلى مقتضيه الذي يحتاج الشيء في صدوره منه إلى شرط وعدم مانع ، فإذا وجدت الشرائط وعدمت الموانع تمت العلة التامة ، ووجب وجود الشيء ، وإذا لم يوجد الشرط أو وجد مانع ، لم يؤثر المقتضى أثره ، وكان التأثير للمانع ، وحينئذ يصدق البداء ، فإنْ كان هذا الحادث إذا نسب وجوده إلى مقتضيه الذي كان يظهر بوجوده خلاف هذا الحادث ، كان موجوداً ظهر من علته خلاف ما كان يظهر منها ، ومن المعلوم أنَّ علمه تعالى بالموجودات والحوادث مطابق لما في نفس الأمر من وجودها ، فله تعالى علم بالأشياء من جهة عللها التامة ، وهو العلم الذي لا بداء فيه أصلاً ، وله علم بالأشياء من جهة مقتضياتها ، التي موقوفة التأثير على وجود الشرائط وفقد الموانع ، وهذا العلم يمكن أنْ يظهر خلاف ما كان ظاهراً منه بفقد شرط أو وجود مانع وهو المراد بقوله تعالى { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } (الرعد:39) .

في سؤال لأحد أفراد الشيعة حول المفهوم عند الشيعة للعلم والبداء ، قال ما يلي ناقلاً نصاً من كتاب التوحيد للصدوق ما يلي  : أُبيّ عن سعد عن محمد بن عيسى عن إسماعيل بن سهل عن حماد بن عيسى قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : هل الله عالم ولا معلوم ؟ قال : كيف يكون عالماً ولا معلوم ! قلت : وهل الله سميع ولا مسموع ؟ قال : كيف يكون سميعاً ولا مسموع ! قلت : وهل الله بصير ولا مُبْصَر ؟ قال : كيف يكون بصيراً ولا مُبْصَر ! وعند عرضه عليه لم يوافق على هذه الصياغة ولم يقدم صياغة أخرى.

علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال في هذه الآية : (( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ))(الرعد: من الآية39) قال : فقال : وهل يمحى إلا ما كان ثابتا وهل يثبت إلا ما لم يكن  ؟

علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار له بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء .

محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : (( قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ))(الأنعام: من الآية2) قال : هما أجلان : أجل محتوم ، وأجل موقوف .

هذه نصوص من نصوص الشيعة حول البداء وهي لا تحل المشكلة ، لا مشكلة البداء ، ولا مشكلة العلم

إنَّ السلفية و حتى لا تشتط ضد هذا الفهم بلا روية ، تقول بحلول الحوادث في الله تعالى أي تقول يفعل الله : [ كيف شاء متى شاء ] لأنـها حاولت تنـزيه الله عن فقدان فاعليته ، التي يدل عليها قوله تعالى : (( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )) (الرحمن: من الآية29) . و قوله تعالى : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) (يّـس:82) . فإن الإحاطة تعني فاعلية الله تعالى ، أي القيومية المطلقة مع نفي الحوادث عنه تعالى ، والقول بعلم الإحاطة يمنع حلول الحوادث في الله تعالى ، مع إثبات فاعليته .

لقد ورد في ثنايا القول السابق ، أنَّ الحديثيين [ أهل الحديث ] و يشاركهم غيرهم من المذاهب ، و أهل المقولات ، بنوا عقلاً ميثولوجياً أسطوريا ، فإنه لا بد من توضيح أن معنى الميثولوجيا هي الأسطورة المرتكزة إلى الدين ، ولكن الوجدان أجرى عليها صورة أسطورية أي أنها الحادثة التي يظهر فيها البطلان ، لمخالفتها المعقول الحسي ، أو لأن بنيتها هي تمكين القادر بقدرة ، من فعل لا يمكن أن يحدثه إلا القادر بذاته ، أو لأن مصدرها ظن أو هوى لأسباب تحريفية أو تسويغية ، و لهذا فإن المعجزات والآيات التعليمية التي ظهرت على يد الأنبياء ، أو كإرهاص لهم في زمانـهم ، و أوردها النص المقطوع به انه من الله تعالى بدليل العقل ، أي نص القرآن تحديداً ، لا بد من التسليم بـها ، و نفي المعنى الميثولوجي والأسطوري عنها ، رغم أنـها بالقياس إلى المعقول الحسي فيها معنى الميثولوجيا و الأسطورية ولكن بالقياس إلى إنـها نص قرآني ، وإنـها جاءت على سبيل المعجزة أو الإرهاص وإنـها فعل القادر لذاته دون إسنادها إلى غيره من خلقه ، وإنـها دليل و برهان و حجة وسلطان ، أو تعليم في زمن نبي ، أو إرهاص منبئٌ بزمن نبي ، فإن هذه النصوص تقطع الأدلة بزوال الأسطورية والميثولوجية عنها ، بخلاف نصوص الحديث ، أو نصوص التراث ، أو نصوص أهل الكتاب ، أو النصوص المسندة إلى السحرة ، أو الأولياء ، أو أهل السيطرة على الجان ، أو فعل الجان ذاته ، فإنـها كلُّها لا مستند لها ، و لا مرجعية ، و تفقد الحجة والسلطان ، والبرهان ، والدليل ، فالقرآن محجوج له بحجة العقل ، و لهذا يجري التسليم بمقالاته ، أمَّا غير ذلك فلا حجة له ، بل هو مجرد الظن ، و الظن لا يغني عن الحق شيئاً والحجة للسنة هي حجة للسنة فقط على وجه الإجمال ـ مع الإيمان بما هو معلوم من الدين بالضرورة ـ  و ليست حجة لمفردات السنة التي يصدق عليها اسم سنة ، أمَّا إذا تحولت إلى نص حديثي خبري ، فإن نسبة الحديث إلى الرسول صلوات الله عليه محلُّ أخذٍ و ردّ .

إنَّ الذّي يدرك هذه النقاط والإشارات ، يعلم علم اليقين مقدار قدرته ، أي [ قدرة الإنسان ] على الفاعلية ، (أي يخلق أفعاله) فيُشمِّر عن ساعد الجِدِّ ، ويعلم أنّه يطلب إمداد الله ، وتوفيقاته ، وألطافه ، و عونه ، وإنَّ الله في محل الفاعلية ، فيطلب التأييد في معركة يخوضها ضد العدو ، لتحقيق النصر ، و يطلب الإمداد بشحذ عزيمته لتحمل مشاق الدعوة  ويهرع إلى الله لِيلطف به فيشفيه من مرضه ، ويرجو من الله عونه على تحمل مشاق كبح شهواته ، لأنه يعلم أن ليس علماً حدّد فاعلية الله ، و بهـذا تظهر جدية المكلف في أفعاله .

المفروض في الذي يعلم نفسه أنه عالم يـجهل وأنه ينسى وهو يعلم تحصيلا واكتسابا فليس هو العالم وذاته العالم لابد أنْ يقف عند حده فلا يتجاوزه إذ هيهات أن يكون قادرا بـمعياريته أن يحاول إدراك معنى الله عالم لا يجهل بنفس صورة المدركات المحسوسة أو المدركات العقلية ذات الواقع المشهود أو المدركات الشعورية الداخلية.

وبسم الله تعالى تختتم هذه النقاط

أخي القاريء الكريم

السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد :

هذه ورقات فتحت موضوعا من أشد المواضيع خطورة ، ومن أدقها مقالا ، وهو موضوع ليس أكاديميا ، ولا علاقة له بالأكاديمية ، إنه موضوع يسعى لغاية واضحة ـ منذ البدء في إنشاء هذه الرسالة ـ وهذه الغاية هي فك القيود التي تكبل الأمة ، وتقعدها على الطوار ، تنتظر فعلا يغير وجه التاريخ من خلال القدر المقدور ، والناس بـهذا القول ضربوا التكليف ضربة قاتلة وكانت الحجة إثبات الكمال له تعالى ، مع أنَّ حقيقة قولهم وصف له بالنقص ، ولهذا طال الزمن حتى ظهر هذا البحث ، خطة البحث هي الجدل الذي حدث حول الموضوع ، ليس بين أكاديميين بل بين دعاة يصدق عليهم قوله تعالى : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ))(الكهف: من الآية28) ، وآخرون لهم موروث ، أو اصحاب أغراض ، فكان البحث على هذه الصورة .

مسرد آيات القرآن الكريم

المسرد متعلق باسم المعنى [ عِلْم ]

يحوي المسرد كل الأفعال والمصادر والمشتقات المسندة إلى الله تعالى وهي :

(1)

الفعل الماضي الثلاثي المجرد المسند إلى الله تعالى [ عَلِمَ ] ما تحته خط هو متعلق الفعل

عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ (البقرة: من الآية187)

عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ (البقرة: من الآية235)

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ (الأنفال: من الآية23)

وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً (الأنفال: من الآية66)

فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ (الفتح: من الآية18)

فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا (الفتح: من الآية27)

عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ (المزمل: من الآية20)

عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى  وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (المزمل: من الآية20)

(2)

الفعل الماضي علم المتصل بالضمير  ال [ ت ] وهي المفتوحة وهي ضمير المخاطب ويعود إلى الله تعالى

إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (المائدة: من الآية116)

(3)

الفعل الماضي المتصل بضمير المتكلم [ نا ] والضمير نا يعود إلى الله تعالى .

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ  ( الحجر : 24).

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (الحجر:24) .

قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (الأحزاب: من الآية50) .

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ (قّ: من الآية 4 ) .

(4)

الفعل المضارع أعلم والفاعل الضمير المستتر [ أنا ] يعود إلى الله جلَّ جلاله .

قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (البقرة: من الآية30) .

إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (البقرة: من الآية 33) .

وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (البقرة: من الآية33) .

(5)

الفعل المضارع تعلم وهو فعل من حيث اللسان العربي دال على الحال .

تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة: من الآية116) .

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ (ابراهيم: من الآية38) .

(6)

الفعل المضارع يعلم وهو فعل دال على الحال أو الاستقبال

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (الحج: من الآية70)

ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (المائدة: من الآية97)

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (البقرة:77)

وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة: من الآية216)

وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (البقرة: من الآية220)

ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة: من الآية232)

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ (البقرة: من الآية235)

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ (البقرة: من الآية255)

وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (آل عمران: من الآية7)

وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: من الآية29)

فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (آل عمران: من الآية66).

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ { الَّذِينَ آمَنُوا } وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ (آل عمران: من الآية140) .

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ { الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ }

{ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }  (آل عمران:142) .

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ { الْمُؤْمِنِينَ } (آل عمران:166) .

وَلِيَعْلَمَ { الَّذِينَ نَافَقُوا } وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (آل عمران: من الآية167) .

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (النساء: من الآية63) .

لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ { مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } (المائدة: من الآية94) .

ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (المائدة: من الآية97) .

مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ  (المائدة:99) .

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (الأنعام:3) .

وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُو وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر (الأنعام: من الآية59)َ .

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ (الأنعام: من الآية60) .

إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ (الأنفال: من الآية70) .

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ { الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } (التوبة: من الآية16) .

يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (التوبة: من الآية42) .

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (التوبة:78) .

قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ (يونس: من الآية18) .

أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (هود: من الآية5) .

وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا (هود: من الآية6) .

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَاد (الرعد: من الآية8) .

أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ (الرعد: من الآية33) .

يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (الرعد: من الآية42) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  (النحل:19) .

لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (النحل: من الآية23) .

فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  (النحل:74) .

وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (النحل: من الآية91) .

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى  (طـه:7) .

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً  (طـه:110) .

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنبياء:4) .

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (الأنبياء: من الآية28) .

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (الأنبياء:110) .

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَاب (الحج: من الآية70) .

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (الحج:76) .

لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (النور: من الآية19) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (النور: من الآية29) .

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً (النور: من الآية63) .

أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه (النور: من الآية64) .

قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (الفرقان: من الآية6) .

وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (النمل: من الآية25) .

قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (النمل: من الآية65) .

وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (النمل:74) .

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (القصص:69) .

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ (العنكبوت: من الآية42) .

وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنكبوت: من الآية45) .

قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (العنكبوت: من الآية52) .

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (لقمان: من الآية34) .

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا (الأحزاب: من الآية18) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (الأحزاب: من الآية51) .

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا (سـبأ: من الآية2) .

قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (يّـس:16) .

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر:19) .

وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (فصلت: من الآية22) .

وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى: من الآية25) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (محمد: من الآية19) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (محمد: من الآية26) .

وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (محمد: من الآية30) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (الحجرات: من الآية16) .

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحجرات:18) .

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد: من الآية4) .

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ { مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } (الحديد: من الآية25) .

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (المجادلة: من الآية7) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (المنافقون: من الآية1) .

يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (التغابن: من الآية4) .

أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك:14) .

لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ  (الجـن: من الآية28) .

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ (المزمل: من الآية20) .

وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (المدثر: من الآية31) .

إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (الأعلى:7) .

(7)

الفعل المضارع المسند إلى الله تعالى والمتصل باللام والنون الـمُؤَكِّدَتين للفعل والدلالة على المستقبل.

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت:3) .

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (العنكبوت:11) .

(8)

الفعل المضارع يعلم المتصل بضمير الهاء في محل المفعولية والمسند إلى الله إسنادا ظاهراً

وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْـ[ـهُ] اللَّه (البقرة: من الآية197) .

وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمـُ[ـهُ] (البقرة: من الآية270) .

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْـ[ـهُ] اللَّهُ (آل عمران: من الآية29) .

(9)

الفعل المضارع يعلم المتصل بضمير الغائب الدال على جمع المذكر والفعل مسند إلى الله إسناداً ظاهراً .

وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُـ[ـهُمْ] (الأنفال: من الآية60)  .

وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُـ[ـهُمْ] إِلَّا اللَّهُ (ابراهيم: من الآية9) .

(10)

الفعل المضارع يعلم المتصل بضمير الغائب الدال على المفرد المؤنث

وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُـ[ـهَا] إِلَّا هُوَ (الأنعام: من الآية59)

وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُـ[ـهَا] (الأنعام: من الآية59)

(11)

الفعل المضارع نعلم وفاعل الفعل الله يلاحظ أنَّ ظاهرَ الفعلِ دالٌ على علمٍ في المستقبل

وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا { لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } (البقرة: من الآية143) .

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُون (الأنعام: من الآية33) .

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (الحجر:97) .

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ (النحل: من الآية103) .

ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً (الكهف:12) .

وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ { مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ } مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكّ (سـبأ: من الآية21) .

فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ  (يّـس:76) .

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ { الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين } (محمد: من الآية31) .

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ  (قّ: من الآية16) .

وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (الحاقة:49) .

وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُـ[ـهُم] (التوبة: من الآية101) .

التعليق على هذه الآيات

حوى المسرد إحدى عشرة مجموعة من آيات القرأن الكريم :

مجموعة الفعل [ عَلِمَ ] وتتألف من ثماني آيات.

مجموعة الفعل [ عَلِمْـ(تَـ)(ـهُ) ] وهي آية واحدة.

مجموعة الفعل [ عَلِمْـ(نَـا) ] وهي تتألف من أربع آيات .

مجموعة الفعل المضارع [ أَعْلَمُ ] والضمير المستتر يعود إلى الله تعالى والمجموعة تتألف من ثلاث آيات .

مجموعة الفعل المضارع [تَعْلَمُ ] وهي مؤلفة من آيتين فقط .

مجموعة الفعل المضارع [ يَعْلَمُ ] والفاعل ضمير مستتر يعود إلى الله تعالى وتتألف المجموعة من تسع وسبعين آية.

مجموعة الفعل المضارع المؤكد [(لـ)يَعْلَمَـ(ـنَّ)] وتتألف من آيتين تحوي أربع كلمات .

مجموعة الفعل المضارع [ يَعْلَمَـ(ـه) ]  وهي تتألف من ثلاث آيات .

مجموعة الفعل المضارع [ يَعْلَمُـ(هم) ] وهي تتألف من آيتين .

محموعة الفعل المضارع [ يَعْلَمُـ(ـها) ] وتتألف من آية واحدة من كلمتين .

مجموعة الفعل المضارع [ نَعْلَمُ ] وتتألف من إحدى عشرة آية .

هذه هي الآيات التي أسندت فعلا من أفعال العلم لله تعالى حصراً ، وقد بَيَّنَ الـمسردُ ـ من خلال وضع خط تحت متعلق العلم ـ أنَّ كل المتعلقات بلا استثناء ؛ دالة على أشياء ؛ أو وقائع ؛ أو حوادث جارية ، ولم ترد أية كلمة تقيد هذه الأفعال بالأزل أو القَبْل ، بل يَتَّضِحُ أنَّ المتعلق ـ الـمحصور بين الحاصرتين على مثل هذا الشكل { } ـ وكأن الله تعالى لا يعلمهُ ، أمام هذه المواجهة لموضوع الآيات ؛ كيف يصوغ المؤمن إيمانه دون بحث تحليلي لـهذه الآيات ؟

إنَّ البحث التحليلي يثبت صفة ذات لله تعالى : هي كونه عالـماً لا يجهل ، أي إثبات الوصف وليس الصفة ، ومع أنه وصف ، إلا أنه هو واحد من أسماء الله الحسنى ، وهذا الاسم له فاعلية ، وهي حادثة ، إذ هي مرتبطة بالفاعلية ارتباط حتم ، فهو يعلم ما يخلق ويعلم ما يقع ، وهذان الأمران هما فاعلية الاسم أو الوصف للذات ، فتكون الفاعلية حادثة محلها معلومها ، وبـهذا القول الموجز المفيد ؛ الذي يفرق بين وصف الذات ؛ وبين إدراك الفاعلية ؛ تحل إشكالية التشابك : بين كون الله عالما لا لمعنى ، وبين كونه عالما بالمعلومات على ما هي عليه على الإحاطة .

مفهوم تعليم الله لمخلوقاته

ورد في القرآن الكريم آيات عدة تسند فعل التعليم لله تعالى كـقوله : (( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ))(البقرة: من الآية31) والترجيح أنَّ المراد بالتعليم هنا تعليم أسماء المسميات ، إذ لا يمكن أنْ يكون عاقلا مكلفا دون معلومات عن الأشياء التي تقع حواس الإنسان عليها ، وهذا التعليم من الله خاص بآدم ، أما بعد آدم فيتولى التعليم الأهل والمجتمع ، والمسميات التي كانت في زمن آدم هي مسميات قليلة جدا ، تلائم بداية المسار المعرفي الإنساني النامي دائما.

تنمو المعرفة بالربط والتوليد والتجارب ، لكنْ لا بد من معرفة ابتدائية لتنمو ، ولهذا فإنَّ قولَ الفكر المادي : "بأن الفكر نتاج المادة والمادة سابقة على الفكر" قولٌ لا دليل له ، وخطأٌ واضح ومثله القول : بأن الفكر سابق على المادة لا دليل عليه أيضا وهو خطأ بين ، فلا بد من تلازم تام بين الفكر والأشياء ، إذ الأشياء محل تسخير ، والفكر هو الذي يعين كيفية التسخير ، ولم يكنْ آدم وزوجه ـ بالمعلومات الابتدائية ، التي علمها الله له ـ في حالة قدرة على مباشرة الاستخلاف ، فكانت مرحلة حياة تعليمية في جنة معهودة ، هي دار تكليف لآدم وزوجه ، وليس في الجنة التي هي دار ثواب ، وقد تعلم هو وزوجه في تلك المرحلة طلب الحقيقة ، بالبحث عنها وليس بتلقيها عارية عن الدليل ، وهذا ما تحكيه قصة الهبوط قال تعالى : (( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )) (البقرة:35- 36).

من هذا الهبوط تبدأ رحلة الأبوين وذريتهما في هذه الأرض ، وهي رحلة التكليف ؛ ورحلة المعرفة ، فالحياة بلا تكليف تعني الطغيان ؛ والحياة بلا معرفة تعني الجمود ، ولـهذا بقي تواصل أوامر الله عبر موكب الأنبياء ، يعدل الله أوامر السماء مع نمو المعرفة ، ليصل البشر في آخر المطاف إلى استحقاق الرسالة الخاتمة ، بسبب من رقي المعرفة ، واختار الله العرب ليكونوا نواة هذه الرسالة الخاتمة لأمرين : لرقي اللسان العربي من جهة ، ولرفعة العديد من القيم عند العرب : كالكرم ، والوفاء ، وحماية الجار ، والشجاعة ، ومد يد العون للآخرين ، من خلال الشعور بالمسؤولية عن الإنسانية.

لقد تحقق عند العرب طور إنساني مميز ، رغم أنـهم ليسوا وريثي حضارات متقدمة ، لكنَّهم كانوا في جوار لـهذه الحضارات ، وقد ظهر فسادها ، وعوارها كلها ، واصبحت الأنسانية بعد هذا الطور عطشى لحضارة عالمية إنسانية نـهائية فأنزل الله هذه الحضارة الفذة قال الله تعالى في التنـزيل : (( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ )) (الرحمن:1- 4) وأنزل أيضا : (( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) (العلق:4- 5) وقوله تعالى : (( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ))(النساء: من الآية113)) وقال تعالى : (( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ )) (آل عمران:48) وقوله تعالى : (( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ )) (يّـس:69) .

ما يجب أنْ يلاحظه القارئ أنَّ الربط واضح بين : القرآن والبيان ، و القلم وتعليم الإنسان ما لم يعلم ، و القرآن وتراث ديني أهل الكتاب والحكمة ، والحكمة رغم الاختلاف على مدلولـها إلاَّ إنَّ القراءة الواعية للحكمة ؛ تثبت أنَّ المقصود من كلمة الحكمة هو العقل النير ؛ الذي يضع الأمور مواضعها ، فمسار الإنسانية الصاعد يتحدد من عقل ناظر نير ، ولسان ذي بيان ، والقرآن والتراث الإنساني في كل أحواله ، مع هيمنة العقل والقرآن على التراث ، وليس جعل أساطير الأولين هي القائدة ، أو جعل التراث هو الأساس ، فالكل محكوم بالعقل ؛ ومعطيات القرآن ، عبر لسان العرب لا غير .

وقول الله تعالى على لسان الملائكة : (( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )) (البقرة: من الآية32) وقوله على لسان يوسف : (( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ))(يوسف: من الآية101) وقوله : (( فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ))(البقرة: من الآية239) وقال تعالى : (( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ )) (المائدة: من الآية4) وقوله تعالى عن يوسف أيضا : (( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) (يوسف: من الآية68) وقوله عن عبد من عباد الله هو صاحب موسى : (( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )) (الكهف:65) وقول الله تعالى عن تعليمه لداود : (( وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ))(الانبياء: من الآية80) وقوله على لسان يوسف : (( ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي )) (يوسف: من الآية37) وفي شأن داود قال تعالى : (( وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ))(البقرة: من الآية251) وفي موضوع كتابة الدَّيْن قال تعالى : (( وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ )) (البقرة: من الآية282) .

تلك هي الآيات التي أسندت التعليم إلى الله تعالى ، وهي متعلقة بأصل التعلم ، وهو تعليم أول المعلومات لآدم [ المقصود وجود ربط بين الواقع والرمز الذهني لهذا الواقع وهذه هي الخطوة الأولى ليسير الإنسان في مدارج المعرفة صُعدَا ] أو بخلق الله علما لجنده من الملائكة ؛ أو رسله الأنبياء ، أو بخلق الله قدرة للإنسان [ الاستعداد للتعلم ] ، وهي قدرة يتمكن بـها من عملية التعلم : بالتوليد ، أو إجراء التجارب ، ولا تدل بحال من الأحوال على علم إلـهامي أو لدني أو عبر رؤى المنام ، فلا بد من إدراك هذه الحقائق ، وفي حالة مثل هذا الإدراك يحدث النمو المعرفي تحدث الثورة المعرفية [ الاكتشافات العلمية ] ، فيكون الإنسان مباشرا مباشرة حقيقية لـمفهوم الاستخلاف.

مفهوم إنَّ الله عالم الغيب

قبل الدخول إلى هذا التركيب { عَالِمُ الْغَيْبِ } ، لا بد من معرفة مفهوم الغيب ، وهو مفهوم متعلق بالإنسان ، فالغيب ما غاب عنك ، وكلمة الغيب لا تدل على عدم الوجود ، والوجود وجودان : وجود محجوب ، أو وجود معلوم ، وهو ما قال عنه المعتـزلة { شيئة المعدوم } فما هو موجود يطلق عليه الغيب ـ إذا كان محجوزا عن وسائل الإدراك ، التي يستعملها الإنسان في تكوينه ، أما الوجود المعلوم فهو معلوم للإنسان بخبر الله القادر العالم لا غير ـ فالغيب هو ما ليس من عالم الشهادة ، أي هو وجود غير مشهود ، وهو وجود محجوب ، أو وجود معلوم له تعالى ، وهو على ضربين : الأول مقدور الله ، وليس مقدور المكلف ، والثاني معلوم الله التكويني ، اختص الله بعلمه فالله وحده عالم الغيب والشهادة ، لا يشاركه في ذلك ملك مقرب  أو نبي مرسل ، أو جن يسترق السمع ، أو خطف الخطفة ، أو يتسمع ، وعلى كل فهذا يجري في عالم الأمر ، وليس في عالم الغيب ، ومع ذلك فإن عالم الجن ـ بعد رسالة نبي الهدى ـ ممنوعون من كل ذلك ، أو يمكن أنْ يعلم ولي صادق الولاية غيبا ، فكل هؤلاء يعلمون ما يمكنهم علمه بتكوينهم ، ويُعْلم اللهُ بعضا قليلا من الغيب : لبعض ملائكته ؛ وبعض رسله ، قال تعالى : (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً )) (الجـن:26).

لقد ورد تركيب : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ في هذه الآيات : ـ

(( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) (الأنعام:73) .

(( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) (التوبة:94) .

(( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) (التوبة:105) .

(( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ )) (الرعد:9) .

(( عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) (المؤمنون:92) .

(( ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )) (السجدة:6) .

(( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) (الزمر:46) .

(( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )) (الحشر:22).

(( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) (الجمعة:8) .

(( وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) (التغابن:18) .

ورد في القرآن الكريم أيضا تركيب { عَالِمُ الْغَيْبِ } دون إضافة والشهادة في الآيات التالية :

(( إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )) (فاطر:38) .

(( عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ )) (سـبأ: من الآية3) .

(( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً )) (الجـن:26) .

وكذلك وردت علاَّم الغيوب أربع مرات وها هي :

(( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )) (المائدة:109) .

(( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )) (المائدة:116) .

(( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )) (التوبة:78) .

(( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )) (سـبأ:48).

ماذا تلاحظ أيها القاريء الكريم ؟ اليس الغيب في هذه الآيات حالة وجودية وليس علما شموليا منذ الأزل ؟ وإذا كان كذلك فمن أين جاءت للمسلمين عقيدة العلم الأزلي السابق ؟ لقد جاءت أو تسربت من خلال التفكير اليهودي ، الذي يؤمن بقدم الكلمة ، وبدلا من وضع الآيات موضع الفهم ، أضافوا وبسهولة كلمة الأزل ، وهي كلمة لم تذكر بالقرآن الكريم أبدا ، أرادوا تنـزيهه وتعظيمه فأخرجوه من فاعليته ، وجعلوه مأسورا لعلمه ، وهم بالتالي ألغوا ما تدل عليه الآيات التالية : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) (يّـس:82) وقوله تعالى : (( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً )) (الفتح: من الآية11) وقوله أيضا : (( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )) (الرحمن:29) .

يورد القرآن الكريم كثيرا من مثل هذه الآيات الدالة على تأثيره ، وكونه قيوما على سائر خلقه ، لقد شاهدت الذاكرة اليهودية المعاناة الشديدة على يد فرعون وجنوده ، وفي رحلة التيه ، وفي الحرب مع الكنعانيين والفلسطينيين ، ثم زوال دولتهم القزمة على يد نبوخذ نصر الكلداني وسوقهم سبيا إلى بابل ، وأخيرا تدمير هيكلهم الثاني على يد تيطس الروماني ، وإذ كتبوا كتبهم وهم على هذه الحال من السوء ، قسموا العصر إلى قسمين : عصر المعاناة والعصر الذهبي ؛ مرتكزين إلى العلم الشمولي السابق ، فأراحوا أنفسهم من تحدي المعاناة ، وقعدوا على الطوار ينتظرون العصر الذهبي بقدر مقدور من الله ، وها هم المسلمون يجعلون قرآنـهم ودينهم يقول بما قالت به يهود ! .

مفهوم كون الله عليما

وردت في القرآن الكريم كلمة [ عليم ] بتنوين الضم أو الكسر ، ويراد بـها الله تعالى (132) مرة ، من أصل (140) مرة ، وأورد القرآن [ عليما ] بتنوين الفتح (22) مرة ، كلها يراد بـها الله تعالى ، وكلمة عليم بتعريف أو دون تعريف بأحوالها الثلاث لها متعلقها الواضح وأكثرها ترد مقترنة قبلها أو بعدها بكلمة أخرى ، وما يلي بعض منها :

فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية29) .

وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (البقرة:95) .

وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية158) .

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية231) .

وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (آل عمران:115) .

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ المتعلق مفهوم ] (الأنفال: من الآية61) .

وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ المتعلق مفهوم ] (النور:18) .

وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [ المتعلق معلوم ] (النمل:6) .

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (فاطر:38) .

قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (التحريم: من الآية3) .

وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (النساء: من الآية32).

إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (النساء: من الآية35) .

وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء:111) .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (الأحزاب: من الآية51) .

وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (الفتح: من الآية4) .

يمكن للقارئ الكريم التمعن في هذا الموضوع الخطير ، الذي تولد عنه الجبر ، جبر للمكلف وجبر لذات الله تعالى ، فالقراءة لا بد أنْ تتوجه للعلم ، والإرادة ، والمشيئة ، واللوح المحفوظ والكرام الكاتبين ، والقدر ـ يضبط هذه الدراسة معلمان هما : التوحيد ؛ والعدل؛ بمفهوم أهل التوحيد والعدل ( المعتـزلة ) والزيدية عند كونـهم معتـزلة ، وبدون ذلك سيرى الإنسان نفسه ، وقد سار مسيرة اليهود والنصارى ، أهل التشبيه والجبر ، واهتـزاز الوعيد ، أعاذنا الله من ذلك .

مفهوم العلم عند إضافته إلى الله تعالى

وعند إضافة علم معلوم من عالم الغيب أو عالم الشهادة إضافة اختصاص

السؤال الذي لا يجوز القفز عليه ، قضية اسم المعنى { العلم } ، وهو سؤال قديم حديث ضرورة ، وهذا السؤال الثلاثي الأبعاد هو : هل الله عالم بعلم ؟ أو هل هو عالم لا يجهل كصفة ذات ؟ أو هل هو عالم بالمعلوم على الإحاطة كصفة فعل له تعالى ؟ .

إجابتْ الأشعرية ، والماتريدية ، والسلفية ، وابن حزم ، عن العلم بأنه صفة قديمة قائمة بذات الله ، لا هي ذات الله ، ولا هي غيره ، وإذ هي على هذا الوصف غير المفهوم ، الفاقد للدلالة والمعنى فما هي ؟ !!!!

لقد ذهب الدكتور محمود قاسم في كتاب مناهج الأدلة ص 120 من المقدمة إلى ما يلي : ( إنَ عبارة لا هي ذاته ولا هي غير ذاته تحتوي على تناقض لا سبيل إلى رفعه ) ، والرأي عند كاتب هذه السطور ، أنَّ كل محاولات الحل لـهذا التناقض التي مارسها منظرو هذه الفرق عبر الزمان عاجزة كل العجز عن حل هذا التناقض ، ولا يحل هذا التناقض إلا بتـنـزيه الله عن افتقاره لمعنى زائد عن ذاته ، فهو الذات الكاملة كمالا مطلقا ، وهذا قول المعتـزلة ، وهذا استعراض للآيات التي أضافت العلم له تعالى :

وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ (البقرة: من الآية255) .

لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ (النساء: من الآية166) .

وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ (فاطر: من الآية11) .

وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ (فصلت: من الآية47) .

فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (هود: من الآية14) .

هل تثبت هذه الآيات إنَّ لله تعالى علما زائدا عن الذات ؟ أو أنه عالم بالمعلومات على الوجه الذي تصح أنْ تعلم عليه ، لا على ما يقولون به من علم بالمعلومات منذ الأزل ، يلاحظ أنَّ مفهوم آية الكرسي يحيطون بشيء من علمه عند مشيئته ، وهذا يعني أنَّ لعلم الله تعالى أبعاض ! فهل يقولون بذلك ، تعالى الله عن ذلك !!! ، الله عالم لا يجهل ، وهي صفة ذاته ، والمعلومات متبعضة ، يعلمها الله على الإحاطة ، لا منذ الأزل ، فَيُعْلِمُ مَنْ شاء من خلقه ببعض منها فيكون المقصود بكلمة العلم المضاف إلى الله المعلومات وهي ليست الله يقينا وليست قائمة بالذات بل هي فاعلية كونه عالما لا يجهل .

آيات أخرى موهمة أنَّ له علما كصفة ذات وهي :

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (لقمان: من الآية34) .

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ (فصلت: من الآية47) .

وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (الزخرف: من الآية85) .

وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (الدخان:32) .

قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (الملك:26) .

وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (الأنعام: من الآية80) .

وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (لأعراف: من الآية89) .

وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (الكهف: من الآية65) .

إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (طـه:98) .

وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (الطلاق: من الآية12) .

رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر: من الآية7) .

يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ (الأعراف: من الآية187) .

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى (طـه:52) .

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (الأحزاب:63) .

إن التدبر لهذه الآيات يدرك أنَّ موضوعها المعلومات ، وهي معلومات عن شئ أو أمر موجود ، عبرت الآيات عنها بالفعل وسع كل شيء ، وبالفعل أحاط ، أو عن معلوم موعود به الخلق ، وهو قيام الساعة ، وهي على هذه الصورة معلومات ، والمعلومات هي معلومات ، ولا يجوز في الذهن القول بأنـها صفة الله ، والدليل على ذلك أيضا استعمال القرآن الكريم لفعل التفضيل أعلم وهذا الفعل أعلم متعلق بالمعلومات ، والخلاصة التي لا بد من أنْ يدركها المؤمن ، هي أنَّ العلم والمعلومات لا تجوز أنَّ تكون صفة ذات له تعالى ، والقرآن الكريم وهو يحوي معلومات وأمر ونـهي ووعد ووعيد وقصص ، فهو ليس صفة له تعالى ، بل كلامه فعله أحدثه بعد أنْ لم يكن .

استغرق الكلام عن هذا الموضوع الصعب زمنا طويلا ، ونقاشا حاراً ، ومع ذلك فهو محاولة لفتح باب الجدل ، عن موضوع اختلط في الذهن ، فهل وصل البحث إلى نـهايته ؟ !!! هذا ما سينكشف في مستقبل الزمان ، والله أسأل أنْ يكون البحث هو الضربة القاضية للجبر في كل مسمياته .

تعريف بالكتاب

هذه الرسالة بحثت موضوع [ إنَّ الله عالم ] ، وفق منهج موضوعي ، وشمولي ، وجدلي ، أمَّا أنَّ المنهج موضوعيٌ ، فهذا ما يمكن للقارئ أنْ يدركه من كون الرسالة تعالج أمراً واحدا  معتمدة على الدلالة الممكنة ، دون دخول الـهوى ، أو الرأي المسبق في مسار البحث ، وشمولية البحث ظهرت واضحة من خلال مسرد الآيات الكريمة الشامل ، ومن خلال ذكر آراء الفرق في الموضوع ، وجدليته ظاهرة في توجهه نحو الرأي السائد المستقر بالنسبة للعلم ، والقدر ، فعند الْفِرَق جري الخلط بين مفهوم القدر والعلم ، مع أنَّ القدر آت من كون الله قادرا ، فكل قدرة يوصف بـها الخلق ـ أي القادرين بقدرة ـ فإنـها مستندة إلى الله تعالى القادر ـ وكل تقدير عليه الـخلق العاجز ، فهو تقدير العزيز العليم ، فالقدرة والتقدير ليست أفعالا يفعلها الخلق الفاعل مكلفا أو غير مكلف ، بل هي تمكين للفعل عند القادر بقدرة ، وهي خصائص عليها الخلق العاجز ، أمَّا الفعل المسند للقادر بقدرة فهو فعله وخلقه للفعل بالتفويض ، الذي فوضه الله إياه ، وعلى ذلك جرى التكليف ، وعليها يكون الحساب ، ولولا أنَّ الإنسان مستقل بفعله ـ بعد التمكين ـ لما كان الأمر والنهي من الله تعالى للمكلفين .

استندت قضية الجبر بجميع أسمائها إلى : إرادة الله ، ومشيئته ، وعلمه ـ وإذ كان العلم هو المستند الرئيس للقول بالجبر ـ تركز بحث الكتاب على موضوع العلم ، لنفي كل أنواع الجبر : وخاصة جبر الإرادة والمشيئة (الجبر عند الصوفية) ، وجبر الكسب المستند للخالقية (عند الأشعرية والإباضية) ، وجبر القدر والتقدير (عند حزب التحرير) ، وجبر خلق الله للفعل مع فعل المكلف له على الحقيقة كما هو (عند السلفية) ، وجبر عدم التفويض كما هو (عند الإمامية) ، وتبقى المعتزلة والقدماء من الزيدية المعتزلة تقول بالتفويض التام بعد التمكين أي بالعدل أي خلق الإنسان لفعله .

وفي سبيل هدم الجبر وضربه الضربة القاضية بكل إطلالاته جاء هذا الكتاب والسلام

قراءات

للنشر والتوزيع