رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 539247

قراءة في أحداث ونصوص سياسية معاصرة



موسوعة جدل الأفكار (9)

قراءة في أحداث ونصوص سياسية معاصرة

محتويات الملف

1- مفاهيم سياسية

2- محاضرة عن العراق عام 1991م

3- الجذور للقضية العراقية

4- نداء حار إلى الأمة الإسلامية

5- الموقف الحربي في اليوم (21)

6- مؤتمر دول جوار العراق

7- رسائل لحسام السكري

8- العراق والصحاف والمنحرفون

أمين نايف ذياب


مفاهيم سياسية

يشمل هذا البحث موضوعين :

الأول : السياسة من حيث هي والسياسة الدولية.

الثاني : القضايا الدولية المعاصرة.

يحتوي بحث السياسة والسياسة الدولية على تعريفات مختصرة لما يلي :

معنى السياسة .

السياسة والوعي السياسي.

السياسة الدولية.

القضايا الدولية.

أفكار سياسية.

الإنسان والسياسة.

تعريف السياسة.

من هو السياسي ؟.

التجربة السياسية وتشمل التالية :

المعلومات السياسية.

معرفة الحوادث الجارية عبر الأخبار.

اختيار الأخبار.

10- السياسة المحلية.

11- السياسة الخارجية.

الإسلام والسياسة الدولية.

أحوال السياسة الدولية.

مركز الدولة الأولى.

الولايات المتحدة والتأثير الدولي عبر رصد علاقاتـها مع الدول التالية :

أ ـ الاتحاد السوفيتي وأخيرا مع روسيا .

ب ـ الحليفة المملكة المتحدة (بريطانيا) .

ج ـ فرنسا.

د ـ الصين قبل الشيوعية وبعدها.

هـ ـ ألـمانيا.

و ـ اليابان.

ز ـ إيطاليا.

لماذا توجهت دراسة علاقة الولايات المتحدة بـهذه الدول دون غيرها ؟ يعود السبب لكون هذه الدول ؛ ومنذ نـهاية الحرب العالمية الأولى ؛ هي التي تؤثر في العلاقات الدولية ؛ كالدول التي لـها حق النقض ؛ أو حاولت أنْ تؤثر كألمانيا ؛ إذ كانت دولة كبرى ؛ بل تطلعت لقيادة العالم أكثر من مرة ؛ ولا تزال حتى هذه اللحظة لـها تأثير ، ويمكن وضع إيطاليا واليابان كدول حاولت أن تكون كبرى ذات يوم ، أما أسبانيا التي كانت مؤثرة في مطلع القرن السادس عشر ، وقد خرجت من التأثير في العلاقات الدولية منذ زمن ، ويظهر في الساحة الدولية وجود محاولات من قبل ساستها للعودة للتأثير ، وذلك في احتضانها مؤتمر السلام في مطلع 1991م ، وفي سيرها مع الولايات المتحدة في قضية العدوان على العراق عام 2003م ، وتأثير هذه الدول يقل أو يكثر في رسم صورة العالم اليوم .

العلاقات الدولية العالمية الحديثة.

الكولونيالية (الاحتلال وفرض السيطرة) .

الإمبريالية (الاستقلال والارتباط عبر الاتفاقيات) .

النظام العالمي عبر عصبة الأمم ثم هيئة الأمم .

النظام العالمي الجديد .

الإسلام (الدولة الإسلامية والسياسة الخارجية).

مفهوم الدولة الإسلامية.

رسالة الإسلام للعالم.

معرفة السياسة الدولية والخارجية.

أمثلة عملية على السياسة الخارجية.

أساليب العمل السياسي.

ثانيا : القضايا الدولية المعاصرة.

القضية الأوروبية.

قضية الشرق الأقصى.

قضية جنوب شرق آسيا.

القضية الإسلامية.

قضية أفريقيا السوداء.

قضية البحر الكاريبي.

قضية أمريكا الجنوبية.

قضية المحيط الهادي.

قضايا ناتجة عن انـهيار القطب السوفيتي.

(1)

السياسة

السياسة : هي رعاية الشؤون من حيث هي شأن عام للأمة . وتكون في الداخل ـ أي أمر العيش ـ وفي الخارج حماية الكيان ، وما لم يتحقق الأمران لا يكون عملاً سياسيا ، والسياسة تتصل بحياة الناس ، فهي عمل حار جدا لتباين الناس في مدركاتـها وفي مطالبها ، فالعمل السياسي يتطلب أعلى أنواع التفكير ، وأدق شؤون الوعي ، وهو عمل شديد التعقيد ، لاتصاله بحياة الناس من جهة ، ولتعامله مع كيانات سياسة متعددة ؛ كل كيان له وجهة نظر وطموحات خاصة ، العمل السياسي هو الأداة البشرية الوحيدة لصنع الحياة على بصيرة ، أي لقيادة مسار الحياة صعدا في مدارج الرقي ، وإذ تتباين الناس وتختلف في وجهة النظر ، يكون الناس على وجهات نظر متعددة ، فترى البعض منهم قعيد الواقعية ـ بمفهوم التكيف مع الواقع ـ وبعضا آخر أقصى أمانيه الإصلاح ، وأصحاب الحس المعنوي المرهف والتفكير وهم على بصيرة ؛ يعرفون فن الممكن ، فلا يقبلون الدعة والراحة والسكون ، بل يسعون بكل قوة للتغيير ، وصدق الله تعالى إذ يقول : (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم )) (الرعد: من الآية11) والعمل السياسي الذي يمارس من قبل جماعة فن المستحيل لا يعتبر عملا سياسيا ، وهم زمرتان : الزمرة الأولى التي ترى أنَّ التاريخ هو فعل الله ؛ فهي تمارس الانتظار على الطوار ليحقق الله وعده ، يؤمنون بمسائل النبوءات والإعلانات السرية وأخبار الفتن والملاحم ، وهذه كلها من نوع الكذب على الله تعالى وعلى رسله ، والثانية تقول بأن شروط التغيير هي مرحلة تاريخية ، تأتي بفعل التراكمات ، فهي تنتظر حصول هذه التراكمات ، كلا الزمرتين وجد منهم عدم إيمان واقتناع بقولـهم ؛ فأعطوا دورا للإنسان ؛ ولكنه دور ثانوي ، فكانوا حجر عثرة ، وعبئا ثقيلا على طريق النهوض ، هذه التباينات والاختلافات جعلت إمكانية السقوط في الأُحبولات ـ التي ينصبها المختلفون لبعضهم ـ كثيرا على مستوى القوى الداخلية المتنافسة ، وعلى مستوى الكيد الخارجي ، فكان الفشل في العمل السياسي كثيرا ، وقد يظن ظان أن نظرته وخطته للعمل السياسي حازت كل شروط النجاح ، لكن الأمر من حيث الواقع لا يكون على هذه الصورة ـ أي لا تحصل النتيجة ، ولهذا ينسحب من العمل السياسي ، أو يعيد عمله السياسي على نفس الشروط ؛ فيصل إلى عين النتيجة السابقة ؛ فتتكرر الكارثة .

لا بد من القيام بالعمل السياسي خلال محاولات متعددة ؛ وبصورة متلاحقة ، وبأساليب مبتكرة ، فالشرط الموضوعي لنجاح العمل السياسي هو : تعدد المحاولات ، وتلاحقها ، وابتكار الأساليب ، والنجاح لا يكون من مجرد وجود محاولة ، بل إنَّ الفشل والبحث بأسبابه ومعالجتها هو الذي يؤدي إلى النجاح ، وإذ يبدو فشل المحاولات أكثر من نجاحها ، فلا يجب أن يكون تعدد الفشل مثبطا للعزيمة ، قراءة المحاولة الفاشلة قراءة تدبر وتمعن وفحص وإدراك أسباب الفشل هي التي تسد الثغرات ، فالقيام بالمحاولة مرة أخرى بعين الثغرات هي الفشل قبل بدء العمل ، وهذه هي السمة التي تتحكم بالحركات اليوم ، والأمة التي يطول بـها الزمن وتصل إلى الفشل دائما ، تكون مهيئة للخروج من التاريخ والقعود على الطوار ، تلجأ للحلم ، أو تسترجع الذكريات ، أو تنظر المنقذ يأتيها من رحم الغيب ؛ في صورة مصلح فذ قائد ، أو في صورة مهدي منتظر ؛ يصلحه الله في ليلة ، ويمر الزمن ، فلا القائد وجد ، ولا المهدي ظهر !! .

إنَّ تكرر الفشل مع تعدد المحاولات غالبا يؤدي إلى أخطر ما يمكن أن يجري ، هو ما يسربه البعض لذهن الأمة هي صورة الطريق المسدود ، ومن ثم الترويج للتبعية وقبول الاندثار ، والمقصود من ذلك وضع الأمة في حالة يأس شديد وإحباط قاتل ، ويبنى على ذلك التسليم التام بقيادة الولايات المتحدة لـهذه الأمة ، أي منعها من التحرير والوحدة والهوية الحضارية ، وتتحول دولة العدو اليهودي إلى كيان محوري يؤثر في سياسة المنطقة تأثيرا فعالا ، بحيث تسير كل الحياة لمصلحة الأمريكان واليهود .

وكلمة السياسة من حيث هي كلمة عربية ، هي مصدر صناعي مأخوذ من الجذر الثلاثي ( س و س ) وقراءة الكلمة في صورتـها البسيطة ـ أي بدون تحريك حرف العلة هي : سُوس وهذه الكلمة تعني الْعِثَّة من عاثَ يعيثُ عَيْثاً وعُيُوثاً وعَيَثَاناً أي أفسد وأخذ بالفساد من غير رفق ، وقال الأزهري : هي الإسراع في الفساد ، فكلمة سوس بدون تحريك معناها العثة التي تقع في الصوف والثياب والطعام ، لكنها تعني عكس ذلك تماماً في باب : ساسَ يَسُوس وساسَ الأمر سياسةً أي قام به ، أنشد ثعلب :

سادةٌ قادةٌ لِكَلّ جَمِيعٍ ساسةٌ للرجالِ يوم القتال

فالسياسة : القيام على الشيء بما يصلحه ، فالسياسة فعل السائس يقال هو يسوس الدَّواب ، إذا قام عليها وراضها والوالي يسوس رعيته : أي يقوم عليهم بما يصلح شأنهم ، فمعنى السياسة الآن هو تولي شؤون وأمور الناس وإحسان الرعاية للرعية ، أي للناس الذين ولوه إمرتهم ، وأعطوه صلاحية سياستهم ، سواء أعطي ذلك بعقد المراضاة وهذا هو الأصل ـ أي بالانتخاب المباشر ـ أو ظهر منهم الرضا عن توليه أمرهم ومباشرته رعايتهم وسبب السكوت يمكن أنْ يدل على الرضا ويمكن أن يكون بسبب الغلبة والقهر ، وسيأتي شرح الطريقة الأفضل في كيفية تولي الأمر .

إنَّ عناصر العمل السياسي هي ثلاثة : الحاكم والمحكوم وطريقة الحكم أي سائس ومسوس والرعاية نفسها أي العمل السياسي ، وإذ يباشر الحاكم السياسة فهو يباشرها وفق منظومة مرجعية هي مجموعة القواعد الدستورية التي يلتزم بها الحاكم ، ويختلف الأساس الذي انبثقت عنه القواعد الدستورية .

مما سبق يعلم مقدار الثقل الملقى على عاتق العاملين المخلصين ، فيجب أنْ تكون سجيتهم الإخلاص الخالص والحس المرهف ، والعقل على أعلى مستوى في الإدراك ، وهذا الكلام ليس كلاما يقصد به مجرد وجود سياسي لفرد ، أو نخبة سياسية ، بل يراد منه وجود حشد من هؤلاء الساسة ، يقودون الفكر في الأمة إذ هم ليسوا في الحكم ، وقادة العدل إذ هم في الحكم ، وفي تراث الأمة غنى وأي غنى ، وهو ذو جدوى في كيفية وجود هذا الحشد السياسي ، وهو أمر لا مفر منه للأمة التي تحافظ على أن تتسنم المكان اللائق بـها تحت الشمس ، والخطر الأكبر الذي يواجه العمل السياسي ، هو في تحويله من عمل سياسي جماعي مبني على الوعي العام في جملة الأمة ، إلى عمل يرتبط بالفرد ، إذ الفرد حتى على افتراض شدة إخلاصه ، وأنه ملهم في قوله وفعله ، فأنَّ أمر سياسته سيحول الولاء من الفكرة في جملة الأمة إلى الزعيم ، فتكون الكارثة بمجرد موته أو بزوال سلطانه ، فالحكم الذي عماده الفرد لن يتحول إلى سياسة عريقة تفديها الأمة بالنفس والمال ، وتسير بالفكرة صعدا في مدارج الرقي .

ومن هنا يمكن القول : إن الضرورة تقتضي اشتغال الأمة كأمة في العمل السياسي ، والعمل السياسي ليس هو وجود في الحكم ، بل هو تفكير في السياسة ينتج عنه عملا دؤبا في رعاية الشؤون ، سواء أكان في الحكم أم كان خارج هيئة الحكم ، ويا ويل أمة ترى العمل السياسي في تسلم الحكم فقط ، فمثل هذا القول يخرج الأمة بقضها وقضيضها عن العمل السياسي ، فماذا يبقى بعد ذلك ؟

(2)

السياسة والوعي السياسي

من الممكن تعريف الإنسان ـ الإنسان اسم جنس يشمل كل بني آدم من آدم وحتى اليوم وإلى آخر واحد من بني الإنسان ـ وهذه جملة من التعريفات : الإنسان كائن مفكر . الإنسان كائن ناطق (متكلم) ويترتب على التعريفين تعريف ضروري هو سياسي ، فالكلمات الثلاث : مفكر ، ناطق ، سياسي ، هي كلمات ذات علاقة ضر ورية ببعضها البعض ، ذلك أنَّ العمل السياسي يتطلب وعيا على الأعمال المطلوب فعلها ، والأعمال المرفوض فعلها ، والأعمال ذات الأولوية على غيرها ، والأعمال الممكن فعلها ، والأفعال التي يعجز عن فعلها ، وكل ذلك يحتاج للوعي السياسي إذ الأمر متعلق برعاية الشؤون ، والوعي أساسه التفكير ، ومادته المعرفة ، وحركته الرعاية ، وطريقة العمل السياسي إذ هو عمل جماعي ( ولا يمكن أنْ يكون فرديا ، فالحذر من تسرب الفردية إليه ) هو جعل القناعات المعينة (الفكر السائد) مسيطرة وسائدة بالكل الفكري الجماعي ، فالسياسة عمل في الأمة وللأمة ، فلا بد أنْ يكون مؤيدا من قبل الجمهور عن وعي عام . إنَّ الوعي السياسي ضرورة ماسة للفرد , والأمة , والدولة , وبدون ذلك لا يتأتى للفرد حفظ نفسه في عيشه ، ولا تتمكن الأمة من مقاومة عوامل الاندثار ، ولا يمكن للدولة البقاء والاستمرار .

ترتكز نظرية العمل السياسي الحق إلى أمرين :

أنْ تكون النظرة السياسية للعالم كله .

أنْ تحكم النظرة زاوية خاصة محددة .

وربما يتساءل البعض عن السر في جعل النظرة للعالم كله . والجواب : منذ أن وجد تاريخ عالمي وجدت علاقات دولية : حرب , سلم , تجارة , حلف , فحتى تكون المصلحة متحققة للكيان المعين ـ إذ العلاقات الدولية هي علاقات أساسها المصلحة ، وتؤثر فيها القوة قال تعالى : ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) (الأنفال:60) . فإذا لم يعرف السياسي قوة المؤثرين في العلاقات الدولية من حيث القوة والنظرة ، لا يمكن أن يرسم سياسة قادرة على التأثير ومواجهة الأخطار ، فالسياسة الخارجية هي عصب السياسة الداخلية ، والسياسة الخارجية عمادها الزاوية الخاصة ، فهي التي تحدد كيفية تحرك الفكر السياسي والعمل السياسي .

(3)

السياسة والسياسة الدولية

للسياسة من حيث هي توجهان : التوجه الأول السياسة المحلية ، وتعني رعاية شؤون الإنسان (المواطن) ـ أي الفرد من أفراد الرعية ـ في الداخل أي السياسة هي رعاية للحياة والكرامة والعيش , والأمن , والصحة , و المعرفة والتعليم , بشكل عام ، هذا هو الجوهر الموضوعي للسياسة الداخلية ، والتوجه الثاني يتجلى في اتقاء الأخطار والعواصف التي تهب على كيان الأمة والدولة من الخارج ، فالعلاقات الدولية ـ منذ أن وجدت دول ـ وهي قائمة على الاجتياح , أو الضم , أو الإلحاق , أو الفتح , أو الاستيطان , أو الاحتلال , أو السيطرة والهيمنة , أو النفوذ والتحكم , أو الاستعمار الكوليونالي , أو الإمبريالي , أو سياسة الأحلاف و المعاهدات ـ فالعالم لا ينفك عن وجود علاقات دولية .أنَّ أهمية السياسة الدولية للأمم الحية واضحة للعيان ومعلومة لكل إنسان ـ فالأمم الحية لا يتأتى لها البقاء ما لم تباشر السياسة الدولية بل إنَّ حفظ السياسة الداخلية وإحسان الرعاية ، لا يمكن أنْ تتم بمعزل عن مباشرة السياسة الدولية ، ومن هنا كانت أهمية السياسة الدولية على السياسة المحلية .

السياسة الدولية التي يجب الاهتمام بـها وبذل الجهد في فهمها ، والعناية بإدراك أهدافها ، ووسائلها ، وخططها وأساليبها ، هي الأمم المؤثرة في حلبة السياسة العالمية ، لا سيما تلك الدول التي لها تأثير على أمة الواعي سياسيا أو على دولته ، والأمم التي لها تأثير في السياسة الدولية على الأمة الإسلامية وحتى هذا الوقت هي بالترتيب : 1- الولايات المتحدة 2- روسيا 3- إنجلترا 4- فرنسا 5- ألمانيا 6- إيطاليا 7- اليابان 8- الصين .لقد بدأت تبرز للتأثير منذ حرب الخليج الثانية دول أخرى مثل : استراليا وكندا وأسبانيا والبرتغال , ولا يخفى على أحد تأثير هيئة الأمم وخاصة مجلس الأمن بما له من صلاحيات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الجات ومجموعة الدول الاقتصادية الكبرى ومجموعة الترويكا إلى غير ذلك من المؤسسات الدولية فالسياسة الدولية تسير بطريقة فيها الكثير من التعقيد ، تلك هي الدول والمنظمات التي يجب أن تكون موضوعا للوعي السياسي ، لا لفهمها ومعرفتها فقط بل لاتقاء خطرها والانفكاك من تأثيرها .

(4)

القضايا الدولية

منذ مرحلة بداية الاكتشافات الجغرافية ـ بتدشين هذه المرحلة من قبل كولمبس لصالح الدولة الأسبانية ـ حدث سباق رهيب بين دول أوروبا الناشئة حديثا على هذه الاكتشافات ، لقد دخلت دول أوروبا صراعا شرسا طيلة القرون السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر ، وما أنْ أطل القرن العشرين كانت بداية الحرب الكونية الأولى 1914-1918م نتج عن هذه الحرب ما يلي :

هزيمة ألمانيا هزيمة ساحقة .

زوال الدولة العثمانية وتقسيم ولاياتها بين بريطانيا وفرنسا .

إعلان نقاط رئيس الولايات المتحدة ويلسون أل 14 .

زوال دولة روسيا القيصرية وظهور دولة السوفييت الشيوعية .

محاولة إيجاد عصبة أمم تدير العلاقات الدولية .

صدور وعد بلفور الذي ينص على إقامة وطن لليهود في فلسطين .

تلك هي أبرز وأهم نتائج الحرب الكونية الأولى ، ويقتضي الكلام في القضايا الدولية الكلام في عصبة الأمم لفهم مجريات الأحداث الدولية ما بين الحربين الكونيين .

عصبة الأمم

عصبة الأمم : منظمة دولية سياسية ، أنشئت عقب الحرب العالمية الأولى ، وقع على ميثاقها مع التوقيع على معاهدة فرساي في 28/6/1919 وهي معاهدة الصلح التي وقعت من قبل ممثلي الحلفاء من جهة كدول منتصرة وممثلي ألمانيا من جهة أخرى كدولة منهزمة كان الغرض من ميثاق عصبة الأمم حفظ السلام الدولي ، والتسوية السلمية للمنازعات الدولية ، وإنماء التعاون الدولي ، ظهرت فكرة عصبة الأمم في نقاط ويلسون ، لقد أدمج عهد عصبة الأمم الذي يتألف من 26مادة ضمن معاهدة صلح فرساي وولدت العصبة رسميا مع دخول معاهدة فرساي حيز التنفيذ في 10/1/1920م ، ورغم أن وجود العصبة يرتكز لنقاط ويلسون ألاَّ أن الولايات المتحدة لم تنضم إليها ، إذ رفض الكونغرس نقاط ويلسون وعزلت الولايات المتحدة نفسها عن عصبة الأمم.

ورغم بقاء الأمريكان في السياسة الدولية عبر بريطانيا إلاَّ أن بريطانيا فشلت في تحقيق السلام العالمي أي السلام بين الإمبراطوريات الاستعمارية وخاصة قلب أوروبا فرنسا حليفة بريطانيا وألمانيا ألتي خرجت منهزمة في الحرب وإذ هي دولة أمة حية أخذت تتطلع للعودة للتأثير في العالم وواجهت أوربا والعالم أزمة الكساد العالمي 1929-1935 فكان هذا الأمر مساعدا لإقبال الألمان على الإلتحاق بحزب العمال الألماني الاشتراكي أي حزب أدولف هتلر (الحزب النازي) لقد أرجع الحزب النازي الكوارث التي حلت بألمانيا إلى الرأسمالية اليهودية وإلى الشيوعيين وإلى معاهدة فرساي والحزب الديمقراطي الاشتراكي.

كلمة لا بدّ منها

وماذا بعد هذه الهجمة ضد العراق !!؟

مدخل للمحاضرة :

ألقيت هذه المحاضرة في المركز الثقافي الملكي في تاريخ 12/3/1991 م أي بعد توقف الحرب الهمجية ضد العراق بأيام بلغت أحد عشر يوماً أي لم تجف الدماء البريئة بعد ! لم تكن ردود فعل العرب والمسلمين منذ 2/8/1990 م تاريخ دخول القوات العراقية للكويت وإلى 1/3/1991 م إعلان توقف القتال مساوية لما يستحق الحدث من ردود فعل .حاولت المحاضرة تحريك الناس باتجاه تعميق أثر في النفوس من جهة ، وإعلان ميثاق ولاء للأمة ، مع إعلان براءة من الخائنين ، والمخادعين ، والمخدوعين ، والمشلولين الخائفين من جهة أخرى ، أي هي دعوة لمراجعة ذهنية نفسية للحدث حتى لا يُطوي في سجل النسيان . ربما برزت العاطفة في المحاضرة ، وربما جنحت المحاضرة للخيال ، وربما فُهمت على غير مواضع فهمها ـ من أنـها في خدمة البعث العراقي !.

لكن حقيقتها أنـها في خدمة الأمة ـ التي اغتربت عن هويتها الإسلامية الحضارية الإنسانية العالمية ـ وهي دعوة للعودة (فالعود أحمد) ، فالإسلام أساسها ، والإنتاج الحضاري حركتها ، والإنسانية حقيقتها ، والعالمية دعوتـها ، وترك الاغتراب الذي طال ، وهو ما يتشكل الآن تشكلا جديداً لإعلان موت الأمة حضاريا ، واستبدال هويتها بـهوية مسخ هي القطرية المثبتة للحدود الدائمة ، والتبعية للغرب ، وقبول إسرائيل (كيان العدو) دولة شقيقة ، وإعلان رابطة إقليمية مهلهلة هي السوق (الشرق أوسطية) ، فهل من إمكانية لبعث الحياة في الأمة مرة أخرى ؟! أفكار هذه المحاضرة ليست أفكاراً حالمة ، وإنما فيها قابلية الوجود الحي إذ وعتها الجماهير وأرادتـها ومارستها .

وجهة نظر أم تبرير !

ساورتني الرغبة كثيراً أن لا أضع المحاضرتين التاليتين بالكتاب ، للخشية من أن يفهما على غير مرادهـما ، فأحيانا كثيرة تتركز القراءة ـ لأي نص فكري أو سياسي ـ من خلال العنصر النفسي للقارئ ، لا من خلال الناحية الفلسفية السياسية للنص ، أي الدخول إلى قلب النص بدل الدخول إلى نية الكاتب ، لمعرفة موضوعه ، ومساره ، وهدفه ، ومفاهيمه قبل ذلك .فقد يُفسر مفسرٌ نص ماذا بعد حرب الخليج ؟ أنه تأييد للوضع السياسي القائم بالعراق ، مع أن النص هو تأييد للعراق ضد أعدائه الـهمج ، والانتفاع بمعطياته الكاشفة عن صورتنا الـهزيلة ، والتي بينت بوضوح مدى حقد الولايات المتحدة وصواحبها على أمتنا .

وقد يفسر نص محاضرة " مؤتمر السلام والتسوية السلمية " أنه موقف غامض ، لأنه لا ينتمي للضدين المفتعلين : المؤيدة والمعارضة ، ولقد ابتليت الأمة ـ عبر مسار تاريخي طويل ـ بحالة المؤيدة والمعارضة ، ذلك أنـهما حالتان متناقضتان تناقضا ظاهريا ، أما حقيقتها : فهما يعملان ضمن عملة واحدة ووجهين مختلفين .ما تكشف الآن ـ وبعد مسار مقداره خمس سنوات ـ أن الرؤية الاستطلاعية للمحاضرتين كانت صادقة ، فالعراق معرض لأقسى هجمة تجويعية ، متذرعة بأنـها ضد نظام الحكم ، مع أن نظام الحكم لا يتعرض للجوع أبداً ، وأخذ مسار قضية فلسطين إيجاد دولة فلسطين بخطى بطيئة , ومهينة , وهي دولة ـ في كل المعايير ـ لا يمكن أنْ تملك إرادة سياسية حقه .لقد استشهدت المحاضرة الثانية بفقرتين من كلام سياسي للملك عبد الله عندما كان أميراً لشرق الأردن فلا يُظَّنُّ أنها من نوع التزلف للعائلة المالكة بالأردن بل جاءت لكشف الصورة التي عليها الواقع العربي مع بوادر نهاية الحرب العالمية الثانية لا أكثر ولا أقل .

بسم الله الرحمن الرحيم

حصاد التفتيش والذكريات

الأحد في 29 حزيران 2003م

وصوت المذيع من محطة BBC ينطلق ، يذيع قرار وزراء الثقافة والإعلام العرب بحماية التراث الثقافي العراقي ـ " جاء بيانـهم العتيد هذا بعد خراب البصرة " ـ وضرورة الحفاظ والعمل على استرداد ما نـهب من محتويات المتحف الوطني العراقي ـ الذي تعرض لاعتداء من جماهير لا تعرف هويتها ، تحت سمع وبصر قوات تحرير العراق من أل wasp الوافدين من خلف البحار ـ " ما بين الشرطتين ليس من الخبر المذاع عن قرار السادة الوزراء , حفظهم الله ورعاهم ووفقهم لرعاية شؤون العرب في كل مكان , بل هو من الذكريات " أمامي صفحة 3 من جريدة المجد الصادرة يوم الاثنين تاريخ 9 أيلول 1996م وعنوانـها "الفعاليات السياسية تطالب العرب بالتصدي للعدوان الأمريكي الغاشم على العراق" وقد زينها محررا الصفحة : سحر أبو حجلة , ووليد حسني ـ بصور مجموعة الفعاليات السياسية الأردنية ـ وأتاحا لكل واحد منهم حيزا في الصفحة ؛ وعنوانا جامعا لقول كل واحد منهم ، وهو جواب لسؤال وجهته إليهم المجد ، وهذا هو السؤال " ما رأيك بالعدوان الأمريكي الأخير على العراق ؟ وما هو المخرج من الحالة العربية المتردية ؟ وهم كما جاء الترتيب في الصفحة مع العنوان مع نقل العنوان لقول كل منهم :

الأستاذ المحامي إبراهيم بكر (في ذمة الله) : أمريكا هي الأشد همجية في التاريخ .

الدكتور طراد سعود القاضي (في ذمة الله) : غياب القيادة القومية وراء ضعف الأمة .

النائب الشيخ عبد المنعم أبو زنط : القتال هو الحل الوحيد لاستئصال السرطان الأمريكي .

الأستاذ ملحم التل (في ذمة الله) أمين عام الجبهة الدستورية الأردنية : لا بد من اتخاذ موقف عربي موحد ضد العدوان .

الأستاذ محمد فيصل المجالي أمين عام حزب الأنصار : ندين كل المتواطئين والساكتين على الغطرسة الأمريكية .

السيد سالم النحاس الأمين الأول لحزب حشد : هدف العدوان تقسيم العراق وضرب العمق العربي .

السيد فؤاد دبور الأمين العام المساعد لحزب البعث التقدمي " هو الآن الأمين العام بعد رحيل الأمين " ندين العدوان وندعم وحدة أرض العراق .

الأستاذ المحامي مجلي نصراوين قال : الحل بإحياء ميثاق 1978م بين سوريا والعراق .

الدكتور هشام غصيب قال : الرد العربي العملي يكون بوقف التسوية والتطبيع .

الدكتور سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية قال : أمريكا تمارس دور الشرطي الهمجي .

الكاتب الدكتور عودة بطرس عودة قال : الغضب العربي الجماهيري لا بد أنْ ينفجر يوما !! .

الأستاذ المحامي رضوان النوايسة قال : الهدف إضعاف كل القوى الوطنية العربية .

وقد وضع في ذيل الصفحة إعلانا مدفوع الأجر من قبل نقابة المهندسين والإعلان دعوة من لجنة مقاومة التطبيع لحضور محاضرة للزميل علي حتر بعنوان : " نتنياهو مفاهيم ومواقف " من خلال كتابه " مكان تحت الشمس " في قاعة الزهراء في مجمع النقابات يوم 11/9/1996 ـ وقد حضرت المحاضرة ـ والظن أن مقدم المحاضر للجمهور هو المهندس علي أبو سكر النائب في مجلس النواب الأردني الرابع عشر وكان الأول في الناجحين في منطقته .

في ص 4 ورد عنوان آخر ، يتصل اتصالا مباشرا لما ورد في ص 3 ، والعنوان هو " فصائل المعارضة الفلسطينية تدين العدوان الأمريكي على العراق وتعتبره فصلا من فصول فرض الهيمنة على الأمة العربية ودونت المجد بعض فقرات البيانات التي صدرت عن فصائل المعارضة وحب ترتيب المجد لها كانت كما يلي : الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وجبهة التحرير العربية ـ يظهر صدور بيان مشترك عنها ـ جاء في ختام البيان بعد جمل إدانة للعدوان : الدعوة لاستنهاض أوسع أشكال التضامن على المستوى العربي الشعبي وعلى المستوى الدولي .

يظهر أنَّ حماس لم تصدر بيانا إذ ورد الخبر كما يلي : عقب مصدر مسؤول في حركة حماس على العدوان بقوله : إنَّ هذا العدوان يأتي في سياق الإدارة الأمريكية المعادية لتطلعات وآمال وحقوق أمتنا العربية والإسلامية في العيش بحرية واستقرار واطمئنان ، وقال أيضا : إننا في حركة حماس إذ ندين هذا العدوان السافر المخالف لأبسط قواعد القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة ، فإننا ندعو الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بتحرك جاد للوقوف إلى جانب حق العراق الشقيق في الدفاع عن وحدته وسلامة أراضيه إلخ ما جاء في التعقيب ........ !

أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة بيانا يشحب ويدين بشدة هذا العدوان ، ويعلن البيان التضامن مع الشعب العربي الشقيق وأشار البيان : إنَّ العدوان يأتي تعبيرا عن الصلف والغطرسة والعدوانية التي تتسم بها الولايات المتحدة ودعت كل القوى الحية لإدانة وشجب هذا العدوان .

الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري قال في بيانه : إنَّ العدوان الاستفزازي يستهدف كذلك إرهاب شعوب المنطقة وأشار البيان إلى أنَّ العدوان الأمريكي على العراق يقدم برهانا ساطعا على نزعة التفرد والسيطرة على النطاق العالمي وعدم الاكتراث بالتنديد والاستنكار الواسع لهذا العدوان .

تحالف القوى الفلسطينية أدان العدوان المجرم ودعا كل الأقطار العربية وكل قوى التحرر والـهيئات الدولية والإنسانية التصدي لـهذا السلوك الأمريكي البشع ولقطع الطريق على هذه العربدة الأمريكية المتمادية .

الجبهة الشعبية القيادة العامة استنكرت العدوان ووصفته بأنَّه مجرد مزايدة انتخابية من الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وقال البيان : إنَّ العدوان الأمريكي الأخير يطال وحدة العراق شعبا وأرضا مثلما يطال وحدة التلاحم بين الأكراد والعرب ، كما يطال في نفس الوقت المواطنين الأبرياء أطفالا وشيوخا ونساء .

تلك هي أجزاء ، تبين عن صور لمواقف ، عبر مقالات رجال ؛ وبيان حركات ، أيام عدوان أمريكي سموه " بثعلب الصحراء " استهدف بنية القوة العراقية ، لكن القول سهل ، والفعل أو التأثير أو الردع بقي في الغياب ، ورحل بعض الرجال ، وبقيت الأقوال شاهدة على مقدار استهتار المثقفين في قضايا الأمة ، وسار الزمن الذي لا يتوقف ، ومع كل ثانية زمنية يرحل التاريخ ، مبقيا خيطا يشد الحاضر إلى الماضي ، وتأتي أيام من 20/3/2003 م إلى مساء 7/4 2003 م لنسميها أيام الحلم الجميل ، فيكون مع صباح يوم 8/4/2003م الغموض وتظهر يوم 9/4/2003م الفاجعة !!!! وتفسر الفاجعة تفسيرات شتَّى !!! ويفرح العرب الأعراب بـها وكأن الواحد منهم صانعها ويقول إعلاميون هنا وهناك أقوالا تؤذي السامع ((هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ))(آل عمران: من الآية167) ويحتار المرء فيهم ويسأل : لماذا لا يرون وجهي الواقع ؟ لماذا لا يبحثون عن سبب في عمق التاريخ عن دواعي العدوان ؟ أهو الواقع الذي تصوروه عن هذه الحرب كدواع ونتائج ؟ أم ما يبتغيه زيد ليس عين ما يريده عبيد ؟ وذات يوم ما سيفيق هؤلاء المغفلون ويجدون أنفسهم وقد انطبق عليهم مثل من صيفت في الغور ! صيف ما صيفت وعرض ما حفظت . ولن يجدوا من سوء ما صنعوا الملجأ الآمن ((لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)) (التوبة:57) .

وماذا بعد هذه الهجمة الهمجية ضد العراق

تحرير الإرادة والسيادة طريق النصر :

التوحيد طريق تحرير الإرادة :

العدل طريق تحرير السيادة.

((الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ))(يونس: من الآية35).

الاستقامة هي امتحان حرية الإرادة والسيادة فعلاً.

هذه الكلمات الأربعة التوحيد ، العدل ، الحق ، الاستقامة هي صرخة المعتزلة لإحداث النهضة والتغيير في المجتمع والفرد والسلطة ، وبدونها لن تحدث نهضة فهل آن الأوان لقادة الفكر وقادة الأحزاب ، التنحي عن طريق وترك القافلة تسير على هدى هذه الكلمات الأربعة ، الغنية في مضامينها ، أم تبقى هذه القيادات مصرةً على السير في عبثها ، تضحك على الأمة عقداً من الزمان أثر عقد من الزمان .

إن التاريخ لا يحرم والمجرَّب لا يجَّرب فالأمة اليوم وبعد مضي (45) عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية انقسمت أمام حركة بطولية تاريخية عنيفة هي حركة النواة العراق إلى معسكر الخائفين وهي صورة لم يكن يتوقعها أكثر الناس فكيف حدث ما حدث وهل يلجأ إلى العادة لتبرير الهزيمة بأن تسمى بداية النصر ؟ والتغني ببطولات الشعب من المحيط إلى الخليج ويُرحب بصمود الخائفين على خوفهم !؟ وتمجيد تفاني القيادات الشعبية والحزبية في مدى إخلاصها والتسبيح بحكمة القيادات السياسة !؟ .

أنها دعوة لوقفة محاسبة جادة لكل المواقف ولكل الأفكار ولكل الشراذم لامكانية إعادة البناء وإعادة دائماً تُسبق بعملية هدم ، عملية هدم جريئة تتعرض للأساس قبل الهيكل وإلا فإنها ستكون الترميم لن يحرك هذه الحياة الآسية التي تعاش ، والتي تعتمد الأماني والأشواق والأحلام في اليقظة وفي منام عن غدٍ فاضل يأتي من انتفاضة صغار / أبطال الحجر حلم عام ( 87 ـ 2 آب 1990 ) أو من وقفة العراق وحدة ووحدة فقط أمام هجمة شرسة وعاتية من أكبر وأكثر تجمع حدث في التاريخ ضد دولة واحدة من ( 2 آب ) إلى ( 2 آذار ) 1991 م .

إن الهدم والبناء لا بد أن يُسبق بتصور واضح يحدد المعالم ويدخل إلى التفصيلات ويرسم الخطط ويعرف الوسائل والأساليب وإلا فإن إعادة البناء تتعثر وتقف أمام أدنى صعوبة تعترضها وقفة الحائر ، الذي لا يرى ما يفعل ! وكيف يسير ! وسيدخل الأزمة والمأزق معاً ! وسيحيل عجزه على القضاء والقدر عند المتدينين وعلى المستقبل عند العلمانيين .إن النهضة والتغيير لن يأتينا من خلال فكر سلفي جامد متحجر يمارس التضليل والتهويم قد يقرأ القرآن الكريم وكأنه نبوءة عن المستقبل لا كتاب هداية ويطلب أحاديث الجفر وأحاديث كنز العمل يحاول فيها أن يرى النصر قبل وجوده ويعمل على نشر مخدرات العقول يشجع آمين المساجد يوم الجمع على تناولها بكلتي يديهم .

ولكن ماذا عن حشد آخر ليس سلفيا وإنما هو في محل العداء للسلفية أنه قومي أو يساري أو ليبرالي وبصورة أخرى تغريبي يستمد من غير أمته فكره ومنهجه وثقافته ويتغنى بألفاظ لا يدرك لها أي معنى ، ولا يحدد مسارها ، أنه يتغنى بالديمقراطية بصورة طوباوية ، يرسمها ذهنه لا واقع الديمقراطية الغربية ، ويطلب الحريات دون معرفة سقفها ، والسيف يرتفع وينخفض حيث الهوى والميل ، ويؤمن بالتشرذم من خلال دعوته للتعددية كأن التشرذم هو المطلب الأسمى عنده ، وينادي بحقوق الإنسان كما تخيلتها هيئة الأمم المتحدة عبر أمينها ديكويار ( 1 ) الذي جعل الأمم المتحدة في خدمة الولايات المتحدة !. إنها كارثة خطاب فكري وسياسي هو المسؤول عن حجم الكارثة التي نعانيها اليوم وهو خطاب يأبى أن يموت لأن وجود استمراره هو الضمانة الوحيدة لتخليد التجزئة وبقاء التبعية وضياع الهوية الذاتية لامتنا ، لهذا يسعى الأعداء لبقاء هذا الخطاب وإمداده بكل سبل العيش ، من خلال سيطرته على القيادة والتوجيه عبر كل منبر خطابي أو قيادي ، فلا مجال إطلاقا لظهور غير هذا النمط من الأفكار وهذا النهج من القيادات .

أنه وقد تمخضت الأحداث على تكالب قوى الأطالسة بخبث وحقد على الوقوف أمام نجف الإمام علي بن أبي طالب وكربلاء الحسين بن علي بن أبي طالب وكوفة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبصرة إبراهيم بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبغداد المردار والجعفرين لقتل محاولة العراق إعادة البناء لأمة عريقة في التاريخ يساعد الأطالسة في ذلك قوى المنافقين والمرتدين ويبقى متفرجاً في مدرجات المشاهدين معسكر الخائفين من أهل ملتنا ومعسكر التقدميين ومعسكر عدم الانحياز ! بعد أن بارك الجميع هذه الهجمة الشرسة عبر الموافقة أو التزام بقرارات هيئة الأمم المتحدة اليس هذا عجباً يميت القلب !؟ وبعد أفلا يكفي هذا الحدث لبيان ما يجب أن نفعل ولهذا المعتزلة أنه لا يدرك من إعادة البناء من خلال مواقف محددة وواضحة تشمل كل من شارك أو ساهم في صنع الهجوم ضد العراق ! .

أولاً : أن الولايات المتحدة هي العدو الأول لهذه الأمة فلهذا فإن الأمة مدعوةٌ لمقاطعة الولايات المتحدة ، مقاطعة تامة ومستمرة ، فلا مجال لاستهلاك صناعتها أو التعاون معها ، بأي صورة من صورة من صور التعاون ، فلا بد من مقاطعة أفلامها وثقافتها وسفارتها ، فلا سفر إليها ولا رحلة مع طائرتها ، وتثقيف الأبناء والجماهير بما يجعلها ندرك حقيقتها ، وأنها عدو خبيث وحاقد وكشف حقيقتها في كل منتديات العالم ما أمكن والاستمرار في دعوة العالم الثالث شعباً ، على إعلان العداوة لها ودعوة المتواجدين من أساتذة الجامعات من العالم الثالث إلى ترك العمل معها بأسرع ما يمكن ، وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على كل من الدول التالية ، بريطانيا ، فرنسا ، أسبانيا ، وألمانيا وهولندا وكندا واستراليا واليابان وايطاليا والأرجنتين تشيكوسلافيا ، المجر ، كوريا الجنوبية ، بلجيكا .

إن آلية هذا العمل هي في مشروع ثقافي ومشروع دعاية ، المشروع الثقافي يجعل مقاطعة الولايات المتحدة قناعة تنمو في المساحة يوماً بعد يوم ، وتتركز وتتعمق مع توالي التدارس والتذكير ، أما مشروع الدعاية فهو في محاولة الدعاية بكل سبيل ممكنة أو متاحة ، من خلال التأثير الفردي والجماعي في الأفكار والمشاعر وذلك بالاتصالات الحية من مراكز القوى من نقابات مهنية أو غرف صناعة وتجارة أو من خلال مراسلات شخصية كل يراسل من يعرف ومن خلال الكتابة في الصحافة وبيان ما في التعامل مع مثل هذه الدول من استهانة بالذات ، قبل الاستهانة بالأمة ، وفي محاضرات مستمرة ، تشمل المنتديات والمساجد وفي ملصقات جدارية تطلب المقاطعة ، وتكشف خطر عدم المقاطعة ، وأن يبقى هذا العمل بصورة مستمرة من خلال الثقافة والاعلان والاصرار على ذلك (1) .ربما يبدو للبعض أن أثر مثل هذه الآلية غاية في الضعف بحيث يكون صعبا ومستحيلا إدراك أثاره والحقيقة أن أثاره مرتبطة في قوة التصميم والمثابرة على الاستمرار بالثقافة والدعاية بحيث يصبح عدم الاكتراث بالمقاطعة عيباً في الذات وطعنا في الكرامة سواء بدا من واحد أو من جماعة .

وقد يبدو للبعض استحالة هذه المقاطعة لحاجتنا الماسة للاستعانة بـها لما لدى هذه الدول المتقدمة في التكنولوجيا من إمكانية لا يمكن الاستغناء عنها إذا أردنا إعادة بناء قوتنا الصناعية والعسكرية ولأننا في ضرورة قصوى لما عند هذه الدول من مستجدات في العلم النظري والتطبيقي والحقيقة أن الاعتماد على الذات وطلب البدائل من الدول التي لم تقف ضدنا هي الطريقة المثلى لعلاج هذا الأمر .أن تحول هذه المقاطعة من رأي شعبي إلى سياسة في الدولة مرتبط ارتباطاً في تركيز هذه القناعات عند الرأي العام أولاً فالقاعدة الشعبية هي الطريق الصواب وبدونها لن يتأتى نجاح مثل هذه المقاطعة إذ يجب أن تتكون هذه المقاطعة على أسس أن الولايات المتحدة وحلفائها هم عدونا وأن تبقى هذه الجذوة مستمرة وليس على أساس موقف سياسي عارض .وهنا يجب الحديث عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن تلك الهيئة وذلك المجلس الذين كانا عباءة للولايات المتحدة وحلفائها لإقامة دولة اليهود في فلسطين والوقوف إلى حد القتل والقتال أمام تحررنا ووحدتنا وإعلان هويتنا واستئصال الكيانات السرطانية من جسمنا ولقد ثبت أن هيئة الأمم ومجلس الأمن لم يوجدا لخدمة السلام أو العدل أو الأمن الاقتصادي وإنما وجدا لجعل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الحلف الثلاثي اللامقدس في حالة هيمنة وسيطرة على الدول والشعوب والأمم ومنع حركة التاريخ .

أن صدور أثنى عشر قراراً ضد العراق خلال زمن قياسي أمر مثير والقرارات تحمل أشد قرارات مجلس الأمن قسوة تكتشف بصورة مريعة حقيقة مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة من أنهما هيئتان لا علاقة لهما بتحقيق العدل والسلام وإنما هما أداة هيمنة وسيطرة للولايات المتحدة والدول الكبرى ولا يغترن أحدا بموقف بعض الدول من رفض للقرارات فهو مجرد رفض شكلي ولذلك لم تستعمل الصين مثلا الفيتو مرة واحدة ولهذا لا بد من رأي عام عالمي ضد هيئة الأمم المتحدة وضد مجلس الأمن وأن العضوية بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو عين القبول والرضا التام باستعمار للولايات المتحدة لنا وللعالم عبر أسلوب جديد أشد وقاحة وأقوى تأثيراً واستمراراً يفوق الأساليب الاستعمارية السابقة هذا هو المجلس وتلك الهيئة ولهذا فإن المعتزلة تهيب بالناس أينما كانونا لهدم هذه الهيئة وبهدمها تضعف الولايات المتحدة وتتقزم وتتحول إلى ديناصور يمكن قتله أو حبسه داخل ولايتها الواحد والخمسين ولا بد من العلم أن آلية العمل ضد هيئة الأمم ومجلس الأمن ليس لها من طريق إلا الثقافة والدعاية وفضح معاييرها وإذا كان لا بد من بقاء علاقة بين الأمم فلا بد أن تكون من خلال هيئة لا تمتلك صلاحيات إجرائية وإنما تسير عبر الإلزام الأدبي فقط .

إنَّ إضعاف الولايات المتحدة وحل هيئة الأمم المتحدة أو تحويلها إلى كيان يفتقد الصلاحيات الإجرائية ليس مصلحة سياسية آنية وإنما هي مصلحة سياسية غير آنية ، ولهذا لا يمكن العمل لتحقيقها من خلال الكفاح السياسي ، وإنما يتأتى تحقيقها من خلال الصراع الفكري والثقافة المركزة والثقافة الجماعية أي إيجاد رأي عام عالمي خطورة الولايات المتحدة إدراكاً واقعياً ويعرف أفعال هيئة الأمم المتحدة معرفة تامة بحيث يوضع الاصبع على حقيقة خدمتها لهيمنة الولايات المتحدة على العالم .إضعاف الولايات المتحدة وحل هيئة الأمم المتحدة هما سياسة بعيدة المدى لكل دول العالم الثالث وكل الأمم المؤثرة الراغبة في فك الهيمنة الأمريكية ولا يأتي هذا الأضعاف وذلك الحل لهيئة الأمم من مجرد موقف فكري لجماعة وإنما هو عمل سياسي عالمي ، خاصة العالم الثالث فلا بد من إدراك هذه الحقيقة ، والعمل من خلالها وليس من مجرد الأماني والرغبات .

ودعوة إلى معسكر الخائنين والمرتدين إذ هو ركيزة العدوان من ناحية سياسية فآلية استند الحلف الغربي الهمجي وعليه كقاعدة وعليه إرتكز ومن أرضه ومطاراته وقواعد ومياهه الاقليمية تحرك ، ومن أمواله انفق ، وقدم معسكر الخائنين رجاله كاكياس رمل أمام مجندي ومجندات الحلف الهمجي إن مثل هذا الفعل من المرتدين والخائنين مهما كانت مبرراته وتحويراته لا يمكن أن يقبله عاقل ، وأن يرضى عنه إنسان له أدنى إحساس بكرامته ، أو شخص عنده بقية من دين ، أو قليل من أمل فلقد ضرب هذا المعسكر وبصورة عاصفة ومفاجئة كل علاقة يمكن أن تكون معهم فلا أرحام بيننا وبينهم ولا بد من اتخاذ صورة البراءة منهم ليس على صعيد الحكام فقط بل على صعيد المفكرين والإعلاميين وعلى صعيد الدبلوماسيين والسياسيين وعلى صعيد الضباط والجنود وعلى صعيد الأحزاب مؤيدة أو معارضة فإن ما حدث كان يجب أن يتخذ تجاهه إجراء الحياة أو الموت ولا مجال الاعتذار .

وإمـا مـمـات يـغـيـظ العدى      فـأمـا حـيـاة تسر الصديق

قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )) (الممتحنة:4) .

هذه الآيات الأربعة من سورة الممتحنة ، تبين لنا صورة العلاقة مع أقاربنا الذين ينتمون إلينا ، من خلال الرحم وصلة القربى ، وعلاقة اسم الدين لا مسماه واللغة مع اختلاف في معنى رموزها على صعيد الواقع ، كفروا بما جاء من الحق ولهذا فالعلاقة هي علاقة البراءة ، والبراءة لا تكون إلا من له صلة فينا ، وإعلان العداوة لـهم بوضوح أما من ادعى أنه لم يكن في أي صورة معهم فهو مطالب بالامتحان ، فالسورة هي الممتحنة أو الامتحان أو الاختيار وهي سورة متعلقة بعلاقة الحرب وليس بعلاقة الإيمان والكفر ، أو بين الأفراد أو الهيئات أو الطوائف ، أو دول لم تقم علاقة الحرب معنا .

الدول والشعوب والأحزاب والقيادات الفكرية والحزبية والشعبية وأهل المراكز الإعلامية والثقافية أو الدبلوماسية أو الفعاليات الشعبية أو الاقتصادية التي يجب بناء علاقة البراءة منها وعدم ولايتها هي الدول التي شاركت في الحرب وهي السعودية ، مصر ، سوريا ، تركيا ، الكويت ، قطر ، البحرين ، الامارات فلا بد من اتخاذ حالة البراءة ومن يريد أن يسترد ولايته من أهلها فلا بد من امتحانه لمعرفة حقيقة هل هو من أهل الأعذار أي أحد المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً أو هو غير ذلك . خاصة وبحثه من كل جانب لكن الفكر الإسلامي وخاصة السني أضرب عن موضوع بحثه من حيث الولاية التي يحرم فيها الحج بل إن ربحت الولاية وأن ورد في الأحكام السلطانية للماوردي والشروط التي يجب توفرها فيمن يتولى ولاية الحج إلاّ أنه تعرض لأهلية ولم يتعرض لصحة أو بطلان أو فساد ولايته بسبب من قهره أو جوره أو إجرامه أو فساده في الأمة ولم يتعرض للولاية حين تكون تطبيق النظام الوضعي أي تحكم بالكفر ، وتقود الأعمال التعبدية من خلال وزارة أو هيئة انيط بها ذلك فقط على وجه الاختصاص ، لا على وجه التنظيم ومع أن الفكر السني وخاصة السفلي الوهابي الحنبلي هو فكر أثرى ، إلا أنه أثرى في تطقيس العبادات ولكن حين يكون الأمر سياسياً يترك أثريته وسفليته ، ويتحايل عليها بأسوأ طرق التحايل وممارسة التجييش العاطفي لعامة ليست كالأنعام بل أضل سبيلا . ولدراسة هذا الموضوع دراسة تتحرى الحق ويسيرها الاستقامة لا بد من العودة لنصوص الحج في القرآن الكريم حيث سيجد القارئ أن كلمة الحج وردت (10) مرات ستة آيات هي التالية :

(1) الآية 189 من سورة البقرة وهي بداية الرابع الأخير للحزب الرابع والآية هي (( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (البقرة:189). وتكمل الآيات التي تليها 190 ، 191 ، 192 ، 193 ، 194 ، 195 وهي موضوع القتال عند المسجد الحرام وموضوع الانفاق في التحصين .

(2) الآية من سورة البقرة التي تبدأ بقوله تعالى (( وأتموُّ الحجّ والعمرة لله )) وهي تبين أحكام الهدى والاحرام وأحكام الفدية وترد كلمة الحج مرةً أخرى في هذه الآية وهي قوله تعالى (( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج )) ليرد بعد ذلك فدية التمتع وفيها ترد كلمة الحج للمرة الثالثة بقوله تعالى (( فصيامُ ثلاثة أيام في الحجِّ )) ففي أية واحدة ترد كلمة الحج ثلاث مرات وهي أحكام مفصلةً للحج .

(3) آية من سورة البقرة أيضاً ، لتكون الآيات بعدها وهي 198 ، 199 ، 200 فهي تفصل النسك في الحج وترد كلمة الحج في هذه الآية ثلاث مرات كما يلي : أ ـ (( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات )) ب ـ (( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )) ج ـ (( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ))(البقرة: من الآية197) .

(4) آية 97 من سورة آل عمران وفي القسم الأخير من الآية قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) بعد سياق الآية 96 والقسم الأول من الآية 97 حول بيت وضع للناس وأنه ببكة وأنه مبارك وفيه مقام إبراهيم .

( 5 ) آية من كتاب الله وهي قوله تعالى (( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )) (التوبة:3) وهذه الآية لا علاقة لها بموضوع فريضة الحج على المسلمين وإنما موضوعها ترتيب العلاقة بين مشركي الجزيرة والإسلام سّمي الحج الأكبر إذ هو أول حج بقيادة الإسلام فقد كان أبو بكر رضي الله عنه هو أمير هذا الحج بتوليه الرسول له إمارة الحج وذلك في السنة التاسعة للهجرة وكان علي رضي الله عنه هو المبلغ عن رسول الله صلوات الله وسلامه.

( 6 ) آية من كتاب الله تعالى وهي قوله : (( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )) (الحج:27) والمفروض أن تقرأ هذه الآية في سياق الآيات 25 إلى 37 وسواء فُسّرت قوله تعالى ( وأذن ) إنما هو أمر لإبراهيم عليه السلام أو هو لمحمد صلوات الله وسلامه عليه فإن القراءة للآيات تدل على ضرورة رفض تطقيس العبادات ، ما سبق هي الآيات التي ذكر فيها الحج ولم يذكر في غيرها أبداً وهي كلها آيات مدنية وقوله تعالى ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة:19) .

توصل هذه القراءة لهذه الآيات قراءة تدبر أن الحج والعمرة لبيت الله الحرام ، فرض افترضه الله على عبادة مرة واحدة في العمر ، لمن استطاع إليه سبيلا ، ولم تجعل الآيات على رأس سلم القيم ولم تتعرض الآيات لا من قريب ولا من بعيد " أن الحج مُكفّرٌ للفواحش أو الفسوق أو المعاصي أو الإثم أو الذنب أو حتى الصغائر " بل نددت الآيات تنديداً واضحاً جليا بأهل تطقيس العبادات .

وإلى قراءة علاقة الرسول بالحج والعمرة ، فالسيرة لا تحدثنا إطلاقا عن حج أو عمرة لرسول الله صلوات الله عليه وسلم ، قبل الرسالة مع أنها معروفة في الجاهلية ، وهي تسير على بقايا دين إبراهيم عليه السلام ، ولم تحدثنا السيرة عن حج أو عمرة لرسول الله صلوات عليه وسلم بعد الرسالة ، مع أنه بقي في مكة ثلاثة عشر عاماً يحمل الدعوة ، إذ قام الدولة الإسلامية في المدينة فلم يفكر في حج أو عمرة إلا في السنة السادسة في ذي القعدة مستنفراً الأعراب الذين حول المدينة ولم يذهب معه على الغالب إلا المهاجرون والأنصار يبلغون من العدد حوالي ( 1350 ـ 1550 ) نتج عنها صلح الحديبية ، ورجع دون أن يعتمر ، وكل من رصد هذه الواقعة يعلم أنها عمل سياسي ، سماه الله فتحا مبيناً ، ومهما قيل محاولة القيام بعمرة تحت ولاية نبي الهدى محمد صلوات الله عليه وسلم .

وفي السنة السابعة من الهجرة وفي ذي القعدة ، خرج الرسول محمد صلوات الله عليه وسلم ومعه المهاجرون والأنصار ، وتحت ولايته أيضاً ، لأداء العمرة وفق شروط صلح الحديبية ، وجلت قريش عن مكة سواء وفق شروط الحديبية كما يرى كتاب السير ، أم أن الأمر بسبب عدم رغبتهم رؤية هذه العصابات من المسلمين ، ولكن الأمر البارز أن الاعتمار تم بولاية الرسول صلوات الله عليه وسلم .

وفي عشر خلون من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، خرج رسول الله لفتح مكة ، ولهذا لم يخرج كما كان يخرج قبلاً للعمرة في ذي القعدة ، أي في أحد الأشهر الحرم ، وإنما خرج في رمضان وشهر رمضان ليس من الأشهر الحُرمُ ، وافطر رسول الله علنا ليراه الناس وأمر بالفطر وقال عن قوم تمادوا في الصيام أولئك العصاة ! وتم الفتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ( 8 هـ ) وطهر الكعبة من الأصنام والصور وارتفع أذان بلال رضي الله عنه من على ظهر الكعبة ، ولم تحدثنا عن عمرة للرسول في هذا الدخول لمكة .

وإذا عاد من غزوة حنين والطائف عن طريق مكة أحرم رسول الله من معه للعمرة من الجعرانة ، ودخل مكة ومن معه تحت ولاية وعاد إلى المدينة المنورة لست بقين من ذي القعدة فتكون عمرته الثانية أيضاً في ذي القعدة وتحت ولايته .

وفي عام ( 9 ) للهجرة حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس بأمر من رسول الله عليه وأُرسلَ على رضوان الله قارئا صدر سورة براءة نابذا إلى كل ذي عهد ومبطلا كل عقد سلف كما مر في شرح آية ( 3 ) من التوبة .

تم حج الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة بالناس ( وكان جمعا زاخرا بلغ 90 ألفا أو 114 ألف ) حيث خرج لها من المدينة بعد أن صلى الظهر لست بقين لذي القعدة وطاف للعمرة والحج طوافا واحداً ورحل إلى المدينة قبل طلوع شمس يوم الأربعاء الرابع عشر لذي الحجة بعد أن خطب في الناس خطبة حجة الوداع الجامعة يوم التاسع من ذي الحجة .

ولهذه الحقائق المرعبة لا بد من إعادة البناء بناءاً يبدأ من التفكير ويرفض المسطحات الفكرية ، ويتعامل مع أمه لها مميزات كامنة فيها ، يحاول إظهارها بشكل عميق مؤثر ، وهذه الأمة في محل الاستطاعة أن تعاود الفعل مهما كانت النتيجة السابقة فهي لا تستكين .

وماذا عن العراق ؟ وهو يتعرض الآن لجملة من المخاطر ويتعرض أحبابه لمرارة كطعم في الحلق وغصة دائمة في النفس ودموع صادقة تعبر عن شدة الحزن ! .

أيها العراق الأبي الشامخ أنت بحاجة إلى إعادة النظر وموضعه القرار ولا سبيل لذلك إلا بضم جناحك على معارضتك من أبناؤك حتى تفوت فرصة استغلالهم من قبل الخصم (4) .

أنت بحاجة إلى ترتيب وضعك على صورة أخرى ، صورة المعركة السياسية والسياسية فقط ، وأنت الذي تملك الرصيد الأكبر من تأييد الشعوب العربية ومن إحترام العالم ، وأنت بحاجة إلى الاتصال الواعي مع المخلصين المؤمنين العاملين للنهضة والتغير فليكن التغير من القاعدة لا من القمة ، لأن مثل هذا التغيير هو الذي يبني الارادة والسيادة .

ونحن ماذا فاعلون ؟ علينا دعم العراق مادياً ومعنوياً نحن حرب على من حارب العراق ، وسلم على من سالم العراق ، ونقر بأننا مواطنو شرف للعراق ، شريطة أن يبقى على مسيرته ، وأملنا كبير جداً بأن يبقى على حمله ثقل الأمانة في العمل للتحرير ، وزوال التجزئة وظهور الهوية هوية الإيمان هوية الحسين والعباس شهيدي كربلاء لزوال الظلم والظالمين وقهر المعتدين وزوال دول المنافقين ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شاكراً لكم حسن استماعكم ولعل الحوار دون السجال يزيد ما وضح وضوحا ويزيل اللبس عما غمض وإلى التوحيد والعدل والحق والاستقامة فهي الدرب الموصل لأمة تكون بحق خير أمة أخرجت للناس وسلاما وتحية مرة أخرى .


هوامش

( 1 ) القيت هذه المحاضرة عندما كان ديكويار امينا عاماً للأمم المتحدة ومع أنه كان يعلم أنه في آخر أيامه في الأمم المتحدة ولكنه سار بقرارات الأمم المتحدة كما تريدها الولايات المتحدة فالأمم المتحدة في خدمة الولايات المتحدة وزال ديكويار وجاء عربي مسيحي مصري هو بطرس غالي وسبق أن كان وزيراً للخارجية المصرية وإذا تصرفاته ضد العرب أشد سوءاً من سلفه ديكويار .

(2) هذه الآلية لا تزال هي الأمثل لمحاولة الخروج من هيمنة الولايات المتحدة أما آلية مهادنتها والجوء إليها لحل القضايا والاقرار بقيادتها للعالم فهو الطريق المؤدي إلى اندثار الأمة وهذه الآلية لا يمكن استعمالها بالركون إلى أنظمة بل لا بد من أن تكون الأمة هي صانعة هذ1ه السياسة وفاعلة هذه الآلية .

(3) آلية ضم الجناح على المعارضة السياسية العراقية مهما كانت توجهات هذه المعارضة ودواعيها لا بد أن يقوم بها العراق دولةً وحكومةً وممثبين أمة تمثيلاً حقيقياً وعدم فسح المجال للمعارضة العراقية لأن تُستغل من الدول الحاضنة سواء أكانت هذه الدول الحاضنة عربية أو في العالم الإسلامي أم من دول الاستكبار الهمجي الغربي ويجب أن تعلم المعارضة ويعلم الشعب أن المعارضة التي تستوطن فنادق النجوم الخمس

(4) لن تُفلح في مسعاها أبداً .


الجذور للقضية العراقية

تختلف الأحكام على القضية العراقية اختلافاً بيناً ، بحيث تحول الحكم على القضية العراقية إلى حالة سجالية ، لا تنطلق من فكرة الدوافع والصوارف ، ولا من رصد المسار ، ولا من تحليل النتائج ، ولا من معرفة الأهداف ، بل تنطلق الأحكام من الأهواء والمنطلقات الذاتية ، ومن أحكام شمولية عامة ، وافتراضات ذهنية خالية من الاستقراء ، ومعرفة الممكن ، وإدراك ممكنات الوقائع في الأحوال المفترضة ، أو المتخيلة ، من هنا نشأت صعوبة فهم القضية العراقية .

سينوريهات الأحكام على القضية العراقية

من خلال الدواعي والرجال والمصالح والتأثير والنتائج

سيناريو ( 1 ) أو القراءة الأولى

هذه القراءة هي قراءة موضوعية لمن يتميزون بالوعي السياسي

هذه القراءة ليست مدحا لنظام صدام حسين وإنما هي قراءة للواقع

يتميز الرئيس صدام حسين بإخلاصه وطموحه لتغيير الواقع العربي ( مع ملاحظة اندفاعه بقوة الذات لا بقوة الموضوع ، ومثل هذه الحال ليست بدعا في التاريخ ، بل ربما أكثر التاريخ تسيره هذه الحال ) ؛ من حالة التفكك التي يعاني منها إلى حالة الوحدة المانحة للقوة والتأثير ، أي رفض مقولات وحدة الصف أو وحدة الهدف ، والعودة للوحدة الحقيقية ، وهذا يعني بالضرورة زوال الحدود المصطنعة ؛ بادئا بزوال الحدود بينه وبين الكويت لاعتبارات متعددة ، قد يكون دافعه نوال المجد الشخصي ، إذ العمل لنوال التمجيد ليس معرة ؛ بل يفعله الرجال العظام ، وقد يكون الرغبة في تحقيق المطلب التاريخي ؛ وهو أن الكويت جزء من ولاية البصرة ، وربما يكون الدافع تحقيق شعار حزب البعث في الوحدة ، وبالتالي ينال التقدم على منافسه البعث السوري ، لكنه تـهور شديدا إذ لم يستطع إدراك خطورة ما أقدم عليه ، وظهر أنه وقع في الفخ الأمريكي ـ كما يدل حواره مع سفيرة الولايات المتحدة ـ التي أظهرت أن أمر الكويت لا يعني الولايات المتحدة ؛ وليس بينها وبين الكويت معاهدة حماية أو دفاع ؛ وربما كان السبب مجرد رد فعل على ما بدأه الكويت وبعض دول الخليج من إغراق سوق الطاقة البترولية ؛ لضرب السعر مما يؤدي إلى إضعاف العراق اقتصاديا ، لعرقلة مشاريع التطوير للسلاح والمعدات الأخرى ؛ بعد ظهور قوته العسكرية ، وتقدمه في الصناعات العسكرية ؛ في مستوى صواريخ الدفع البلاستي ، وإعلان العراق عن تركيبه للسلاح الكيماوي المزدوج ، وهذا الأمر أزعج جيرانه دول الخليج الصغيرة الضعيفة ، يترتب على ذلك أنَّ عمل العراق في ضمه الكويت تم بمبادرة وقرار من العراق وليس من غيره .

وجود طموح جارف ومجازف ليس بدعة في التاريخ السياسي للأمم ، فهتلر لا يمكن أنْ يوصف بالعمالة أو الخيانة ،فقد وضع شعار ألمانيا فوق الجميع ، وأنشأ الحزب النازي ، ودانت له ألمانيا بقوة تصفية الخصوم ، وتطلع ليعيد بناء العالم وقيادته وفق مواصفات له ، وهو ليس براً تقيا يقينا ، ومثل هتلر يوجد الكثير في التاريخ ، فالحرب قد يخسرها تقي أو نبي ، وقد يربحها فاجر ، فعلي أمير المؤمنين علية السلام رأس في الأتقياء وانتصر عليه معاوية ، والحسين بن علي وزيد بن علي والنفس الزكية عليهم السلام كانوا على أعلى مستوى من التقوى فهم قمة بين الأبرار ، ومع هذا انتصر عليهم خصومهم الفجار ، فنظرية النصر والهزيمة لا يفعلها القضاء والقدر ، بل هي فعل المقاتلين يصحبه اللطف أو التخلية أو الابتلاء .

سيناريو ( 2 ) أو القراءة الثانية

هذا السيناريو هو رؤية حزب التحرير قبل تشظيه ، ولا يزال هذا الرأي لحزب التحرير أتباع القيادة القديمة { قيادة عبد القديم زلوم }، إذ يقول الحزب : إنَّ صدام حسين عميل للإنجليز ؛ فهو قد أستخدم ضد نظام الآيات في إيران ؛ لأن نظام الآيات في إيران جاء إلى الحكم بـتأثير أمريكا ، إذ كان الشاه وهو عميل بريطاني يعيق مخططات السيطرة الأمريكية على الخليج ، فرأت أمريكا التخلص من الشاة ، وقد أدرك الإنجليز خطورة نظام الآيات على نفوذهم ، ولذلك طلب الإنجليز من العميل صدام شن الحرب على نظام الآيات ؛ ووقعت حرب ضروس بين العراق وإيران استمرت ثمانية سنوات في كر وفر ، وجرى تمويلها من قبل دول الخليج بصفتها دول واقعة ضمن سيطرة بريطانيا ، جرى إمداد نظام الآيات بالسلاح من قبل الولايات المتحدة ؛ بطرق ملتوية ؛ رغم إعلان نظام الآيات أنه ممثل الثورة الإسلامية ضد الشيطان أي الولايات المتحدة . وهذا السيناريو مؤسس على خطأ فادح لا زال حزب التحرير مصر عليه ، حتى مع الحرب الجديدة التي تشن الآن عليه من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والتي أزالت نظامه ، وقامت بأعمال هدم الجيش وتدمير المؤسسات وإلقاء القبض على العلماء وغير ذلك ، فهل ترى عقلا أصغر من عقل حزب التحرير في هذا التفسير الساذج ، تفسير لا يمكن أنْ يقيله عاقل !!! .

سيناريو ( 3) أو القراءة الثالثة

قال بـهذه القراءة حزب التحرير القيادة الإصلاحية ( أو الناكثين على رأي القيادة القديمة ) وهي قيادة أعلنت في 22/10/1997م إنـها فصلت القيادة القديمة لأسباب ذكرتـها في بيانـها المشار إليه .

لقد رأت هذه القيادة تحقق السيطرة التامة للولايات المتحدة على العالم ، وهي بـهذا الرأي تخالف القيادة القديمة ، فقد نشرت في 28/12/1997م ـ أي بعد شهرين وستة أيام من قيامها ، وفصل القيادة القديمة ـ نشرةً ، وكان عنوان النشرة ( دور صدام حسين في خدمة أهداف أمريكا في الشرق الأوسط ) والنشرة من 8 صفحات كاملة ، وقدم النظرية المعروفة لحزب التحرير ـ في عهد قيادة المرحوم الشيخ تقي الدين النبهاني ـ الذي نظر لكل متغيرات الشرق الأوسط بأنـها صراع بين استعمار وافد ؛ هو الأمريكي ، وبين استعمار قديم متشبث بنفوذه ؛ هو الاستعمار البريطاني ، ويقدم الحزب كعادته مقالا ، وليس دليلا على عمالة صدام لأمريكا ، وأنَّ المقصود من حربي الخليج هو سيطرة أمريكا على النفط ، والبيان يمتلأ بالمغالطات والقفزات ، وتغيب عند حزب التحرير بقيادتيه مفهوم صراع الحضارات ـ أي الصراع بين الغرب والإسلام الحضاري . مع أنَّ حزب التحرير قام أصلا لاستئناف حياة إسلامية .

سيناريو (4) وهو سيناريو الولايات المتحدة وجماعاتـها

صدام حسين : دموي , قاتل , مستبد , خطير على أمن العالم ( أمن دولة العدو تخصيصا ) يشكل تـهديدا لجيرانه وشعبه ، ألم يحارب إيران ؟ ألم يحتل الكويت ويدمرها ؟ ألم يستعمل الكيماوي ضد الأكراد ؟ هو مثل هتلر إلخ هذا السيناريو . أمر وحيد يغيب عن ذهن جماعات أمريكيا هو أنـها معنية من كل ذلك بأمن دولة العدو .

(5) سيناريوهات أخرى

يمكن القول : أنَّ سيناريو البعثيين المؤيدين للعراق هم في حالة تأييد عام لتصرفات صدام حسين ، بينما حزب البعث السوري اشتركت دولته ـ ودون أن يهتز لعضو البعث السوري جفن ـ مع قوات حفر الباطن , وغنى عن البيان أنَّ الرفيق العتيد يعقوب زيادين وكل الشيوعيين في العالم العربي وكثير من المثقفين في العالم العربي أدانوا ضم العراق للكويت .

القضية العراقية من ناحية موضوعية

القضية العراقية ليست صراعا إقليميا بين دول الخليج ـ وخاصة الكويت والسعودية والأمارات ـ بسبب تمدد النفوذ العراقي ، إذ قام باحتلال الكويت بتاريخ 2 آب 1990 م ، أي لا تعود لإزالتها دولة الكويت الناشئة عام 1961م ، إذ لم تكن قبل هذا التاريخ ألا إمارة أو مشيخة ، مرتبطة بالحماية الإنجليزية منذ عام 1898م ، أثر استعانة مبارك الصباح القاتل لأخويه محمد وجراح للانفراد بتلك المشيخة البحرية المعتمدة على صيد اللؤلؤ ، ومن ثم فرض الأتاوات ، إذ لو كانت صراعاً إقليميا لوجب أنْ تنتهي منذ آذار 1991م ، إذ عادت الكويت دولة : ذات علم ! ونشيد وطني ! وجيش ! وأمير على أرض الكويت ، وليست دولة في المهجر في فنادق النجوم الخمس في السعودية للأمراء والمترفين ، وفي المدارس لعامة لشعب .

وقد رحل الأمراء والمعارضة والأكثرية الساحقة من شعب تلك الدولة العتيدة ، ولم يبق بـها من سكانـها إلاَّ قليل جدا . والقضية العراقية أيضاً ليست صراعاً بين نظام مستبد ـ يبطش بشعبه , ويتحين الفرص للاعتداء على جيرانه , ويفتقد الأخلاقيات الناظمة للحروب . بحيث لا يتورع عن ضرب الآمنين ، واستعمال الأسلحة الممنوعة ـ أسلحة الدمار الشامل ـ وبين دول أخذت على عاتقها نصرة المظلومين والوقوف بوجه الأشرار بقوة الذراع التكنولوجية ، لا بقوة المدافعة والتدافع ،، فالولايات المتحدة والعجوز البريطانية ليس من مهمتهما نصرة المظلومين ،، والوقوف بوجه الأشرار ، خاصة والمعروف من تاريخهما القديم والحديث ـ أن ما من شر جرى في العالم طيلة القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين ـ إلا ويقف وراءه الأمريكان أو الإنكليز أو كليهما .

والقضية العراقية ليست صراعاً استعمارياً بين دول الاستعمار الغربي مع بعضها ، والعراق وغيرها : مجرد أدوات في الحدث , أو ساحات للحدث ، فأن مثل هذا التصور الذهني القاصر ـ المستند إلى النظرية المادية التاريخية في الصراع الحتمي بين الدول الاستعمارية في ساحات المستعمرات , وداخل قياداتـها السياسية ـ أصبح لاغيا منذ أن توجه العالم لإلغاء الاستعمار ، وإقامة هيئة الأمم المتحدة بمجالسها وأقسامها المختلفة .

إنَّ من الغرائب الملفتة للنظر تمسك حزب التحرير دون غيره بالنظرية الماركسية في التاريخ ـ بدلا من أن يستمد منظومته الفكرية من الإسلام ـ والأصل أن يؤصل لنظرية صراع الإيمان والكفر ، والهدى والضلال ، والتقوى والفسق ، والاختيار والجبر ، والصلاح والفساد ، والثواب والعقاب ، وهذا الصراع ليس صراع ثنائيات لا ينتهي أبداً ، ويتولد عنه عبر جدل الأضداد صراع آخر ، بل هو صراع سيادة موقف يظهر فيه الرحمة , والعدل , والصلاح , والطمأنينة , والسواسية , والقضية العراقية لا يجري فيها مثل هذا الصراع , لا صراع الثنائيات , ولا صراع المدافعة .

والقضية العراقية أيضاً ليست صراعاً من صراعات الموقف الدولي ـ أي هو صراع بين دولتي المعكسرين ـ إذ بتحلل الاتحاد السوفيتي والنهاية الطبيعية الغير مرتقبة للمعسكر الشيوعي زالت قضية الصراع على الموقف الدولي ، أي على مركز الدولة الأولى في العالم ، وانفردت الولايات المتحدة في مركز الدولة الأولى في العالم على صورة لم يحلم بـها مؤدلجو هذه السياسة : وودر ويلسون بنقاطه الأربع عشرة ، ومقولة تيودور روزفلت عام 1944 م أي قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية :سنربح الحرب والسلم معا .

ولا يقال : إنَّ القضية العراقية هي جزء من سياسة إشعال الحرائق ، أي سياسة إبقاء بؤر التوتر في العالم ، وفي أماكن مختلفة وخاصة هذه المنطقة ، والغاية إبقاء العالم في نطاق سيطرة الولايات المتحدة ، عبر مؤسسات الأمم المتحدة ، أو بدونـها إذا اقتضى الأمر كما حدث في العدوان الأخير وقبله ، أي جعل الولايات المتحدة في مركز الهيمنة والسيطرة على العالم ، فلم يظهر في الكويت أو السعودية أو الخليج أي حالة تململ تبشر في فك الهيمنة الغربية ، فالمسألة ليست تحريك العراق لتقع دول البترول تحت سيطرة الولايات( أو الويلات ) المتحدة .

والقضية العراقية ليست قضية صراع على مادة إستراتيجية هي البترول ، خشية تحكم العراق فيه لو نجحت بضم الكويت وليس صراعاً على موقع إستراتيجي يؤثر تأثيراً قوياً وحاسماً على مستقبل نظام هيمنة الولايات ( أو الويلات) المتحدة كذلك ليس صراعاً خوفاً من انقلاب معادلة القوة بامتلاك العراق قدرات عسكرية متميزة _لأن العراق حتى على فرض تفوق أسلحته ـ فهو في إمكانية الاحتواء .إن مسار الحرب واستمرار الحصار الطويل ، وافتعال الأزمات المتتالية مع العراق لا يمكن أن يُكَوِّنَ إستقراءاً يؤدي للوصول إلى مثل هذه الدواعي والنتائج . نقطة مضيئة عند القوميين والسلفيين بتاريخ القيادة السياسية العراقية وإعلان العراق أنه في سبيل حماية الوطن العربي من امتداد الثورة الإسلامية الإيرانية لا يؤخذ عند الاستقراء الحقيقي على الجدية والتسويغ الصادق .

إن للحرب العراقية الإيرانية أوجه محلية وأوجه إسلامية دينية وأوجه دولية ومع أن الكتابات عن تلك الحرب لم تقدم تحليلاً صادقاً وصحيحاً عن تلك الحرب و إنما بقيت أسيرة مقولات خاضعة للهوى وتسير فوق سطحية مبتذلة لهذا غابت الحقائق وبقي التضليل هو الحاضر. إن الوجه المحلي للحرب العراقية الإيرانية من ناحية عراقية على اعتبار أن العراق هي البادئة فإنه متعلق بالحدود الجنوبية بين العراق وإيران التي كان أخر حل لها هو اتفاقية الجزائر والتي قررت أن حد العراق في الجنوب يسير في وسط شط العرب وشط العرب هو التقاء مسار نهري دجلة والفرات لكن الحد في شط العرب يقع جنوباً من البصرة ومثل هذا الحل لا يراه العراق عادلاً خاصة وأن العراق يرى أن حدودهما يجب أن تضم إليها المنطقة المسماة عربياً عربستان منطقة عبادان وخرم شهر وهي منطقة مهمة للطرف الإيراني ولا يمكن التنازل عنها ويظهر أنه استقر عند القيادة العراقية ضعف حكومة الثورة الإيرانية خاصة وأن الجيش الإيراني القوي الذي حرص الشاة على إنشائه كان في حالة تفكك وجهاز المخابرات الإيراني السفاك كان في حالة ملاحقة وقدرات سلاح الجو مجمدة تلك هي صورة حالة القوات الإيرانية مع إعلان العراق هجومها على إيران ظانة أنها ستستفيد من هذا الوضع .

ويدخل في قراءة الوجه المحلي الثنائية المذهبية الإسلامية في العراق إذ في العراق عدد كبير من الشيعة يتجاوز نصف السكان موجود في منطقة الجنوب العراقي وإذ أعلن حزب البعث علمانيته المتمظهرة بالإلحاد في تلك الفترة مع ملاحظة أن هذه العلمانية المتمظهرة بالإلحاد زالت وحل محلها الاقتراب من الإسلام في صورة شعارات وفي صورة الخطاب السياسي أي الخطاب داخل حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي دون غيره إذ أن الأحزاب الأخرى الموالية لحزبي البعث لا زالت ذات مظهر علماني وفي حالة تحلل من السلوكيات الإسلامية ، هاتان الحالتان الانقسام المذهبي ووجود العدد الكبير الشيعي في العراق وحالة الحزب العلمانية أوجد صراعاً بين الآيات الشيعية العراقية وبين حزب البعث الحاكم مما جعل الحكم العراقي في حالة تخوف من الثورة الإيرانية ولقد قام الحكم العراقي بقتل الكثير من الشيعة وربما كانت قمة الإثارة مقتل الآية الشيعية محمد باقر الصدر وأخته ولقد لجأ كثير من الشيعة العراقيين إلى إيران حتى في أيام الشاه ذلك هو الوجه المحلي الثاني الذي جعل الحكم العراقي يتورط في الحرب العراقية الإيرانية بحيث ظهر أمام الرأي العام حتى الوطني والبعض القومي فضلاً عن الإسلامي في صورة مظلمة سوداء وربما كان لهذه الحرب دور في عدم أدراك القضية العراقية في محدداتها الآن.

أما الوجه الإسلامي الديني فأنه يتمثل في انقسام الواقع الإسلامي الآن إلى ثلاثة مجموعات كبيرة أما المجموعات الصغيرة فلا يمكن إدخالها أثناء قراءة هذا الوجه . فالمسلمون منقسمون بين ثلاثة فرق هي الصوفية المسماة عادة بأهل السنة والجماعة والسلفية السعودية والشيعة الإمامية وهذه الفئات الثلاث لا يمكن أن تكون في محل لقاء فكري إذ ترى كل واحدة أن الأخرييْن فرقتان كافرتان أو على الأقل ضالتان ولأن الشيعة الإمامية صارت في محل الحكم من خلال نظام ولاية الفقيه ولأن الصوفية فقدت بعد عزل السلطان عبد الحميد مكانتها السياسية وبقيت داخل الزاوية والطريقة والشيخ وأن كانت أحياناً تنتقل للعمل السياسي الإسلامي والثقافي بل والثوري كما هي ثورة المهدي في السودان وإذ قامت المملكة العربية السعودية ظاهراً على أساس الفكرة السلفية الوهابية وكانت محصورة في البداية داخل معزلها المملكة العربية السعودية إلا أنها انطلقت للتأثير في الرأي العام الإسلامي منذ عام 1965 م وما أن جاء 1975 م حتى كان تأثيرها كبيراً جداً ومع أن الفكر السلفي ليس مؤهلاً لقيادة حياة سياسية فكرية ثقافية حضارية بل هو مؤهل لمنظومة العبادات والنسك الظاهري والهيئات والانعزال عن المستجدات المدنية للحياة إلا أنـها حقيقة اكتسحت الشارع اكتساحاً ظاهراً والذين يدرسون معتقدات السلفية يعلم أنـها موجهة بصورة مركزة نحو الشيعة الإمامية فالشيعة كفرة دون أي شك أو ارتياب عند السلفية .

هذه الحقيقة فعلت فعلها من خلال معطيين الأول سياسي وهو تخوف كل من الكويت والسعودية والبحرين من إيران وهذه الدول الثلاثة في كل منها مجموعة شيعية يرتجف فؤاد الحكام منها والثاني مذهبي و لهذا انبرى الكتاب الإسلاميون السلفيون وخطباء الوعظ في المساجد وحلقات العلم السلفي الرائج في نشاط على شكل مقولات وكتب وخطب تكفر الشيعة الإمامية ولهذا قدمت الحكومات الثلاث العون المالي والدعم المعنوي للحرب العراقية الإيرانية مما جعلها تستمر ويطول أمدها بين مد وجزر وتقسو قسوة لا مثيل لها في الصراعات الإسلامية .

الوجه المحلي الآخر هو الموقف السوري من الحرب العراقية الإيرانية إذ من المعلوم أن حافظ الأسد ينتمي إلى فرقة النصيرية العلوية وهي فرقة محسوبة من حيث الأصل على الشيعة الإمامية وهي مطرودة منذ الإمام الحسن العسكري من الإمامية ومن الناحية الأخرى فأن حافظ الأسد هو الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري . لقد أنتجت حركة التصحيح انقساما داخل حزب البعث فتحول البعث إلى بعثين: بعث العراق، بعث سوريا وكاد كل بعث للأخر وأشهر كل نظام حكم القتل والتنكيل والسجن لمجرد أن الرفاق ينتمون للشق الآخر فالموقف السوري لابد أن يتجه لمناصرة إيران .

من المعلوم أنَّ الحرب العراقية الإيرانية ابتدأت عام 80 وانتهت عام 88 ومع أنَّ العراق ركز جهوده السياسية في السنوات الأخيرة من الحرب الإيرانية على ضرورة وقف القتال والدخول في مفاوضات حول البنود الأخرى إلا أنَّ القتال لم يقف عند صخرة تعنت الخميني ومع ظهور أنَّ العراق قد امتلك سلاحاً تكتيكياً متطوراً وهو صاروخ متوسط المدى جعل الخميني يقبل بتوقف الحرب على مضض بلغ شدته أقصاها وهكذا توقف القتال بالاتفاق على البند الأول من قرار مجلس الأمن 598 أي قبول وقف القتال والدخول في مفاوضات حول البنود الأخرى إن قسوة الحرب من جهة وشعور النظام العراقي أكثر من مرة بخطر استمرار الحرب عليه وعلى وجود نظامه بحيث لا يمكن العراق من فرض شروطه لهذا طال أمد المفاوضات ولا تزال ذيولها حتى اليوم .

أثار ظهور امتلاك العراق أسلحة تكتيكية طورها بقدراته انتباه الغرب فأخذ يراقبه ويظهر أنه قد تنبه قبل ذلك من أنَّ هناك تفاعلات في العراق غير عادية تسعى لفك الهيمنة الغربية عليها على الأقل من ناحية تكنولوجية وما محاولة بريطانيا معرفة تفسير الانفجار إذ قامت بإرسال جاسوسها الإنجليزي الجنسية الإيراني الأصل لحيازة قطع من طوب البناء الذي حصل به الانفجار إلا صورة من صور هذا الرصد . من الملاحظ وجود من يرفض تطوير العراق لقدرته الذاتية في موضوع الأسلحة البالستية ويرون أن للغرب الدور الأساسي في امتلاك السلاح العراقي ومع مشاهدتـهم فرق التفتيش عن الأسلحة ومقدار ما بذلت من جهود ليس لنزع السلاح بل لنزع أي إمكان لصنع السلاح والسبب في بناء مثل هذا الرأي أنـهم مجموعة من المطففين.

لقد سعى العراق في عام 1989 م إلى إيجاد مجلس للتعاون سمي ( مجلس التعاون العربي ) من الأردن والعراق ضاما مصر واليمن ومع أن تفسيرات حزب التحرير ربطته بالصراع البريطاني الأمريكي على المنطقة واصفا المجالس الثلاثة الخليجي والمغربي والعربي بأنها كيانات سياسية تسعى لإشباع رغبات التطلع للوحدة عند الشعوب وفي نفس الوقت الحيلولة دون الوحدة والثانية إبقاء النفوذ الغربي والمحافظة عليه وخاصة بريطانيا وأنه موجه للوقوف في وجه التغلغل الأمريكي رابطاً مشروع مجلس التعاون العربي بمشاريع الهلال الخصيب السابقة فأن هذه الأقوال بهذه الصورة التعميمية وبعد تبين أن مشروع الهلال الخصيب لم تقم بريطانيا بأي أمر جدي لإيجاده مع أنها كانت منفردة في النفوذ في دول الهلال الخصيب الخمسة ولذلك فأن سياسة الوحدات الفدرالية غير مقبولة مطلقاً من واضعي السياسات الغربية و إنما كان مشروع الهلال الخصيب مجرد أداة لإخراج فرنسا من سوريا ولبنان وبخروجها أخذت تعمل على تثبيت الكيانات الخمسة تمهيداً لوجود إسرائيل .

أخذ العراق يستعرض قدراته بالعروض العسكرية ، التي كانت تجري أمام العالم وتحت سمعه وبصره ، وأضاف إعلاناً بصورة تفاخر : إنه قد أمتلك الكيماوي المزدوج ، وأعلن أنه أخذ يتطلع لدور في إقليم الشرق الأوسط أو العالم العربي ، متجاوزاً الدور الذي كان يسند إليه ، وأبتدأ منذ عام 1986 م بالتقرب من الإسلام ، وما الإعلان عن أن ميشيل عفلق كان قد أسلم ـ ولذلك دفن بالمقابر الإسلامية ـ إلا إشارة لتطلعنه لدور ، والإعلان عن إعادة تقييم وتقدير لدور العراق بالعهد الملكي ومن ثم قام بإعادة إصلاح المقابر الملكية ، والمعلوم تاريخيا أن علاقات فيصل الأول وغازي والكثير من ساسة العراق الذي قيل عنهم أنهم أصحاب وجه وطني لم تكن راضية رضا تام عن سياسات الغرب في المنطقة فهم رغم وصفهم بالعملاء والخونة إلا أن الثابت الآن أن كل السياسيين القدماء أكثر إخلاصا من العقائديين الذين تسلموا الحكم في هذه الأيام ولا يجوز أن ينظر لهذا القول أنه تحيز للقدماء أو دفاع عنهم و إنما هو وصف المسألة كما هي في ذاتـها وتطلعات الأمة حقيقة هي أكبر حتى من سياسات الوطنيين القدماء أو العملاء الخونة على رأي البعض .

صورة العراق بعد 1989 م كما يلي جيش قوي لجب تمرس بحرب قاسية وطويلة الأمد 8سنوات امتلاك سلاح تكتيكي متطور منظومة صواريخ طورها العراق المصانع العسكرية تنتج سلاح تدميري هو الكيماوي المزدوج سلاح تقليدي دبابات ومدفعية وطيران وتفكك للاتحاد السوفيتي ومجموعة خبراء من السوفيت وعلم تكنولوجي متقدم في الجامعات العراقية ونشاطات ثقافية مختلفة تركزت في إحياء كتب التراث المهمة والكتب العلمية الحديثة وتطلعات قيادية لأخذ دور مهم في المنطقة ،هذا هو الوجه المعلن عنه أما الوجه غير المعلن فإنه يتكشف عبر السنوات آلتي تلت توقف القتال وتحرير الكويت وهو نشاط اليونسكوم المتواصل والمستمر والتصعيد التدريجي لمطالبات التفتيش للأماكن والإصرار على عدم إعطاء تقرير عن الصورة التي وصلت إليها في موضوع أسلحة التدمير الشامل النووي والكيماوي والجرثومي والسلاح البلاستي كل هذا يعطي الصورة الحقيقية عن الغاية البعيدة المدى المرسومة في الذهن الغربي خاصة الأمريكي والإنجليزي إذ ربط تحرك العراق في الطاقة الكامنة في الأمة الإسلامية .

السياسة الغربية خاصة الأمريكية والبريطانية المرسومة تجاه العراق لا يمكن أن تفهم على ضوء إعلانات السياسيين فالمعلن هو تحطيم قدراته العسكرية لمنعه من الاعتداء على جيرانه والتهيئة للانقلاب على صدام شخصيا إذ يمثل حالة دموية مستبدة تمارس ضد الشعب العراقي ،وهو غير متعاون مع اليونسكوم .

إن من له أدنى عقل يعلم أن العراق قد جرد من قوته تماما وقوته بالقياس لجيرانه لا تعتمد على امتلاكه الأسلحة المتطورة بل الاعتماد على القوة العسكرية التقليدية وهي جيش بري منظم بلغ عدده نصف مليون جندي على الأقل وعلى رأسه قوة الحرس الجمهوري ذات الكفاءة العالية والربط والضبط العسكري الدقيق .

إن ضم الكويت أو الاعتداء عليه كما يحلو للبعض هذا الوصف هو المثير لزوبعة الاعتداء على الجيران ،علما بأن الكويت منذ وجد ليس محميا من ذاته فهو أمارة محمية من الإنجليز منذ عام 1898 ـ 1961 م وتحولت مهمة حماية الكويت إلي الجامعة العربية منذ بداية عهد الاستقلال إثر مطالبة عبد الكريم قاسم عودة الكويت للعراق الأم وقد بارك هذه الحماية وأيدها المعسكر الغربي والشرقي آنذاك .

يطلب السراب من يظن أن الكويت يمكن حمايته من نفسه فالكويت لن يكون محميا لأنه كيان غير طبيعي فلو جرد العراق بحيث لم يبق منه جندي واحد و قام حكام الكويت باحتلال العراق دون أية مقاومة و بترحيب عراقي عام بآل الصباح حكاما على العراق فسيكون العراق هو الكيان و ليس الكويت تلك هي المشكلة المستقرة استقرارا تاما بالوضع الكويتي فلا بد من حسبان هذه القضية حين فهم القضية العراقية و لكنها ليست هي الأساس للقضية العراقية بل هي فرع عنها إن الراصد لمشاعر الكويتيين تجاه العراق منذ 2-أب-1990 و حتى هذه الساعة يرى مقدار حقدهم على العراق حفاظا على كيان كرتوني لا يملك من مقومات وجوده شيئا وأن هبة ريح بسيطة يمكن أن تطير به و الحفاظ عليه إنما هو في سبيل إبقاء استهلاك بلغ من السفه حده الأعلى يستوي في هذا جميع الكويتيين : الحكام ، المثقفين ، القوميين ، الإسلاميين ، الثوريين ، اليسار و اليمين ورجال الإعلام و رجال الاقتصاد و المال و الفقراء الطفارى أصحاب هوية "بدون" ويؤيدهم في هذا الموقف حشد من العوام الساذجين .

إن مجريات قضية العراق والتصميم الأمريكي البريطاني على مواصلة حصار العراق بصورة لا إنسانية وافتعال الأزمات أزمة إثر أزمة وتكوين زمرة من الكلاب النابحة على العراق متمثلة في عدد من رجال الإعلام والصحافة والسياسة يتوزعون على الأقطار العربية والأجنبية خاصة بريطانيا والولايات المتحدة والمنفق عليهم من قبل الاستخبارات الأمريكية ،لا يمكن أن يفسر كل ذلك بمعطيات سطحية ساذجة هي دعوى فاشية حكام العراق داخليا وخارجيا فالعراق لا يشكل خطرا على أحد في الداخل أو في الخارج فما هو الأمر الذي يصر على جدع أنف العراق لأجله ؟

إنَّ أول سؤال يطرح نفسه بقوة هو : هب أن صدام حسين التكريتي أزيل عن الحكم ، فهل المراد زوال صدام حسين شخصياً ؟ وبقاء البقية الباقية من رجال الحكم في العراق ؟ أي بقاء القادة البعثيين وقادة الجيش يحكمون العراق ، فأن قيل : المراد زوال كل البعثيين وقادة الجيش كله ـ أي إيجاد انقلاب دموي أكثر دموية من انقلاب عبد الكريم قاسم ـ لكن ما المراد من مثل هذا الانقلاب ؟ وهل في مواصلة حصار العراق ؟ وافتعال الأزمات معه ؟ وقتل الأمنيين ؟ هو الذي يجعل العد التنازلي يبدأ لمثل هذا الانقلاب ، وحتى على افتراض إمكان وجود حرب أهلية ـ كما يصرح البعض بذلك ـ فهل حتى على مستوى نجاح المعارضة ؟ يعني أمن جيران العراق وزوال كابوس الرعب عن الشعب العراقي هل هناك نظام يمكن أن يقوم في العالم الثالث دون أقل من عشرة قوى قمعية وتجسسية أين هذا النظام في العالم الثالث !الذي يخلو من العديد من أسماء قوى القمع إذن المراد أن ينقل العراق من طبقة حكام لهم قوة قمع إلى طبقة حكام جدد لهم قوة قمع مماثلة وربما تكون أشد وهي ربما تعطي تصريحات تطمئن قلوب الجيران وخاصة الكويت وتقيم علاقات ودية معها فهل فعلاً في هذه الحالة سترحل كل قوات الأمريكان الإنجليز عن منطقة الخليج ولن يكون هناك معاهدات عسكرية دفاعية بين دول الخليج والبربر الأمريكان والإنجليز وعدم شراء منظومات أسلحة تقليدية وتكتيكية من الأمريكان والإنجليز وسيعود الهدوء للمنطقة ذلك هو السؤال الذي يحتاج لإجابة .

يفهم من العرض السابق ، الذي يصف الواقع كما هو ، أن المشكلة ليست قوة العراق المتنامية ، وتـهديده لـجيرانه ، بل المسألة هي وجود كيان أسمه الكويت : وهو كيان خداج يحتاج لحماية مستمرة ، حماية الإنجليز 1898م ـ1961م ، حماية المعادلة العربية وبتأييد غربي من 1961 ـ 2آب 1990 م ، ثم اندثرت بسويعات ، وبعد أكثر من نصف سنة جرى تحريرها بقوة الحلف العالمي ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ وبكلفة عالية جدا ، بلغت العشرات من المليارات ، ولا تزال محمية من قبل الغرب على رأسهم الولايات المتحدة منذ عام 1991 م وحتى الآن .

المشكلة الكويتية العراقية معلومة ، ولا تحل إلا بمعالجتها من أساسها ، فالكويت جزء من العراق من ناحية جغرافية وإدارية وارتباط عيش ، وهي جزء من الأمة الإسلامية من حيث الهوية الحضارية ، وسكانـها من ناحية غلبة العرق واللسان فهم عرب والظاهر أن الكويت من حيث الاسم لا من حيث الواقع فهو اسم حديث إذ لم يرد في معاجم اللسان العربية ولم يرد أيضا في معجم البلدان ويظهر أنه لابد من قبول الرواية العراقية من أن الاسم ( الكويت ) هو اسم تصغير لكلمة (الكوت) المشهورة في العراق .

تظهر القراءة لتاريخ الكويت عدم وجود هذا الاسم ،إن الاسم الدال على هذا المكان الجغرافي هو اسم ( كاظمة ) وهي بلدة من بلاد العراق العجمي ، وكونه عراقا عجميا لا يلزم منه أنه من أرض العجم إذ هو مجرد تمييز بين عراق الحيرة وعراق البصرة مع ملاحظة أن الحدود لم تكن على الصورة الدولية السياسية التي عليها الآن إذ وجود النزاعات الدولية الحدودية نشأة أوروبية وبسبب نزاعات الحدود والتنافس الاستعماري خاضت أوروبا حربا إثر حرب أكلت الأخضر واليابس وقبل هذه النزاعات تنازعت وحدث بينها قتال مرير حول الإصلاح الديني فتاريخ أوروبا هو تاريخ الحروب .

لقد نقل الغرب مشاكله إلى العالم الإسلامي اختلافات إثنية ونزاعات حدودية وقسم العالم العربي بشكل خاص إلى العديد من الأقطار لتخليد تبعية العالم الإسلامي له من هذا المرتكز جعل الغرب الحفاظ على هذه التجزئة إستراتيجيته عاملا على إشباع رغبات الوحدة بما لا يجدي نفعا كالجامعة العربية والدفاع المشترك والسوق العربية المشتركة وغير ذلك .


كاظمة في التاريخ

دون ابن كثير في تاريخه حول ( كاظمة ) ما يلي : ـ قال :سيف بن عمر عن طليحة الأعلم عن المغيرة بن عيينة وكان قاضي أهل الكوفة ـ قال :فرق خالد بعد معركة اليمامة جنده ثلاث فرق متجها نحو العراق ولم يحملهم على طريق واحدة ،سرَّح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر ، وسرَّح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما :مالك بن عبَّاد وسلم بن نصر أحدهما قبل صاحبه بيوم ،وخرج خالد في آخرهم ودليله رافع فواعدهم جميعا الحفير والحفير كما جاء بمعجم البلدان أماكن كثيرة والظاهر أن الحفير المراد تجمع الجند عنده هو أول منزل من البصرة لمن يريد مكة والحفير أيضا ماء لبني الهجيم بن عمرو بن تميم على خمس ليال من البصرة والحفير ماء لباهلة بينه وبين البصرة أربعة أميال وقال الحفصي :إذا خرجت من البصرة تريد مكة فتأخذ بطن فلج فأول ماء ترد الحفير .

ويستمر ابن كثير ناقلا لرواية سيف وكان فرْجُ الهند أعظم فروج فارس وأشدَّها شوكة ،والمراد بكلمة الفرج ( الثغر ) وكان صاحبه يحارب في البر والهند في البحر وهو هُرْمُز فكتب إليه خالد فبعث هُرْمُز كتاب خالد إلى ( شيري بن كسرى وآردشير بن شيري ) وجمع هُرْمُز وهو نائب كسرى جموعاً كثيرة وسار بهم إلى كاظمة وفيها تواجه الصفان وتقاتل الفريقان وانهزم أهل فارس وركب المسلمون أكتافهم واستمر الحرب إلى الليل واستحوذ المسلمون على أسلحتهم وأمتعتهم وكانت وفيرة .

لا يستطيع أحد أن ينكر أنَّ كاظمة مكان بالكويت جاء في معجم البلدان عن كاظمة ما يلي :

جوٌّ على سيف البجر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها رزايا كثيرة وماؤها شروب واستسقاؤها ظاهر وقد أكثر الشعراء من ذكرها .معنى جو ماء جارٍ ومعنى سيف أنها ساحلية يذكرها المؤرخون والجغرافيون كما مرَّ منسوبة إلى البصرة ومن المعلوم وجود بلدة في الكويت اسمها كاظمة وفي الكويت ناد رياضي باسم كاظمة . جميع هذه الاقتباسات تجعل المكان الجغرافي مرتبطا تمام الارتباط بالبصرة وكاظمة المذكورة في التاريخ هي كاظمة الكويت فالحقيقة ناطقة وظاهرة وكاشفة عن هذه العلاقة بالدليل الواضح .

من الشعر الذي قيل بكاظمة

يا حبذا البرق من أكناف كاظمة يسعى على قصرات المرخ والعشر

لله درَّ بـيوت كان يـعشقـهـا قلبي ويألفها إن طيبت بصــري

فقدتها فقد ظمآن إداوتـــــه والقيظ يحذف وجــه الأرض بالشرر

أمنية النفس أن تزداد ثـانية وحالنـــا والأمــاني حلوة الثــمـر


هذا هو الوجه الجغرافي عن علاقة الكويت بالبصرة .

الكويت من ناحية إدارية

كيف يمكن للباحث معرفة علاقة الكويت بالعراق من الناحية الإدارية ؟ لابد من تأسيس البحث على أصلين الأول السكان والثاني الحكام من حيث واقعهم وعلاقتهم بالمجاورين من الدول . هذان الأصلان يختصران بما يلي : فالسكان لم يكونوا حالة مستقرة بل هم حالة متحركة وهذا يعني أن الكويت لم تكن محل إقامة دائمة وعليه فهي خالية من أية آثار تاريخية وهذا الخلو من الآثار يدلل على أن وجود الكويت أمرٌ حديث ـ المقصود الحالة السكانية من حيث الاستقرار أو عدمه ـ فالكويت إذن مجرد أرض خالية والسبب خلوها من المياه .

بحث غير مكتمل بقلم أمين نايف ذياب


محطات في مسار الولايات المتحدة نحو حربها العدوانية ضد العراق

صدور القرار رقم 1441 عن مجلس الأمن

مؤتمر الأزور الذي تم بين بوش وبلير وإزنار بضيافة رئيس دولة البرتغال يوم الأحد 16/3/2003 وقد قال بوش في نهاية المؤتمر ما يلي : " غدا هو اليوم الذي نحدد فيه ما إذا كان هناك مجال للدبلوماسية أم لا مؤكدا أنه سيتم نزع لأسلحة الرئيس العراقي صدام حسين بالقوة في حال لم يقم بنزع أسلحة الدمار الشامل الني يتهم بامتلاكها وكان إنذاره موجه للعالم إذ قال : " العالم أمام أيام حاسمة ستكون لحظة الحقيقة " . وقال مضيف القمة البرتعالي جوزيه مانويل دوراو بارسو : " إنَّ اجتماع القمة هو الفرصة الأخيرة لحل سلمي في العراق "


بسم الله الرحمن الرحيم

نداء حار إلى الأمة الإسلامية الكريمة

وسقطت ورقة التوت ، وظهرت الولايات المتحدة وشركائها عراة ، لا يستر عورتـهم شئ ، وهذا السلوك هو الطبيعي من العدو الأمريكي وشركائه ، ولا يمكن أنْ يكون منهم غير هذا ، كيف وقد أعلنوا عن أنفسهم أنـهم آلـهة الأرض ، فلا قول إلا قولـهم ، ولا قرار إلا قرارهم ، اتباعا للشيطان قال تعالى : (( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (الأنعام:43) وقوله تعالى : (( الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ))(محمد: من الآية25) وقد قال الله فيهم وقد غرتـهم القوة : (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً )) (النساء:76) وقال أيضا : (( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً )) (النساء:120) ولقد غرتـهم القوة قال تعالى عن غرور القوة : (( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (الأنفال:48) وقال في حقهم : (( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (إبراهيم:22) ركن الأمريكان وحلفائهم على الشيطان فظهر ضعفهم .

تكمن مشكلة هذه الأمة الخيرة في حكامها الخائنين : كحاكم مصر ، وحاكم اليمن ، وحكام دول الخليج الستة ، وحكام تركيا ـ بغض النظر عن كون الحزب الحاكم ينظر إليه بأنه حزب إسلامي ـ إلاَّ إنـهم لم يتورعوا عن السير بركاب الأمريكان ، وما جرى من عدم إباحة أرض تركيا للجيش الأمريكي ، كان بسبب تحفظ الأكراد الخائنين على دخول جيش تركيا للأرض العراقية ، ويضاف إلى الخائنين كل حاكم تواطأ سرا معهم ، أو مكن لهم في قطعة أرض ، أو سهل لهم عدوانـهم على العراق الباسل ، فكل هؤلاء هم خائنون ، يجب على الأمة أنَّ تضع في ذهنها زوال حكمهم ، قال تعالى : (( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ )) (هود:113) وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51) فاليهود والنصارى لا ينطبق على أفراد ، بل ينطبق عليهما حين يكونان قوة فكرية تعمل لـهدم الإسلام ، أو حين يكونان قوة مادية تحارب المسلمين ، وهذا متحقق تماما بـهذا العدوان الحربي الذي يقوم به الأمريكان والإنجليز ودولة العدو ومن يحالفهم ضد العراق .

وتأتي قائمة الخائفين ، يقف على رأسهم الحكم في سوريا ـ رغم بعض صحوته الأخيرة ، وظهورها في الأقوال دون الأفعال ، وسلسلة من الأخطاء : المشاركة في حفر الباطن عام 1990م ، والقتال ضد العراق عام 1991م ، وآخرها موافقته على القرار 1441 قرار مجلس الأمن ، وهو قرار يجعله الأمريكان الذريعة لشن العدوان على العراق ، ليكون في نـهاية المطاف حكام إيران الذين يصدق عليهم قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ )) (الصف:2-4) .

فإلى زوال هؤلاء الحكام أنتم مدعوون !!! لقد صار زوال هؤلاء الحكام هو القضية المصيرية للأمة ، فقد فقدوا كل معنى من معاني العزة يطلبون العزة من أعداء الأمة : الأمريكان والإنجليز واليهود وقد قال الله فيهم : (( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) (النساء:139) .

أيها الحكام ! ويا معاونيهم ! ويا جندهم !!! اذكروا قول الله تعالى : (( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ))(القصص: من الآية8) وعلى الخصوص أيها الجند ! لقد ربط الله بينكم وبين فرعون وهامان فلا تعتذروا ! فلا عذر لكم قال تعالى في من هو مثلكم : (( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) (التوبة:94) .

أيها الجند في كل بلاد المسلمين ! اسمعوا وعوا ! !!!

ما يطلبه الله منكم أيها الجند : أنْ تعلنوها قوية مدوية ، أنكم مع أمتكم الخيرة ، ولستم مع عدوها الأمريكان والإنجليز واليهود والموالين لـهم من الحكام ، فالله سائلكم يوم القيامة عن حصاد سيفكم ، فالأمر جد لا هزل ، وتذكروا قول الله تعالى على لسان موسى : (( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))(الأعراف:128).

أيتها الأمة الكريمة !!

هذا يوم له ما بعده فاعلموا ما يلي :

الأمريكان يستهدفون الأمة الإسلامية في دينها وحضارتـها وثقافتها ، عبر العراق في إنجازاته وتطلعاته ، ويريدون نظام العراق بعد أنَّ تمرد عليهم ، وليس لأنه في طاعتهم كقول بعض التافهين ، فليس في جعبة التافهين أي دليل أو شبهة دليل ، ومن يقل بأنَّ المسألة متعلقة بالبترول فقد ضاع منه معرفة دواعي المعركة منذ 1986م . المعركة سببها امتلاك العراق التكنولوجيا وهذا ما يصرح به الأمريكان علنا ، ومع أنـها لا تـهدد الولايات المتحدة ، لكنها تـهدد دولة العدو اليهودي وتغير معادلة القوة في الإقليم ، إنَّ سبب بلاء الأمة بعد ضياع وحدتـها هو في رغبة العدو الأمريكي ببقاء التجزئة ، ولـهذا جن جنونه من رغبات الوحدة عند الأمة ، ومن تطلعها لتحرير إرادتـها بفك التجزئة ، و جن جنونه من رغبة الأمة في بعث هويتها الحضارية الإسلامية ، فأخذ على عاتقه احتواء الإسلام بأن يتشكل وفق معطيات الحضارة الغربية ، وقد ظهر ذلك واضحا في المؤتمرات والندوات والحوارات والكتابات ـ وهي كلها ممولة منه وموجهة بتوجيهاته ، أو تذويب الإسلام بلفت نظره عن قضيته الكبرى : وهي بعث هويته وتفعيل حضارته ، إلى الانشغال بقضية حفظ القرآن الكريم بدل فهمه والتأثر بمفاهيمه ، وإحياء ليلة القدر بدل بذل تلك الليلة في الرباط ، وبناء المساجد المكلفة بدلا عن المصانع ، والركض للحج والعمرة بدل الجهاد ، وهكذا تشوهت مفاهيم الحياة الإسلامية ، وتشكلت حياة إسلامية على أجزاء ومفردات إسلامية لا علاقة لـها بفعل التغيير ، وصاحب هذا الإشغال إشغال آخر ، هو توجيه المثقفين نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ومنها قضية المرأة ، بدلا عن العمل في التغيير . و وجدت سياسة المواجهة ضد من يستعصي على الاحتواء والتذويب ، فكانت المحاكمات أمام المجالس العسكرية ، لـمجرد التفكير بعمل ضد العدو اليهودي ، أو القيام بنقد سياسة الحكم في بيان أو خطبة جمعة أو مظاهرة .

لقد قام الأمريكان بارتكاب خطأ فاحش من مباشرتـهم العمل السياسي دون إدراك العواقب ، فقد اعتمدوا بعث الجهاد في مواجهة السوفييت في أفغانستان ، ظنا منهم أنَّ هؤلاء الجهاديين وهم من أكثر الناس إخلاصا ـ بغض النظر عن حالة الوعي فيهم ـ سيبقون في حالة الاحتواء ، ولكن خاب فأل الأمريكان ، فانقلب السحر على الساحر ، فإذا بـهؤلاء المخلصين شوكة في حلق الأمريكان ، وشجى في الفؤاد ، وغصة في القلب ، يذيقون الأمريكان وأصدقائهم المرارة والعلقم ، ويخرج منهم تنظيم القاعدة الذي هدم في عمل بطولي رائع برجيهم صباح يوم جميل هو 11/9/2001م .

أدرك الأمريكان والغرب كله وأنظمة الخيانة في العالم الإسلامي : أنَّ العالم الإسلامي مقبل على بعث للإسلام يقذف بـهم جميعا إلى الجحيم ، ورأوا في ضم العراق للكويت نقطة بدء في هذا البعث ، ولذلك يقول فوكوياما في كتابه نـهاية التاريخ وخاتم البشر ما يلي :

" صحيح إنَّ الإسلام يشكل أيدلوجيا منسقة ومتماسكة ، مثل الليبرالية والشيوعية ، وأنَّ له معاييره الأخلاقية الخاصة به ، ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية . كذلك فإنَّ للإسلام جاذبية يمكن أنْ تكون عالمية ، داعيا إليه البشر كافة باعتبارهم بشرا لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية ؛ أو قومية معينة ، وقد تمكن الإسلام في الواقع من الانتصار على الديمقراطية الليبرالية في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي ، وشكل بذلك خطرا على الممارسات الليبرالية حتى في الدول التي لم يصل فيها إلى السلطة السياسية بصورة مباشرة . وقد تلا نـهاية الحرب الباردة في أوروبا على الفور تحدي العراق للغرب وهو ما قيل ( عن حق أو عن غير حق ) أنَّ الإسلام كان أحد عناصره " . انتهى الاقتباس

إثر دخول الجيش العراقي الكويت وانحياز المعارضة الكويتية لإقليم الكويت الكرتوني ـ المصنوع من قبل بريطانيا عام 1898م ـ بطريقة انتهازية قذرة جدا ، ويذكر على سبيل المثال الدكتور أحمد الربعي ومحمد جاسم الصقر من القوميين الوطنيين ، والشيخ القطان من الإسلاميين ، أُغْلِقَ الطريق أمام النظام العراقي للتعاون مع ممثلي البلاد وإقامة حكم محلي وطني ، لكي لا يعطي للمتربصين به من الغرب الحجة لحربه ، وإذا صح ما قيل من قتل أمير البلاد جابر أو رجاله لأخيه الأمير فهد ، إذ كان موضع الظن أنه يرحب بالتعاون من العراق ، لجأ العراق لإيجاد حكومة محلية عسكرية برئاسة العقيد علاء الدين حسين ، الذي يواجه الآن حكم الإعدام من قبل القضاء الكويتي ، والعالم العربي ولجان حقوق الإنسان تمسك عن الخوض بالظلم الشديد الواقع على هذا الضابط الشاب ، لقد اغتنم الأمريكان الفرصة السانحة ، فوضع الغرب وعلى رأسه الويلات المتحدة ـ وهي صاحبة السيطرة التامة على مجلس الأمن ـ قرارات جائرة ومتلاحقة ، وتضم إلى بعضها البعض ، تحت الفصل السابع الذي يخول مجلس الأمن استعمال القوة لرد الأمور إلى نصابـها وهو تحرير الكويت ، وقد تحقق تحرير الكويت أو السيطرة عليه من قبل الولايات المتحدة ، ومع هذا بقي الحصار مفروضا على العراق لمدة طويلة ، تحت عنوان تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق ، وهذا الأمر لم يكن مطلوبا بقرار مجلس الأمن الأصلي رقم 660 الصادر عن مجلس الأمن في 2/8/1990م ، وقد تتابعت القرارات وهذه هي : 661 الصادر في 6/8/1990م ، و 662الصادر في 9/8/1990م ، و 664 الصادر في 18/8/1990م ، و 665 الصادر في 25/8/1990م ، و 666 الصادر في 13/9/1990م ، و 667 الصادر في 16/9/1990م ، و 669 الصادر في 24/9/1990م ، و 670 الصادر في 25/9/1990م ، و 674 الصادر في 29/10/1990م ، و 677 الصادر في 28/11/1990م ، و 678 الصادر في 29/11/1990م ، وبـهذا القرار يعلن أنه يتصرف بـموجب الفصل السابع من الميثاق ـ ولم يحدث في تاريخ مجلس الأمن أن أستعملَ الفصل السابع ضد دولة العدو اليهودي ، رغم كثرة خرقها للقانون الدولي ، وتعدد تحدياتـها لقرارات مجلس الأمن ، واشترك العرب كلهم إلاَّ قليلا منهم في تأييد هذه القرارات وقبولـها ، وهكذا قبل حكام العرب ـ بغباء منقطع النظير ـ الخروج من صناعة التاريخ ، أو المشاركة في صنعه ، حفاظا على كيان كرتوني اسمه الكويت ، مع أنه كان من الممكن توقيع اتفاق بين العراق والكويت حول خلافيهما ، لولا أنَّ الولايات المتحدة أثرت في منع الاتفاق ، وفي جميع تلك القرارات لم يشر ـ من قريب أو بعيد ـ إلى ضرورة تدمير أسلحة الدمار الشامل .

ومع موافقة العراق الامتثال لقرارات مجلس الأمن 660 و 662 و 674 ، صدر قرار مجلس الأمن رقم 686 الصادر بتاريخ 3/3/1991م ، ولم يشر أيضا إلى تدمير أسلحة الدمار الشامل ، وفي 4/3 /1991 صدر قرار مجلس الأمن رقم 678 ، وهو القرار الذي نصت فيه الفقرة الرابعة على تدمير أسلحة الدمار الشامل ، وورد في آخر الفقرة ما يلي : " تمثل العمليات السابقة الذكر " خطوات في اتجاه هدف " إقامة منطقة في الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل ؛ وأنظمة الصواريخ متوسطة المدى ذاتية الدفع " ويفهم من العبارة أنَّ دولة العدو داخلة في ضرورة خلوها من أسلحة الدمار الشامل ، ولكن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يحرك ساكنا تجاه دولة العدو ، ذلك هو مكيال العدو المزدوج قال تعالى : (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) (المطففين:1-6) .


أيتها الأمة الكريمة !

أيها الجند الباسل عدة الأمة في التغيير !

تجري محاولات كثيرة للنظر لموضوع العراق على غير حقيقته ، وخاصة من قبل الخائنين والمرجفين والغافلين فالخائنون يقدمون تبريرهم بما يلي : ـ

عدوانية النظام العراقي على جيرانه ، ودخوله حربين ضد جيرانه ، حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ، وحرب الخليج الثانية وهي ضم الكويت .

إنَّ النظام العراقي نظام مستبد دموي يبطش بالمواطنين .

يمتلك العراق أسلحة الدمار الشامل ، ويرفض التعاون من المفتشين لتجريده من أسلحته .

يرى البعض ـ وخاصة الحركات الإسلامية ـ كون حزب البعث [وهو الحزب الحاكم في العراق] حزبا علمانيا أي حزبا متبنياً لأفكار الكفر .

يرى البعض أيضا أنَّ النظام العراقي هو نظام مرتبط بالغرب ، بعضهم يقول لا يزال على ارتباطه ، وآخرون يقولون فك ارتباطه ، والغرب يحاربه بسبب فكه الارتباط .

يرى بعض المثقفين أنَّ النظام العراقي نظام يرتجل قراراته ، وهو بـهذا الارتجال أدخل المنطقة والعرب خاصة بدوامة مهلكة .

تلك هي كل الحجج التي يقدمها الخائنون والمرجفون والغافلون ، وهي كلها تفسيرات لا تشاهد الواقع كما هو من 2/8/1990م وحتى الآن وإنما ترى الواقع كما كان قبل هذا التاريخ ، ويكفي لدحض هذه المقولات ؛ قول موجز ؛ يقطع الحجة ، ويسكت الألسنة ، التي تثرثر فيما لا جدوى فيه وهذا هو القول : ـ

يعتمد الموقف المتصلب من العراق على موقف الدول الكبرى ـ وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا ـ وليس على موقف دول الخليج الست ، أو على إيران أو المعارضة العراقية مهما كان لونـها ، ويخص بالذكر موقف الكويت الغبي : حكومة ومثقفين ، وشعبا على وجه العموم ، وهذا معلوم بالضرورة ، فالمسألة متعلقة بالدول الكبرى ، وليس لسبب من الأسباب الستة المذكورة ، وهي أي الدول الكبرى ـ وخاصة الولايات المتحدة ـ لها مخططاتـها وقد ورد في بدء هذا النداء الدواعي التي جعلت الولايات المتحدة تقف هذا الموقف ، فهي لا تقدم الفطائس من جندها خدمة للكويت ، أو إيران ، أو المعارضة العراقية ، فليعلموا ذلك علم اليقين !! .

الفطائس جمع فطيسة ، وهي كلمة عامية تعنى : موت الدابة دون أية فائدة من موتـها ، فتذهب طعاما للكلاب ، وذات رائحة منتنة ، وتبقى بقية من عظامها شاهدا حيا على هذا الموت .

أيها الكويتيون !

هل من الممكن أنْ تثوبوا إلى رشدكم !!؟ أقلها أنَّ الولايات المتحدة وشركائها : إذ تمارس العدوان القذر على العراق ، فليس لسواد عيونكم ، وليس للحفاظ على جابركم ، وسيسجل التاريخ خيانة ثانية لكم ، بعد خيانة مبارك بن صباح بن جابر بن عبد الله بن صباح الثاني ، المولود عام 1838م القاتل لأخويه محمد وجراح غيلة وغدرا عام 1896م ، المنحاز للإنجليز عام 1898م فحمته من الدولة العثمانية ، ومنذ ذلك التاريخ تحولت الكويت إلى محمية بريطانية ، وقد فطس الخائن عام 1915م ، وهذه هي الخيانة الثانية ابتدأت في 2/8/1990م وحتى هذه اللحظة ، يقوم بعمل الخيانة واحد من أسرة الخائن الأول ، مارسها جابر بن أحمد بن جابر بن مبارك الخائن المذكور ، مقتديا بجد والده بدل الاقتداء بعبد الله الثاني الذي رفع علم الدولة العثمانية على قصره فعينته الدولة العثمانية قائم مقام الكويت ، هذا هو بعض تاريخكم ، فهل ستسندون الخائنين ؟ أم تجتثوا هذه الأسرة الخائنة ؟ التاريخ لن يرحمكم وينتظر أفعالكم !! .

أيتها المعارضة العراقية فيما وراء البحار !

هل حدث ما راهنتم عليه ؟ : ـ وهو أنَّ حبيبيكم بوش مؤيدا ب بلير سيزيلان حكم العراق في ثوان أو دقائق ، التهاني الحارة في خيبة أملكم ، وكم ستكون شدة خيبتكم عند استئثار أمريكا بالكعكة مع أحبابـها دونكم (( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ))(هود: من الآية81) .

تلك هي صورة مختصرة لـما يحدث في العراق ، صورة بطولة نادرة ، وصورة خسة ودناءة ، فلتحدد الأمة أي الصورتين تريد ؟ ومع أي الصورتين تقف ؟ (( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))(الحج: من الآية40).

بقي ما يقال : لقد تكشف أمر الشرعية الدولية ، وأمر الحكم الديمقراطي ، وعجز المعارضة ، وحقيقة الرأي العام ، فهذه الأربعة عجزت عن كبح جماح غطرسة القوة ، وها هي غطرسة القوة تعربد في بصرة الحسن البصري ، وفي بغداد العلم ، وفي نجف الإمام علي ، وفي كربلاء الإمام الحسين ، وفي كل مكان من العراق المتحدي ، فهل من آلية أخرى تكبح جماح عربدة القوة ؟ !!!

أمام بيان أنَّ هذه الآليات فقدت قدرتـها وفاعليتها ، فهل تبقى أم تستبدل ؟ أم يعاد النظر فيها لعلاج أسباب ضعفها ؟ وإذ يتواجد في صفوف الأمة كثرة من المصابين بالإعشاء ، فلا بد من تبصيرهم وتذكيرهم بمشاهد من ضعفها ، فهل رأيتم الشرعية الدولية بدءا من القرار 1441 وحتى صباح يوم الخميس التاريخي 20/3/2003م ؟ فالضغط الأمريكي المتواصل ، والتهديد بالقوة ، والتلويح بالرشوة للدول الفقيرة ، كل ذلك دال على أنَّ مجلس الأمن لا يتخذ قراراته حسب الرأي الصواب وفق مهمة السلام التي وجد مجلس الأمن من أجلها حتى قيل ـ وهو قول صادق ـ : إنَّ مجلس الأمن تحول إلى دائرة من دوائر البنتاغون الأمريكي ، وصار الأمين العام لهيئة الأمم مجرد موظف تابع للبنتاغون ، وظهر تسلط الولايات المتحدة على مفتشي أسلحة الدمار الشامل ، بحيث كانت قراراتـهم تحاول أنْْ ترضي القرصان الأمريكي ، وما إدارة الظهر من قبل الويلات المتحدة وشريكها الشرير بريطانيا ، وكل من أيد مسار الويلات المتحدة ، إلاَّ صورة كاشفة لما عليه مجلس الأمن . [يجب أنْ لا يتكرر مرة أخرى مثل إدارة الظهر هذه] فلا بد من الضغط تجاه هذا الأمر ، ولا يد من تغيير في الكيفية التي يمارس مجلس الأمن بـها صلاحياته ، وأنْ لا تبقى هذه القرارات أسيرة القرصنة الأمريكية ، ومثل هذا العمل يمكن أنْ يقوم به أرباب السياسة ، ولكنه يمكن أنْ تقوم به أيضا الشعوب ، تلك الشعوب التي حاولت منع الحرب بمظاهرات عارمة ، ولكن الويلات المتحدة أصرت على عدم الاستجابة لصوت الشعوب يدوي في كل أنحاء العالم ، فهل يبقى صوت الشعوب لا يأبه بـها القرصان الأمريكي ؟ !!!

لقد شاع بين ممارسي السياسة أنَّ القرار للدول الغربية هو قرار ديمقراطي ، ويدعي دعاة الديمقراطية بأنَّ الشعب هو صاحب القرار ، والحقيقة تقول : إنَّ صورة الحكم الديمقراطي ليست حكم الشعب بل حكم الحاكم ، وقد ظهر ذلك واضحا في تصرفات حاكم أسبانيا وإيطاليا واستراليا ، وفي بريطانيا رغم موافقة حزب المحافظين على دعم رئيس الوزراء الذي فقد تأييد الشعب والحزب بعد هذه الحرب العالمية الثالثة القذرة فإنَّ المطلوب من العالم على وجه الضرورة العمل لبناء عالم جديد غير عالم التسلط الأمريكي القذر على العالم .

الموقف الحربي في اليوم الحادي والعشرين

ما جرى في العراق صباح يوم الأربعاء 9/4/2003م ، من توقف تام للمقاومة في بغداد ، وظهور سيطرة قوة التحالف على بغداد ، وكأن السلطة المركزية قد انـهارت ، أثار دهشة الناس جميعا ، بحيث أخذ الناس يتناقلون أقوالا مختلفة في تفسير هذه الظاهرة ، بسبب من الغموض الشديد الذي يحيط بالموضوع ، بحيث لا يمكن تفسير الموقف تفسيرا مقنعا ، لكن الأمر المتفق عليه في الحدث : هو في اتفاق الكل على اختفاء كل الأمور التي تدل على تحقق هزيمة للقوة المسلحة النظامية : الحرس الجمهوري والجيش النظامي ، فليس من أثر يدل على إلحاق الهزيمة بـهذه القوة : من آليات مدمرة أو صالحة ، أو شاحنات من إمدادات من الذخيرة والعتاد ، وحتى المقاومات الأرضية أو الثابتة ليس من أثر لها ، وعلى امتداد ساحة القتال من صفوان وحتى بغداد ، لا يوجد ما يدل على أنَّ آليات القوة النظامية قد تم تدميرها ، رغم آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ التي قامت بإطلاقها قوات التحالف الهمجية ، وهي قوات لا تستحق نوال شرف المقاتل ، فهي تجمع في نفسيات قوادها : نفسية وعقلية نيرون ، وهمجية هولاكو ، وكل العقد التي تخلفت عند أجدادهم الصليبيين من الحضارة الإسلامية ، وفي جندها أشقرهم وأسودهم تصرفات المرتزقة .

هذه هي المعطيات التي يجب أن توضع موضع البحث والتدبر ، وإذا أضيف إلى ذلك وجود جبهة قتال حقيقية في مدن الشمال الموصل وكركوك وتكريت ، وجيوب مقاومة في مدن الجنوب والوسط وخاصة الكوت وغيرها كل ذلك دال دلالة واضحة على انهيار نظرية الانهيار التام للسلطة المركزية والقوة النظامية فما هو السبب الخفي في مجريات أحداث بغداد ؟ تلك هي الصورة المحيرة للمراقب السياسي والتي تجعل نظريات التفسير تجنح كثيرا إلى ضرب من الوهم والتخيل والافتراض .

إنَّ الصورة الميدانية في بغداد هي ما يلي : سيطرة تامة وراحة للجند الأمريكي مرحبا بـهم من قلة من مجموعات عراقية ليست من أهل الشأن ، بل هم من أهل الوضاعة والحقارة ، وهي سيطرة على مساحة من بغداد ؛ تبلغ على أعلى تقدير ربع مساحة بغداد ، وجميع تصريحات رجال الحرب الأمريكيين والبريطانيين تصرح علنا بأن الحرب لم تنته بعد ، هذه الحقائق الماثلة دالة على وجود خطة ممكن اكتناهها وهي محاولة القيادة العراقية جر قوات التحالف للانتشار في بغداد ، وعند ذلك تكون المواجهة الحقيقية ؛ إذ لا يمكن للطيران والصواريخ أن تكون في حالة فاعلية حين الالتحام .

ما يظهر في الأفق أنَّ قوات التحالف مدركة لـهذه الخطة ولذلك تحجم عن هذه المواجهة ولذلك اضطرت القوة العراقية أن تقوم صباح هذا اليوم 10/4 أ ن تظهر قوة من الحرس الجمهوري عند أحد قصور الرئاسة وأن تقاوم بضراوة قوات التحالف .

تلك هي الصورة التي توصل إليها التفكير يوم 10/4 ، وحين وضع الرأي موضع المناقشة ، تبين وجود شائعة خطيرة جدا ، هي : إنَّ توقف القتال جرى من خلال صفقة ، ( هكذا كانت التسمية ولا زالت ) ، الصفقة بين الولايات المتحدة وبين صدام التكريتي بوساطة روسيا ، وهي : أنْ ينجو صدام بجلده ، وهذا يعني على زعم أصحاب الإشاعة خيانة صدام !!! ، والسامع لهذه الإشاعة يدهش بل ويصفع !!! من مدى سطحية عقل الناس والتفاهة التي هم عليها !!! وهكذا كان لابد من مقابلة حملة الشائعات القذرة بنقلهم للبحث والربط بين الوقائع ، وكانت معاناة وأية معاناة لا يعرفها إلاَّ من عاناها .

فما هي صورة الوضع الحقيقية ؟ هل هي كر وفر وجر لهم لحرب الشوارع ؟ كما كان الرأي صباح يوم 10/4 أم جرى تغيير في فهم الصورة .لقد تبين بعد ذلك صورة انهيار في جميع الجبهات ، وكان لا بد من عودة للبحث ، والعودة للبحث تقتضي ربط الأمور ببعضها وها هي صورة الأمور :

الحرب من 21/3 إلى مساء يوم 7/4 وبالعودة لتوثيق التقرير الاستخباري الروسي عن معارك بغداد يومي 6/4و 7/4 تبين شدة المعركة وشراستها وأنها في مجملها لصالح قوة العراق إذ أذاقت القوة المعتدية الأمرين فما الذي حدث بعد ذلك ؟ .

اختفت مظاهر القوة كليا ليلة 8/4 وصباح اليوم نفسه فالتقط الناس الأنفاس وانتظروا جميعا المؤتمر الصحفي لوزير الإعلام السيد محمد سعيد الصحاف فظهر لمدة دقيقتين وقال الأمر على ما يرام وركب سيارة واختفى .

يوم 9/4 انطلقت الشائعات مجنونة بوجود صفقة ، بدل من وضع الأمر موضع البحث ، وكان الحمق والجنون يرافق ذلك التفسير ، فهبطت شعبية صدام من مجاهد إلى خائن .

في مساء أو عصر 7/4 أو قبل ذلك ظهر صدام وهو يتجول في شارع المنصور ، ولكن في نفس اليوم 4/7 أذيع خبر مفاده إطلاق 4 قذائف موجهة زنة الواحدة 900كغ ، ومع الخبر أنـها توجهت لقتل القيادة بما فيها صدام ، ولم يعرف ما إذا تحقق قتل صدام أم لا .بعد هذا الخبر كانت مجريات الأحداث التي وصفت بالصفقة .

ويظهر من الواقع ومن انفلات الأمن بدءا بصورة تحطيم تمثال صدام وانتشار السرقات والحرائق والسكوت المطبق من قوات العدو عن ذلك وعن شرح أسباب هذا التغير يدرك المراقب أن الرئيس صدام قد قتل مع عدد من أعضاء القيادة والسكوت عن إذاعة ذلك من العدو ومن عرب الخيانة هو لفسح المجال للإشاعات الحمقاء بغرض عدم بقاء صورة الاحترام له . رحم الله صدام وأسكنه جنته وتجاوز عن سيئاته الكثيرة هو ورفقاه الذي مات مقاتلا ولم يمت متخاذلا .

المخلصون تسربلوا بقبورهم والخائنون تـحـولوا فئرانـا (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً )) (النساء:76).

مؤتمر دول جوار العراق

بعد فوز حزب التنمية والعدالة فوزا ساحقا في انتخابات مجلس النواب التركي ، وهو حزب إسلاموي ، وليس حزبا إسلاميا ، كان لا بد من أنّ يدفع فاتورة قبول الجنرالات الأتاتوركية به ، وأنْ يدفع أيضا فاتورة أخرى تجعل الولايات المتحدة ترضى عنه ، وأن يحقق شروط قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي ، ومن هنا كان هم رئيسه بالنيابة عبد الله قول ( g ) ( ينطق حرف القاف العربي كما هو واضح بالحرف اللاتيني ) دفع هذه الفواتير ، ولذلك قام بما يلي :

أعلن الحزب بما لا يقبل التأويل بأنه حزب عَلْماني ، لترضي عنه طغمة الجنرالات الأتاتوركية ؛ إذ هي المتحكمة بالقرار الدستوري لشكل البلد ، فتكشفت حقيقة الحزب من كونه حزبا غير إسلامي ، فلا بد من إدراك هذه الحقيقة .

أعلن أيضا تراجعا واضحا في المسألة القبرصية ، فأخذ يتنصل من مسؤوليته عن نصرة القسم الشمالي من قبرص وصار يحاول أنْ يظهر الحرص على حقوق الإنسان من منظور الغرب لهذه الحقوق ، لتتأهل تركيا وتستحق الانضمام للسوق الأوروبية ، وهو أمر كافحت حكومات تركيا المتعاقبة طويلا من أجله .

وثالثة الأثافي وهنا تبدو الكارثة ، ولا يمكن إخفاؤها بأية رتوش أو طلاء ، فلقد قام عبد الله هذا بزيارة لكل من مصر وسوريا والأردن والسعودية وأخير إيران ، وكلها باستثناء مصر هي دول مجاورة للعراق ، ولم يُخف رئيس الوزراء هذا أن رحلته متعلقة بدفع الحرب عن العراق ، وهي حرب تغذ الولايات المتحدة الخطى نحوها ، غير آبـهة لبقية الدول ، معلنا خطر هذه الحرب على المنطقة كلها ، وهذه الصورة المعلنة بـهذا الشكل يظن السامع لـها ، أن رئيس الوزراء التركي يتصرف من منطق إدراكه للخطر الماثل ، ولكن الخفي في الأمر هو تحميل العراق تبعة العدوان ، وليس الولايات المتحدة ، ومع أنَّ هذا الكلام قلب للواقع ، ويمكن أنْ يفسر بعجز العالم ومنه تركيا عن مواجهة الولايات المتحدة ، لكن مجموع ما ترشح من أقوال ، يدل على خطورة هذه الرحلة ، فقد رافق الرحلة أقوالا أو تسرب عنها القول الخطير التالي : وهو ضرورة تجنيب المنطقة الحرب باستقالة صدام من الحكم وتأمين ملجأ آمن له . ورافق هذه الرحلة اقتراح عقد مؤتمر في تركيا ، ليوجه طلبا أو توصية أو ما هو مثل ذلك بصورة إقليمية ، من إقليم يعتبر العراق فيه القلب ، وهم يعلمون تمام العلم أنَّ العراق سيرفض مثل هذه التوصية حتما ، ولو قيل لـهم أستقيلوا أنتم لرفضوا فهذا العمل بـهذا الوصف له غاية واضحة ، وهو إعطاء المسوغ للولايات المتحدة للقيام بعدوانـها ، وتبرير مشاركة هذه الدول بالعدوان ، ومن هنا يظهر واضحا سوء ما يدبره هذا الإسلاموي المزيف ، إذ أخذ يعمل على ترتيب النكبات لهذه الأمة الخيرة .

يجب أن يفهم الجميع أنَّ سبب هذه الحملة الشرسة على العراق كونه هزَّ المعادلة القائمة في المنطقة ، ولهذا مطلوب من الناس كلهم ـ خاصة رعايا هذه الدول الست ـ وهي في مجموعها قادرة على الوقوف في وجه مخططات الولايات المتحدة ـ أنْ تباشر فورا ـ دون أي تأن ـ الضغط القوي على هذه الحكومات ، لتتراجع عن هذا العمل الخبيث ، وأن تقوم الجماهير فورا بالعمل على تحدي الولايات المتحدة ، والدول السائرة في ركابـها بمباشرة ببناء الدروع البشرية .

اللهم عونك ومددك لشد أزر العراق وكن له ناصرا ومعينا واحم هذه الأمة بلطفك من شر الأشرار .


بسم الله الرحمن الرحيم

قتل طاغية أم اندثار أمة !!!

من هو الطاغية صدام أم بوش ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍

ما هي قيمة المعارضة في حرب تدمير العراق ؟

أقوال المعارضة عبر نقطة حوار تدعو للغثيان !!!

كل فرد ادعى المعارضة هو أبو رغال !!!

هل بوش وبلير قائدا حرب تدمير العراق نفذا قرارهما بناء على رغبة المعارضة ؟

ما وراء تجهيز منهج دراسي كلفته 65مليون دولار قبل دخول ألW.A.S.P
الحرب ؟

بعد انجلاء حرب تدمير العراق لصالح هيمنة الولايات المتحدة ، ويقصد بالحرب حماية دولة العدو اليهودي من القوة الضاربة في العراق ، فتح السيد السكري برنامجا إذاعيا سماه نقطة حوار ، يشترك به عبر التلفون من أراد من المستمعين ورغم الاختلاف بالرأي في نقاط الحوار ، إلا أنَّ اختيار النقاط أبرز تحيزا واضحا ـ لبقاء صورة جنون الحرب الأمريكية في حالة غموض وإبـهام ـ خدمة للوعي المزيف ـ إنَّ الآراء التي تظهر من جموع المشتركين تدل على مقدار القصد القاتل للوعي الحقيقي ، أطرح أنا كنقطة حوار ، موضوع الغموض في اختفاء المقاومة ليلة 8/4و9/4 ، والتعتيم على مصير القيادة العراقية ، وهل يجوز في حالة الحرب ؟ أن تعمد دولة كبرى ـ تدعى أنـها المثل الدولي الأعلى في السلم والحرب ـ إلى هذه التصرفات الخسيسة ، كشراء خيانة ضباط من الحرس الجمهوري في تلك الليلة القذرة ، أليس يعني هذا التصرف صورة من تشجيع الدناءة في الحياة الإنسانية ؟ ومثل هذا التصرف جديد في تاريخ البشرية .

من الأمثال البدوية : عند العليق تفيق هذه هي العبارة التي ستكشف الكثير من أسرار هذه الحرب القذرة وسيكون أكثر الناس خسارة المعارضة العراقية التي تكثر النقيق وهي ليست في العير ولا في النفير .

المخلصون تسربلوا بقبورهم   والخـائنون تحَوَّلوا فـئْرانا ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

هذه الرسالة هي قبول المشاركة في الحوار ودمتم .

أمين نايف ذياب

عمان الأردن




بسم الله الرحمن الرحيم

السيد حسام السكري ـ برنامج نقطة حوار ـ

بعد التحية :

أرسلت لكم رسالة تبدي رغبتي في المشاركة ببرنامجكم ، لم تكن رسالتي حاقدة ، ولكنها غاضبة غضبا لا يحده المدى ، وحارة حرارة الموضوع الذي تعالجه ، والموضوع ليس زوال طاغية وما ترتب أو يترتب على زواله ، كما يضمر البرنامج وما يظهر من كل نقاطه ، بل الموضوع هو حقد أل . W.A.S.Pعلى الأمة الخيرة ، والعمل على بقاء القوة بيد دولة العدو ، فتدمير العراق غير الخلقي وغير الإنساني يغيب غيابا تاما من نقاط الحوار ، وتتكلم الرويبضات في المواضيع التي تطرح من قبلكم ، لتنسى الأمة التدمير الماثل الحي ، وإذ أكثر المتكلمين من الذين هربوا أو خرجوا ، ولم يكن الواحد منهم رجل مبدأ يموت في وطنه مدافعا عن رأيه ، أخذ يظهر عبر مذياع ـ بوشي بليري ـ أنه مهتم بالزمان الصدامي ، الذي يُعمل القتل بدون جريرة في كل الناس ، والمشكلة أن كل المتكلمين تكلموا وهم أحياء أي لم يقتلهم صدام ‍‍‍‍، فكيف هم دون الملايين وهم ملايين على الحقيقة من أهل النجاة ؟ يبكون أو يتباكون على عدة ملايين قتلت على يد صدام ، وحتى على يد الصحاف ومحمد الدوري كما هي الحلقة الأخيرة ، فالحقد من الضعفاء أعمى ، استحلفك الله يا حسام ‍‍‍‍ـ لو أخذت بنظريتهم ـ إلا يعني ذلك ـ مع عدد الأطفال الذين ماتوا بسبب الحصار ، والذين ماتوا بالحروب و… و … ـ ألا يعني ذلك التناقص السكاني ، فكيف يسوغون الزيادة السكانية في العراق ، مثل هذه الحقائق : حقائق أفاعيل الأمريكان والإنجليز ، وحقائق كذب أو مبالغات الضفادع ، لا يسلط الضوء عليها من قبل البرنامج عمدا ، فهل هذه هي المصداقية ؟

وددت أنْ يتصل بي البرنامج ليتحول النقاش إلى الحقائق والأرقام بدل القول والاتهام والأوهام ، بالمناسبة لست بعثيا ولن أكون ، ولست صداميا ولن أكون ، ولكني أعرف عدو أمتي ، وسأكون ضد عدو الأمة ويوم تتحرر الأمة من عدوها لن يستطيع ظالم أنْ يظلمها وسلام الله لكم .


أمين نايف ذياب

عمان ـ الأردن

30 نيسان 2003 م


بسم الله الرحمن الرحيم

السيد حسام السكري

تحية وبعد :

برنامج نقطة حوار هو برنامج مولود حديثا ، ولد بعد نـهاية حدث عدواني إجرامي ، لم يحدث له في التاريخ مثيلا ، يهون أمامه الدماء التي خاض بـها حصان الجندي الصليبي بدم المسلمين في أرض حرم بيت المقدس للركبة عام 1099م ، ويهون أمامه تحول مياه دجلة عام 1258م ـ تاريخ سقوط بغداد على يد هولاكو ـ إلي السواد بسبب الاعتداء على كتب بيت الحكمة ، والمقتلة العظيمة لجموع المستسلمين ، مع هذه الصورة الرهيبة ، اعتداء لا تبرير له ؛ إلا حقد الأمريكان والإنجليز على أمة الخير ، أخذت يا أستاذ حسام السكري في برنامجك تلفت النظر عن صورته البشعة ، التي لا تزال ماثلة حتى هذه اللحظة : هدم ، حرق ، سرقة ، قتل ، تدمير ، فوضى ، مرض ، أوبئة ، علماء مطلوبون للسجن ، ضياع مستقبل ، إتلاف سلاح عادي مع أنه غير ممنوع وجوده كسلاح للجيش ـ الذي يريد الأمريكان تشكيله وفق مواصفات الهوان في الجيوش العربية الأخرى ـ تـهديد لدول جوار العراق ، كل ذلك في سبيل حماية دولة القطعان اليهودية ، وظن بنو قريظة في الكويت أنَّ العدوان جاء لسواد عيونـهم ، ودار في خلد المعارضة الخائنة أنَّ بوش وبلير رحيمان شفوقان هالـهم اعتداء نظام صدام على هذه المعارضة فجاءا لإنقاذهم ، فزحفت جحافلهم المرتزقة ، لا لتحرير العراق من مستبد غشوم ، ولا لتأمين جموع بني قريظة على مستقبلهم في إنفاق السرف وحياة الكسل ، وليس لتأمين المعارضة من القتل والتصفية ، بل لتدوس ببساطيرها من يعمل للتحرير ، أو امتلاك التكنولوجيا ، أو الشعور بالعزة ، وإلا لماذا كانت هدى ورحاب مطلوبتان ؟ وكما بينت لك في رسالة سابقة لماذا الإصرار على تغيير المناهج .

كل ما جرى وما يجري يقفز فوقه السكري عن سبق عمد وقصد وإصرار ، ليحول الموضوع من الماثل إلى الماضي ، ولا أدري أيها الأستاذ السكري ما هو موقف زوجتك وأولادك منك ؟ أمكشوفة صورتك عندهم ؟ أم هي مختفية وراء طلاء الهدوء المصطنع ؟ ودعوى الرغبة بسماع مختلف الآراء ، أنت تبشر بديمقراطية لا تستطيع تعريفها ! فهل تبشر بأن يحكم الشعب نفسه ؟ وهل فعلا يحكم شعب الولايات المتحدة نفسه ؟ وهل يحكم شعب الإنجليز نفسه ؟ كيف ؟ أخبرني بالله عليك ! فأنا لا أرى إلاَّ سيطرة القلة الحاقدة علينا !.

وتمر على الإسلام فلا يلفت نظرك الوجه الحضاري فيه ، فتزيحه عامدا إلى الوجه العقدي الديني ، الوجه الحضاري يا سكري يقيم مظلة عدل ، ومبنى في المعرفة ، كلاهما ينفع البر والفاجر والكافر ، الإيمان أساس ؛ ولكن الحركة هي حركة حياة للكل وليس لزمرة أو فرقة أو طائفة أو أهل دين ، ذلك ما هو مشهور ومعلوم من التطبيق السياسي للإسلام في القرون الخمسة الأولى ، ليكن معتقدك بلا إكراه قال تعالى : ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (البقرة:256) ولكن حياة العدل للجميع ، لكن لماذا يصر أحبابك على بوش وبلير ومن معهم اختيار دين للناس ؟ هو دين الديمقراطية ، دين أصله من يونان يعطي الهيمنة لقلة قليلة جدا هم أحرار المدينة اليونانية من الرجال فقط ، طوره الارستقراط الغربي ليهمين تماما على الشعب ، بحجة مشاركة الشعب بالقرار ـ عبر نظام لا يسمح لغير الاستقراط إلاَّ لمن وضع نفسه في خدمة الاستقراط كبول وأنان وكونداليزا رايس ، فهل هولاء الفرسان الثلاثة أصحاب قرار ؟ آمل الإجابة يا أستاذ حسام السكري بلا مواربة ! .

الحكم من حيث هو الحكم الأمثل هو سلطان أمة ، أي الأمة تنتخب سلطتها انتخابا حرا ، وسيادة قانون على الجميع دون تمييز ، لكن أهل النفوذ يحرفون الحكم عن مساره الطبيعي : بالاستعباد ، أو بالاستبداد ، أو بالاستلاب ، ونظام الديمقراطية الغربية هو نظام استلاب يهون إلى جانبه الاستعباد والاستبداد ، أعطى للناس الحرية ، وسلبها كاملة بنظام الاستهلاك العتيد ! المعتمد على الربا والقمار وعمليات القيد لأرقام فلكية في باب المديونية ، وباب الإنفاق على قتل الضعفاء . تحول العالم على يد الديمقراط إلى غني مكاثر من فرط غناه يقلق ! وفقير بائس متألم يقول في ظلمة الليل : ليتني لم أخلق ! لماذا عدم البحث الجدي عن السبب الحقيقي لإصرار أل w.a.s.p على تدمير العراق ؟ ص ش س ح.

لقد شاهد الناس عبر الفضائيات بوش وهو يخطب على ظهر حاملة طائرات العائدة بالخزي والعار ، يحيط به الجند مصفقين فرحين ، فهل كان الجند في رحلة إنقاذ للقارة السوداء من مرض فقدان المناعة المكتسبة ؟ أم أنـهم عادوا من قتل أطفال ونساء وشيوخ العراق ‍، ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍وتدمير جميع منجزات العراق ، فما هو ذنب المنجزات ؟ هل هي أسلحة دمار شامل ؟ فلماذا لا تسلط الأضواء عبر نقطة حوار على صورة بوش بين جنده المهللين لتدمير العراق ؟ .

ستقول ‍‍‍‍‍‍‍أيها السكري أنَّ الموضوع ليس هو تدمير ال ‍ W.A.S.P. للعراق . موضوعك هو الحوار حول الإرهاب ، تحاول من خلال ـ منظومة الجهالة بالإسلام عند المخلصين الذين بلغ الجرح قلوبـهم ـ تحوير الإسلام ، وجعله مطية ليركبه بوش ورفيق دربه بلير ، ويأتيك الرويبضة ـ الذي لا يفهم معنى الحضارة ـ فتعطيه الفرصة بعد الفرصة ، ليقول ما يريد دون دليل ولا برهان ، وتمنع أهل الوعي من القول ، تلك صورة نقطة حوار، هي مقال تريد إيصاله ، وقد وصل فتبين الواعون خطورته ، فلن يثنهم ثان عن حمل دعوة الإسلام ، ووصل سمع أهل الشعور مقالك فشحنت شعور الغضب فيهم ، والضفادع التي تنقنق معك لن تكون إلاَّ نقيق ضفادع .

لقد سمعت مواضيعك وأمعنت النظر فيها ، ووجدت أنـها سم زعاف لأمة الإسلام ، يسعى السكري بلا خجل لأن تتجرعه أمتنا وكل تسويغ تأتي به ـ عبر نقطة توجيه ـ لا يمكن مروره على الواعين ، وإذ يدافع عنه أهل الجهالة فلا فائدة من قيادة الجهلاء ، الجهلاء والعملاء خارج التأثير ، وأهل التأثير باقون قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )(الأنفال:36) .

هل لي أن اطلب نقاشا موضوعيا معك ومع غيرك من هو مثلك ؟ ‍

موقع المعتزلة...

البريد الألكتروني مع تحيات أمين نايف ذياب...

هاتف...  عمان


العراق والصحاف والمنحرفون

العراق كجغرافيا وتاريخ وحضارة يأخذ المرتبة الأولى ، والعراق كمنطقة معرضة للاجتياح من الجهة الشرقية منه ، فقد اصطلى العراق بغزو هولاكو التتري سنة 656هـ 1258م ، فدمر وأحرق وقتل ، ودور العراق في الحضارة الإسلامية والمعرفة والعلم أمر معلوم ومشهور ، فالكوفة والبصرة وبغداد يكفي النطق باسم واحدة منها لتعود للواحد من هذه الأمة سيل من الذكريات ، والغرب وخاصة الإنجليز ووريثهم الأمريكان ـ كعدو للحضارة الإسلامية ـ يدرك ما في العراق من إمكانيات لبعث هذه الحضارة ولهذا رسم له سياسة خاصة ، تلك حقائق موضوعية غير قابلة للجدل .

العراق في عهد صدام التكريتي موضوع جدل مثير ، تداخلت فيه الحقائق والمزيفات ، واختلطت فيه الأهواء ، فمن أحب فجر ، ومن كره فجر ، وإذ غاب صدام فهو لم يغب بسبب عشق من أحب مرحلة صدام ، وكذلك لم يكن غيابه بسبب من أمتلئ قلبه بالحقد على صدام ، وامتلئ جيبه بدنانير كويتية ، ولم يغب صدام بكونه يمثل نظاما متخلفاً ساق العراق إلى سلسلة متلاحقة من الحروب ، فهذه الحروب لم تصنعها العراق ، بل استدرج إليها العراق ، وكل من يسلط عقله على الواقع يعرف هذه الحقيقة ، لكن الهوى وحب الدنانير الكويتية يعمي ويصم ـ خاصة إنَّ الدينار الكويتي لا زال يساوي 3,20 دولار ـ إن محاولة قلب الحقائق لا يجدي الحاقدين شيئا ، فالعراق ليس قطب العالم أو واحدا من أقطاب العالم منذ عام 1258م ، والعراق لم يخرج جيشه مقاتلا خارج بلاده ، إلاَّ في مناطق هي محل قول وقال من ناحية جغرافية ، وهي محل اتهام من ناحية سياسية ، والذي يمعن النظر في إطلالة البر العراقي على المنفذ البحري 23كم يدرك تماما سوء الصنعة في ذلك المنفذ .

الحرب العدوانية التي أعلنها أل W.A.S.P. ، لم تكن بسبب ما يقدمه الكارهون لصدام من حجج ، مثل كونه دمويأ أو مستبدا أو غير ذلك من حجج واهية ، هي حرب فرضت على العراق والعالم فرضا قهريا ، ومن لا يدرك هذه الحقيقة فهو يريد غير الحق ، والحرب في أيامها من 20/3/2003م إلى مساء 7/4/2003م أبلى فيها العراقيون بلاء حسنا ، ولم يكن الصحاف مزيفا للحقائق ، وهذا ما تؤكده التقارير الاستخبارية الروسية ، ومسار الحرب والمتابعة لها يوما فيوما بل ساعة فساعة ، وتحليلات العسكريين ، وواقع تصريحات قادة العلوج والطراطير ، وسيبقون علوجا وطراطير ، غضب من غضب وكره من كره ، الصحاف لم يقل غير أننا نقاوم ونقاوم ، ويقتل العدوان من العراقيين ، ويقتل العراقيون من العلوج والطراطير ، هل هذا القول يشكل جريمة ؟ .

لا زالت أحداث اليوم الثامن والتاسع من شهر نيسان يكتنفها الغموض ، وليس من المهم كشف هذا الغموض الآن ، لكن في ما تسرب وترشح يعلم منه شراء ذمم كبار قادة ، والذي فوهات مدافع الأمريكان تصدم مؤخرته أو بالحقيقة صدره أفضل عند الله وعند الخلق وفي سجل التاريخ من خائن يصفق للأمريكان بيديه ويهز مؤخرته طربا بانتصار أقاربه ، ولا بد من باب التذكير القول بأن الدولة التي تشتري الخيانة هي دولة بلغت منتهى الصغار والذلة .

من يقف ضد أمريكيا ـ بأي صورة ـ لا يحتاج لترميم سمعته ، سواء نجح أو فشل في مسعاه ، والمشكلة هي أنَّ التاريخ لا يتوقف أبدا ، والتاريخ يؤكد حقيقة هي : إنَّ الأمريكان والإنجليز واليهود أعداء لهذه الأمة ، والمقاومة بالسلاح هي خيار المقاتلين الأبطال ، والنضال بالكلمة هو طريق الشرفاء .

هذه هي صورة العراق . وتلك هي فترة حكم صدام ، وما انجلى قبل الحرب ومع الحرب وبعدها ، وتولي السيد الرئيس بول بريمر ـ حفظه الله حكم العراق لسنوات طوال عجاف ، يبين عن الغاية بوضوح تام ، فهل لواحد بعد ذلك أنْ يدعي أو يقول : إنَّ نظام العراق أنكسر حتى شبع انكسارا ؟ فالعراق خلال الحرب العدوانية عليه كان مدافعا للغزاة عن بلده فوق أرضه وسمائه ، ويأتيه الغزاة من : أرض , وقناة , ومضايق بحرية , وبحار إقليمية , ومطارات , وموانئ , وقواعد , قيل عنها : إنـها أرض عربية !!! ويتملك الرعب الآخرين من العرب العاربة والمستعربة والمتأمركة ، فهل بعد ذلك مطلوب من العراق أنْ لا ينهزم ؟ ذلك سؤال لا يجوز القفز عنه ، فالقفز عنه جريمة في حق بناء الوعي .

والسؤال الذي يلقى من قبل من رهن نفسه وعقله وقلمه وهو : هل أكثر هزيمة من أنْ تسقط بغداد بالطريقة التي سقطت بـها ؟ بغداد حين سقطت قطرت عيون المخلصين دما ، لكن جماعة قليلة زغردت , وفرحت , ورقصت , وهزت مؤخرتـها طربا , ينتمون لعرب بني قريظة !!! ومن كان من هذه الزمرة فليس من حقه البكاء أو حتى السؤال عن بغداد ، نعم بغداد سقطت ! وبغداد حرقت ! وبغداد نـهبت ! والجيش العراقي حله السيد الرئيس بول بريمر ، ومخازن السلاح العادية تدمر ، دون أخذ الحيطة للمحافظة على الأرواح ، وأسطورة المقابر الجماعية تعجز عن تغطية الجريمة ، جريمة نظام صدام ليست كل ما قيل من عرب الأمركة ، جريمة النظام هي امتلاك القوة ، والتقدم العلمي والتكنولوجي ، ووجود أفكار تقول : بلاد العرب أوطاني والإيمان بالله تعالى ، والعلم مدون عليه الله أكبر ، ودولة العدو اليهودي تعلن خوفها من العراق ، فلا تقنعون أنفسكم أو تتذرعون بأسباب غير هذه .

الصحاف ليس متكسبا بقلمه أو لسانه ، هو إعلامي صادق ، وهو لم يفتش عن محطات فضائية ليكون مديرا لها ، أو كاتبا في جريدة ، وإنما المحطات هي التي تبحث عنه .

ختاما سأل صحفي ذكي مخلص بوش ـ وقد رأى التصاق بلير به ـ عن مدى القرابة بينهما ، فأجاب بوش ليس من قرابة ، بل نحن من عشيرة العلوج ، وهو من عشيرة الطراطير ، وبعد سلاما ! سلاما .


الإصلاحات الاقتصاديَّة والماليَّة في العراق : جدليَّة الربح والخسارة

الإعلان عن بيع وطن

الجزء الاول

شبكة البصرة

سعد داود قرياقوس

أشارت التغيُّرات الاقتصاديَّة التي تمَّ الإعلان عنها،و قيام سلطات الاحتلال بالمصادقة عليها إلى بداية المرحلة التنفيذيَّة لمشروع تغيير الهويَّة الوطنيَّة للعراق عن طريق تفتيت القطاع العام فيه وتحويل ملكيَّة ثرواته وقطاعاته الاقتصاديَّة إلى الاستثمارات الأجنبيَّة التي فتحت التغييرات "الباب على مصراعيه إمامها"، على حدِّ قول أحد المسؤولين الأمريكيِّين في سلطة الاحتلال.
من القراءة الأولى للتغيرات التي أعلن بعض تفاصيلها وزير الماليَّة العراقي والمسؤولون الأمريكيُّون الأعضاء في الوفد العراقي الموجود في دبي،  يتضح حجم الإجحاف الكبير والمخاطر التي تتضمنها هذه "الإصلاحات" على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للعراق. وقبل التعرض لتلك المخاطر  نودُّ طرح الآتي :
أوَّلاً: إنَّ اعتراضنا على هذه الاجرءات لا ينطلق من أبعادها وتبعاتها الاقتصاديَّة الضارَّة فحسب، بل من أبعادها السياسيَّة وتفريطها بالسيادة الوطنيَّة للعراق ومصالحه. فالدوافع الأساس لهذه التشريعات هي سياسيَّة، لا ترتبط بإيجاد حلول للمشاكل الهيكليَّة للاقتصاد العراقي.
ثانيًا: سبق أن بيَّنَّا في مساهمات نشرت في مواقع وصحف عربيَّة وأجنبيَّة بأنَّ خصخصة القطاع العام، والنفطي بشكل خاص، وفتح أسواق العراق المتميِّزة بارتفاع الطلب الفعَّال على السلع والخدمات، وبوجود طلب استثماري متميِّز، تمثِّل جوهر الاحتلال والهدف الوحيد لشن الحرب على العراق. كما بيَّنَّا أيضًا أنَّ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي بصيغته وتركيبته الحاليَّتين، جاء تلبية لضرورة وجود هيئة عراقيَّة وإن كانت شكليَّة أو غير شرعيَّة تضفي الشرعيَّة على صفقة بيع العراق التي أعدَّتها مجموعة من الشركات الأمريكيَّة بالتشاور مع بعض الرموز العراقيَّة، وبالتنسيق مع المؤسَّسات الماليَّة الدوليَّة كما أشار إليه الأمر الإداري الخاص بالتشريعات الجديدة الصادر عن بريمر، المسؤول الأوَّل في سلطة الاحتلال.
إنَّ تقيمنا لهذه "التغيرات الثوريَّة"، إن صحَّ التعبير، يستند على تصريحات وزير الماليَّة العراقيَّة وتصريحات المسؤولين الأمريكيِّين في سلطة الاحتلال. ونقدِّم في هذا القسم عرضًا عامًّا لبعض النقاط الأساس الواردة في تلك التصريحات، على أن نقدِّم للقرَّاء الكرام تحليلاً أكثر شموليَّة للفقرات المتبقيَّة من التصريحات، وملاحظاتنا على القوانين الصيرفيَّة في القسم الثاني من هذا المقال.
1. نصَّت القوانين الجديدة على "السماح بملكيَّة أجنبيَّة كاملة في جميع القطاعات، ما عدا الثروات الطبيعيَّة باستثناء اتِّفاقيَّات المشاركة الأجنبيَّة الحاليَّة في احتياطي النفط العراقي".
منطوق الفقرة، يشير بوضوح إلى السماح للاستثمارات الأجنبيَّة في جميع القطاعات باستثناء النفطي، دون أيَّة ضوابط أو معايير تنظِّم هذا النوع من الاستثمارات. إنَّ الخطورة في هذا السماح يكمن في كونه لا يوفِّر أيَّة ميزات نسبيَّة للمستثمر الوطني، بل على العكس تمامًا. إنَّ الشركات الوطنيَّة بقدراتها المتواضعة لن تكون في وضع تنافسيٍّ متوازن وعادل مع الشركات الأجنبيَّة بقدراتها التقنيَّة والماليَّة الهائلة، ممَّا سيدفعها للانحسار عن جميع القطاعات، أو البقاء كشركات هامشيَّة في أحسن الأحوال.
انحسار الشركات الوطنيَّة عن النشاطات الاقتصاديَّة، سيؤدِّي إلى السيطرة المطلقة للاستثمارات الأجنبيَّة على هيكل الاقتصاد العراقي، وعلى كلِّ ما تمثِّله من تهديد خطرٍ على الأمن الاقتصادي، ولا سيَّما الأمن الدوائي والغذائي.
الجانب السلبي الأخر لهذا الأجراء، يتمثَّل في تبعاته السلبيَّة على القوَّة الشرائيَّة والمستوى المعاشي للمواطن العراقي. فاحتكار الشركات الأجنبيَّة للقطاعات الاقتصاديَّة في العراق في ظلِّ غياب المنافسة الوطنيَّة سيؤدِّي إلى رفع مستوى الأسعار، وبالتالي زيادة العبء الدخلي للمواطن الذي اعتمد ولمدَّة طويلة على الأسعار المدعومة من الدولة.
أمَّا بخصوص استثناء الثروة المعدنيَّة (النفط)، فهو استثناء وقتيٌّ وتكتيك سياسيٌّ يهدف إلى الإيحاء بأن لا رغبة ول أطماع للأمريكيِّين في ثروة العراق النفطيَّة. وإلاَّ فما المقصود بعبارة "باستثناء اتفاقيَّات المشاركة الأجنبيَّة الحاليَّة في احتياطي النفط العراقي" التي أشار إليها المسؤول الاقتصادي الأمريكي! وما هي هذه الاتفاقيَّات؟ ومع أيَّة جهات وقِّعت؟ ومتى؟ هل المقصود بها اتفاقيَّات استثمار حقول النفط الموقَّعة مع الشركات الفرنسيَّة والروسيَّة والصينيَّة؟
2. ستؤدِّي القوانين الجديدة، وفق ما صرَّح به المسؤولون المذكورون، إلى فتح الأسواق العراقيَّة أمام الاستثمارات الأجنبيَّة دون ضوابط أو معايير لتنظيم هذه الاستثمارات. ولا تتطلَّب هذه القوانين دراسة وتحليل العروض وطلبات الاستثمار.
من المريب ألاَّ تتضمَّن هذه القوانين حدًّا أدنى من الضوابط والمعايير المنظِّمة للاستثمار الأجنبي التي تتمسَّك بها جميع الدول بما فيها الدولة المحتلَّة للعراق. قد يحق التساؤل فيما إذا كان المطلوب من الشركات بيان جنسيَّاتها؟ أو إذا كانت الشركات الإسرائيليَّة مشمولة بهذه الإعفاءات؟     
هنالك فرق كبير بين وجود معايير منظمِّة للاستثمار الأجنبي وبين الاجرءات المعرقلة لهذا النوع من الاستثمار. ولا شكَّ في حاجة العراق لاستثمارات هائلة تتطلَّب انسيابيَّة إداريَّة وقانونيَّة، إلاَّ أنَّ المصالح الوطنيَّة تتطلَّب أيضًا تنظيم الاستثمار الأجنبي ضمن أطر ومعايير ثابتة، وهذا ما تتبعه مختلف الدول، ومنها الدول الصناعيَّة الرأسماليَّة.
3. لا تسمح التشريعات الجديدة للمستثمر الأجنبي، وفق ما أعلنه المسؤولون العراقيُّون والأمريكيُّون في دبي بحق تملُّك أملاك عقاريَّة، لكنَّها تسمح باستئجارها لمدَّة 40 سنة، وفق ما ورد في تصريحات المسؤول الأمريكي، ولا تزيد على 60 سنة، وفقًا لما ورد في النسخة غير الرسميَّة للقوانين الجديدة التي نشرتها بعض الوسائل الإعلاميَّة.
إنَّ معظم قوانين الاستثمار العالميَّة تحدُّ من امتلاك المستثمر الأجنبي للأصول العقاريَّة كما ورد في الاجرءات الأخيرة. إلاَّ أنَّه من الصعب جدًّا فهم مبرِّرات السماح للاستثمارات الأجنبيَّة في حقِّ استئجار العقارات لأمد طويل جدًّا. وعلى الرغم من أنَّ القانون موضوع البحث يمنع المستثمر الأجنبي من امتلاك عقاريٍّ، إلاَّ أنَّ هناك ثغرة قانونيَّة تسمح ببعض الاستثناءات دون تحديدها نصًّا. والغريب أيضًا، المدَّة المسموح بها للاستئجار التي قد تصل إلى 60 سنة قابلة للتمديد. 
4. إنَّ أكثر فقرات القانون الجديد إجحافًا للمواطن العراقي هي خضوعه للنسبة الضريبيَّة نفسها المفروضة على الشركات الاستثماريَّة الأجنبيَّة البالغة 15%.
هذه المساواة بين ضريبة الدخل والضريبة المفروضة على أرباح الشركات، تمثِّل خرقًا لمبدأيِّ العدالة والكفاءة الضريبيَّة التي تستند عليها النظم الضريبيَّة في معظم دول العالم. كما أنَّ المساواة بين العبء الضريبي للمواطن العراقي في ظروفه الاقتصاديَّة الصعبة والعبء الضريبي للمستثمر الأجنبي المترفِّه أمرٌ منافٍ  لقيم العدالة وأسسها، وغير مقبول على الإطلاق. وللموضوع بقيَّة.

أكاديمي عراقي
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

 

-------------------------------------------

كتاب غير مكتمل.......