علامات الساعة الجزء الأول
موسوعة جدل الأفكار (17)
( جدل حول علامات الساعة )
قراءة نقدية
أمين نايف ذياب
( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) (محمد:18)
هدف هذا الكتاب
لا يقصد من هذا الكتاب إثبات : أنَّ المؤلف هو علاَّمة زمانه ، أو الحق يجري على فيه ، أو هو الإمام ، أو هو الشيخ الأكبر ، أو حجة الإسلام ، أو شيخ الإسلام ، أو آية الله الكبرى ، أو أية ألقاب أخرى : يوزعونـها كما يريدون ، أو يطلقونـها على من يريدون أو 000 أو 000 .
الكتاب ببساطة كتابة شخص على منهج المعتـزلة ، ولم يكتب المعتـزلة القدامى طلبا للألقاب ، ولم يكن للمعتـزلي لقبٌ ؛ فهم دون غيرهم لا تظهر في مدونتهم أسماؤهم إلاَّ معراة من أي لقب : معبد الجهني ، واصل بن عطاء ، عمرو بن عبيد ، عثمان الطويل ، أبو موسى المردار وتلميذيه الجعفرين ، أبو الهذيل العلاف ، ثمامة بن الأشرس ، النظام ، الإسكافي ، الجاحظ ، الخياط ، أبو علي الجبائي ، أبو سعيد السيرافي ، أبو هاشم الجبائي ، وغيرهم كثر .كتب المعتـزلة الآن موجودة ، فهل فيها أوصاف أطلقها المعتـزلة على شيوخهم ، مثل اطلاقات المذهبيين والفرقيين .المعتـزلة ليست مذهبا ولا فرقة ، بل هي منهج لفهم الإسلام والقيام بالدعوة إليه ، والمنافحة دونه ، ولن يكونوا غير ذلك ! .
هدف الكتاب : إعادة بناء الإيمان بقيام الساعة ، دون تخليط ، فهي بغتة ! وهي بعد البعث ، وليس قبل ذلك ، وهي آتية لا ريب فيها ولا شك فيها ، والله تعالى يقول :(( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً )) و [الصُّورِ] وهي كلمة وردت في القرآن الكريم عشر مرات ، ليس المراد منها البوق عند المعتزلة ، بل هي صُوَر الناس ، أي جمع صورة مثل : صوفة جمعها صوف ، وكلمة النفخ إذ وردت في القرآن الكريم تعني سرعة الاستجابة لمراد الله الكوني ، قال تعالى : فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر:29) ولكن المعتزلة ترفض الدخول في صراع مع القائلين : بأنَّ الصور هو بوق ينفخ فيه الملاك ، فليقولوا ذلك ! فالمهم هو موت الناس ثم بعث الناس .
الإيمان بقيام الساعة وأنـها بغتة ، هو ما أكده القرآن الكريم واضحا ، لكن علامات الساعة كما ترد في الحديث لا تضيف أي معنى فيه حكمة ، فالساعة واقعة لا محالة ووقوعها بغتة يجعل الناس على وصف القرآن (( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ )) (الأنبياء:49) .
الإنسان :مجموعة أهل الورع منهم وليس الأتقياء ، وهم مشدودون للزمان والمكان ، يرون الأمر من زاوية الزمكان ، فأشفقوا من تطاوله ؛ لـهذا حاولوا إقامة سور خوف يردع به زمرة الفجار ، فاخترع الذهن محاولات تقريبية للزمان ، ليكون وعظا للفجار ، قال تعالى عن حالهم هذه : (( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً )) (المعارج:6 ، 7) لهذا قالوا : بعذاب القبر ، وقال بالعلامات الصغرى ، والعلامات الكبرى ، ارتكازا إلى ثقافة أهل الكتاب ، مع إعطاء تلك الثقافة مشروعية إسلامية ، من الكتاب ، أو من الحديث ، وبدل أنْ تُحدث الوعظ عملت على تخريب العقل ، فانخفض تفكير الأمة فعادت القهقرى ، وتقدم عدوها عليها في ميدان الحياة الدنيا منذ سيادة تفكير الوعظ ، وإلغاء سور عدة من القرآن الكريم ذهنيا ، وليس محوا أي زوال النص المكتوب .
لما سبق بيانه جاء هذا الكتاب ليرد عقل المسلمين إلى الحق .
محتويات هذا الملف
1- المقدمة 14ص + 4
2- علامات الساعة والذاكرة الجماعية 21 ص
3- الدجال (1) 5ص
4- الدجال (2) 6ص
5- المهدي 9ص
6 - عيسى بن مريم 6ص
7- أشراط الساعة والفكر المسيحي 2ص
8 - قوم يأجوج ومأجوج 10ص
9- آية الدخان ، آية الدابة مناقشة حول علامات الساعة 22 ص
10- عودة مفصلية لرد علامات الساعة 5ص
11- خلاصة لرد أحاديث علامات الساعة 4ص
12- جدول (1)
13- جدول (2)
14- جدول (3)
(1)
المقدمة
تمتلئ كتب الحديث ، بنصوص حديثية عن الفتن ، والملاحم ، وعلامات الساعة ويحكم علماء الحديث على بعضها بأنه صحيح السند ، ويحكمون على القسم الأكثر منها بأنه ضعيف السند ، أو مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو على غيره من صحابته واتباعهم أو غيرهم من العلماء والأئمة ، أي أنه حديث موضوع ، ومن ناحية نـهاية السند نزولا يجد الباحث كثيراً منها مرفوعاً إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقليل منها موقوفاً على غيره من الرجال .
موضوع الفتن يضع له أصحاب كتب الحديث قسما لوحده ، ويسمون القسم كتاباً ، ويجعلون الكتاب أبواباً ، كما هو في صحيحي البخاري ومسلم ، وفي سنن غيرهما جاعلين الفتن والملاحم والعلامات بابا من أبواب الكتاب ، أو تجدهم قد فصلوا بين الفتن والعلامات وبين الملاحم ، فجعلوا لكل موضوع كتابا ، كما يُرى ذلك في سنن أبي داود وربما لا يوجد باب ، لا للفتن ، ولا للملاحم ، ولا للعلامات ، كما هو عند النسائي في الصغرى ومالك في الموطأ .
هناك كتب سنة أخرى ، اختصت بذكر الفتن والملاحم والعلامات ، منها ما هو عام وشامل مثل كتاب النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ، ومنها ما هو خاص بإحدى العلامات مثل كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر ليوسف بن يحيى الشافعي السلمي(1) و"صفه المهدي" لأبى نعيم الأصبهاني(2) ، وكتاب الفتن لأبي عبد الله نعيم بن حماد(3).
شَكَّلَ عام 1967م هزيمةً نكراءَ للعرب ـ أمام دولة العدو اليهودي ـ وجاء عام 1973م ليعطي نصرا محدوداً للعرب ، وفي عام 1979م انتصر الآيات على نظام الشاة ، في خضَمِّ هذه الأحداث امتلأتْ أكشاكُ الكتب ومكتباتُ بيعِ كتب التراث بكتب شعبية ، المقصود أنـها كتب يطلبها العامة ؛ ويفرحون بـها ، وهذه الكتب تعالج موضوع عذاب القبر ، أو الأشراط وعلامات الساعة ، فما هو الباعث على نشر هذين الموضوعين ؟ !!! .
يمكن الربط بين هذين الموضوعين وظهور الأصولية المسيحية ، وهي أصولية تجعل التاريخ فعل الله لا فعل الإنسان ، والسبب ـ اجتهادا في ظهور الأصولية المسيحية ـ هو الخواء الروحي في الحياة الغربية بشقيها : المادية الشيوعية ، والليبرالية الرأسمالية ، تبشر الأصولية المسيحية بعودة المسيح إلى فلسطين ونصرة معطيات المسيحية ، وهي عودة الأمم والشعب المضطهد [ اليهود ] إلى الله ، ويتم ذلك في أرض الميعاد أي فلسطين ، يلاحظ أنَّ هذه الكتب نزلت الساحة ـ في فترة تعالى صوت مشاريع الصلح مع دولة اليهود ـ وهكذا تدعو هذه الكتب ـ ضمناً لا مباشرة ـ لأنْ تُقبلَ دولة العدو باسم الوعد ، وقبل المسلمون انتظار وعد النصر ـ الذي أخذ يداعب خيالهم ، بعد التجمع اليهودي .
تلك هي مهمة هذه الكتب ، وهذه هي قائمة في بعض هذه الكتب التي قرأتُـها قراءة تدبر وترتيبها جرى وفق القراءة لـها :
1. كتاب نزول عيس آخر الزمان ، للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت 911هـ = 1505م ، دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ، ظهرت الطبعة الأولى عام 1985م والناشر هو دار الكتب العلمية بيروت ، والكتاب يقع في 94 ص .
2. كتاب عقد الدرر وعليه شرح واف موجود في نـهاية هذا البحث .
3.عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى ، للحافظ أبي الفضيل عبد الله بن محمد بن الصديق الحسيني ، وهذه هي الطبعة الثانية عام 1986م الناشر عالم الكتب ، والكتاب يقع في 167 ص حجم متوسط .
4.النهاية في الفتن والملاحم ، للحافظ أبن كثير الدمشقي ت 774هـ ، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز زيدان ، الناشر دار الحديث خلف الجامع الأزهر ، مؤلف من جزأين في مجلدين ، ويقع كل مجلد في 440 ص ، وبقي مخطوطا حتى عام 1980م .
5.كتاب المسيح الدجال وأسرار الساعة ، وهو مستل من كتاب لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية ـ شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية ـ والدرة المضية هي أرجوزة شعرية ، ألفها وشرحها الشيخ محمد بن أحمد السفاريبي ت 1188هـ 1774م ، قدم للمستل عبد الله حجاج ، الناشر مكتبة التراث الإسلامي القاهرة ، الطبعة الثانية بدون تاريخ .
6.علامات يوم القيامة ، للحافظ أبن كثير ، وهو كما تَبَيَّنَ مُستلٌ من كتاب النهاية في الفتن والملاحم ، تحقيق وتعليق عبد اللطيف عاشور الناشر مكتبة القرآن .
7.الإذاعة ـ لما كان ويكون بين يدي الساعة ـ تأليف القنوجي البخاري ، وهو حسن بن علي بن لطف الله الحسيني ت 1253هـ = 1837م ، الناشر مكتبة الثقافة المدينة المنورة ، ودار الكتب العلمية بيروت ، بدون تاريخ ، وعدد صفحاته 200 .
8.الإشاعة لأشراط الساعة ، تأليف الشريف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي ،الناشر دار الكتب العلمية بيروت، بدون تاريخ ، وعدد صفحاته 200 حجم صغير .
9.القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، لابن حجر الهيتمي ، واسمه أحمد بن محمد بن علي بن حجر ت 974هـ = 1567م ، تحقيق محمد زينهم محمد عزب الطبعة الأولى ، الناشر دار الصحوة ـ مدينة الهدى حدائق حلوان القاهرة ـ والكتاب يقع 110 صفحات القطع الصغير .
10.المهدي المنتظر لأبي الفضل محمد بن الصَّديق الحسيني الإدريسي والناشر عالم الكتب عام 1984م ويقع الكتاب في 110 صفحات .
11.القول المختصر في علامات المهدي المنتظر تحقيق مصطفى عاشور رقم الإيداع 4530/87 ويقع الكتاب في 88صفحة .
12.ثلاثة ينتظرهم العالم : عيسى بن مريم ، المسيح الدجال ، المهدي المنتظر رقم الإيداع 4833/87 للسيد عبد اللطيف عاشور والكتاب يقع في 142صفحة .
13.نزول المسيح في آخر الزمان وهو من كتب الثقافة المسيحية والناشر دار النشر المعمدانية عام 1979 .
14.لقد صدر من مثل هذه الكتب عدد ضخم غير المذكور آنفا فاطلعت عليها .
15. صدرت كتب أخذت تأول الدجال وحماره ووجود اليهود المعاصر تأويلات لا تصح في لغة العرب .
يصر بعض العلماء على أن ما تحويه أحاديث الأشراط خاصة ، فهو فكر من أفكار الإيمان ، فرتبوا عليه الكفر والإيمان ، فالشيخ الحنبلي العلامة محمد بن أحمد السفاريني(4) الراجز في "الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية(5)" قال فيها :
وما أتى في النص مـن أشراط فكـله حـق بـلا شطاط
منها الإمـام الخـاتم الفصيح مـحمد المهـدي والمسيح
وانـه يـقـتل للـدجـال بباب لُدٍ خـلِّ عن جدال(6)
واستغرقت ثمانية أبيات من منظومته ، التي بلغت مائتين وستة أبيات ، أما شرح الأبيات الثمانية فقد استغرق في لوامعه من ص 65-157 من الجزء الثاني(7).
اختلف العلماء في مواضيع الفتنة والملاحم وعلامات الساعة اختلافاً كبيراً ، فهم بين منكر لها جملة وتفصيلاً ، وبين منكر لبعضها ، مثبت للبعض الآخر ، وشمل الاختلاف تفاصيل الأشراط على اكثر من وجه ، فمثلاً يرى بعض من العلماء كابن حزم أنَّ عيسى بن مريم عليه السلام قد مات بالوفاة ؛ وانه يعود للحياة(8) بينما يراه آخرون انه لا يزال حياً بالسماء وسيعود(9) بينما ينكر آخرون عودته(10).
كان لسيطرة فكر أهل الحديث ـ وخاصة الحنابلة دون غيرهم ـ في موضوع الأفكار المتعلقة بالعقيدة ، ومنها الفتن والملاحم والأشراط ، أنْ أهمل وعن تعمد الآراء الأخرى المخالفة لهم ، مما جعل الرأي العام الإسلامي خاصة ساحة أهل السنة والجماعة يدور مع أفكار الحنابلة حيث تدور ، وظهر وكأن الخروج عن أراء الحنابلة خروج عن الإسلام .
وبدل أن يتصدى الباحثون لهذا الموضوع الخطير ، بالدراسة ، والبحث ، والتنقيب وبمنهجية موضوعية ، اخذوا يبذلون قصارى جهدهم ـ دون عناء وبحث ـ توكيد موضوع هذه العلامات ، ويقذفون إلى دور الطباعة والنشر بالعديد من الدراسات المختلفة للكتب ، التي تثبت الفتن والملاحم والعلامات ، وتقتصر جهودهم على التخريج والتحقيق والتبويب ، ولا يَذْكُرُ أيُّ منهم معارضةَ المعارضين من العلماء السابقين ، لهذه المواضيع إمعاناً في التضليل .
الشهادة التي صدرت بحق أحاديث الفتن والملاحم والعلامات ـ المقصود ما صححوه منها ـ هي اجتهادات أشخاص ضمن معايير لهم ـ وهي في افضل المعايير وأكثرها تشدداً شروط البخاري مثلاً [ كما هي دعوى أهل الحديث ] ، لا تعدوا كونـها شهادة ظنية ، مبنية على جهد واجتهاد ذلك المجتهد ، مشدودة إلى ملكته وذوقه الخاص ، وليست نصوص الوحي هي التي أثبتت صحة هذا الحديث ، وضعف ذاك الآخر .
ومن المهم جداً أن يُعلم أنّ البحث هو في أحاديث معينة ، ذات موضوع واحد معروف وليس البحث في السنة من حيث هي سنة ، فالسنة ثابتة أنـها وحي ، ومصدر تشريعي وإنكار المتواتر منها ، أو ما يعرف من الدين بالضرورة ، كفرٌ مخرج عن الملة لكن لا بد أن يعلم أن ثبوت مفردات السنة موضع اختلاف ، وكذلك مواضيعها ، فهل جاءت السنة بمواضيع خبرية ؟ وهل الأخبار التي وردت بالسنة تعطي موضوعا إيمانيا يجب التصديق به وبناء إيمان المؤمن عليه ؟ وهذه رؤية المحدثين والسلفية ، أم أنـها تقدم موضوعا يجوز تصديقه ويحرم الإيمان به ؟ وهذه رؤية حزب التحرير ، تلك الأسئلة جرى خلاف على جوابـها بين المسلمين ، وتعصبت كل زمرة لرأيها .
بعد هذا التقديم ، لابد من القيام بدراسة موضوعية منهجية ، لأحاديث الفتن والملاحم والعلامات ، دراسة عامة تعتني بالموضوع ، ودراسة خاصة تعتني بكل حديث صح عند علماء الحديث من أحاديث العلامات ، أما أحاديث الفتن والملاحم ، فهي تحتاج إلى دراسة أخرى مستقلة .
مواضيع العلامات ـ كما رتبها علماء الحديث ، اعتماداً على السبق الزمني ـ من دلالة معاني الأحاديث ، هي كما يلي عند مؤلف لوامع الأنوار (11)
أولاً : المهدي المنتظر .
ثانياً : ظهور الدجال .
ثالثاً : نزول عيسى بن مريم .
رابعاً : ظهور يأجوج ومأجوج .
خامساً : هدم الكعبة .
سادساً : الدخان .
سابعاً : رفع القرآن .
ثامناً : طلوع الشمس من مغربـها .
تاسعاً : ظهور دابة الأرض .
عاشراً : خروج نار من قعر عدن .
لكن علماء الحديث لا يتفقون على هذا الترتيب ، ولا يتفقون حتى على هذه العلامات فمنهم من يرى أن المهدي هو من العلامات قبل العلامات الكبرى العشرة ، ومنهم من يرى أن طلوع الشمس من مغربـها هي آخر الآيات ، فهم متضاربون بـهذه العلامات ، وفي ترتيبها ، وفي عدها من العلامات الكبرى ، أو من العلامات الصغرى ، بل أن بعضهم لا يشير ـ لا من قريب ولا من بعيد أ إلى موضوع رفع القرآن ، بل إن حديث حذيفة بن أسيد المرفوع المتعلق بالعلامات الكبرى ، الذي يرويه احمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، لا يذكر رفع القرآن ، و ظهور المهدي ، وهدم الكعبة ، من الآيات العشر ، والمقولة في الترتيب والعد ، ورد على اكثر من رواية .
لقد قامت هذه الدراسة للأشراط ـ حسب ترتيب صاحب لوامع الأنوار لها ـ إذ هي تترتب مع تعاقب الأحداث ، كما وردت في مجموع الأحاديث الصحيحة السند عند أهل الحديث ، وكمدخل للدراسة جاءت الدراسة العامة ، ثم بعد ذلك الدراسة الخاصة المختصرة ، مع التعقيب على ذلك باستنتاج ، مع التمهيد للدراسة بمقدمة تشمل وصفا للكتب ، موضع الدراسة وخطة البحث .
قراءة
العلامة الأولى أو العلامة الممهدة
المهدي المنتظر وكتاب عقد الدرر
إنَّ من المناسب جعل كتاب "عقد الدرر" للشافعي السلمي ، بطبعاته الثلاث الموجودة في سوق الكتب ، هي كتاب الدراسة الوحيد الأساسي ، إذ أنـها تحوي كل ما ورد في المهدي من أحاديث ، في مختلف كتب الحديث . ونظراً لان طبيعة العمل ليس من نوع التحقيق والتخريج ، فقد استغنت الدراسة عن الرجوع إلى كتب السنن : مطبوعة ، أو مخطوطة ، التي نقل منها مؤلف الكتاب .
مؤلف الكتاب هو يوسف بن يحيى بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي ، لا توجد له ترجمة حياة في الكتب المختصة بذلك ، وهناك خلط واضح عند بروكلمان ، بين هذا المؤلف وبين يوسف بن يحيى بن محمد بن زكي الدين علي القرشي الدمشقي أبو الفضل بهاء الدين آخر القضاة من بني الزكي الذي ولي القضاء بدمشق سنة 682هـ إلى أن توفي عام 685 ونظراً لتشابه الأسماء من جهة ، وعيشهما في قرن واحد ، اختلط الأمر على مؤلفي كتب الأعلام ، وكل ما يعرف عن مؤلف الكتاب هو اسمه ونسبه ووقت الانتهاء من تأليف كتابه وهو سلخ ربيع الأول سنة 658هـ.
طبعات الكتاب ومخطوطاته
بقي كتاب عقد الدرر مخطوطا ، فقد أورد الزركلي في أعلامه 8/257 في آخر طبعة له انه لا يزال مخطوطا ، والمعلوم أن الزركلي طواه الموت في تشرين الثاني سنة 1976م ، يتبين أن الكتاب بقي مخطوطاً إلى عهد قريب ، ومخطوطات الكتاب كما بينها الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوريني (الحصان) في كتاب عقد الدرر ـ في الطبعة التي قدمها البوريني أصلاً رسالة ماجستير في قسم السُنَّة ، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، ونشرتـها مكتبة المنار كطبعة أولى عام 1985م إذ قال ما يلي : .
يقول البوريني : إنَّ لهذا الكتاب عشر مخطوطات ، وهذه هي دون أي وصف لها : هذا قول البوريني وهو يعددها كما يلي :
1- مخطوطة مكتبة البلدية بالإسكندرية.
2- نسخة المكتبة القومية ببرلين.
3- نسخة مكتبة سوهاج بمصر.
ويكمل البوريني مشواره مع المخطوطات فيقول : "وللمخطوط نسخ لم استطع الحصول عليها منها".
نسخة في مشهد إيران ، ونسخة في تركيا ، ونسخة في اليمن ، ونسخة في تونس ونسخة في ألمانيا في غوتة . وبـهذا تبلغ ثمان مخطوطات لا عشر مخطوطات كما هي دعوى البوريني .
* أما الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو(12) أول من حقق الكتاب ، وقامت بطبعه مكتبة عالم الفكر عام 1979م ، أي قبل الطبعة المحققة من قبل البوريني بست سنوات ، فيقول انه حققها على :
1- نسخة مكتبة برلين .
2- نسخة المكتبة ألرضوية بمشهد (إيران).
3- نسخة مكتبة سوهاج.
4- نسخة بلدية الإسكندرية.
مما سبق يلاحظ تطابق النسخ التي اعتمد عليها الحلو في تحقيقه للكتاب ؛ مع نسخ البوريني الذي حقق الكتاب نفسه بعد بست سنوات ، باستثناء أنَّ البوريني لم يذكر نسخة المكتبة الرضوية بمشهد في إيران ، أمَّا من حيث الألفاظ التي وصفت بـها النسخ في كلا الكتابين فقد حدث التطابق بين التحقيقين أيضا ،(13) مع ملاحظة أن البوريني لم يوثق اطلاعه على مخطوطات الكتاب ، فلم يصور صورة واحدة من أي مخطوطة ، فالشكوك تساور الباحث [ أي باحث ] من هذه الجهة ، والطبعة الثالثة والأخيرة فهي طبعة دار الكتب العلمية الصادرة عام 1983م ، والتي ذكر عليها العبارة التالية "حققته وعلقت عليه لجنة من العلماء بإشراف الناشر" فان المقارنة في التعليقات الواردة في نـهـاية صفحات الكتاب ، وتعليقات الحلو يجعل الباحث يجزم بان طبعة دار الكتب العلمية هي عينها طبعة دارعالم الفكر .
ورُغم إدعاء الشيخ البوريني انه حين سجل كتاب عقد الدرر لرسالة الماجستير لم يكن يعلم بتحقيق الدكتور الحلو له ، إلا انه من المؤكد انه اطلع على التحقيق ، ويغلب على الظن أنه لم يقم بالتحقيق أصلاً ، وإنما استفاد من تحقيق الحلو ، وقام بتخريج الأحاديث ، إذ أن الدكتور الحلو لم يخرِّجْها ، ونظراً لأن كتاب البوريني أوسع وأشمل سيكون موضع هذه الدراسة وخاصة انه نقل أحكام غيره على الأحاديث .
صفة كتاب البوريني : يتألف كتاب البوريني من 444 صفحة أورد كتاب عقد الدرر كما هو عند مؤلفه وعلق ، على أحاديث الكتاب بتعليقات في اسفل الصفحة ، وقدم مقدمة شملت الصفحات من 5-50 ، وجعل الفهرس العام يلي مقدمته ، وبلغت أحاديث الكتاب صحيحها وسقيمها 491 حديثاً .
العمل في الكتاب
القيام بدراسة للكتاب والمقارنة بين طبعاته الثلاث ، ثم القيام بترقيم أحاديث الكتاب في طبعة دار الكتب العلمية ، إذ حدث الحصول على طبعة المنار تحقيق البوريني متأخرا ، إذ أحاديثها مرقمة ، لقد جعلت رقما لرجل ابتداء السند ، فمثلا الحديث رقم 1 عمل هكذا 001/1 ، فالأول هو الرقم التسلسلي للحديث ، والثاني يشير إلى الرقم التسلسلي لرجل نـهاية السند أي من يرفعه لرسول الله (ص) أو من يقف عنده السند ، ثم بعد ذلك جُمع ابتداء السند في جدول خاص يشير إلى رقم صاحب السند واسمه وأرقام الأحاديث التي وردت في الكتاب وتنتهي إليه ، ثم القيام بجدولة للأحاديث حديثاً حديثاً ، والإشارة إلى مخرجه والكتاب الذي خرجه فيه والحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف ، حسب أحكام أهل الحديث ، كما هو تخريج البوريني إذ هو أساس البحث . مع الإشارة إلى أهم مضمون يلفت النظر في الحديث ـ مع أن بعض الأحاديث يلفت النظر المضمون كله ـ إذ ينطق بمخالفات للشرع والعقل .
بعد هذه الدراسة والجدولة ، تم وضع جدولة لما صححه أهل الحديث منها ، مع الإشارة إلى الرقم التسلسلي ، فبلغت الأحاديث الصحيحة ـ بـمقياس أهل الحديث ـ مائة وسبعة وستين حديثاً ، من اصلها البالغ أربعمائة وواحد وتسعون حديثاً.
ثم تمت جدولة رابعة للأحاديث الصحيحة هذه حسب مخرجها من علماء الحديث ، مع الإشارة إلى مكان وجودها في كتبهم ، تمهيداً لإخراج سندها كاملاً ، لإمكانية دراسة هذه الأحاديث دراسة تشمل السند والمتن ، وتشمل الإشارة إلى الأحاديث المتحدة السند النهائي ـ أي لإخراج المكرر ، أو لجمع الأجزاء إلى بعضها البعض ـ لوضع الرقم النهائي لعدد هذه الأحاديث الصحيحة السند.
عملية النقد
تقوم عملية النقد لهذه الأحاديث على مجموعة مرتكزات نقدية ، منها ما هو متعلق بسند الحديث ، ومنها ما هو متعلق بمتنه ، وتتلخص مرتكزات السند بعد فرز ما يتعلق بالأشراط عما لا يتعلق بـها وهي كما يلي :
(1) دراسة رجال الحديث لا من حيث العدالة والضبط فهذا قام به رجال الحديث ـ مع التحفظ كثيرا على الأحكام التي صدرت بحق الرجال ـ فالكثير ممن حكموا بعدالته لا يستحق هذا الحكم وكثير ممن حكموا بعدم عدالته ظلموه كثيرا ، والذي يطالع كتاب جدل الأفكار (8) سيجد البيان الوافي لهذا الموضوع ، الدراسة اتجهت للرجال من حيث المؤثرات الفكرية التي تأثر بـها الراوي ، ومن حيث طبقته في الصحابة المعتمدة على الأسبقية للإسلام ، والأفعال التي قام بـها في سبيل الإسلام ، وإذا كان الشرط الأول يشمل الصحابة فقط فان الشرط الثاني يشمل الجميع .
(2) دراسة السند من حيث الاتصال والانقطاع واللقاء والتلقي ، وهذا يعتمد على رصد سنوات حياتـهم ، وأماكن سكناهم ، وهذا الأمر من اشق الأبحاث وأصعبها بسبب وجود نقص في تسجيل حياة الكثير منهم .
(3) دراسة العلل والشذوذ في السند ، فالملاحظ على حديث فاطمة بنت قيس (حديث الجساسة) وحديث النواس بن سمعان ( حديث يأجوج ومأجوج والدجال ) مقدار العلة في السند والشذوذ فيه ، ومع هذا لم يفطن عالم حديث مثل مسلم لهذه الظاهرة ، وهذا الحديثان جيء بـهما على سبيل المثال لا الحصر .
*** أما عملية نقد المتن وهي الأكثر أهمية في الموضوع فمرتكزاتـها هي :
* عرض الحديث على القرآن الكريم سواء النص الخاص المعين في القرآن الكريم ، أو عمومات نصوص القرآن الكريم ، وسواء أكان الأمر متعلق بمنطوق النصوص ، أو دلالات النصوص .
* عرض موضوع الحديث على دلالات المعقول ـ من حيث المخالفة لمعهود النظام الكوني ، أو عدم المخالفة ـ مع ملاحظة الأفكار المتعلقة بالمكان والأدوات ، لما لهما من أهمية في تحديد مصادر مثل هذه الأحاديث.
* دراسة نقدية لمتن الحديث تشمل ما يلي :
1. من حيث اللغة العربية صرفاً ونحواً ، واستعمالات معهودة أو غير معهودة وبلاغة ، وملاحظة أساليب القرآن ، وهل هي معها في محل التوافق أو التعارض ؟ وإيجاد قاموس لكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديثه المشهورة ، وقاموس لهذه الأحاديث وعمل موازنة بينهما.
2. استخراج المعاني المنكرة والغريبة من هذه الأحاديث .
3.التعرض للموضوع من حيث هو موضوع للحديث ، للبحث في مدى خدمته للهداية والرشاد في ضوء حجج الله وأدلته وهي : العقل فالقرآن فالسنة ، فالإجماع وهو يعود لدليل من الثلاثة السابقة عليه ، أي بالترتيب الذي ذكر ، وحرف العطف الفاء يفيد الترتيب والتعقيب .
4. البحث بالتأصيل التاريخي لمواضيع هذه الأحاديث ، فالأحاديث ذات أصول أسطورية في أفكار الشعوب الوثنية ، ثم وضعه اليهود والنصارى في أفكارهم .
لماذا هذه الدراسة
مضمون هذه الأحاديث هو ما يسمى مضمون الملكوت النصراني ، انظر في ذلك رؤيا يوحنا اللاهوتي السفر الأخير من العهد الجديد ، ومضمون ما يسمى بوعد الله تعالى لإبراهيم ثم اسحق ثم يعقوب ثم يوسف ثم موسى حول سيادة اليهود على العالم في آخر الزمان ، وهي الأفكار التي وردت بصورة أسطورية وخرافية في حزقيال وإشعيا وإرميا والحق أنـها كتابات إعلانية سرية ، وضعها اليهود لأنفسهم في زمن محنتهم { السبي البابلي } بعد أن أداروا معطيات تبشير النبي موسى بالنبي محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم بحيث جعلوا النبي الخاتم مجرد نبي يهودي من نسل داود ، يسلطهم على الأمم الأخرى فاليهود يقسمون الزمن إلى دهرين : الزمن الحاضر ، وهو زمن شرير لا يصلح ولا يجدي ونـهايته الخراب ، والزمن الآتي ، وهو زمن الصلاح يسود فيه السلام والخير والنجاح والبركة ، وفيه ينال شعب الله المختار اليهود مكانـهم اللائق بـهم ، وحقوقهم الضرورية والانتقال من الدهر الحاضر الشرير ؛ إلى الدهر الأخر لن يكون بواسطة بشرية ، بل بتدخل إلهي مباشر ، هكذا يزعم اليهود ، أي أن الله سينـزل إلى مجرى التاريخ فينهي الدهر الشرير ، ويأتي الوقت الذهبي ، هذان الزمانان في الفكر الإسلامي القرآني ليسا على هذه الصورة ، بل الصورة الأولى التكليف ، والصورة الثانية الجزاء ، والصورتان هما خلق الله ولكنهما ليسا التاريخ بل التاريخ هو حقيقة إنسانية فاعلة ، عليها جرى التكليف ، وعلى نتائجها يكون الجزاء ، ولهذا فان قبول أحاديث علامات الساعة رغم نـهايتها السعيدة وهي انتصار الإيمان الإسلامي على يد عيسى ، إلا أنـها تروج لوجود اليهود وتكاد تلغي بل هي تلغي دار الآخرة فهذه البركة والسلام اللذان يحلان في الأرض أليس هما الجزاء ؟.
هوامش هذا القسم
1. يوسف بن يحيى الشافعي السلمي هو مؤلف كتاب عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر لم أعثر على ترجمة لحياته .
2. أبو نعيم الأصبهاني هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني حافط مؤرخ حياته من 336-430هـ = 948- 1038م .
3. نعيم بن حماد ت228هـ = 843م : هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي أول من جمع المسند في الحديث من كتبه الفتن والملاحم تعرض للامتحان في زمن المعتصم مات في السجن .
4. محمد بن أحمد السفاريني ولد في سفارين من أعمال نابلس وإليها نسب حنبلي المذهب ومن علمائه دون تشدد كانت حياته من 1144-1188هـ = 1702-1774م .
5. أرجوزة الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية هي للسفاريني وقد شرحها موسعا نفس ناظمها .
6. الأبيات من أرجوزة السفاريني .
7. هذا اسم كتاب السفاريني الذي شرح به أرجوزته .
8. ابن حزم في كتابه الفِصل في الأهواء والملل والنحل .
9. جميع علماء الحديث .
10. كثير من العلماء المعاصرين .
11. الإسم المذكور هو كتاب السفاريني .
12. دكتور مصري معاصر .
13. يمكن لمن يرغب التحقق من ذلك .
--------------------------------------------------------
(2)
علامات الساعة والذاكرة الجماعية للامة الإسلامية
كثيرون هم المهتمون بعلامات الساعة ـ وخاصة حين تشتد الملمات على الأمة ـ ولهذا اهتمت صحيفة اللواء بمحاضرة الدكتور مهيب صالح الحصان اهتماماً مُلفتاً للنظر ، مع أنه لم يحضر المحاضرة أيُّ واحد من أصحاب اللواء ، أَو من محرريها ، أو من العاملين فيها ، أمّا ما هي أسباب هذا الاهتمام ؟ فلم يُفصح عنها الأستاذ حسن التل ، والمشكلة ليست في اهتمامه ، فله الحقُّ أنْ يهتم بما يرى أنَّ له أهمية ، لكن المطلوب في كل الأحوال أن يجري الاهتمام ، وأن يجرى الحوار ، وان تكون الكتابة صادقة وأمينة في وصف الواقع الذي جرى كما هو ، لا كما تَخَيَّلَ أو توهم أو ظنَّ الكاتب ، فكل ما قيل حول مجريات المحاضرة ليس صحيحاً ، إلاّ أنـها محاضرةٌ جرى فيها انفعالات وتشنجات عادية بسيطة جداً ، حدثت في كثير من المحاضرات مثلها ، بل وبصورة أشد ، وكل كلام غير ذلك هو كلام لا علاقة له بالواقع ، والمسؤول عن الانفعالات والتشنجات بالدرجة الأولى هو المحاضر نفسه ، الذي استهان بعقل الحضور ، ولم يقدم أي مادة تحليلية أو مفاهيم مدركة ، وإنما هو مجرد سرد لما سُمِّيَ بعلامات الساعة ، وكل ما قاله كان معلوماً عند الحضور ، خاصة وأن لهذه العلامات حضور تام في كتب علامات الساعة الكثيرة ، والتي تواجدت في أكشاك الكتب والمكتبات قبل عام 79م ، أي هي موجودة وبكثرة ملفتة للنظر مع بدايات مسارات الصلح مع إسرائيل (صلح السادات) ، فأحاديث العلامات في أية دراسة حقيقية لها ، إنما هي ترويج لدولة إسرائيل ، عن طريق بث مثل هذه الأحاديث ، وبغض النظر عن الحكم بصحتها عند منهج حديثي معين ، إلا أن القراءة الصحيحة لها ، تثبت أن لا علاقة لها بنبي الهدى محمد صلوات الله عليه.
ولـهذا فان كلّ ما قيل من غمز ولمز في كاتب هذا المقال بالذات ، لا ينتمي إلى الحقّ وإلى الصحيح من وصف لمجريات الحوار ، والدكتور الذي تباكى عليه الأستاذ حسن التل لم يُؤْذَ بكلمة واحدة ، وللمحاور الحق كل الحق أنْ يقول عن المنهج السلفي أنّ السلفيين مُؤيدون لسياسات أمريكا ، { المقصود السلفية النظرية ، السائدة في دول الخليج ، وخاصة السعودية وليست السلفية الجهادية ، التي ترى الغرب وخاصة الولايات المتحدة بأنـها عدو للإسلام بعد رحلة الشراكة معها في قتال الشيوعية في أفغانستان ، إذ عمد الجهاديون إلى فك الشراكة والعمل الاستشهادي ضدها بكل السبل ، كتب هذا الكلام ونشر قي صحيقة اللواء عام 1998م} إنَّ الوثائق المدونة في جواز الاستعانة بالأمريكان ؛ وأبحاث الرد على المكفرة ؛ والولاء لشرعية الأنظمة المتواطئة مع الولايات المتحدة ؛ إضافة إلى الاتصالات الحية معهم ، والجدل المتعدد معهم ـ حول اكثر من قضية معاصرة ـ وفتوى الشيخ الألباني الذي نشرتـها اللواء ، والتي جرى تعليق وحوار حولها طيلة اكثر من شهر ، وهي حول وجوب الهجرة من فلسطين ، وتأييد الأكثرية منهم للاستعانة بالولايات المتحدة ضد العراق ، وتبريرهم لفتوى ابن باز ، وحتى موقف الشيخ سفر الحوالي وسليمان العودة كل هذا ينطلق من قضية صحة المنهج السلفي دون غيره ، الذي يفرض طاعة الحكام وإنْ ظلموا الأمة ، وتواطئوا مع عدوها عليها ، يظهر أن هناك تحيز واضح للدكتور الحصان ورؤيته لحوادث التاريخ من منظور الوعد ، والمفروض بعد نشر نص المحاضرة ، ونص الحوادث من قبل صحيفة اللواء ، أن يتراجع من تسرّع واتـهم وأصاب برشاش اتـهـامه الزمرة المخلصة الواقفة في وجه الدخيل على الإسلام ، والمرفق طية وهو نص حديث النواس بن سمعان ، وشجرة تخريجه ورواته ، وهذا الحديث الذي حوى 18 ضميراً تدل على الجمع مع عدم وجود ناقل له من كبار الصجابة إلاَّ هذا الناقل الوحيد ، وهو من الطبقة الحادية عشر من طبقات الصجابة ، وليس بعد هذه الطبقة إلا طبقة واحدة من الصحابة هي الأطفال دون سن التمييز ، ويلاحظ أن في النص الحديث رطانة ويوم كجمعة ، فالعرب لا تقول عن الأسبوع إنَّه جمعة ! يراجع في سبيل ذلك مادة جمع وسبع في لسان العرب ، هذا اليوم الطويل !!! الذي تقف فيه الشمس مدة سنة كاملة فلا ليل يعقب النهار بل نـهار مستمر ، كما أكدّ ذلك الدكتور المحاضر ، فهل عَلِمَ المحاضر كم ستكون حرارة الجزء المقابل للشمس من الكرة الأرضية ؟ !!! بسبب وجود الشمس فوقه مدة سنة كاملة ، والمحاضر الحصان قسم اليوم مناصفة فجعل (182.5 ) يوماً نـهارا ، فكم تكون برودة الجزء الغير مقابل للشمس والذي يخيم عليه الليل مدة ( 182.5 ) يوماً ، وبالمناسبة فان الكاتب لهذا المقال قام بدراسة أحاديث علامات الساعة عام 86 ، ودرس من جملة ما درس كتاب الدكتور الحصان ، أي رسالته في الماجستير في تحقيق عقد الدرر ، والإثبات واضح أن أحاديث العلامات الكبرى والصغرى ، ليست من هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
دراسة عام 1986 أو قريب من ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم
"دراسة عميقة في حديث من أحاديث علامات الساعة"
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : ذَكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجالَ ذاتَ غداةٍ ، فَخفَّضَ فيه ورَفَّعَ ، حتى ظنناهُ في طائفةِ النخلِ . فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رُحْنَا إليه ، فَعَرفَ ذلك فينا . فقال ما شأنكم"؟ فقلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال غداة ، فخفضَّت فيه ورفعَّت ، حتى ظنناه في طائفة النخل . فقال : "غير الدجال أخوفني عليكم ، إنْ يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم . وإن يخرج ولست فيكم ، فامرؤ حجيج نفسه . والله خليفتي على كل مسلم . إنَّهُ شاب قطط ، عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن . فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف . إنَّهُ خارج خلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا وعاث شمالا . يا عباد الله فاثبتوا"! قلنا يا رسول الله : وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم" . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره" . قلنا يا رسول الله : وما إسراعه في الأرض ؟ قال : "كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ؛ ويستجيبون له ، فيأمرُ السماء فتمطر . والأرض فتنبت . فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرَىً واسبغه ضروعا وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون مملحين ليس بأيديهم شيء من أموالهم . ويمر بالخَرِبةِ فيقول لها : أخرجي كنوزك ، فتتبعه كنوزُها كيعاسيب النحل . ثم يدعو رجلاً شابَّا ممتلئاً شبابا فيضربه بالسيف ، فيقطعهُ جِزْلَتَيْن رَمْيَةَ الغَرض . ثم يدعوه فَيُقبل وَيَتَهلَّل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعثَ اللهُ المسيح بن مريم ، فينـزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ـ بين مهْرُوذَتَيْن ـ واضعاً كفيه على أجنحة مَلَكَيْن ، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ ، وإذا رفعه تحدّرَ منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات . وَنَفَسُه ينتهي حيثُ ينتهي طرفهُ ، فيطلبه حيث يدركه بباب لُدَّ فيقتله ُ. ثم يأتي عيسى قوم قد عَصَمَهُم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ، ويحدثهم بدرجاتـهم في الجنة ، فبينما هو كذلك ، إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام أني قد أخرجتُ عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرّر عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طَبَريّة ، فيشربون ما فيها ، ويمرُّ آخرهم فيقولون : لقد كان بـهذه مرةً ماء . ويُحْصَرُ نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى ، فيرسل الله عليهم النّغَفَ من رقابهـم ، فيصبحون فرسى ، كموت نفسٍ واحدة . ثم يهبط نبيُّ الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زَهَمُهُم ونتنهُم ، فيرغب نبيُّ الله عليه السلام وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيراً كأعناق البُخُت ، فتحملهم فتطرحهم حيثُ شاء الله .
ثم يرسل الله مطراً لا يكُنُّ منه بيتُ مدَرٍ ولا وَبَر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقَة . ثم يقال للأرض : انبتي ثمرتك وردي بركتك ، فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرّمانة ؛ ويستظلُّون بِقْحِفِها ، ويبارك في الرِّسْل حتى أنَّ الّلقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس.
فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طَيِّبَة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبضُ روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ؛ يتهارجون فيها تـهارج الحُمُر ، فعليهم تقوم الساعة.
أخرجه مسلم في صحيحه 18/63 وأبو داود 4 حديث رقم 4321 والترمذي في سننه حديث رقم 2341 وابن ماجة حديث رقم 4075 والإمام أحمد جزء 4 ص181 والحاكم في مستدركه جزء 4 ص492.
طرق حديث النواس بن سمعان
(3) (4)
الترمذي مسلم بن الحجاج
علي بن حجر محمد بن مهران زهير بن حرب "أبو خيثمة"
(2) (5)
أبو داود ابن ماجة
صفوان بن صالح الدمشقي (7) هشام بن عمار
(1)
احمد بن حنبل (6) الوليد بن مسلم يحيى بن حمزة
(5) عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
(4) يحيى بن جابر الطائي أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي
(3) عبد الرحمن بن جبير أبو العباس محمد يعقوب
(2) جبير بن نفير الحاكم في المستدرك
(1) النواس بن سمعان
للحديث أكثر من طريق عن كعب الأحبار موقوفا عليه "فيه نفس المضمون"
ملاحظة مهمة : هناك زيادة أوردها ابن ماجة ، وصححها الألباني وهي : سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين ، وعين النص سيوقد بنو إسرائيل سبع سنين موجود في سفر حزقيال إصحاح 39.
يتقول بعض أهل الهوى أن فتح باب النقاش على مصراعيه ـ في أحاديث علامات الساعة ، باستعمال العقل لا النقل ـ في الأحاديث خاصة أمر غير علمي ، ويظهر خلل فاضح في تفكير الناس ، فإذا لم يكن للعقل قيمة !!! فلماذا لم يتركوا علم مصطلح الحديث وهو ينتمي إلى العقل المطلق ؟ أم انـهم يرونه ينتمي إلى النقل !؟
القارئ لهذا الحديث يجد فيه أموراً كثيرة ، تبعث على الدهشة والاستغراب ، فبالإضافة للدجال الذي لديه قدرات مثيلة لبعض ـ مما ينفرد به رب العزة ذو الجلال والإكرام ـ ولما هو من الغرائب في كل مادة الحديث ، فإنَّ فيه خطأً لغوياً جسيما هو : "ويوم كجمعة" فلا يوجد في لغة العرب الأقحاح مثل هذا التعبير ، فهل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الرطانة والعجمة ؟ اللهم لا.
فالله اسأل أن يهديني وقومي سبيل الرشاد.
دراسة في رجال سند الحديث
هذه الدراسة لم تنشر في اللواء
لأصحاب الحديث ، أو أهل الأثر ، أو علماء السلف ، وكل من يدعي أنَّهُ في حال اقتداء بـهم ؛ وسير على منهاجهم ، أنَّ الحديث يثبت معناه بسنده ، لأنَّ أهل الحديث بذلوا قصارى جهدهم في البحث في رجال السند بمنتهى الموضوعية ، من بحث وإخلاص والـحقيقة غير ذلك ، فلقد تتدخل الهوى بالسند أيما تدخل ، بحيث يمكن القول أنَّ الزعم هذا كان له دور عظيم في تحريف الإسلام عن طرائق فهمه ، فالمطلوب قراءة البحث في سند حديث النواس بن سمعان ـ كحالة كاشفة لحال السند بشكل عام ـ خاصة أنَّ الحديث هذا أخرجه مسلم .
(الراوي الاول ) النواس بن سمعان
- "النواس بن سمعان" بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب العامري الكلابي .. له ولأبيه صحبه وحديثه عند مسلم في صحيحه "الإصابة الجزء الثالث ترجمة 8822"
- "النواس" بن سمعان الكلابي : سكن الشام سمع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والفتن والسير . روى عنه جبير بن نفير "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين ص535 ترجمة 2085"
- "سمعان" بن خالد الكلابي من بني قريظة ! روى ابن مندة من طريق مسيح بن سمعان بن الهيثم بن عقيل بن ثابتة بن سمعان بن خالد عن أبيه عن جده عن أبيه عن جده عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة ، لما وفد عليه ومسح ناصيته ؛ في حديث طويل ؛ وفي اسناده من لا يعرف ، وذكر أبو عمر في ترجمة النواس بن سمعان بن خالد هذا والد ألنواس ولم يعرف وذكر أبو عمر [أي ابن عبد البر ] في ترجمة ألنواس بن سمعان ، أن سمعان بن خالد هذا هو والد ألنواس ، ولم يفرده بترجمة " هامش الإصابة جزء 2 ترجمة 3482" .
- "سمعان" بن عمرو بن قريظ بن عبيد الله بن أبي بكر بن كلاب الكلابي . ذكر أبو الحسن المدائني في كتاب رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيده ، قالوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سمعان بن عمرو مع عبد الله بن عوسجة فرقع بكتابه دلوه ، فقيل لهم بنو المرقع ، ثم اسلم سمعان ، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانشده :
اقلني كما أمنت ورداً ولم اكن بأسوأ ذنباً إذ أتيتك من ورد
يشير إلى ورد بن مرداس أحد بني سعد هذيم ، وكان صلى الله عليه وسلم كتب إليه في عسيب ؛ فعدا على العسيب فكسره ، ثم انه بعد ذلك اسلم وغزا مع زيد بن حارثة وادي القرى فاستشهد أي ورد . ويحتمل أن يكون هو سمعان والد ألنواس ويكون سقط اسم أبيه من نسبه فهو : ألنواس بن سمعان بن عمرو بن خالد بن عمرو بن قريظ وسائر نسبه كما ذكر هنا "هامش الإصابة جزء 2 ترجمة رقم 3484".
- "النواس" بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب ، له صحبة وكان حليفا للأنصار ، وكلاب من ربيعة بن عامر بن صعصه "جمهرة انساب العرب لابن حزم ص283"
- خلاصة الدراسة في رجل الإسناد الأول الموصوف بالصحابي
النواس بن سمعان لا يوجد جزم بنسبه لدى أهل الأنساب ، ولا لدى من عرَّف برجال الحديث ، وليس هناك تاريخ حياة ظاهراً له قبل الإسلام وبعد الإسلام واسمه يدل على علاقة ما قبل الإسلام بأهل الكتاب ، وان كان هذا الأمر من قبيل الظن غير الراجح ، والراوي مع هذا ينفرد بـهذا الحديث ، مع ما في هذا الحديث من غرابة ونكارة ، وانفراده فيه أمر في منتهى العجب ، فانظر إلى كلمات في الحديث وهي : ظنناه – فانصرفنا – رحنا – فينا – شأنكم – فقلنا – دونكم – فيكم – عليكم هذه الألفاظ تدل على سماع جمع لهذا الحديث ، فكيف ينفرد به النواس بن سمعان ؟
(الراوي الثاني ) هو : جبير بن نـفير ت ما بين 75-85هـ ويجزم البعض بأنه مات سنة 80هـ
- "جبير بن نفير" بن مالك بن عامر الحضرمي أبو عبد الرحمن مشهور .. من كبار التابعين ، ولأبيه صحبة ، قال ابن حبان : في ثقات التابعين ، أدرك الجاهلية ، وروى الباوردي وابن السكن من طريق عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال : أدركت الجاهلية ، واتانا [ رسول] رسول الله (ص) باليمن ، فأسلمنا وساقه ابن شاهين مطولا ، وزعم أبو احمد العسكري أنَّ جبير بن نفير اثنان ، أحدهما كندي وهو الذي وفد ، والآخر حضرمي وليست له صحبة ولا وفادة ، (قلت) [ أي أبن حجر ] وقد غلط في ذلك ، وسببه انه وقع له الحديث من رواية جبير بن نفير انه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم والصواب عن جبير بن نفير عن أبيه كما سيأتي "الإصابة الجزء الأول ترجمة 1274 ص259" من القسم الثالث.
- جبير بن نفير بن مالك الحضرمي ، أدرك الجاهلية ، كنيته أبو عبد الرحمن ، سمع عقبة بن عامر ، وشرحبيل بن السمط ، والنواس بن سمعان ، وعوف بن مالك ، وأبا الدرداء ، وأبا ثعلبة الخشني ، وثوبان ، وعبد الله بن عمرو ، وروى عنه أبو عثمان ، وحبيب بن عبيد ، والوليد بن عبد الرحمن ، وابنه عبد الرحمن بن جبير وأبو زاهرية ، وخالد بن معدان ، مات سنة 80هـ بالشام ، روى عنه مسلم دون البخاري "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين ج1 ص77 ترجمة 290".
- جبير بن نفير الحضرمي من ثقات التابعين ، من أهل الشام ، قال الذهبي : في طبقات الحفاظ ، ربما دلّس عن كبار الصحابة . "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص55 ترجمة 39".
- جبير بن مالك بن عامر الحضرمي ، ويقال ( أبو عبد الله الشامي الحمصي ) أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى مرسلا عن بشر بن جحاش ، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشرحبيل بن السمط ، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن معاوية العامري ، والعرباض بن سارية ، وعقبة بن عامر الجهني ، وفي سماعه من عمر بن الخطاب نظر ، وهمر بن عبسة السلمي ، وعوف بن مالك الأشجعي وكعب بن عياض ، ومالك بن عامر السكسكي ، ومحمد بن أبي عميرة ، والمستور بن شداد ، وعائشة أم المؤمنين . روى عنه ثابت بن سعد الطباي ، وربيعة بن زيد ، وزيد بن أرطأة ، وزيد بن واقد ، وغيرهم .
قال أبو زرعة : ثقة . وقال أبو حاتم : ثقة . من كبار تابعي أهل الشام من القدماء وقال أبو زرعة الدمشقي : قلت أبو إدريس الخولاني اعلم من جبير بن نفير ، فقال : أبو إدريس عندي المقدم . ورفع شأن جبير بن نفير .
قال النسائي : ليس أحد من كبار التابعين احسن رواية عن الصحابة من ثلاثة : قيس بن أبي حازم ، وأبي عثمان النهدي ، وجبير بن نفير ، قال أبو حسان الزيادي مات سنة 75هـ ، وكان جاهلياً ، اسلم في خلافة أبي بكر ، ويقال مات 80هـ روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة أنظر "تهذيب الكمال 1/185" والعلائي في جامع التحصيل (88)
- نفير بن مالك بن عامر الحضرمي والد جبير ، يكنى أبا جبير .. اخرج النسائي في الكنى ـ من طريق صفوان بن عمرو ـ حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن جده ، وكان يكنى أبا جبير . وقال أبو حاتم : وفد على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو احمد الحاكم وعبد الغني بن سعيد : له صحبة . وقال البخاري : يعد في الشاميين وذكره عبد الصمد بن سعيد ، فيمن نزل حمص من الصحابة ، وكذا ذكره أبو بكر البغدادي في تاريخ حمص ، وزاد عبد الصمد وهو الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بالكندية ليتزوجها ، واخرج أبو أحمد الحاكم في الكني ، وابن حبان في صحيحه ، من طريق معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، أنَّ أبا جبير قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته التي كان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فقال توضأ يا أبا جبير ، فبدأ بفيه فقال له لا تبدأ بفيك ، فذكر الحديث في صفة الوضوء ، واخرج أبو نعيم من طريق عبد الله بن عبد الجبار عن جميع بن توبة ، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وللطبراني من طريق حريز بن عثمان عن عبد الرحمن عن أبيه عن جده في بني العباس واخرج الطبراني والحاكم من طريق معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده في الدجال ، والحاكم من طريق معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده في الدجال ، إنْ يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه الحديث ، وهو عند مسلم من رواية جبير بن نفير عن النواس بن سمعان فإن كان محفوظاً فيكون عند جبير بن نفير عن شيخين !! "الإصابة الجزء الثالث ص571 ترجمة 8791".
- جبير بن نفير : قال ابن عبد الهادي [ الإمام شمس الدين الحنبلي في طبقات الحفاظ ] لم يخرج له البخاري ، لأنه ربما دلس عن قدماء الصحابة ، توفي سنة 75هـ وقيل سنة 85هـ وكان مخضرماً "التبيين لأسماء المدلسين لسبط ابن العجمي الشافعي تحقيق يحيى شفيق ص18 ترجمة 9".
خلاصة الدراسة في رجل الإسناد الثاني التابعي المخضرم
أخبار هذا التابعي ووالده متضاربة ، بين إثبات الصحبة وعدم إثباتـها ، وهو ثقة عند بعض رجال الحديث ، مدلس عند آخرين ، ويضاف إلى ذلك أنَّه شامي حمصي ، أدرك من حيث الزمن كعب الأحبار ، وعاصره في البلاد التي توَّطنها كعب الأحبار . البخاري يرفض النقل عنه ويتهمه بالتدليس . ولا يَنْقُلُ عنه ما انفرد بروايته عن النواس بن سمعان إلا ابنه عبد الرحمن بن جبير . رغم أنَّ كتب الرجال تشير إلى عدة ناقلين لأحاديثه ، إلا أنه أي هذا الحديث لا ينقل إلا من طريق ابنه .
الراوي الثالث عبد الرحمن بن جبير
- عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، من أهل الشام ، يكنى أبا حمير وقيل أبا حمير والذي روى عنه كعب بن علقمة قال عنه انه قرشي مولى نافع مولى عبد الله بن عمر عداده في أهل مصر. سمع عبد الله بن عمر وسمع أباه روى عنه بكر بن سوادة ومعاوية بن صالح وأبو حمزة بن سليم ويزيد بن نمير وصفوان بن عمرو والزبيدي ويحيى بن جابر الطائي "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين ص295 جزء 1 ترجمة 1121" .
بالعودة إلى نفس الكتاب ص58 ترجمة 223 نجد بكر بن سواد بن تمامة الجذامي عداده في أهل مصر سمع عبد الرحمن بن جبير أما معاوية فهو بن صالح الحضرمي الحمصي راجع ترجمة 1911 وصفوان بن عمرو بن هرمز السكسكي الحمصي سمع عبد الرحمن بن جبير في الجهاد وروى عنه الوليد بن مسلم.
خلاصة الدراسة في رجل الإسناد الثالث وهو تابعي أيضا ولكنه غير مخضرم
تفصيل حياة هذا التابعي مثله مثل أبيه وجده لا تعطينا تفاصيل وافيه ، غير انه ثقة بالنسبة لمسلم بن الحجاج ، ومع أنه من التابعين إلا أن مسلم الذي ينفرد دون البخاري بالنقل عنه ولا يوجد ذكر له في كتاب الضعفاء الصغير للبخاري ، ولكن الذي يمكن الإشارة إليه هو انفراد يحيى بن جابر الطائي بنقل هذا الحديث عنه ، رغم تعدد الناقلين عنه في أحاديث أُخر فالغرابة كل الغرابة في هذا الحديث استمرار انفراد الرواة أليست هذه علة قادحة في السند .
الراوي الرابع يحيى بن جابر الطائي
يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص ، سمع عبد الرحمن بن جبير في الفتن . روى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر "من رجال انفرد بـهم مسلم" كتاب الجمع بين رجال الصحيحين جزء 1 ص570 ترجمة 2214".
دراسة في الراوي الرابع من جيل تابعي التابعين
الراوي قاضي حمص ، يظهر انه لا يوجد له غير هذا الحديث ، وهو طائي فما سر حصر راوية هذا الحديث في الشاميين ؟ وخاصة أهل حمص ! وفي بقاء الرواية المنفردة من جهة ثانية ، وفي كون هذه الأحاديث تدور فيمن لهم علاقة بأهل الكتاب ، فأهل اليمن والنواس منهم لهم علاقة باليهود من أهل الكتاب ، والطائيون ويحيى بن جابر منهم لهم علاقة قبل الإسلام بدين النصرانية ، وأهل حضرموت لابد أنَّ لهم علاقة باليمن لتقارب الموقع الجغرافي ، إنَّ هذه الأمور الثلاثة تدعو لإعادة التنقيب والبحث في أحاديث الأشراط والفتن والملاحم ، وما هو من مثل موضوعها لوجود هذه المواضيع في ثقافة أهل الكتاب.
الراوي الخامس عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ت 153
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الشامي ، سمع بشر بن سعيد ، وعمير بن هانئ عند البخاري ومسلم ، وإسماعيل بن عبيد الله عند البخاري ، والقاسم بن مخيمره ورزيق بن حيان الطائي عند مسلم . روى عنه الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة عندهما ، وابن المبارك وابنه عبد الله بن عبد الرحمن عند مسلم ، قال البخاري : قال يحيى بن بكير : مات سنة 153هـ "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين جزء 1 ص289 ترجمة 1089".
عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد سمع أباه في الفتن ، روى عنه علي بن حجر المصدر السابق ص274 ترجمة 1015".
خلاصة الدراسة في الراوي الخامس
هذا الراوي تفرع الحديث عنه إلى ثلاث طرق : الأول إلى الوليد بن مسلم ، والثاني إلى أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي ، والثالث إلى يحيى بن حمزة .رغم أنَّ ابنه عبد الله من الرواة عنه وسمع عنه في الفتن ، إلا انه لا يوجد طريق لهذا الحديث عن ابنه . حياة هذا الراوي أيضا غير معلومة مثله مثل سائر رواة هذا الحديث ، وهو ممن سكن الشام فهل كان أيضا من سكان حمص والشام اسم يحوي فيما يحوي حمص.
الراوي السادس عند احمد ومسلم وأبو داود والترمذي الوليد بن مسلم ت 195هـ
1. الوليد بن مسلم من 119-195هـ القرشي الأموي ، مولاهم الدمشقي يكنى أبا العباس ، سمع عبد الرحمن الأوزاعي ، وعبد الرحمن بن نمير ، ومحمد بن مطرف عند البخاري ومسلم ، ويزيد بن أبي مريم الشامي عند البخاري ، وعبد الرحمن بن يزيد ، وابن أبي ذئب ، وسعيد بن عبد العزيز ، وشيبان ، ومحمد بن مهاجر وصفوان بن عمر ، وبكر بن مضر عند مسلم . روى عنه داود بن رشيد ، ومحمد بن المثنى ، وغير واحد عندهما "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين جزء 2 ص537 ترجمة 2093".
2 .الوليد بن مسلم الدمشقي كذلك ، ويعاني التسوية التي تقدم صفتها وحكمها ، قال عنه ابن حجر موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ، قال أبو مسهر عنه مدلس "التبيين لأسماء المدلسين لسبط بن العجمي الشافعي ص60 ترجمة 83 وانظر ميزان الاعتدال 4/347.
3 .الوليد بن مسلم الدمشقي موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ، امتدح بالحفظ وربما دلّس عن الكذابين ، روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها اصل ، منها عن نافع أربعة .
من مناكيره روايته لحديث أبي قتادة مرفوعاً "من قعد على فرش مغيبه قيض الله له يوم القيامة ثعبانين" قال أبو حاتم : هذا حديث باطل . ومنها حديثه في حفظ القرآن .
إذا روى عن ابن جريح أو عن الأوزاعي فليس يعتمد ، لأنه يدلس عن الكذابين فإذا قال حدثنا فهو حجة ، ما لم يتفرد في الحديث . كان يدلس في ابن أبي السّفر حديث الأوزاعي ، وابن أبي السّفر كذاب وهو يقول فيها قال الأوزاعي . وكذلك افسد حديث الأوزاعي فسوى حديثه ، فاسقط بين الأوزاعي وبين نافع ، عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري مرة ، وعلل ذلك فقال أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ص134 ترجمة 127" يراجع أيضا الضعفاء والمتروكين للدار قطني ترجمة 631 ص415.
خلاصة الدراسة في الراوي السادس من الطبعة الثامنة من الرواة عند الدارقطني
لا ادري كيف يمكن ان يطمئن مؤمن في حديث مثل حديث النواس بن سمعان ، لا يخلو راوٍ منهم من مغمز ، حتى يتعالى الغمز عند هذا الراوي ، الذي هو أيضا دمشقي ، رجل يروي عشرة أحاديث ليس لها اصل ، ويروي هذا الحديث الذي يكاد يطابق ما هو مدون في سفر حزقيال إصحاح 38 و39 ، احمد بن حنبل يأخذ هذا الحديث عن الوليد بن مسلم إملاءً أما البقية فبواسطة رواة غيره .
رواة مسلم عن الوليد بن مسلم هما محمد بن مهران وزهير بن حرب
- محمد بن مهران أبو جعفر الجمال الرازي ، سمع الوليد بن مسلم عند البخاري ومسلم ، وعيسى بن يونس وحاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق وحماد بن خالد عند مسلم ، روى عنه البخاري ومسلم في غير موضع ت239 أو 239.
- زهير بن حرب ت 234 وهو ابن أربع وسبعين سنة ، كان متقنا ضابطا ، روى عنه البخاري ومسلم ، وروى عن كثير عند مسلم ، منهم الوليد بن مسلم وروى عن قليل عند البخاري ، اسمه زهير بن حرب بن شداد الشامي يكنى أبا خيثمة سكن بغداد .
دراسة في حياة هذين الراويين
الراويان معاصران للبخاري ومسلم ، ومع أن البخاري يثبت سماع محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم إلا انه لا يخرج هذا الحديث مطلقا ، فلماذا ؟ وكذلك فالبخاري ومسلم يرويان عن زهير بن حرب ، إلا أن البخاري أيضا لا يخرج هذا الحديث ، ولا يثبت سماعه عن الوليد بن مسلم . إلا يكون سكوت البخاري وعدم تخريج هذا الحديث أنَّ هناك شذوذاً أو علة في سند الحديث أما الشذوذ والعلة في متن الحديث فانـهما أوضح من الشمس .
الراوي صفوان بن صالح الدمشقي بين الوليد بن مسلم وأبي داود
169-237هـ
صفوان بن صالح بن دينار الدمشقي : هو أبو عبد الملك المؤذن ، وثقه أبو داود وغيره ، ونسب إلى التسوية قال أبو حاتم بن حبان : سمعت أبا الحسن ابن جؤصا يقول : سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول : كان صفوان بن صالح ومحمد بن مصفي يسويان الحديث كبقية بن الوليد ، ذكره في آخر مقدمة الضعفاء "تعريف أهل التقديس بالموصوفين بالتدليس ص87 ترجمة 74 وص109 ترجمة 103 ويراجع أيضا تـهذيب التهذيب 4/427 لابن حجر". هكذا يزداد عدد المدلسين أو المتهمين بالتدليس رجلاً آخر ، في رواية هذا الحديث ومع هذا فان أبا داود يوثقه ويخرج له هذا الحديث.
علي بن حجر هو الراوي الذي يتوسط بين الترمذي والوليد بن مسلم
في رواية الترمذي زيادة عن كل الروايات وهي ويستوقد المسلمون من قسيهم وجعابهم ونشابـهم سبع سنين وهذه الزيادة هي نفس مقولة سفر حزقيال باستبدال كلمة [المسلمون] ببني إسرائيل أنظر سفر حزقيال إصحاح 39 فقرة 9 ولا يعرف لمن هذه الزيادة أهي لعلي بن حجر ؟ أم هي للترمذي ؟ أم للوليد بن مسلم ، نقلها لعلي بن حجر ، ولم ينقلها لغيره ، وعلي بن حجر المتوفى سنة 244هـ روى عنه البخاري ومسلم ، ومع هذا فانـهما لا يرويان هذا الحديث عن طريقه ، البخاري لا يخرجه مطلقاً ، ومسلم يرويه من شيخين عن الوليد بن مسلم ، دون أنْ يرويه عن طريق علي بن حجر ، مع انه يروي عنه عن طريق الوليد بن مسلم ، ولكن غير هذا الحديث ، أنظر "كتاب الجمع بين رجال الصحيحين جزء 1 ص354 ترجمة 1338".
رواية ابن ماجة
يروي ابن ماجة هذا الحديث عن : هشام بن عمار ، عن يحيى بن حمزة ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر .
- يحيى بن حمزة : هو يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي القاضي ، ثقة ، رُمي بالقدر من الثامنة ، مات سنة 283هـ وله ثمانون سنة ، نُقل عن احمد قوله : "ليس به بأس" . وعن أبي زرعة قوله : صدوق . ويراه علي بن المديني أنه عند أصحابه أي أصحاب علي ثقة "سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني ص160 ترجمة 230 مع التعليقات".
- يحيى بن حمزة اليماني أبو عبد الله الحربي ، قاضي دمشق ، سمع عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وغيره عند البخاري -ولم يخرج البخاري له هذا الحديث- روى عنه هشام بن عمار وغيره عند البخاري ، أنظر كتاب الجمع بين رجال الصحيحين ص558 جزء 2 ترجمة 2171" وهو عند مسلم قد سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
- هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي ، ويقال الظفري الدمشقي سمع يحيى بن حمزة وغيره ، روى عنه البخاري في فضل أبي بكر ، وله أحاديث أخرى في البيوع والاشربة ، ولد 153هـ وتوفي سنة 245هـ ولا يروي عنه مسلم .
الراويان هنا من أهل الثقة ، وكون يحيى بن حمزة ممن يقول بالقدر لا يجعله غير ثقة وهشام بن عمار ثقة ، والبخاري روى عنهما ، ولكنه لم يخرج هذا الحديث ألأنه لم يصله ؟ ! أم لأنه وصله ؟ ورأى أن به علة قادحة أو شذوذ ، ليس في هذين الراويين ، بل أما في متن الحديث ، أو في رجال السند قبلهما !؟.
الطريق السادس للحاكم في المستدرك : عن أبي العباس محمد يعقوب ، عن أبي محمد الربيع بن سليمان المرادي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر . من المعروف أنَّ صاحب المستدرك قد ذكر ثلاثة أنواع من الحديث هي :
(1) الأحاديث الصحيحة على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما ولم يخرجاها .
(2) الأحاديث الصحيحة عنده ، وان لم تكن على شرطهما ، أو على شرط واحد منهما ، وهي التي يعبر عنها بأنـها صحيحة الإسناد .
(3) ذكر أحاديث لم تصح عنده ولكنه نبه عليها .
ليس في الاستطاعة تحديد أي نوع هذا الحديث ، ولابد من عودة مرة أخرى للمستدرك ، لا ادري إلى أي نوع ينتمي هذا الحديث "المرجو ممن يقرأ هذا البحث أنْ يعودَ إلى المستدرك" ومن المعروف لأهل علم الحديث أنَّ صاحب المستدرك متساهلٌ في تصحيح الأحاديث .
هذا هو الحديث ، وهاهي طرقه ، وهذه نبذ عن رجال طرقه ، لابدّ من تدوينها محاولة جادة وهادفة للدراسة العميقة لهذا الحديث ، ولغيره مما هو مثله ، لعلها تكون مساهمة في وضع معالم كانت ذات يوم هي المعالم ، لكنها اندثرت منذ وفاة الخليفة الواثق بن المعتصم ، الذي لم يقبل أنْ يوصي بالخلافة لولده ، وقال كلمته المأثورة "لا يراني الله أتقلدها حياً وميتا" مقتفيا بذلك سيرة الخليفة عمر بن الخطاب فمع استلام المتوكل الخلافة منع النظر والمباحثة والجدال ، وترك ما كان عليه الناس أيام الخليفة العالم المأمون ، المعلوم عن المأمون أنه رجل دولة وعالم ، ولكنه ليس معتزليا ، بل هو من الجبرية ومن حكام الجور ، لكنه فتح الجدل لأسباب سياسية ، أمَّا المعتصم ولم يكن من أهل العلم ، فقد مارس سياسة المحنة اتباعا لوصية المأمون من ضرورة فك سيطرة أهل الحديث عن العامة ، وإذ انتهى خطر المحدثين بقتل الواثق لأحمد بن نصر الخزاعي ، صارت الأمور مهيأة للعودة لأهل الحديث بعد زوال خطرهم واجتثاث هواهم الأموي ـ بما ساق أحمد بن حنبل من أحاديث تحث على طاعة الحكام على أية حال كانوا عليها ـ وبذلك حلَّ التسليم والتقليد محل البحث والدغمائية محل المناظرة .
هذه الكتابة حول حديث النواس بن سمعان كتبت قبل عام 1986م ، بعد الاطلاع والسماع لوعاظ المساجد ، وهم لا يبحثون وضع الأمة وكيفية إنقاذها من الكارثة ؛ التى أخذت تتجمع حولها منذرة باندثار هذه الأمة الخيرة ، كانت الصولة للسلفية بما هي داعية لعلم الحديث ، مخلوطا بالدعوة لكيفيات في القيام بالنسك ، لم تكن لدي معرفة في مصطلح علم الحديث ، ومع ذلك غامرت في الدخول لهذه المعرفة ، هذا البحث لم ينشر أبدا ، المقصود القسم المتعلق بدراسة رجال السند ، بينما نشر القسم الأول في جريدة اللواء ، وقد وقعت بطباعته جملة أخطاء ، ولم ترسم شجرة السند رسما صحيحا ، ولهذا لم تحصل الفائدة المرجوة من نشر البحث فالشجرة مثلا ، تكشف عن أنَّ الحديث من الغريب المطلق ، وقد استهوى الوعاظ بما هو كلام عن أمور آتية بصورة قصصية ، لهذا كان اختيار هذا الحديث لتطبيق المنهج النقدي عليه، وهو المنهج الذي لم يكن مكتملا بعد .
-----------------------------------------------------------
(3)
الدجال
في البداية لابد من فهم الإعلان التالي حول الدجال :
(1) الدجال فكرة وهمية خيالية أدخلها الخرافيون للفكر الإسلامي .
(2) الإدعاء بأن الأحاديث المتعلقة بالدجال هي من أقوال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلام دوغمائي ، لا يستند إلا لدعوى صحة السند عند مدعيها .
(3) الترويج لفكرة الدجال وأخواتـها علامات الساعة مقتل للفكر الإسلامي ، بل هي فكرة ضد النبوات كلها .
(4) الفكر المسيحي مصدر فكرة الدجال عند المسلمين ، فالمسيح الكذاب أو الدجال لم يرد إلا في إنجيل ، متى إصحاح (24 ) عدد (24) ، خلافا لدعوى انه ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال والمراد من وضع فكرة الدجال إلغاء التبشير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وضعُ هذه الأفكار في بداية البحث ، وهي أفكار تثير الزوابع والعواصف من قبل الأسطوريين والخرافيين أمر مهم وضروري ، لان مواضيع علامات الساعة ـ وخاصة الدجال ـ تـحتاج إلى جرأة بالغة أقصاها للتمكن من الحفاظ على الإسلام ، وعدم تمكين أهل الخرافة من هدم الرسالة الإسلامية ، وهدم فترة الراشدين ، فالأدلة تنطق بأن فكرة الدجال لم يكن لها وجود طيلة زمن الرسالة ، وطيلة حكم الراشدين ، إذ لم يدون في سيرة دعوة الرسول أي خبر ـ أثناء الجدل مع الرسول حول الدجال ، فالأحاديث المزعوم رفعها للرسول حول الدجال ، إنما هي أحاديث موضوعة يقينا . وهدمها أمر مهم لبناء صحة العقل الإسلامي واستقامة الدرب .
لابد من أن ينتبه القارئ الكريم ، إلى أنَّ كلمة الدجل وما تصرف منها لم ترد بأي آي من آيات القرآن الكريم ، وأن معنى كلمة الدجل عند العرب هو شدة طلي الجمال الجُرْب بالقطران ، وانتقل المعنى إلى الكذب الذي يتعمد طمس الحقيقة الظاهرة البينة ، فالدجل ليس تمويها ولا خداعاً ولا تلبيساً وليس تدليساً ، فالدجال هو المدعي خلاف ظاهره وخلاف ما هو واضح من حالته ، مثل إدعاء النبوة مع عدم وجود المعجزة ، ومثل ادعاء الألوهية مع أنه جسم يعتريه النقص والجهالات ، أو أنه قادر مع ظهور عجزه وضعفه ، فالدجال معلوم دجله حتى لضعفاء العقول ولأبسط الناس ، بل أيضاً للأطفال الصغار فالدجال دجال ولا يحتاج لبرهان .
الدجال في الأحاديث المزورة على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو شخص مؤيد تأييداً جلياً واضحاً ، وممكناً فهو يأتي بمعجزات ، وله سيطرة على النظام الكوني بشكل مفتوح ،لم يعط مثلها أولو العزم من الرسل ، مع وضوح الاختلاف في الهدف ، فالرسل يؤيدون بالمعجزات لبرهان صدقهم في رسالتهم ، وإقامة الحجة على الناس ، والدجال لإضلال الناس وهكذا صارت المعجزة تعطى للصادق والكاذب معاً على رأي الأسطوريين ، فكيف يتم تصديق هذا وتكذيب ذاك ؟ أو تكذيب هذا وتصديق ذاك ؟ ألا يستحي هؤلاء من رب العالمين حينما يحولونه إلى اله عابث ، يؤيد المضلين ، والله يقول : (( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ))(الكهف: من الآية51) أليس هذا قمة التجديف بحق رب العالمين ؟!!! ولا يعلم القارئ كيف تثبت نبوة الأنبياء ، فلو تعقب واحد قول الكاذبين هذا وقال لهم : إنَّ إبراهيم عليه السلام أو موسى أو عيسى أو غيرهم إنما أيدهم الله بالمعجزة رغم انـهم غير صادقين في دعوتـهم ، فكيف يكون الجواب غير اللجوء إلى المقالات والمسلمات الدوغمائية ؟.
قد عَلِمَ هؤلاء الخرافيون وهم كثرة مقدار توهتهم ، وحقيقة ضلالاتـهم ، فلهذا عمدوا إلى تمييز الدجال تمييزاً مضحكاً ، حيث قالوا بأن الدجال أعور ! وأن الله ليس بأعور ! ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ، فالله في مخيلة هؤلاء الأسطوريين يمكن أن يكون جسماً محسوساً مرئياً متنقلاً متحركاً وله أعضاء ، منها عينان سالمتان ، تعالى الله عن بـهتانـهم هذا !!! وحتى يقي الله المؤمنين من إتِّبَاع الدجال كتب بين عينيه كلمة كافر ! يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب ، ولكن السؤال ما هي حال من أعجزه الله عن قراءتـها من الكفار والضالين ؟ أين هي حجة الله عليهم ، وهل الفاسقون الذين هم مؤمنون عند هؤلاء الأسطوريين يقرأونـها أيضا ؟ أسئلة محيرة لهؤلاء الأسطوريين !!!! .
هذا الدجال المتحكم بالمطر والزرع والضرع والمال والنقد !!! أي يُشبع الناس أو يجوِّعَهم ، فهو متحكم باقتصاد الناس الضروري للحياة ، وإذا كان المعلوم من حالة الشيوخ العلماء الأفاضل أن دريهمات الحاكم أخذت بـهم ذات اليمين وذات الشمال ، أفلا يكون الجوع القاتل والعطش المميت عذراً ـ للأطفال ، والعجائز ، والكبار ، وضعاف العقول ، والمرضى ، والكسالى ، وعلماء الدريهمات ـ في قبول دعوته ؟!!! ويوم القيامة يحاجون لأنفسهم قائلين : لقد أعطيته يا رب العالمين من الآيات والمعجزات ما من شأنه أن يكون عذراً لنا ، وأنت القائل يا رب العزة (( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ))(المائدة: من الآية119) أفلا يكون هولاء صادقين في قولهم ؟!!! .
هؤلاء الضعفاء ! وخاصة علماء الدريهمات ! سيرون الدجال بأم أعينهم يأمر السماء أن تمطر فتمطر ! ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت ! وتتحول سارحتهم إلى ضرع مبارك ! والإنبات يكون فورياً يحقق تناول ثمرة فوراً بلا تراخ في الزمن ، والأتقياء الذين سيكذبون ذلك الدجال أي ( أهل العدل والتوحيد) وهم يعلمون كذبه لمجرد أنه جسم ، وهم يعلمون دجله لمجرد انـهم يعلمون انه غير قادر بأي حال من الأحوال على ما اختص به رب العالمين ، ولو رأوا ذلك لقالوا إيمانا برب العالمين المنـزه عن العبث والظلم [ إنما سحرت أعيننا ! ] فهؤلاء على رأي الخرافيين يتحولون إلى مملحين ، أي ليس لديهم إلا الملح ، هؤلاء الذين عصموا أنفسهم منه ، عصموه أولا وأخيراً بتكذيب هذه الأساطير ، ولا حاجة لهم لغير ذلك للدلالة الواضحة على عدم وجود الدجال على هذه الحال التي لا تجوز إلاَّ لرب العالمين .
لم تكتف الأحاديث الأسطورية بإثبات سيطرته على إنزال المطر من السماء ، والإنبات الفوري وبركة الضرع لأتباعه ، وَمَحْقٌ للإمكانات عند رافضيه ، بل له سلطة على كنوز الخرب ، ويظهر في الفهم الأعوج لوضاع حديث الدجال على رسول الله دعواهم المستبطنة في النص هي : إنَّ الذهب والفضة موجودان في الأرض مجرد كنوز ، وليست فلزات قابلة للتعدين ، مما يدل على أن المعاني والأخيلة غير مستمدة من عصر الرسالة ، ولا من أي عصر من العصور الإسلامية ، علاوة على ذلك فإنَّ الأحاديث جعلت النظام الكوني للمجموعة الشمسية يتغير ، فاليوم الأول من أيام الدجال هو 365 يوماً بالتمام ، واليوم الثاني هو ثلاثون يوماً بالتمام ، واليوم الثالث هو سبعة أيام بالتمام ، وكما يظهر فان معاني النص لا تتعامل مع يوم فلكي ، سواء بسبب دورة الشمس حول الأرض كما كان الاعتقاد السائد ، أو دورة الأرض حول نفسها كما هو الحقيقة ، وهي أيام طويلة ليس طولاً وهمياً بل هي على الحقيقة كما يقول النص ، ويلتفت النص إلى الصلاة ! لكن أين هو الصوم في يوم يقدر فيه للصلاة قدرها ، لا يقدر للصوم قدره ، ولا يلفت نظر كاذب النص على رسول الله نظرية الفصول المرتبطة بحركة الأرض السنوية حول الشمس ، ولا يلفت نظره الحرارة التي تكتسبها الأرض من الشمس من إشراق مقداره 182.5 ونصف ، على اعتبار أن البقية ليل !! رب قائل يقول أليس في مقدور رب العالمين تغيير النظام الكوني ؟!!!!! الإجابة السريعة نعم ، لكنَّ خبر السماء انه يغيرها في أحداث قيام الساعة ! لا علاماتـها ، واختلال النظام الكوني وتدميره سماه رب العالمين الساعة والواقعة ، والقارعة ، والقيامة ، والنبأ العظيم ، والزلزلة ، والغاشية ، والانشقاق ، والمعارج ، والحاقة وكلها زمن النهاية ، تتم بغتة وبسرعة ! يعتري أهل الأرض فيها الذهول ! ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) (الحج:2)
وهي كلها تأتي بغتة ! وهذا ما نطق به القرآن الكريم ، فالله قادر لا يعجز عن الحادث وعن ضده ، ولكنه لا يغيره احتفاءاً بدجال ، مع بقاء الوعي والتكليف ، الله يغيره لليوم الآخر ، واليوم الآخر حقيقة إيمانية تكليفية لكل واع ، وهي الانضباطية لقيام الإنسانية بالأفعال الصالحة ـ أي الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب ، فكون الله قادراً ليس موضوع خلاف ، فالخلاف في تجليَّ مقدورات الله لدجال يسعى للضلال !.
لكي يجري التسليم بالدجال يقتضي أنْ يؤمن المكلف بأن الرسول صلوات الله عليه أخبر بمجرد ظهور دجال في آخر الزمن ، وأن آخر الزمن كما هو في وعي الرسول صلوات الله عليه ممكن أن يتم في زمن رسالته ، ولهذا يقول النص : إنْ يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإنْ يخرج ولست فيكم فامرئ حجيج نفسه ـ والرسول صلوات الله عليه ـ على دعواهم لم يتوقف عن محاولة معرفته ، فالوحي تركه يسير على غير هدى في أمر تعيين الدجال ، ولذلك يبذل جهوداً غير عادية فالرسول ينقي بجذوع النخل ليسمع من ابن صياد ، والدجال هو ملك اليهود الذي تستفتح به على العرب ، والرسول صلوات الله عليه في حيرة من أمر الدجال وأمر ابن صياد ، وما أن يأتيه تميم الداري وهو قسيس نصراني ، أسلم في السنة التاسعة للهجرة ، ويخبره عن الدجال والدابة الموجودين في جزيرة ، أرفأ إليها تميم بعد إبـحاره شهرا من سواحل فلسطين ، حتى يبادر الرسول وينادي أن الصلاة جامعة ، لا ليخبرهم عن أمر لازب ، أو عن وحي من السماء ، وإنما ليخبرهم خبر تميم وليقرأ القارئ الكريم ذلك في حديث مشهور اسمه حديث الجساسة ، والمشكلة التي أقلقت الرسول صلوات الله عليه مع أنه غير متمكن من معالجتها ، فمعالجة أمر الدجال متروك لعيسى بن مريم ، إلا يشكل الأمر في هذه الصورة الوصول إلى القول التالي وهو : ؟ ! إنَّ قضية الدجال ومعالجة الرسول لها ، وهي تتم خبط عشواء ، أليس ذلك طعناً واضحاً برسالة محمد صلوات الله عليه ؟ !! .
وإذ يترك ربُّ العزة محمداً (ص) يخبط خبط عشواء بأمر الدّجال ـ إلاّ أنّ الدجال ذاته ، كما ورد بنصوص الأحاديث وخاصة نص حديث الجسَّاسة ـ أي حديث تميم الداري لرسول الله ـ صلوات الله عليه ـ وهو حديث تنفرد فاطمة بنت قيس بنقله ، رغم أن الرسول صلوات الله عليه نقله إلى أصحابه بالنداء إلى أنّ الصلاة جامعة ، وطلب منهم أن يلزم كل إنسان منهم مصلاه ، وأخذ يخبرهم بخبر تميم وجزيرته وما وجد فيها .
ينقل الرسول (ص) للمسلمين زيارة تميم للرجل الذي في الدير ، بناءاً على طلب الجسّاسة ، ويجري الحديث بين تميم مع ذلك الرجل الموثق بالحديد ، فإذا به يسألهم عن نخل بيسان ويخبرهم انه يوشك أن لا يثمر ، وعن بحيرة طبريا وماءها ويخبرهم أنْ ماءها يوشك أن يذهب ويسألهم عن عين زعر ، وعن نبي الأميين وعن مقاتلته للعرب وقتال العرب له ، وأن الخير لهم في اتباعه ، مخبراً تميما ورهطه بأنه المسيح (أي الدجال) ، وانه يوشك أن يؤذن له بالخروج ، وانه في أربعين ليلة سيطوي الأرض كلها طياً ، وانه لن يدع قرية إلا هبطها إلا مكة وطيبة ، وانه ممنوع من دخولهما بسيوف الملائكة المصلتة ، وحراسة الملائكة لهما ، وطيبة هي المدينة المنورة ، على ساكنها افضل الصلاة والسلام .
يكشف حديث فاطمة بنت قيس أو حديث تميم أو أسطورة تميم : أن المسيح الدجال يعلم من الغيب ما يعلم ! فهل حاز علم الغيب هذا من ذاته ومهارته ؟ أم حازه بإعلام الله له هذا الغيب ؟ وهل عَلمَ الدجال هذا الغيب بالوحي ! أو بالإلهام ! أو بالرؤيا الصادقة ! أم حازه كعلم ضروري ؟ ! فهذا الغيب الذي انكشف للدجال ! ولم ينكشف مثله للنبي محمد(ص)، أو لمن سبقه من الأنبياء ، وكل مسلم يعلم اختصاص الله بعلم الغيب ، وانه لا يطلع الرسل إلا على قليل من علم الغيب ، قال تعالى في سورة الجن : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ) ) (الجـن:26،27،28) ويقول الله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النمل:65) ويقول تعالى : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:123)
والسؤال المطروح كيف يجمعون بين هذه الآيات ومعرفة الدجال بعضا مهما من الغيب ، ومع هذا لا يعلمه رسول الله ؟ ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) (الكهف:5) .
طريقة الأسطوريين لتمرير هذه الخرافات على أنـها نص من نصوص السنة قاله الرسول صلوات الله عليه هي :
(1) يستندون إلى آيتين وهما قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ ) (الحشر: من الآية7) وقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم : 3،4)
(2) يخلطون بين ما ورد عن الرسول صلوات الله بيانا لأوامر في القرآن ، تحتاج إلى البيان ؛ وبين هذه الأخبار الأسطورية .
(3) يركزون كثيراً على دعوى ـ مفادها أن نقلة القرآن هم نقلة الحديث ـ فإذا حدث التشكك بالحديث ؛ فلابد أنْ يحدث التشكك بالقرآن .
(4) أن الأمر في ذاته مقدور له تعالى لأنه قادر .
(5) يضيفون فرحين !! ـ عندما يواجهون بأن هذه النصوص موجودة مبنى ومعنى في كتب أهل الكتاب ـ قائلين وهم في شدة الفرح !! أليس في القرآن الكريم ما مثله مبنى أو معنى في كتب أهل الكتاب ؟ فهل يقال أن ما أورده القرآن الكريم غير صحيح لوجود مثله عند أهل الكتاب ؟
(6) يدعون إلى أنّ التشكك في هذه المواضيع هو تشكيك في جملة السنة .
تلك هي طريقة الأسطوريين لتمرير هذه النصوص على أنـها وحي ، ولابد من مناقشتها واحدة فواحدة ، حتى يظهر الأمر جليا واضحاً .
وفي المرة القادمة سيكون الرد على هذه التمريرات ثم بقية العلامات .
*****
-------------------------------------------------------------------------------
(4)
قضية للنقاش
الدجال
هذا المقال يفند الأسباب التي يقدمها الأسطوريون [ أهل الحديث ] لدعوى صحة الحديث بمجرد صحة السند أي هو تابع للمقال السابق قبله .
يؤسس الحديثيون قبولهم وتسويغهم للإيمان بحديث الدجال ، والأحاديث التي مثله ، على أسس واعتبارات ذكرت في العدد 1270 من اللواء {أي في المقال الموجود قبل هذا المقال} وأثناء الزيارة لصحيفة اللواء ، وفي مكتب الأستاذ حسن التل ، قال الدكتور عدنان النحوي : إنَّ الأحاديث ذات الموضوع الغيبي لا يمكن جعل العقل حكماً عليها ، فلابد من قبولها ولا مدخل للعقل في رفضها وقبولها ، وهكذا أضاف الدكتور النحوي تسويغاً آخر ، أي التسويغ السابع لقبول هذه الأحاديث ، ولقد كان الوعد بالمقال السابق بان يجري نقاش مرتكزات تمريرات وتسويغات هذه الأحاديث للذهن الإسلامي ، وهاهي المناقشة ، وستختم بمناقشة دعوى الدكتور النحوي .
(1) التمرير الاول يقولون : إنَّ القرآن الكريم طلب اعتبار الحديث وقبوله بقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: من الآية7 ) وقوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3، 4) .
من المعلوم أنَّ الكلمات التالية تدور بين المحدثين وهي :
1. السنة
2. الحديث
3. الخبر
4. الأثر
فهل هذه الكلمات ذات دلالة واحدة ؟ المحدثون يدعون أنـها ذات دلالة واحدة ، واللغة ترفض ذلك ، والمسألة ـ بين أهل اللسان العربي ، وهم دعاة التوحيد والعدل ؛ وبين أهل الحديث ـ محصورة بالحديث والخبر ، فعلامات الساعة من الحديث والخبر ، وليست من السنة والأثر .
يورد المحدثون آيتين للاستدلال على ضرورة قبول الحديث والخبر ، لا علاقة لهما بموضوع القبول بل لا علاقة لهما بموضوع قبول السنة ، موضوع الآية الأولى ، وهي من سورة الحشر ، هي ضرورة الالتزام التام بأحكام الحصول على المال ، وسبب نزول الآية في فيئ بني النضير ، وخصوص السبب لا يمنع من عموم الأمر ، فعموم الأمر هو الالتزام بأمر الرسول ونـهيه ، وعلامات الساعة ليست أمراً ولا نـهياً ، حتى تدخل بعموم الآية ، بل علامات أي أخبار ، وهي من منظومة المعتقدات أي الإيـمانيات ، ومنظومة الإيـمانيات تحتاج إلى دليلها وبرهانـها وسلطانـها وحجتها ، وليس مجرد وجود خبر عنها ، فالخبر حقيقة موضوعية تستند للدليل وليس للنص ، ومن هنا فالآية لا علاقة لها بقبول الحديث والأخبار ، بل أن قبول مثل هذه الأخبار وهي ظنية الثبوت أمر لا يجوز في الإسلام ولهذا ورد في أكثر من آية ذم الظن في قضايا الإيـمان . ووردت آية واحدة تستعمل الظن بمعنى آمن وهي قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (البقرة:46) ومن المضحك المبكي قول أحدهم بجواز بناء الإيمان على الظن استنادا لهذه الآية وهنا يسأل هل الظن هنا بمعنى الظن المندد به في القرآن كقوله تعالى : ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ )(النساء: من الآية157) أو ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )(الأنعام: من الآية116) أو ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ )(الأنعام: من الآية148) ) وغيرها آيات كثيرة .
أما الآية الثانية فإنَّ من الغفلة أن يقال : إنـها دليل على قبول الأخبار والحديث ، بل وحتى السنة ، فالآية تصرح أن المنطوق عينه وحي من الله ، والمسلمون كلهم مجمعون على أن القرآن وجده مبنى أي منطوق ومعنى من الله ، أمّا السنة والحديث فإجماع المسلمين والواقع أنـهما معنى من الله ، ومبنى من الرسول صلوات الله عليه ، فالآيات واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أن المقصود القرآن الكريم بآية ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( النجم: 3،4، 5 )
فالذي علَّمه المنطوق هو شديد القوى ، أي جبريل عليه السلام ، فيكون المراد القرآن الكريم ولا حاجة لكثير من اللجاج !! .
(2) دليل قبول السنة المقصود السنة فقط هو قول الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(النحل: من الآية44) وقوله تعالى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (النحل:64)
فالسنة وظيفتها البيان ، والبيان لا يكون إلا لـمجمل ، أو عام ، أو مطلق ، ولا يكون لأخبار ، لان الأخبار تحتاج إلى تفصيل ، وليس إلى بيان ، والتفصيل جاء به القرآن الكريم قال تعالى : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (هود:1) .
وقال تعالى : ( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )(الأنعام: من الآية97) جاء هذا الجزء من الآية تعقيبا على حقيقة كونية فلكية ، هي النجوم الهادية في ظلمات البر والبحر ، وقال تعالى : ( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )(الأنعام: من الآية98) تعقيبا على الإنشاء من نفس واحدة ، وقال تعالى : ( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )(الأنعام: من الآية126) تعقيبا على قول الله تعالى : ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيما )(الأنعام: من الآية126) ، والاستقامة تكون بالإيمان كأساس وهو هنا حجة العقل ، وفي ما يحبه الله ويرضاه و هو من القرآن الكريم ، أمَّا كيفية عمل ما يحبه الله ويرضاه فهو اختصاص السنة ، وكل آيات التفصيل وهي عديدة وكلها سماها الله تعالى آيات ، تسند الآيات اخنصاص الله بـهـا ، موضوعها دائما معرفة .
الدليل الآخر على أن موضوع السنة الأمر والنهي ، وليس الخبر ، يكشف ذلك طلب طاعة الرسول بعد طاعة الله ، والطاعة لا تتصور إلا بالأمور العملية ، وآيات الطاعة للرسول بعد طلب طاعة الله كثيرة قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (آل عمران:132)
وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (التغابن:12) مع الاكتفاء بـهاتين الآيتين .
يكشف ما سبق أنَّ السنة محصورة حصراً بأنـها بيان لمجمل أو عام أو مطلق ، وأنـها تطاع وإنـها مبنية على آيات طاعة عامة ، هي طاعة الله ، فطاعة الرسول في حالة تبعية لطاعة الله ، فالسنة محكومة بالقرآن ، فهي متعلقة بالمطالب العملية لا غير ، وهي بيان لمجملات محكومة بأنـها طاعة أي مقتصرة على الناحية العملية .
هذا الكلام السابق ابطل حجتين من حجج الأسطوريين هي :
* حجة الآيتين
* حجة بيان الرسول : إذ أنَّ بيان الرسول مقيدٌ وليس مفتوحاً ، وإذا أضيف إلى ذلك أنَّ ما يزعمونه من بيان للرسول يأتي دائما مخالفاً للقرآن ، أو دعوة لجور ، أو مناقضة للمعقول الحسي ، أو يهدم حقيقة التوحيد والعدل ، أو يهز صورة الرسول الكريم ، أو الأفاضل من الصحابة ، رافعاً صورة الطلقاء والمخادعين ، فالسنة حجة لا تناقض القرآن ، أمّا الأحاديث والأخبار فهي أساطير أهل الكتاب من جهة ، أو أكاذيب الطلقاء والمخادعين ومطبقي الجور من جهة أخرى ، فالحذر كل الحذر من ادعاء أن الرسول صلوات الله عليه هو قائل هذه الترهات ، والأساطير ، والمخترعات ، والأكاذيب فالرسول برئ منها براءة الذئب من دم يوسف .
(3) يأتي الأسطوريون بتسويغ ثالث لقبول هذه الخرافات ، وهي قولهم : إنَّ التشكك بقبول السنة إنما يؤدي إلى التشكك بالقرآن الكريم ، إذ نقلة الحديث هم نقلة القرآن الكريم ، والكلام هكذا هو تمويه متعمد ، ومن يموه هذا التمويه لا يخشى الله ، فالقرآن الكريم منقولٌ نقلاً حسياً ، والحديث محمول روايةً ، وشتان بين المنقول والمروي ، القرآن منقول نقلاً اعتمد الحواس ، أي تعلقت الحواس به رؤية ما تم تدوين القرآن عليه عيانا ولمساً لورق أو بلخفة أو عسفة أو رقاع كتب عليها القرآن وبإشراف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي زمن التنـزيل ، هذا بالنسبة لرسم كلماته وآياته ، أما صوتياته أي القراءة فقد تعلقت بالسماع المباشر من الرسول صلوات الله عليه ، منضبطة بضابط اللسان العربي ، فقد ورد في [11 ] إحدى عشرة آية ما يثبت عربية لغة القرآن ، والقراءة المقبولة ليحكم بأنـها قرآن هي القراءة المتواترة ، أما قراءة الآحاد والقراءة الشاذة فهي مرفوضة ، وليست قرآناً .
ألا يخاف هؤلاء الأسطوريون الله ؟ !! إنـهم هم الذين يريدون تمرير أساطيرهم بجعلها مقارنة للقرآن الكريم !! ألا يعلمون علما جليا واضحا أنَّ السنة والحديث والخبر والأثر أنـها كلها تَحَمُّلٌ بالذمة أي الرواية من قبل أفراد ؟ !! فهل يأتون لنا بآية أو سورة بالقول : حدثنا فلان أخبرنا فلان قال فلان عن فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل عليّ الوحي بقوله تعالى : {قل هو الله أحد} فإذا قالوا : لا وهم قائلون ! فلماذا يوهمون السواد بان نقل القرآن مثل رواية الحديث ؟! اللهم إلاَّ نشر الكذب وليس ذب الكذب عن رسول الله !!! .
علاوة على ذلك فقد قام المحدثون بعملية جرح وتعديل لرواة الحديث ، فأين هو جرح وتعديل نقلة القرآن الكريم ؟ وحكموا على بعض الأحاديث بأنـها موضوعة بسبب السند ، أو ضعيفة ، أو أنـها حسنة لغيرها ، أو حسنة لذاتـها ، فهل ينطبق فن مصطلح الحديث على القرآن الكريم ؟ وإذا لم يكن ذلك فلمصلحة من هذا التضليل ؟ القرآن هو القرآن ، والسنة هي السنة ، والحديث والخبر والأثر غيرهما .
(4) التسويغ الرابع هو : دعوى أن الأمر في ذاته أي قلب النظام الكوني مقدور لله تعالى ، إذ إنَّ الله تعالى هو القادر الذي لا يعجزه شيء ، والجواب على ذلك ، إنَّ المؤمن بالتوحيد والعدل يؤمن إيمانا لا يتطرق إليه ريب بان الله قادر لا يعجز ، وإنه قادر وذاته القادر ، أي ليس لزيادة معنى على الذات ، فقدرة الله لا تُحد أبدا ، لكن تجليات قدرة الله منـزهة عن العبث ، والقبيح ، والنقائص ، والجهالات ولهذا يرفض المؤمنون بالتوحيد والعدل الحلول والتجسيد ، لا لإثبات عجز الله ، بل لإثبات عظمة الله ، وهؤلاء الذين يقولون بالدجال وقبول صفاته كما وردت بالأحاديث ، بأي دليل يمنعون قول النصارى بالتجسيد ؟ وبأي دليل يثبتون صدق رسولنا محمد صلوات الله عليه ـ ما دامت المعجزة تعطى للصادق والكاذب معاً ؟ .
إنَّ قيام الله تعالى بفعل انقلاب في النظام الكوني لصالح الدجال ، والغاية هي استدراج المكلفين لاتباعه في فترة حرجة جداً ، وتسلط الدجال تسلطاً تاماً على مقدرات العيش ، بل والحياة في قتل واحد وبعثه ، مثل هذا لا يوجد له سند في القرآن الكريم أبداً ، وربما يحاول الأسطوريين الاستشهاد لاستدراجهم هذا بعجل السامري ، أو ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، فهذان الأمران من التعليم في زمان الرسالات ، وليس في زمان ما بعد ختم الرسالات ، على أنـهما لم يبلغا مبلغ التسلط التام على أمور العيش ، بل ولا الجزئي من العيش ، فالمفارقة واضحة بين عجل السامري وقضية الملكين ، إذ يفقدان القدرة للتسلط على الناس ، أمَّا الدجال فالله تعالى يعطيه إمكانيات غاية في القدرة والتسلط ، ولهذا فان قبول الأمر على هذه الصورة ، يعتبر من أشد أنواع التجديف بحق رب العالمين والمطلوب من زمرة المؤمنين بالدجال وهم يصدق عليهم قوله تعالى : ( الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) (الفتح: من الآية6) ، الإسراع إلى التوبة المفتوحة بإعادة بناء إيمانـهم على العقل مع تعظيم لذات الله بتنـزيهه عن فعل القبائح .
(5) يعلن الأسطوريين الفرح الشديد ـ عندما يقول لـهم قائل ـ : إنَّ معاني أحاديثكم بل ومبانيها ـ أحيانا كثيرة ـ موجودة في كتب أهل الكتاب ، فيقولون بلي لسان : هاهو الحق ينبلج ويتضح ! أليس اتحاد المبنى والمعنى في الكتب المنـزلة مع نص الحديث يعني أنـها من مشكاة واحدة ؟ ويضيفون اليس في القرآن الكريم مبنى ومعنى ما يتفق مع بعض من مباني ومعاني الكتب المنـزلة على اليهود والنصارى ؟ فهل نقوم برفض القرآن الكريم ؟ لاتفاقه في المبنى والمعنى مع كلمات من سفر التكوين مثل : الخلق في ستة أيام وغيرها ، والجواب على ذلك : هو سؤالهم السؤال التالي من يشهد ؟ ولمن يشهد ؟ هل نشهد لصحة القرآن الكريم بأنه أورد ما أوردته كتب أهل الكتاب ؟ الإجابة ستكون إنَّ القرآن الكريم هو الذي قدّم الشهادة لصالح تلك الجملة من سفر التكوين ، وليس الأمر عكس ذلك ، والقرآن الكريم ثابت بدليل العقل أنه كتاب الله وكلامه العربي اللغة مفردات وأسلوبا ، وهو المنـزل على النبي محمد ـ صلوات الله عليه ـ فشهادة القرآن شهادة صحيحة ، ولكن في قضية الحديث من يشهد ؟ ولمن يشهد ؟ فإذا قيل : إنَّ الحديث هو الذي شهد لصحة جمل أهل الكتاب ، والحديث شاهد لنفسه بأنه حق ، فيكون فرحهم في غير محله ، المشكلة أنـهم يشهدون للحديث بجمل من كتب أهل الكتاب ، وهي كتب محرفة بنص القرآن ، وكتب أحبارهم الكتاب بأيديهم ، وقالوا هذه من عند الله ، قال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (البقرة:79)
فهل هناك عاقل يقيم دليله على قول كاذب قاله أهل الكذب ؟ .
إنَّ كتب أهل الكتاب اعتراها التحريف بشهادة القرآن الكريم ، فكتب أهل الكتاب لا تصلح لتقديم شهادة لصالح الحديث ، وهكذا بقيت الأحاديث المزعومة في حالة عري من الشهادة لصالحها فمهلا لا تفرحون كالأطفال الصغار في أمر ضار لجمال مزيف فيه ! ومن جهة أخرى فان اتفاق المبنى بين الحديث وجمل أهل الكتاب موجود في المبنى ، مع أن الحديث موحى به معنى ، وليس مبنى وهذا هو القول السائد ، فكيف حدث الاتفاق في المبنى ؟ إلا بالقول باستعارة هذه المباني من أهل الكتاب ، وتزوير سند لها ، وإدعاء أنَّ رسول الله هو قائلها .
علاوة على ذلك فان اتفاق القرآن الكريم مع جمل أهل الكتاب ، إنما تم على صورة ، وخالف كتب أهل الكتاب في صورة أخرى ، فالأيام الستة في سفر التكوين هي أيام فلكية متعلقة بيوم الأرض أي 24 ساعة لكل يوم ، بينما هي في القرآن الكريم ليست يوماً أرضياً يقينا ، وهذا ما وضحه موريس بكاي الفرنسي في كتابه (العلم بين القرآن والكتب المقدسة) وحتى ما ورد في العهد القديم والجديد عن التكوين ، أو عن الأنبياء قبل إبراهيم ، وما ورد في كتبهم عن إبراهيم ، وإسماعيل وقصة سكناه هو وأمه في واد غير ذي زرع ، وقصة اسحق أو يعقوب ويوسف وقصة موسى من الولادة وحتى الوفاة وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى وغيرهم فكل ذلك ليس في حالة مطابقة مع القرآن الكريم .
{ملاحظة ليس من المؤكد أنَّ هذا هو اسم كتاب موريس بكاي ولكن المؤكد أن هذا موضوعه وقريب من هذا اسمه} هكذا تنهار حجتهم الخامسة انـهياراً تاما ً.
(6) حجتهم أن التشكيك بـهذه الأحاديث وهي قد ثبتت بالأسانيد ، وهذا يعنى ويوصل ذلك التشكيك فيها إلى هدم مصطلح الحديث القائم على السند ضمن فن مصطلح الحديث ، فكيف نصحح السنة ؟ والجواب على ذلك يأتي من قصة جدلية بين أبي علي الجبائي ت303 وبين التركاني وهذه هي القصة :
قال التركاني لأبي علي : يا أبا علي ! ما تقول : في حديث أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" ؟ .
فقال أبو علي : هو صحيح .
قال التركاني : فبهذا الإسناد جاء حديث : "إنَّ موسى لقي آدم في الجنة ، فقال يا آدم أنت أبو البشر ! خلقك الله بيده ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، ثم عصيته ، فأخرجت ذريتك من الجنة .
قال آدم : يا موسى ! أليست هذه المعصية مكتوبة عَليَّ قبل أن أخلق بألفي عام.
قال موسى : نعم
قال آدم : فكيف تلومني على فعل قد كُتِبَ عليَّ ؟ فحج آدم موسى …".
فقال أبو علي: هذا الحديث باطل !
فقال التركاني : حديثان بإسناد واحد صححت أحدهما ، وأبطلت الآخر!؟
فقال أبو علي: ليس التصحيح على الإسناد ، وإنما صححت الأول لوقوع الإجماع عليه ، وأبطلت الآخر لأن القرآن يدل على بطلانه ، ومثله إجماع المسلمين ، ودليل العقل ، وإنما أبو هريرة رجلٌ من المسلمين .
فقال التركاني : كيف ذلك ؟
فقال ابو علي : أليس في الحديث أن آدم معذور لان الأمر قد كُتبَ عليه ؟ .
قال التركاني : بلى !
قال أبو علي: أليس إن كان ذلك عذراً لآدم ! فيجب أنْ يكونَ عذراً لكل كافر وعاصٍ ! وكل من لامهم يكون محجوجاً ! .
فسكت التركاني !!!!!!!
كأني بأحدهم يقول أين سند هذه الحادثة ؟ والقول الفصل هب أنـها لا سند لها ، أليس من الممكن قبول الأحاديث على منهج غير منهج الإسناد ؟ ورفضه على منهج لا يتأسس على الإسناد أي على منهج العقل والقرآن والإجماع أي على منهج المتن .
لقد عمد الإسناد وابطل حديث حمّال بن ابيض المأربي ، وهو في عدم جواز إقطاع العد الذي يتقطع ، وأبطل الإسناد حديث من رأى منكم سلطانا جائراً ، وابطل الإسناد آيات النظر في السير والتفكر في آثار الأقوام الغابرة ، فلابّد من المرور منها ركضاً ! وأبطل الإسناد وحي كلمات الآذان على الرسول صلوات الله عليه ، وجعلها رؤية منام لغيره ، وأبطل الإسناد المعنى في قول الله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) (الأنعام: من الآية103) وجعله الإسناد يُدرك بالأبصار يوم القيامة ، وأبطل الإسناد معنى آية ( وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)(الكهف: من الآية51) فجعلوا الله تعالى متخذ المضلين عضداً بالآيات والمعجزات ، والتأييد الذي يعطيه للدجال ، هذه هي أفاعيل أسانيدهم في النص الثاني من نصوص الإسلام ، فالويل كل الويل لناشري الكذب على رسول الله ! .
(7) مناقشة مقولة الدكتور النحوي
يطلب الدكتور النحوي التسليم بالغيبيات ! يقصد المضمون الخبري ـ الذي لا يقع تحت الإدراك المباشر ـ أي يقصد أحاديث عذاب القبر ، وأحاديث علامات الساعة ، وأحاديث الفتن والملاحم وأمثال ذلك ، وهذا الكلام لعمري قاصمة الظهر !!! .
ما هو مطلوب الإيمان به مطلوب تصديقه جزماً ، لقيام الدليل المباشر على صدقه ، أو الدليل غير المباشر على صدقه ، وبدون ذلك تتداخل الحقائق مع الخرافات ، والأساطير ، والأوهام والانحرافات ، بل قد تصل بعض هذه إلى إدخال الناس في الكفر ، فالقضايا الإيمانية مهمة جداً في بناء العقل الإسلامي ، فهل يجب أن نقبل حديث سجود الشمس تحت العرش عند غروبـها ؟ مع أن الثابت الآن أنـها مشرقة دائماً على خط أو اكثر من خطوط الطول ، وهل يجب أنْ نثبت وجود حياة للميت في قبره ؟ مع أنه تراب وعظام كما هو العديد من نصوص القرآن ، قال الله تعالى : ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُون َ) (المؤمنون:35)
( قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) (المؤمنون:82)
( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) (الصافات:16)
( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ) (الصافات:53)
( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) (الواقعة:47)
وهل يجب أن نثبت مهدياً منتظراً ؟ يقيم العدل ويحثو المال ، أي يفعل أفعالا لم يستطع الرسول صلوات الله عليه عليها فعلها .
لابد من قانون لإثبات ما لا يقع الحس عليه مباشرة ، وهذا الإثبات هو إما الاستدلال العقلي كالاستدلال على أن الكون مخلوق ، وخالقه ذات واجبة الوجوب ، قادرة ، عالمة ، حية ، لا تفعل القبيح ، ولا تظهر المعجز على يد الكذابين ، فلا تفعل إلا لحكمة ، ولا يعتريها النقص والعجز ولا يجوز اثبات الجهالات له تعالى بدليل من خلال العقل الناظر في الكون .
ويثبت بعد ذلك عقلاً ، أنه أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً للبشرية ، لظهور إعجاز القرآن ، وهو ظهور دائم ثابت ، لا يتغير ! ويثبت بعد ذلك أنَّ كل ما جاء به القرآن حقٌ ، وأن متشابـهة يرد إلى محكمه ، لتثبت سنة المصطفى ، وأنـها لا تعارض العقل ، ولا تناقض القرآن الكريم ، وهكذا تتناسق حجج الله على خلقه وتتكامل ، ولا تتعارض ، هذا هو الطريق وإلا فالدعاوى ، والأوهام ، والأساطير ، والخرافات ، والأكاذيب ، والتحريف .
من هنا نقطة البدء ، وإلا فالاختلاف ، والتباين ، والتوهة ، والضياع ! وإلى حلقة أخرى في المهدي المنتظر .
--------------------------------------------------------
(5)
المهدي
ملاحظة مهمة : يرى مجموعة المؤمنين بعلامات الساعة أن المهدي هو تمهيد ، موقعه بين العلامات الصغرى والكبرى ، فالمهدي هو إشارة النهاية للعلامات الصغرى ، وإشارة البداية للعلامات الكبرى ، التي تعدد بأنـها عشر علامات ، فعليه كان المفروض الابتداء بالمهدي ، ولكن لان المهدي ـ كما يصفه أصحاب الإيمان به ـ موقف إيجابي ، والدجال موقف سالب ، كان لابد من البداية بالدجال ، الذي يظهر جلياً حقيقته الأسطورية ، وأن الإيمان به هو تجديف بحق رب العالمين الرحمن الرحيم الغني الحكيم .
كلمة أولية في المهدي
المهدي : اسم مفعول للهدى ، فتصريف كلمة الهدى هو : هَدَى، يهدي هادي ، مَهدُوي فجرى في اسم المفعول حذف الواو (إعلال بالحذف) وإبدال ضمة عين اسم المفعول بالكسر لتلائم آخر الكلمة فكانت (مَهْدِيٌ) ، هذا هو أصل كلمة مهدي حسب قواعد تصريف اللغة العربية .
اسم المفعول في اللغة العربية : هو اسم مصوغ للدلالة على من وقع عليه فعل الفاعل ، فالهدى واقع على المهدي من فعل فاعل ، فيه قد يكون الفاعل هو ذات الشخص ، أي اهتدى للحق فهو مهتد ، أو غيره هو الذي هداه ، ولان الاهتداء فعل يقع عليه الثواب ، فالأصل أن يفعل هو الهدى في نفسه ؛ وإلا كان الثواب الذي يحصل عليه المهتدي بلا مقابل ، وهكذا يكون مثل هذا المهدي أي الهداية بإدراك أنَّ الإنسان مكلف ، لأن الاهتداء تكليف .
كون هذا أو ذاك مهدي ـ كما هو وصف المهدي في النص والذاكرة ـ فلابد أن يلازم ذلك فعل هداية وإرشاد ودلالة وبيان للآخرين ، وعليه فان القرآن الكريم ذكر كلمة المهتدي على صيغة المفرد وذكر المهتدين في قوله تعالى : ( فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (الحديد: من الآية26) وقوله : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (البقرة:157)
إنَّ معنى المهتدي والمهتدين كما هي في القرآن الكريم هم السائرون على طريق الهداية ، وليست على أوصاف المهدي ذي الخصائص الخاصة ، وهي خصائص تفوق خصائص رسول الهدى محمد صلوات الله عليه ، فالمهدي الخاص : يقيم العدل ، ويحثو المال حثواً ، بعد البلاء الشديد من الظلم والجور .
كيف يفعل ذلك المهدي ؟ هل له على ذلك الفعل العظيم أعوانٌ ؟ هل أدوات قتاله هذه التكنولوجيا والصناعات الحربية المذهلة الآن ؟ هل الساحة الجغرافية التي يعمل فيها المهدي هي الكرة الأرضية ؟ هل دولة المهدي ذات مؤسسات وإدارات ودوائر ومجلس تشريعي ووزارات ودوائر قضاء وإفتاء وشرطة وجهاز مخابرات واستخبارات وجيش لجب مدرب له هيئة أركان ؟ .
أجوبة لهذه الأسئلة غير موجودة في أخبار المهدي ، رغم تعدد الأحاديث الواردة فيه ، ورغم تعدد الكتب التي تناولت موضوع المهدي ، أمام هذه الحقائق والتساؤلات التي لا جواب عليها ، يسأل الإنسان المسلم التقي ؛ الذي يخشى الله ؛ ويخاف شديد عذابه ، كيف يقيم إيمانا بالمهدي دون برهان مقنع وحجة واضحة وسلطان بين ؟ !!! .
هل يُكتفى بالقول ؟ بأنَّ أحاديث المهدي تواترت ، واستفاضت ، واشتهرت ، وهل الطعن بأحاديث المهدي كفر ؟ ومن المعلوم أنَّ إبن خلدون قد طعن بـها في مقدمته ، وطعن بـها أخيراً قاضي قطر السلفي ؛ المرحوم عبد الله محمود آل زيد ، فهل هذان كافران ؟ وإذا لم يترتب كفر على الطعن بأحاديث المهدي ، فهذا يعني أنـها غير ثابتة ، فهل يقام الإيمان على أساس غير ثابت ؟ .
المسيا المنتظر والمهدي المنتظر
قبل الدخول للكلام عن المسيا المنتظر في الفكر اليهودي ، وتأويله وتحريفه عند المسيحيين (النصارى) ، لابد أن يفهم المسلمون أن العقائد اليهودية والمسيحية توصف بأنـها (Dogmas) أي معتقد تسليمي ، لكن الإسلام يرفض بناء المعتقدات على (Dogmas) ، بل يطلب البرهان والحجة والسلطان ؛ لإقامة إيمانـهم أي لتحول المسلمين إلى مؤمنين ، أي (Believers) ، حتى في قضايا الغيب طلب الإيمان بـها ، أي بناء الإيمان بـها على أساس قبلها ، يستدل العقل عليه ، تلك هي السمة المميزة والعلامة الفارقة لإيمان المسلمين عن معتقدات اليهود والمسيحيين ، فلماذا يطلب أهل الحديث من المسلمين التحول عن منهج الإسلام الإيماني ، إلى منهج أهل الكتاب التسليمي ؟ .
إنَّ الفكر اليهودي الديني أي الحفنة القليلة من اليهود المتدينين ينتظر (المسيا المنتظر) ، والمسيا المنتظر في الواقع هو النبي الخاتم محمد ـ صلوات الله عليه ـ والآيات القرآنية واضحة في الدلالة على ذلك ، فالانتظار اليهودي من منظور قرآني هو انتظار لختم النبوات بالنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهاهي الآيات الدالة على ذلك :
(1) ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون َ) (البقرة:146)
(2) ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (الأنعام:20)
(3) ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (الأعراف:157)
(4) ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف:6)
المسيا المنتظر في مفهوم العهد القديم قبل تحريفه يقوم على أمرين هما : أولا : إنسانيته أي انه مولود بطريقة بشرية وليس ميلاداً إعجازيا ، ثانيا : انه صاحب فعل سياسي يحرر بني الإنسان من الاستعباد ، وأذ ظن أحبار اليهود أنـهم شعب الله المختار ! وليس الشعب الذي يقدم الرسالة لزوال الشقاء عن الإنسانية حرفوا صفات المسيا المنتظر إلى قضية يهودية خالصة ، تمثل خلاص إسرائيل خلاصا قدرياً ، ولا تمثل رسالة الله للإنسانية لإنقاذها من الهلاك والضياع ، وتحريف اليهود لأوامر الله ونواهيه وللوعد وليوم القيامة بل وصفات الله وكلام الله كل هذا وثقه القرآن الكريم في آياته وهاهي الآيات :
(1) ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:75)
(2) ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ) (النساء:46)
(3) ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (المائدة :14)
(4) ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (المائدة:44)
(5) ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) (المائدة:15،16)
هذه الآيات ذكرت في هذا البحث للتدليل على حقيقتين :
1. معرفة اليهود والنصارى التامة للرسول محمد صلوات الله عليه .
2. تحريف اليهود والنصارى الكلام عن موضعه ليتسنى لهم الإنكار لرسالة محمد صلوات الله عليه وهديه ، وهكذا يعلم من هو المراد بالمسيا المنتظر عند اليهود ، فالمهدي المنتظر كما هو في نصوص الحديث هو نقل تام وصفاً وفكرة ومهمة للمسيا المنتظر عند اليهود ، وإذ أخذه المسلمون جعلوا اسمه مطابقاً لاسم النبي محمد ـ صلوات الله عليه ـ وجعلوه من نسله ، وانه يأتي بعد ظهور الفساد وجهد البلاء فلماذا كل هذا التمحل ؟
* أيها الكتابيون اليهود والنصارى ! وأيها المسلمون ! الناقلون للفكر الكتابي ! المسيا المنتظر ظهر ، وهو المهدي المنتظر ، وهو محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ، وهو آخر أشراط الساعة ، وهذا ما تدل عليه واضحا آية 18 من سورة محمد قال تعالى : ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) (محمد:18)
* النبي محمد آخر أشراط الساعة وليس للساعة علامات ، أي الأمر الذي ينهى خلافة الإنسان في الأرض ، فقيام الساعة هي نـهاية الاستخلاف ، كما أن خلق آدم بداية الاستخلاف ، وبعد ذلك الحساب على إحسان أو إساءة الاستخلاف ، وما بين آدم ومحمد عليهما السلام أي بين البداية والنهاية نقاط هي أشراط الساعة ، وَبَعْدَ آخر شرط لها وهو محمد ، فهي أي الساعة ستحدث بغتة ، طال الزمن بمقياس الإنسان أم قصر .
تحوير المسيا في الفكر الإسلامي
هناك تطابق تام بين المسيا المنتظر عند اليهود والمهدي المنتظر عند المسلمين ، إلا ما حدث من تحريفات عند اليهود لإنكار الرسول صلوات الله عليه ، وجعله ذا طبيعة مختصة ببني إسرائيل ، فان العجب أنْ يقبل المسلمون هذه الفكرة ، وبدل التدليل عليها بأن المقصود بـهـا هو نبي الهدى محمد ـ صلوات الله عليه ـ فانـهم استعاروها في ظروف تحول الحكم إلى ملك عضوص ، او تسلط بالجبروت ، أو إلى ملك جبري ، فبديلاً عن الوقوف بوجه الملك العضوص ، والتسلط بالجبروت ، والحكم الجبري ، جعلوا الخلاص من ذلك ليس باتباع هدي محمد : من حجج وأدلة ونـهج وشريعة ، وتعاون على البر ، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمام فشل المحاولات لإعادة الرشد ، وشدة القتل فيمن سعى لإعادته ، وجدوا في المهدي المنتظر طريقاً للخلاص يأتي لوحده ، وحدث أن توافق في الأمر الشيعة الإمامية منذ جعفر معتمداً على سكون محمد الباقر وجده زين العابدين لينظر لهذه النظرية القاتلة ، ويجعلها جزءاً من الدين ، ووجد فيها ائمة الجور أنـها تخدم وتنشر حالة من القعود والانتظار عند الأتقياء ، وبذلك يتقون خطر الثورات التي كانت مستمرة من قبل أهل التوحيد والعدل ( المعتزلة ) ، يرأسهم أبرار أهل البيت وثوارهم ، لا قعدتـهم ويبعدون الناس أيضا عن نصرة الخوارج بفكرة مروقهم من الدين من جهة ، وفكرة انتظار المهدي من جهة أخرى ، وهكذا تتضح الدلالات المميتة لحيوية الأمة بسبب نشر فكرة المهدي .
----------------------------------------
المهدي بين الشيعة وأهل السنة
كلمة أهل السنة لا تعني بأية حال الوصف لهم بأنـهم أهل سنة الرسول حقاً ، بل هو مجرد الاسم الذي اشتهر به النمط المسمى أهل السنة لا غير ، وكلمة الشيعة تعني الشيعة الإمامية الاثني عشرية دون غيرهم .
في أحدث مقال حول الدجال نشرته مجلة المنهاج ، تدعي أنـها مجلة إسلامية جامعة مسؤول التحرير فيها عبد الله سفيان ، وتصدر في لندن ، جاء في مقال الشيخ (أبو قتادة الفلسطيني) قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني ما يلي :
"من الثابت عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بوجود رجل من أهل بيته ، سيخرج في آخر الزمان ، وهو من علامات القيامة الكبرى ، لقبه المهدي وعلى يديه سينتصر أهل الإسلام على خصومهم من يهود ونصارى وغيرهم ، وهو رجل سيملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت ظلما وجوراً ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود علم آخر من أعلام الساعة ، ألا وهو المسيح الدجال ، فحديثنا هنا عن المسيح الدجال ، وأن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصف الدجال هو عين حقيقة الرجل الذي ينتظره الشيعة الروافض ، ويسمونه المهدي وهو كذلك نفس الرجل الذي ينتظره اليهود ، ويعتقدون فيه الخلاص ، والذي سيرفع أمرهم " وأبو فتادة هنا لا يلاحظ رفعة اليهود الآن بتأييد الغرب وخاصة الولايات المتحدة .
ويستنتج الشيخ أبو قتادة الفلسطيني ما يلي قائلاً : " فنحن أمام حقيقتين تختلط فيهما الأسماء هما
الحقيقة الاولى : المهدي عند أهل السنة والجماعة وليس هو عيسى بن مريم عليه السلام الذي سينزل في آخر الزمان في زمن المهدي أثناء قتاله مع الدجال .
الحقيقة الثانية: المهدي عند الشيعة الروافض ، والمسيح الدجال عند أهل السنة ، وملك اليهود المنتظر وأن أوصاف هؤلاء الثلاثة تنطبق على شخص واحد فهي ثلاثة أسماء لشخص واحد .
وهكذا يطب الشيخ أبو قتادة الفلسطيني على وجهه ، ويظهر واضحاً قلة عقله ، وعدم فهمه أليس الدجال في نظره هو الرجل الذي عثر عليه تميم الداري في جزيرته ؟ ولم يكن مهدي الشيعة موجودا ، بل ولم يكن أجداد مهدي الشيعة الثمانية موجودين ، ويظهر من كلام أبي قتادة الفلسطيني قلة فهم أخرى ، فمهدي أبي قتادة الفلسطيني سَيُعِينَهُ عيسى بن مريم في عودته الثانية والعودة الثانية للمسيح جزء أساسي من فكر النصرانية ، فهل عاد لنظرية أستاذه محمود عبد الرؤوف القاسم ، وهي انقسام أهل الأرض إلى فريقين : فريق المهديين المؤلف من أهل السنة والجماعة والدول النصرانية الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا ـ دار هجرة أبي قتادة الفلسطيني ويرأس هذا الفريق المهدي والمسيح عليه السلام ، وفريق الضالين يرأسهم الدجال والفريق مؤلف من اليهود ، والشيعة ، والشيوعية ، وحزب التحرير ، وطبيعي انه يمكن أنْ يضيف الصوفية ، والمعتزلة والزيدية ، والإباضية ، ولا يدري القارئ أين يضع الهندوس والبوذيين ؟ على الغالب انه سيضعهم مع فريقه ، فمرحى ! مرحى ! مرحى ! يا أبا قتادة الفلسطيني ! إذا لم يكن هذا هو الجنون ! فما هو الجنون ! بديلاً عن العودة للرشد يا أبا قتادة ! ها أنت تعيد إنتاج هذه الأساطير على شكل اكثر خرافة ! يجب أن يلاحظ القارئ أنَّ هذا الموضوع كتب عام 1998 م وقد حدث بعد هذا متغيرات أهمها قتال المعسكر الأمريكي الغربي النصراني مع حكام أهل السنة والجماعة وتأييد من قبل دولة الآيات لطالبان وتنظيم القاعدة فهل بقي أبو قتادة على رأيه آمل أنْ يكون قد غير رأيه وعلم أنَّ المعركة بين الكفر والإيمان هي معركة إرادات وليست معركة علامات .
من هو المهدي عند الشيعة ؟ يمكن أن يكون آخر كتاب كتب في هذا الموضوع هو بحث حول المهدي لـمحمد باقر الصدر ، حاول فيه الإجابة عن الأسئلة التالية بعد أن أكد موضوع المهدي في بحثين صغيرين غير مقنعين والأسئلة التي افترضها محمد باقر الصدر هي :
1. كيف تأتي للمهدي هذا العمر الطويل ؟
2. لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره ؟
3. كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر ؟
4. كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد ؟
5. لماذا لم يظهر القائد إذن ؟
6. وهل للفرد كل هذا الدور ؟
7. ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود ؟
مع أن محمد باقر الصدر كما هو معروف علامة ، إلا أن إجاباته لم تكن مقنعة ، بل هي مبينة على تخيلات وأوهام وتمحلات ومقالات لا يسندها أي دليل .
* تلخص جواب محمد باقر الصدر عن السؤال الأول بأن صَدَّرَ البحثَ بسؤال هو : { هل بالإمكان أنْ يعيش الإنسان قرونا كثيرة ؟ } وقد أجاب على هذا السؤال بوضعه إمكانات ثلاثة هي : الإمكان العملي ، والإمكان العلمي ، والإمكان المنطقي ، شارحا هذه الإمكانات ، وهو يثبت بطريقة فيها لفلفة والتواء بأن الأمر ممكن منطقيا وعلميا ، ولكنه لا يزال غير ممكن عمليا مضيفا إلى أنَّ العلم متجه وسائر في تحقيق الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجا ، وهو يقصد طبعا ارتفاع نسبة مجمل أعمار الناس بسبب الوعي الطبي ، ومثل هذا الكلام لفلفة ، إذ البحث ليس بحثا بالممكنات العلمية ، بل هو بحث بمهدي منتظر لصلاح العالم ، طالت غيبته مع شدة حاجة الناس إلية ، وهذا مقتضى قول الشيعة الإمامية ، ومن المعلوم أنَّ الزيدية ترفض رفضا باتا مقالات الإمامية في الإمام المعصوم أصلا والحصر في أثني عشر ، مع أنـهم معدودون من القائلين بالنص على إمامة واحد من آل البيت ، والمهدي عند الزيدية مع التسليم به متأخرا ، ليس معلوما على التعيين في شخص محدد ، أما الإسماعلية وهي شيعة مغالية ، فهي ترفض منتظرا ، وعقيدة الإسماعيلية وجود إمام دائما ، فكيف أمام هذا الخلاف داخل فرق التشيع ، يمكن حل هذه المسألة ؟ سؤال لم يعتن محمد باقر الصدر بالإجابة عليه ، إذ وجه همه لتسويغ نظرية الإمامية متعمدا إهمال الآخر .
أمَّا قياسه أمر المهدي على نبي قبله هو نوح عليه السلام ، أو على فتية أهل الكهف ، أو غير ذلك ، فالأمر خطأ واضح ، فنوح بقي موجودا داعيا قومه مكثرا من جدالهم ، محاولا هدايتهم ، وقد عاش بين قومه ، ولم يغب غيبة صغرى أو كبرى ، وعلى الغالب أنَّ نفس قوم نوح طال عمرهم أيضا ، فلو تعاقبت أجيال على نوح لما صح أن يقول : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً * قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً * وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً )(نوح:5- 28)
القراءة الواعية لسورة نوح ؛ تظهر واضحا الفرق بين نوح وقد طال عمره ، خلافا للممكن العملي دون غيبة ، مستمرا في حالة ظهور بين قومه ، مكثرا من مجادلتهم ، يعيش عيشا حقيقيا مشهودا ، يصنع الفلك أي سفينة النجاة أمام الملأ من قومه قال تعالى : ( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) (هود:37، 38)
فلا مجال للمقارنة بين العمر المديد لنوح المشهود من قبل الناس وبين العمر المديد للمنتظر وهو عمر غير مشهود بل هو دعوى هذه هي اللفلفة الأولى للشيخ محمد باقر الصدر ، لذلك استند الشيخ محمد باقر الصدر وقد أدرك الفرق بين العمرين المديدين إلى المعجزة للتدليل على إمكان هذا العمر المديد . والمعجزة هي موضوع مشاهد وليس مجرد دعوى .
إنَّ فتية أهل الكهف هم آية ؛ وليسوا أئمة هدى ، والملاحظ أنَّ السيد محمد باقر الصدر غاب عن ذهنه المخاطر التي حفت حياة أئمته أل [11] فلم تحدث لهم غيبة كبرى ولا صغرى ، ولم يخطر بباله حين القياس سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كل هم السيد محمد باقر الصدر كان مجرد وجود ما يتكئ عليه لتسويغ الإيمان بالمهدي .
إنَّ الذي يقرأ مهدي أهل السنة ، أو مهدي أهل الشيعة ، يجدْه يحوز مؤهلات ومؤيداً بتأييدات اعظم من مؤهلات ومؤيدات نبينا محمد ـ صلوات الله عليه ـ ويقوم بأمور عظيمة ، عجز عنها النبي محمد صلوات الله عليه ، موضوع المهدي يخرج عن باب الألطاف ، ويخرج عن باب التأييد ، إلى باب التعظيم والتقديس ؛ الذي لا يجوز إلاَّ لله تعالى فهو في مثل الأوصاف التي يدعونـها له فهو حل به الله أو هو إقنوم الله تعالى الله عن ذلك ، وهم في مثل هذا القول عدلوا عن باب التكليف إلى باب الملاك المرسل ، ومثل هذه الصور للمهدي لا بد من عدم قبولها وإعلان الحرب عليها بلا هوادة فهي غير لائقة لمن يدعي التوحيد والعدل كأساسين عقليين للإسلام .
وإعظاما للنبي الخاتم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا يصح الإيمان بدون الشهادة له ، بل ولا الصلاة بدون الشهادة له ، وهو ركيزة الإيمان الثانية ، بعد اشهد أن لا اله إلا الله ، لبقاء الشهادة حق ، فالواجب تكذيب جميع الأخبار المتعلقة بالمهدي ، استنادا إلى الشرع والعقل ، فلا مهديَّ ـ انتظرته البشرية ـ إلا محمدٌ ـ صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ـ به كمل الدين ووضحت الحجة ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الذين ساروا على نـهجه بلا تغيير ، وارض اللهم عن كل سائر على درب محمد لا ينتظر غيره .
تعقيب
قال أحد أفراد الشيعة ألإمامية : ليس هذا رداً على السيد محمد باقر الصدر ، ويحتار المرء ! كيف لا يكون هذا رداً وهو رد مسكت لمن يطلب الحق ، بل الأصل ليس الرد ، بل بناء الدليل على مقالات الشيعة وهي ما يلي :
1. النص أي وجود أئمة منصوص عليهم ، وهذا ما لا سبيل له ، إذ الزيدية وهم من الشيعة ، بل هي أهم فرق الشيعة ، أوائلها هم أبرار آل محمد ، وهم حملة السيف في وجه الظالمين ، عند قعود القاعدين ، ويستذكر المؤمن : زيد بن علي قتل سنة 122هـ : يحيى بن زيد قتل سنة 125هـ ، محمد النفس الزكية قتل في المعركة سنة 145هـ ، إبراهيم بن عبد الله قتل في المعركة سنة 145هـ ، الحسين بن على بن الحسن مات في معركة فخ سنة 169هـ ، يحيى بن عبد الله مات في حبسه وقيل مات بالجوع والعطش سنة 180هـ وكثير غيرهم لا يتسع لهم المقام . يفهم من ذلك أنَّ النـزاع بين أهل البيت حول النص معلوم علما واضحا .
2. العصمة : فرق الشيعة مختلفة أيضا في هذا الأمر فلماذا اختلفت ؟ دعوى أنَّ قول ألإمامية هو الحق ؛ مجرد دعوى ، أين الدليل عليها ؟ .
3. الغيبة الكبرى والرجعة : لقد طال زمن غيبته ـ ومهما قيل ، فتبريرها أو تسويغها مجرد دعوى ، فهل يمكن للشيعة الإمامية أنْ تقدم غير الدعاوى ؟ .
والدعاوى إنْ لم تقيموا عليها بـينات أبنـاؤها أدعـياء
والحمد لله وحده
------------------------------------------------------------------
(6)
نزول عيسى بن مريم
مجموعة ملاحظات
* هذه القراءة في علامات الساعة الكبرى ؛ ليست قراءة خالية من الهدف ، وإنما هي لهدم وهم عشعش في عقول المسلمين ؛ منذ بداية تدوين علم الحديث في نـهاية القرن الثاني الهجري ، رغم أن الأدلة الواضحة تدل على تسرب هذه العلامات من خلال الفكر اليهودي على الغالب ، ومن الفكر النصراني في قضية نزول عيسى بن مريم وقضية الدّجال .
* المجيء الثاني للنبي عبد الله ورسوله عيسى بن مريم ، هي محاولة من رجال الفكر النصراني أثناء عملية تحريفية ؛ لإقناع اليهود بان عيسى بن مريم هو المسيا المنتظر ؛ الذي ينتظره اليهود ، معتمدين على أنَّ كلمة مسيا والكلمة بالعبرية هي [ هامشيح ] مشابـهة لكلمة المسيح .
* الأسطوريون الذين لم يتورعوا عن الكذب ، هم الذين اضافوا هذه الخرافات إلى الفكر الإسلامي عبر مؤسسة علم الحديث .
* القرآن الكريم لم يشر تصريحاً او تلميحاً لنـزول عيسى بن مريم .
هذه بعض الآيات التي يحاولون التلبيس منها بأنـها في موضوع نزول المسيح :
(1) الآية الأولى الزخرف 61
( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (الزخرف:61)
لا بد من اعتماد ذكر الآيات من 57-66 من سورة الزخرف ؛ ليعرف القارئ معنى هذه الآية من سياقها في الآيات وهذه هي الآيات : (( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )) .
من الضروري أنْ يعرف القارئ الكريم أنَّ هذه الآيات لا علاقة لها من قريب او من بعيد بنـزول عيسى بن مريم المزعوم ، لكنَّ المفسرين وهم كلهَّم عاشوا في القرن الثالث الهجري وفيما بعد ـ وقد تأثروا بأحاديث نزول عيسى بن مريم ـ فقالوا بالنـزول ، ولكنْ عند العودة للتفسير في القرن الاول يجدْ القارئ ، أنَّ المفسرين فسروا الأمر بخروجه ـ أي وجوده الأول ، وليس نزوله ، فخروجه حقيقة ، ونزوله احتمال ، ومثل هذا المعنى منقول عن ابن عباس ، والبعض قال : بأنَّ وجود عيسى آيةٌ للساعة ، وبعضهم قال : إنَّ الهاء عائدة على القرآن ، وواحدة من القراءات غير المتواترة ، إنَّ عيسى ذكر للساعة .
والقول الحق في ذلك ، إنَّ الضمير من حيث التركيب يعود على عيسى ابن مريم ، فيكون عيسى بن مريم ـ أي وجود عيسى ابن مريم ـ في ميلاده ، وكلامه في المهد ، ونبوته ، ونجاته من الصلب ، هو ذاته عِلْمٌ للساعة أو عَلَمٌ لها ، وإعادة الضمير إلى محذوف (النـزول) أمر مخالف للوضع الصحيح في اللغة العربية ، فالضمير يعود إلى مذكور وهو ابن مريم المذكور في الآية 57 من الزخرف ، ثم انـهي القرآن الأمر بأن الساعة بغتة قال تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (الزخرف:66) فالآية 61 هي في موضوع عيسى في ميلاده وكلامه في المهد ونبوته كهلا ، وليست في موضوع نزوله ، والآية 66تلغي أي فهم لها بإثبات النـزول .
(2) آية آل عمران وهي قوله تعالى : ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ )(آل عمران:46)
السائد بين الناس ـ حول معنى هذه الآية ، أنَّ المراد بكلامه للناس كهلاً ، هو كلامه بعد نزوله والذاكرة الجماعية لسواد الناس ترى أن معنى [ كهلاً ] هو بمعنى الشيخ الكبير في العمر ، مع أنَّ الكهلَ في لسان العرب هو من تجاوز الثلاثين سنة إلى خمسين سنة ، وعيسى ابن مريم كلمهم في المهد ببراءة أمه وفي الكهولة في رسالته ، التي انتهت بالمؤامرة المعلومة من اليهود عليه ، ثم نجاته منها ، والتفاسير تقول ذلك ، وإن كان واحد من آراء المفسرين هو أن كلامه لهم كهلاً هو في المجيء الثاني ، وهنا في الحقيقة يقفزون عن رسالته من جهة ، وعن كلمة الناس التي فيها [أل] التعريف للعهد ، فالذين كلمهم في المهد هم الذين يكلمهم في الكهولة ، على أن الآية جاءت في سياق بشرى الـمَلك لمريم بأنـها تحمل بالمسيح أي قبل كلامه في المهد ، وقبل نبوته ، فالآية إخبار لمريم عليها السلام ، وقراءة الآيات من آية 42-63 توضح الصورة وضوحاً تاماً ، مع أنَّ الآية لا علاقة لها بالنـزول مطلقاً ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ أما الآيات من سورة مريم فهي تطبيق للآية 46 من آل عمران ، وهذه الآيات هي :
(( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ )) (مريم:27، 34)
(3 ) آيات تثبت وفاته عليه السلام من آل عمران والنساء وهي :
( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)
( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * )بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )(النساء:157، 158)
لقد جاءت الشبهة لهم من قضيتين هما :
1) نفي القتل والصلب عن عيسى ولهذا يثبتون بقاء حياته إلى الآن .
2) إثبات رفعه .
والجواب على نفي القتل والصلب ؛ فانه لا ينفي الموت بغير القتل الصلب ، وإذا أضيف أنَّ الآية 55 آل عمران تثبت وفاته ، وأنَّ آية المائدة تثبت وفاته أيضا ـ أي انه مات بالوفاة ـ وهي قوله تعالى : ( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (المائدة:117) فتسقط هذه الدعوى .
أمّا رفعه : فهو كما ورد في القرآن ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) هو بعد الوفاة ، والوفاة في الفعل المزيد [فلما توفيتني] وفي اسم المفعول من الفعل المزيد [متوفيك] تدل على الوفاة ، أي الموت بالوفاة ، ما لم تأت قرينة تمنع هذا الاستعمال ، مثل قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (الأنعام:60) ولاحظ أيها القارئ الكريم هذه الآيات التي فيها [يَتَوَفَّاكُمْ] وتبين الفرق في المعنى بين [يتوفاكم] في الآيات التالية :
( وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(يونس: من الآية104)
( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ )(النحل: من الآية70)
( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (السجدة:11)
وبين [يتوفاكم] في هذه الآية :
( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) (الأنعام: من الآية60)
لولا شبه الجملة وهي عبارة ( بِاللَّيْلِ ) في هذه الآية لـحُمِلَ الكلام على وفاة الموت ، فوفاة عيسى ـ أي وفاة الموت ـ من الوضوح ؛ بحيث من الضلال إنكارها ، وقد قال ابن حزم في كتابه ( الفِصَلُ في الأهواء والملل والنحل ) بموت عيسى ابن مريم بالوفاة ، وقال ببعثه إلى الحياة من بعد موته بالوفاة في العودة الثانية وهو هنا يعتمد الأحاديث كما هو منهجه ، ولم يعتمد الآيات .
(4) آية من النساء وهي :
( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (النساء:159)
لابد من معرفة الضمير (الهاء) ؛ المضافة إلى موت ، فهل هي تعود إلى عيسى بن مريم ؟ أم تعود إلى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ) ؟ (النساء: من الآية159) هناك من أعاد الضمير إلى عيسى ابن مريم ، وهناك من أعاد الضمير إلى ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ) أهل الكتاب بالنسبة لعيسى عليه السلام فريقان : الأول ينكر نبوة عيسى ؛ ويراه ساحراً ؛ وأنَّهُ ابنُ فاحشة ، وأنَّهُ دجال ، ومن على ذلك من اهل الكتاب فهم اليهود . والنصارى من أهل الكتاب يرونه ابن الله ، أي القنوم الثاني في التثليث المسيحي ، والرأيان باطلان ، فالآية تخبرهم ، أنَّ كلَّ واحد من أهل الكتاب تنبلج له الحقيقة حين غرغرة الموت ، فيؤمن بحقيقة عيسى بن مريم ، وليس بالأضاليل والأكاذيب فكل واحد من أهل الكتاب يؤمن بحقيقة عيسى عند موته ، وهذا الإيمان لا ينفعه ، ولهذا يوم القيامة يكون شهيداً عليهم وليس شهيداً لهم . المأمول التفريق بين شهد على وشهد إلى .
ألا يستغرب الإنسان المؤمن تمحلات بعض المفسرين ، حين يَدَّعُون أن الضمير عائد إلى عيسى ولا يقرأون أنَّه شهيد عليهم ، وليس شهيداً لهم ، ويقرأون في القرآن الكريم ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ) أي بمعنى كل واحد من أهل الكتاب ، فيحولونـها بالباطل إلى بعض اهل الكتاب ، الذين يشهدون مجيء عيسى الثاني على زعمهم ، ولا يعلم المؤمن الكيفية التي سيبرهن ويدلل عيسى بـها على نفسه أنه النبي ، فيترك اليهود مقولتهم الشائنة ، ويترك النصارى مقولتهم الضالة ، أببرهان المعجزة ؟ وهل يكون برهان المعجزة للمتأخرين دون المتقدمين ، فما ذنب هؤلاء المتقدمين ؟ وثانياً هل حجة الله واحدة ، فالنصارى في زمن الدعوة الاسلامية وحتى اليوم هل هم محجوجون بحجة إعجاز القرآن ؟ أم غير محجوجين ، وهل الذين في زمن المجيء الثاني المزعوم اختصهم الله بحجج باهرة دون السابقين ؟ إذ لهم حجة المؤيدات والخوارق والغرائب المذهلة ، أمور لا يقبلها عقل ، ولا يقوم لها حجة قرآن ، ولا تقبل الترتيب الذهني .
إنَّ عيسى بن مريم قد توفاه الله ، وجعل الله له شبيها ؛ فصلبوا الشبيه ، ورفع الله جثة المسيح ؛ ليتم التشبيه ، ويحفظ الله المسيح ـ وهو آية ـ من القتل والصلب ، فظهوره آية وغيابه آية .
فقه المنطوق لآيات القرآن ، أو فقه الإشارة ، أو فقه الاقتضاء ، أو فقه الالتزام ، أو مفهوم المخالفة ، كلها لا تؤدي إلى غير هذا المعنى ، مع أن دلالة المنطوق هي التي يؤخذ بـها بالإيمانيات .
سبب التحريف لمعاني الآيات
تكمن المشكلة في استعارة ـ مفاهيم متعلقة بالإيمانيات ؛ ذات الأحداث المستقبلية ـ من الفكر اليهودي والنصراني ، لان الفكر اليهودي والنصراني الذي حاوره القرآن ـ باسم أهل الكتاب ، أو اليهود أو النصارى فقد تمترس اليهود بأنـهم شعب الله المختار ، والمنتظر منهم نسباً ، ويجيء لمصلحتهم وتمترس النصارى سابقاً ـ أمام تمترس اليهود ـ بأن المسيح ليس على الوصف الذي عندهم بالتوراة أي الذي يقيم لهم الكيان السياسي ، بأنه في عودته الثانية سيقيم لهم وللأمم كلها مملكة الله ، أي مملكة السلام ، والسبب أن أوائل المسيحيين او النصارى هم من اليهود .
لقد تمترس اليهود والمسيحيون ـ أثناء رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ـ بأنه ليس النبي الموعود ، أو إنَّه نبي الأميين ، أي نبي خاص لقومه ، والبعض وصفه بالاقتباس للدعوة للصلاح ، وشديدو العداوة وصفوه بأنه الدجال وهذا ما يلمسه القارئ في تاريخ الفكر المسيحي الأوربي ، وكانت دعواهم دائما في محل الدحض ، ولم يسجل في القرن الاول او حتى القرن الثاني مجادلة حول المخلص ، أي المجيء الثاني للمسيح ، أو حول المسيا المنتظر ، أو حول الدجال ، ففي مكتبتي كتاب مهم جداً لقسيس نصراني اسمه عمار البصري ، عاش في بداية القرن الثالث الهجري ، والكتاب بعنوان البرهان وكتاب المسائل والأجوبة بلغت المسائل لوحدها (102) مسألة ، ولو كان ما يقوله من سموا أنفسهم أهل السنة والجماعة ، من أن قتل الدجال ، وصلاح الأحوال ، وهزيمة قوم يأجوج ومأجوج ، إنما هي على يد عيسى ، لقال النصارى : لقد جئتم أيها المسلمون بالدليل لنا لا علينا ، فلماذا اختص الله عيسى بهذه الأعمال ؟ لو لم تكن له ميزة على الأنبياء كلهم ، وعلى نبيكم . وكل من جادل النصارى في موضوع أنه القنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة للذات الواحدة ، يعلم أنـهم يستشهدون بالقرآن في خصائص معجزاته ، وهي إحياء الموتى ، وإشفاء الأكمة والأبرص ، والخلق من الطين كهيئة الطير ، إذ هذه المعجزات في رأيهم هي قدرات لله تعالى ، ومن هنا يعلم الناس أنه حتى بداية القرن الثالث الهجري ، لم تكن هذه الأحاديث متمكنة في نفوس وعقول المسلمين .
من هذه الدراسة يعلم الناس أن المسيا المنتظر الموصوف ـ عند اليهود ـ هو مصدر المهدي المنتظر عند المسلمين ، مع أنه كان يجب ان يتحلى المسلمون بالحصافة ، فيعلمون أن المسيا المنتظر عند اليهود هو الوصف والتبشير برسول الهدى محمد صلوات الله عليه ، وإلاَّ كيف يؤكد القرآن أنـهم يعرفونه . أنظر الآيات الواردة في موضوع معرفتهم للنبي محمد عليه السلام في البحث الخامس بعنوان المهدي .
إنَّ إدعاء المجيء الثاني للمسيح هي تحويرات مسيحية ؛ لتوافق ما عند اليهود من وصف وتبشير بالمسيا المنتظر ، وهكذا أخذ المسلمون المسيا المنتظر باسم المهدي المنتظر ، والمجيء الثاني لعيسى باسم معاونة المهدي المنتظر ، وهما معاً يحاربان الدجال ، الذي خصه الله بالعجائب ، فالدجال إذن هو تحريف لإلغاء فكرة النبي الخاتم المؤيد ؛ ظانين قياساً على معجزات عيسى ، أنَّ النبي الخاتم سيكون على خصائص مثل خصائص عيسى ، أي سيطرة كونية ، وإذ معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة عقلية ، وليست كونية ، انكشف التحريف ، ومع الأسف الشديد قام المسلمون بأخذ التحريف ، فهم يؤمنون بعقيدة هي دوغما (Dogma) في كل المعايير ، وهي عقيدة نزول عيسى ، فعيسى إذن في الواقع ومجيئه الثاني بديل عن النبي الخاتم ، وأي ضلال أكبر من هذا !!!.
الآيات كما تبين لا علاقة لها بالمجيء الثاني لعيسى ، والأحاديث مستعارة من الفكر النصراني بعد عملية تحوير فليعلم المسلمون ذلك .
* تحوير المفسرين للفعل توفيتني ولاسم الفاعل متوفيك
* الأصل الثلاثي للفعل [توفيتني] ولأسم الفاعل [متوفي] الفعل الماضي الثلاثي هو [وفى] وقد يكون المصدر مسموعا ويجوز أنْ يكون غير مسموع قال الهذلي :
إذ قـدموا مائـة واستأخرت مائة وفياً ، وزادوا على كلتيهما عددا
إنَّ أبا علي [ المقصود هو أبو علي الفارسي ] قد حكى أنَّ للشاعر أنْ يأتي لكل فَعَلَ بفَعْل وإنْ لم يسمع فمن قال وفى فإنه يقول تمْ فالأصل الثلاثي متعلق بالتمام فيغتنم المفسرون هذا المعنى فيطبقوه اعتباطا على الفعل المزيد عند صيغة تَـوَفَّى من الملاحظ أنّ الفعل الثلاثي الـمجرد أو المصدر الثلاثي لم يردا في القرآن الكريم وإنما ورد ما يلي :
(1) الفعل المزيد بتضعيف عين الفعل ماضياً ومضرعاً وزن الماضي فَـعَّـلَ
( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) (النجم:37) فعل مضعف العين والمعنى تـمَّم .
( وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ )(النور: من الآية39) نفس الفعل قبله وبمعناه مع التبكيت .
( نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا )(هود: من الآية15) . الآية وعيد لمن جعل الدنيا مبتغاه .
( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ )(فاطر: من الآية30) . الآية وعد بالثواب يوم القيامة
(وَإِنَّ كُلّاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) (هود:111) الآية وعد ووعيد .
( فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (آل عمران: من الآية57) . الآية وعد .
( فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ )(النساء: من الآية173) الآية وعد بالثواب .
( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ) (النور: من الآية25) الآية وعيد .
( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ) (فاطر: من الآية30) الآية وعد .
( وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )(الأحقاف: من الآية19) الآية وعيد .
معنى هذه الأفعال تمام الثواب أو تمام العقاب ورد الفعل قي سياقه في الآية على صيغة الوعد والوعيد والله صادق في وعده وصادق في وعيده غير مخلف فيهما .
(2) الفعل وُفِّيَتْ وهو فعل مبني للمجهول
( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ )(آل عمران: من الآية25)
( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت )(الزمر: من الآية70)
(3) الفعل تُوَفَّى وهو فعل مضارع مبني للمجهول
( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )(البقرة: من الآية281)
( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )(آل عمران: من الآية161)
( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )(النحل: من الآية111)
(4) الفعل توفون
( وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(آل عمران: من الآية185)
(5)الفعل يوف
( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ )(البقرة: من الآية272)
( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ )(الأنفال: من الآية60)
(6) الفعل يوفى
( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(الزمر: من الآية10)
(7) الفعل أوفى
( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) (آل عمران:76)
( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ )(التوبة: من الآية111)
( وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(الفتح: من الآية10)
(8) الفعل المضارع أوفي أي وزن أفعل
( أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ )(البقرة: من الآية40)
( أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ )(يوسف: من الآية59)
(9) الفعل المضارع يوفون على وزن يفعلون
( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )(الحج: من الآية29)
( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) (الرعد:20)
( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (الإنسان: 7)
(10) فعل الأمر أوفِ والوزن دون الحذف افعل مع إسناده لواو الجماعة
( فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ )(يوسف: من الآية88)
( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ )(البقرة: من الآية40)
( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(المائدة: من الآية1)
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ )(الأنعام: من الآية152)
( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا )(الأنعام: من الآية152)
( فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَان )(الأعراف: من الآية85)
( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ )(هود: من الآية85)
( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ )(النحل: من الآية91)
( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )(الإسراء: من الآية34)
( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ )(الاسراء: من الآية35)
( أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ) (الشعراء:181)
(11) آيات أخرى بمعنى الوفاء والتمام
( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (المطففين:2) .
( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (التوبة: من الآية111) .
( ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) (النجم:41) .
( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا )(البقرة: من الآية177) .
( وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ )(هود: من الآية109)
(12) الفعل المزيد تَوَفَّى وزنه تَفَعَّلَ وهو فعل ماض خماسي
سيجد القارئ لـهذا الفعل ؛ أنه خرج معناه عن التمام إلى وفاة وتمام الحياة حصرا ، وقد ورد الفعل في القرآن الكريم (24) مرة ، واحدة منها بشأن عيسى بن مريم ، لكن المفسرين ـ الذين يؤمنون بعودة المسيح ـ تركوا المعنى الواضح ؛ وذهبوا إلى معنى لا يحتمله الوضع ولا السياق ، تلك هي مشكلة المفسرين المتشبثين بترك اللغة إلى غيرها ، بسبب نصوص جاءت في الحديث ، وهذه هي الآيات التي تضم هذه الأفعال :
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ )(النساء: من الآية97)
( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )(الأنعام: من الآية61)
( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) (محمد:27)
( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )(المائدة: من الآية117)
( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ )(النحل: من الآية28)
( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ )(النحل: من الآية32)
( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ) (يونس:46)
(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ )(الرعد: من الآية40)
( فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )(غافر: من الآية77)
( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا )(الأنفال: من الآية50)
( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى )(الحج: من الآية5)
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (غافر:67)
( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الزمر:42)
( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ )(الأنعام: من الآية60)
( وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ )(يونس: من الآية104)
( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ )(النحل: من الآية70)
( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )(السجدة : الآية11)
( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً )(النساء: من الآية15) .
( حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه )(لأعراف: من الآية37) .
( رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ )(آل عمران: من الآية193)
( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ )(الأعراف: من الآية126) .
( أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )(يوسف: من الآية101)
( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً )(البقرة: من الآية234)
( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ )(البقرة: من الآية240)
(13) آية واحدة ورد بـها الاسم وليس الفعل ، هذا الاسم هو اسم الفاعل من الفعل الخماسي توفى فيكون معناه في حال التابع لفعله ؛ أو العكس ؛ كلاهما ينصب على تـمام الحياة وليس شيئا آخر .
( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ )(آل عمران: من الآية55) .
وإلى اللقاء في دراسة لقضية قوم يأجوج ومأجوج وهم مذكورون في القرآن الكريم صراحة في آيات من سورة الكهف هي 93-98.
-------------------------------------------------------
(7)
أشراط الساعة وفكر أهل الكتاب الفكر اليهودي والفكر المسيحي
أشراط الساعة كما ترد في الفكر الحديثي هي : الدجال ، والمهدي ، والدابة ، وقوم يأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، وخسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، والدخان ، وخسف بجزيرة العرب ، وطلوع الشمس من مغربـها ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى أرض الـمحشر . رغم ورود البعض منها في القرآن الكريم ، إلاَّ أنـها لا ترد فيه كشرط أو علامة من علامات الساعة ، فكونـها من علامات الساعة فهو موضوع أتى إلى معتقدات المسلمين من نصوص الحديث لا غير .
المهدي في نظر الفكر الحديثي من العلامات الممهدة للأشراط العشرة ، ولهذا فان الأحاديث المتعلقة به صراحة أو دلالة أو إشارة كثيرة ، اعتنى المحدثون بتدوينها وذكرها في كنب أئمة الحديث بسندها ، وقد بلغت اكثر من 500 حديث ، صح منها على شرط اهل الحديث 167 حديث فقط ، ومن الطبيعي أنْ ينظر إلى مثل هذا العدد بانبهار ولكن في إخراج المتكرر ؛ وما ليس له قيمة اثباتية يزول الانبهار .
الأفكار الأخرى أوردها الفكر المسيحي ، وفصَّلَ فيها ، ويعتبرها المسيحيون علامات يوم الدينونة ، أي يوم الـمجيء الثاني للمسيح ، أهتم الفكر المسيحي اهتماماً شديداً بيوم الدينونة أي يوم القيامة ، وخاصة الدجال ، ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج ، والوحش ـ ربما المراد به الدابة عند أهل الحديث ـ والزلازل ، والحروب ، والمجاعات ، والأوبئة ، والهدم والدمار ، والسلام الذي يعم العالم نـهائياً ، حتى بين الحية والإنسان ، والذئب والشاه ، وهو هنا يطابق الفكر اليهودي في الألفية السعيدة ، كلها فصَّلها الفكر المسيحي ، وخاصة في رؤيا القديس يوحنا ، وفي الفصل 24 من إنجيل متى .
القرآن الكريم لا يدعم بأية حال هذه المقولات ، بل هو مناقضا لها ، فالساعة بغتة ، وعلمها عند الله ، لا يـجليها لوقتها إلا هو ، والأشراط قد جاءت ، ويأجوج ومأجوج جاءت في سياق قصص قرآني ، يشير إلى حوادث ماضية ، والدابة علامة لقوم صالح ، وآية لهم ، وشرط ساعة للإنسانية ، في مسارها في الاستخلاف من لدن آدم عليه السلام حتى النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم .
المهدي أو النبي المنتظر فكر يهودي ، ولا زال اليهود حتى هذه الساعة ينتظرونه ، وقد ظنوه عيسى ، ولكن ما لديهم من أوصاف لم تنطبق عليه ، فلم يؤمنوا به ، وظنوه دجالاً ، وتآمروا على قتله وصلبه ، وعندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم علموه يقينا ، انه هو ، ولكنهم وبالمكابرة رفضوه ، ومن اسلم منهم أدخل فكرة المهدي المنتظر على المسلمين .
تشكل الأفكار السابقة المحددات الضرورية للتعامل الصحيح مع علامات الساعة فلا يصح التسليم بـها دون وضعها موضع البحث والدراسة.
1. نصوص مسيحية عن الدخان الفصل التاسع رؤيا القديس يوحنا.
ففتح بئر الهاوية ؛ فتصاعد من البئر دخان ؛ كدخان أتون عظيم ؛ فأظلمت الشمس .
2. عن عودة المسيح الفصل الرابع عشر رؤيا القديس يوحنا.
ورأيت ! فإذا بسحابة بيضاء ! وعلى السحابة جالس يشبه ابن البشر ؛ على رأسه إكليل من الذهب ؛ وبيده منجل حاد .
3. نص مسيحي عن الدجال والأنبياء الكذبة.
فسيقوم مسحاء كذبة ، وأنبياء كذبة ، ويعطون علامات عظيمة ، وعجائب ، حتى أنـهم يضلون المختارين لو أمكن . ( عدد 24 من إصحاح 24 من إنجيل متى ).
4. نص يهودي ومسيحي عن يأجوج ومأجوج.
النص عنهما مدون بتفصيل في البحث الثامن الذي يلي هذا الموضوع .
أحاديث الأشراط والملاحم في رؤية معاصرة
تمتلئ كتب السنن بأحاديث عن الفتن ، والملاحم ، وأشراط الساعة ، قلة منها صحيحة السند ـ بمنهج أهل الحديث ، والأكثر منها ضعيف السند ، أو مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ناحية نـهاية السند ؛ يـجد القارىء كثيراً منها مرفوع إلى المصطفى محمد صلوات الله عليه وقليل منها موقوف على غيره من الرجال .
ويفوز التابعي كعب الاحبار { مع الاعتراض على الحكم له بكونه تابعيا إذ التابعية ليست زمنا بل هي تلمذة على صحابي حَقَّ له أنْ يكون مبلغا عن رسول الله [ ألا فليبلغ الشاهد الغائب ] وفي حال قدرة على فهم ما يبلغ ، وكعب الأحبار هو عالم من علماء اليهود ، أي ليس تلميذا من تلاميذ مدرسة الإسلام ، فهو ليس تابعيا } بنصيب الأسد من هذه المرويات الموقوفة ، ولا تجد موضوعاً من مواضيع الفتن والملاحم والأشراط إلا ولكعب فيها مقال وحديث ، ويصل أمره في ذلك أن له مقالا فيما هو ليس من مواضيع التوراة أي "العهد القديم" مثل نزول عيسى في آخر الزمان ، إذ ذلك من مواضيع العهد الجديد أو الإنجيل" .
يضع أصحاب مؤلفات جمع الحديث لهذه المواضيع عنوانا لهذه المواضيع مشتركة ، أو يفرقون بينها على اكثر من عنوان ، وهناك كتب من كتب أهل الحديث ، لا يوجد أي عنوان لمثل هذه المواضيع ، إذ تخلو منها .
تروق الأساطير لذوق كثير من الناس ، ويميل الناس عادة إلى المبالغة فيما شهدوه ، من هذين حب الأساطير والرغبة في المبالغة تشكلت عقلية الانحراف ، والأصل مقاومة الانحراف لما فيه من خطر داهم على الحق ، والإسلام وقف موقفا صادقا وصحيحا في وجه الأساطير والمبالغات ، لكن الوقوف هذا حصلت فيه ثغرات عبر زمرة الحكام وفئة من العلماء وبطانة من العامة والسذج من الناس ، وقد ظهرت مواقف ضد هذا الانحراف ، لكنها هي أيضا سلحت نفسها بنفس السلاح الأسطورة والمبالغة ، ومن هنا يستمر ضعف التفكير ، وهو بلاء ما بعده بلاء .
واحدة من كبريات مشاكل الانحراف هي الاستعارة والإسقاط ومن هنا كان للنصرانية واليهودية الدور الأكبر في التسرب لمعطيات الفكر الإسلامي ومع شدة التحذير من الدخول إلى معطيات أهل الكتاب إلا أنَّ التسرب حدث عبر قناتين : الأولى هي مدونة الحديث ، والثانية عبر التفسير خاصة آيات القصص وعلامات الساعة هي ما تسرب بسببها ومنها معطيات كتب اليهود والنصارى .
--------------------------------------------------------
(8)
قوم يأجوج ومأجوج
تتألف الأضلاع للمربع الاول من العلامات الكبرى من (1) المهدي (2) الدجال (3) نزول عيسى (4) ظهور قوم يأجوج ومأجوج .
هذا هو المربع للعلامات ، وهو مربع يكمل بعضه بعضاً ، وإلغاء أي ضلع من أضلاع هذا المربع يعني فساد بقية الأضلاع ، ومع ذلك فان الثابت فساد الأضلاع الأربعة ، فلا مهدي منتظر بعد الرسول خير البشر ، وبالتالي لا وجود للدجال بالمفهوم الذي أوردته كتب الحديث ، بخلاف الدجل السياسي والخداع القتّال والدجل ( الدعوى ) فهو كثير ودجالوه كثر ، وهكذا تنهار دعوى نزول عيسى بن مريم . فهذه الأضلاع الثلاثة تأخذ برقاب بعضها البعض .
لكنَّ الضلع الرابع منه له مشكلة خاصة ، ذلك أنه ورد في القرآن الكريم صريحاً واضحاً جلياً في سورتين من القرآن الكريم ، ومن يُكَذِّبُ القرآنَ الكريمَ فهو كافر ! ومن هنا فالمشكلة ليست متعلقة بقوم يأجوج ومأجوج ، وإنما الأمر متعلق بفهم آيات القرآن الكريم الواردة بحق يأجوج ومأجوج وهذه هي الآيات :
1.الآيات من سورة الكهف وهي سورة مكية
(( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً )) (الكهف:92- 98) .
تلك هي آيات سورة الكهف ، المخبرة عن قوم يأجوج ومأجوج ، وقصة بناء السد ، والمواد التي بني منها السد ، كل ذلك على يد ذي القرنين ، ونـهاية السد المعلقة على ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ))(الكهف: من الآية98).
2.الآيات 96-97 من سورة الأنبياء وهي سورة مكية
( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) (الأنبياء:96، 97).
تلك هي الآيات التي ورد فيها ذكرُ يأجوج ومأجوج ، وقد وصفتْهُمْ آيات سورة الكهف بما يلي : (1) إنـهم قوم لا يفقهون قولا (2) وجدوا في عهد ذي القرنين (3) إنـهم مفسدون في الأرض (4) إنَّ القوم الذين يجاورونـهم طلبوا من ذي القرنين بناء سد بينهم وبين قوم يأجوج ومأجوج وبالتالي حصروا خلف السد .
القرآن يخبر أن السد سينهار ويجعله دكاً ، فمن أين استمد المحدثون أنـهم من علامات الساعة ؟ وأنـهم خارجون بعد عيسى في المجيء الثاني ، وأنـهم كثرةٌ لا تحصى ، وأنـهم يقاتلون بالرماح والسيوف والأترسة والمجان ، وأنَّ عيسى ومن معه من المؤمنين في نزوله يعجزون عن قتالهم ، ما هي مرتكز أهل الحديث للقول بأنَّ قوم يأجوج ومأجوج من علامات الساعة ؟ دعواهم ترتكز إلى صدر الآية 97 من الأنبياء وهي : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ ) على اعتبار أنَّ الوعد الحق هو يوم القيامة ، وإذا سلم المسلم بأنَّ الوعد أو الوعد الحق هو يوم القيامة ، فكيف إثبات أنَّ خروج قوم يأجوج ومأجوج لم يحدث في ما مضى ؟ وإنما خروجهم يحدث في زمن سموه زمن علامات الساعة ، دون أنْ يشير القرآن لمثل هذا الزمن ، إلاَّ أنها بغتة ، واختص الله بعلمها ، ومعلوم أن الله تعالى قال : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (القمر:1) . وانشقاق القمر عند أهل الحديث علامات مضت.
أكثر المفسرين يقولون بحدوث انشقاق القمر في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاقتراب الساعة وحصولها بغتة هو الأساس الإيماني عند المسلمين ، منذ الرسول وحتى قيام الساعة ، فاقتربت الساعة أيضاً في أيام رسالة عيسى ، واقتربت الساعة قبل ذلك أيضاً في أيام ذي القرنين ، فالاقتراب ليس هو علامات الساعة ، الاقتراب انقضاء زمن وهو يعني اقتراب نحو قيام الساعة أي نـهاية تكليف الإنسانية .
الذي يقرأ الصورة التي وَصَفَتْ بـها الأحاديث قوم يأجوج ومأجوج ، يعلم أن تلك الصورة غير مأخوذة من القرآن الكريم ، ويعلم أن الرسول ليس قائلاً تلك الصورة ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بما يخالف القرآن ، ولا يقول الجور ، ولا يقول أساطير الأولين .
الصورة منتزعة من الإصحاح 38 و 39 من سفر حزقيال من كتب العهد القديم وهذه هي الصورة كما هي في طبعة دار المشرق للعهد القديم :
المعركة الحاسمة
علي جوج، ملك ماجوج([1])
38 1وكانت إليَّ كلمة الرَّبِّ قائلاً: 2"يا ابن الإنسان ، اجعل وجهك نحو جوج، في أرض ماجوج، رئيس وقائد ماشك وتوبل([2])، وتنبأ عليه، 3وقل: هكذا قال السيد الرب: هاءنذا عليك يا جوج، رئيس ماشك وتوبل وقائدهما، 4فأعيدك على عقبيك وأجعل كلاليب في فكيك([3])، وأخرجك أنت وجميع جيشك خيلاً وفرساناً من كل لابس ثياب فاخرة، جمعاً كثيراً، ذا مجانب وتروس من كل قابض سيف. 5ومعهم فارس وكوش وفوط، وكلهم ذوو تروس وخوذ. 6ومعك جومر وجميع جيوشه وبيت توجرمة([4])، في أقاصي الشمال وجميع جيوشهم وشعوب كثيرة. 7فاستعد وأعدد لنفسك، أنت وكل جمعك المجتمعين إليك، وكن لهم خفيراً، 8فإنك بعد أيام كثيرة تؤمر، وفي آخر السنين تأتي إلى الأرض الناجية من السيف والمجموعة من شعوب كثيرة في جبال إسرائيل، التي كانت مقفرة كل حين([5])، ثم أخرجت هذه الأرض من الشعوب، وفيها يسكنون جميعهم آمنين، 9فتصعد وتأتي كعاصفة، وتكون كغمام يغطي الأرض، أنت وجميع جيوشك وشعوب كثيرة معك.
10هكذا قال السيد الرب: في ذلك اليوم، تخطر على قلبك أمور وتفكر فكر سوء([6])، 11وتقول: أصعد إلى الأرض المدن غير المسورة، وآتي الهادئين الساكنين في أمن، الذين يسكنون جميعاً بغير سور، وليس لهم مزاليج ولا مصاريع، 12لكي تسلب السلب وتنهب النهب وتعيد يدك على الأخربة المسكونة والشعب المجموع من الأمم والحاصل على الماشية والأموال، والذي يسكن في وسط الأرض([7]). 13إن شبأ وددان وتجار ترشيش وجميع أشبالها يقولون لك: أجئت لتسلب السلب؟ أو جمعت جمعك لتنهب النهب وتحمل الفضة والذهب، وتأخذ الماشية والأموال وتسلب سلباً عظيماً؟
14لذلك تنبأ يا ابن الإنسان، وقل لجوج: هكذا قال السيد الرب: ألست في ذلك اليوم، حين يسكن شعبي إسرائيل في أمن، تذهب، 15فتأتي من مكانك، من أقاصي الشمال، ومعك شعوب كثيرة، كلها من راكبي خيل، جمع عظيم وجيش كثير، 16وتصعد على شعبي إسرائيل كغمام يغطي الأرض؟ إنك في آخر الأيام تكون، فآتي بك على أرضي، لكي تعرفني الأمم، حين أتقدس بك أمام عيونها، يا جوج.
17هكذا قال السيد الرب: ألست أنت الذي تكلمت عليه في الأيام القديمة على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل المتنبئين في تلك الأيام وطوال السنين بأني سأجلبك عليهم([8]). 18في ذلك اليوم، يوم يأتي جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب، يطلع سخطي في أنفي([9]). 19وفي غيرتي ونار غضبي تكلمت: ليكونن في ذلك اليوم ارتعاش عظيم على أرض إسرائيل، 20فيرتعش من وجهي سمك البحر وطير السماء ووحش الحقول وجميع الزحافات التي تدب على الأرض وجميع البشر الذين على وجه الأرض، وتندك الجبال وتسقط منحدراتها، وكل سور يسقط إلى الأرض. 21لكني أدعو السيف عليه في جميع جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل رجل على أخيه. 22وأحاكمه بالطاعون والدم والمطر الهاطل وحجارة البرد، وأمطر النار والكبريت عليه وعلى جيوشه وعلى الشعوب الكثيرة التي معه، 23فأتعظم وأتقدس وأعرف نفسي على عيون أمم كثيرة، فيعلمون أني أنا الرب.
39 1وأنت يا ابن الإنسان([10])، تنبأ على جوج وقل: هكذا قال السيد الرب: هاءنذا عليك يا جوج، رئيس ماشك وتوبل وقائدهما، 2فأعيدك على عقبيك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشمال، وآتي بك إلى جبال إسرائيل، 3وأحطم قوسك في يدك اليسرى وأسقط سهامك من يدك اليمنى. 4على جبال إسرائيل تسقط أنت وجميع جيوشك والشعوب التي معك، وللجوارح ولكل ذي جناح ولوحوش الحقول قد جعلتك مأكلاً. 5على وجه الحقول تسقط لأني تكلمت، يقول السيد الرب. 6وأرسل ناراً على ماجوج، وعلى الساكنين في الجزر آمنين، فيعلمون أني أنا الرب. 7وأعرف اسمي القدوس في وسط شعبي إسرائيل، ولا أدع اسمي القدوس يدنس بعد اليوم، فتعلم الأمم أني أنا الرب وأنا القدوس في إسرائيل.
8ها إن الأمر قد وقع وتم، يقول السيد الرب، هذا هو اليوم الذي تكلمت عليه. 9فيخرج سكان مدن إسرائيل، ويضرمون النار ويكون وقودهم السلاح والتروس والمجانب والقسي والسهام وعصي اليد والرماح. بها يضرمون النار سبع سنوات . 10فلا يحملون الحطب من الحقول، ولا يقطعونه من الغاب، لأنـهم يضرمون النار بالسلاح، ويسلبون الذين سلبوهم وينهبون الذين نهبوهم، يقول السيد الرب.
11وفي ذلك اليوم، أجعل لجوج مكاناً شهيراً، قبراً بإسرائيل، وادي العباريم في شرق البحر، في الوادي الذي يحول دون العابرين، فيدفنون هناك جوجاً وجميع جمهوره، ويسمون المكان وادي جمهور جوج. 12ويدفنهم بيت إسرائيل سبعة أشهر، ليطهروا الأرض. 13جميع شعب الأرض يدفنونهم، فيكون لهم ذلك مفخرة، يوم أتمجد، يقول السيد الرب. 14ويعينون جوالين في الأرض رجالاً مداومين ليدفنوا، مع العابرين، جثث الباقين على وجه الأرض ليطهروها. وبعد سبعة أشهر يبحثون([11])، 15فيجول الجوالون في الأرض، فإذا رأى أحد منهم عظم بشر، بنى بجانبه وتداً، إلى أن يدفنه الدافنون في وادي جمهور جوج 16(همونة هي اسم مدينة أيضاً([12])) ويطهروا الأرض.
17وأنت يا ابن الإنسان، هكذا قال السيد الرب: قل لكل ذي جناح ولكل وحوش الحقول: اجتمعي وهلمي واحتشدي من كل جهة إلى ذبيحتي التي أنا ذابحها لك ذبيحة عظيمة، على جبال إسرائيل، فتأكلي لحماً وتشربي دماً. 18تأكلين لحم الجبابرة، وتشربين دم رؤساء الأرض، من كباش وحملان وتيوس وعجول كلها من مسمنات باشان. 19وتأكلين شحماً إلى الشبع، وتشربين دماً إلى السكر من ذبيحتي التي ذبحتها لك. 20وتشبعون على مائدتي من الخيل وركابها والجبابرة وكل رجل حرب، يقول السيد الرب.
21فأجعل مجدي في الأمم، وترى جميع الأمم حكمي الذي أجريته ويدي التي وضعتها عليها. 22ومن ذلك اليوم فما بعد يعلم بيت إسرائيل أني أنا الرب إلههم، 23وتعلم الأمم أن بيت إسرائيل إنما ذهبوا إلى الجلاء بسبب إثمهم، لأنهم خالفوني فحجبت وجهي عنهم وأسلمتهم إلى أيدي مضايقيهم، فسقطوا بالسيف جميعاً. 24على مقتضى نجاستهم ومعاصيهم صنعت بهم وحجبت وجهي عنهم. 25لذلك هكذا قال السيد الرب: الآن أرد أسرى يعقوب، وأرحم جميع بيت إسرائيل، وأغار على اسمي القدوس.
26وينسون خجلهم وكل مخالفتهم التي خالفوني بها عند سكناهم في أرضهم آمنين، لا أحد يروعهم. 27حين أعيدهم من بين الشعوب وأجمعهم من أراضي أعدائهم وأتقدس فيهم على عيون الأمم الكثيرة، 28يعلمون أني أنا الرب إلههم بجلاء إياهم إلى الأمم ثم جمعي إياهم إلى أرضهم، بحيث لا أبقى هناك منهم أحداً بعد اليوم، 29ولا أحجب وجهي عنهم بعد اليوم، لأني أكون قد أفضت روحي على بيت إسرائيل، يقول السيد الرب".
ماجوج في قاموس الكتاب المقدس
ماجوج وهو ابن يافث الثاني (سفر التكوين 2:10 وسفر الأخبار الاولى 5:1) واسم شعب متسلسل منه او اسم بلاد سكنوها، كان جوج ملكاً عليها، وفي القرون المتوسطة سمي السوريون بلاد التتر ماجوج، وأما العرب فسموا الأرض الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود ماجوج وظن الاكثرون أن أهل ماجوج هم السكثيون الذين كانوا معروفين أيام حزقيال وكانوا قاطنين في غرب آسيا، وهؤلاء أي السكثيون زحفوا في القرن السابع قبل الميلاد من جبل قوة قاف وافتتحوا سادرس عاصمة ليدية سنة 626 ق.م ثم تغلبوا على ملك ميدية سنة 624 ق.م ثم وصلوا مصر فأعطاهم الملك بسماتبك مبلغاً صرفهم به عن بلاده غير أنهم لم يطردوا من آسيا الغربية قبل نـهاية القرن السادس قبل الميلاد ووصفهم حزقيال انهم شعب ماهر في الفروسية واستعمال القسي ويطابق هذا الوصف ما ورد عنهم في تواريخ اليونان .
ويأتي تحت عنوان جوج وماجوج في نفس قاموس الكتاب المقدس يوصف بأنه سيقوم بغزو ارض إسرائيل في آخر الأيام وسيقتل على جبال في مذبحة هائلة.
في حديث النواس بن سمعان عن رسول الله (ص) كما هي دعوى أهل الحديث ، يتطابق النص مع ما ورد بحزقيال في شأنـهم ، وتتطابق العدد ( أي الفقرة أو الجملة ) 9 من الإصحاح 39 مع ما ورد بالحديث ، ولكن الذين يوقدون النار في السهام والرماح والقسي المسلمون في الحديث ، واليهود في حزقيال ، أمام هذه الحقائق الواضحة يعلم القارئ مصدر حديث النواس بن سمعان ومن مثله .
الآيات تقول فإذا جاء وعد ربي جعله دكا وكان وعد ربي حقاً فهل وكان وعد ربي حقاً تؤكد الوعد ام تؤكد جعله دكاً ؟ أي تثبت حقيقة انـهيار السد في الماضي أي قراءة تقول أن معنى ( وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ) تعني مجرد توكيد حصول الوعد ؟ كيف ينفون حصول الوعد في أيام حزقيال ؟ كل من يقول ذلك لا يستند لفهم الآيات والتدبر فيها وإعرابـها ، فكلمة (حقاً) المصدر لا تصلح خبراً لكان ، وإنما هي مفعول مطلق لكان التامة ، أو هي نائب عن المصدر في باب المفعول المطلق أي المعنى وحصل وعد ربي حقاً ، فإضافة الوعد إلى ( رَبِّي ) لا يحتاج لتوكيد حصوله بل إلى كونه قد أنجز ، خاصة أنَّ الموضوع كله من القصص .
إنَّ المرحوم سيد قطب يرى أن الوعد قد تحقق ، ولكن في أيام التتار ، وذلك في ظلاله ، لكنَّ الفهم الصحيح للموضوع من كون سورة الكهف من سور القصص ، زوكذلك سورة الأنبياء ، فان القرآن يتكلم عن حادثة حصلت وليس عن حادثة ستحصل .
قصة قوم يأجوج ومأجوج ؛ وجعل السد دكاً ؛ هي قصة حدثت في أيام اليهود ـ فترة ما بعد السبي ـ والقرآن يقص هذه القصة للاعتبار بـها ، وليس لتحويلها إلى إنـها من علامات الساعة ، وهكذا ينهار الضلع الرابع من مربع العلامات ؛ بعد انـهيار الأضلاع الثلاثة.
لقد كُتب الكثير حول علامات الساعة ، ومنها قضية قوم يأجوج ومأجوج ، وقد وجدت تفسيرات معاصرة حديثة ؛ تحاول تكييف الآيات مع الواقع السياسي ، هذه التكييفات لا يمكن وصفها بأنـها تفسير للقرآن الكريم ، إذ لا يجوز العدول عن عربية النص إلى أساطير وخرافات ونبوءات . القران الكريم يثبت في منطوقه بناء سد من قبل ذي القرنين ، وأنَّ السد سينهار ، والواقع الجغرافي الحاضر لا يدل على وجود سد قائم ، أو حتى بقايا سد انـهار في ما مضى من الزمان ، فالأصل عند المؤمنين بالإسلام التسليم التام بالآيات والسكوت بعد ذلك . كل ما يكتبونه وتحويل الموضوع إلى موضوع معاصر لا يفيد المسلمين ، بل يحدث الضرر على المسلمين .
الصيرورة إلى القول بأن السد انـهار في الزمن الماضي قبل نزول القرآن لم تبن على القضية الإعرابية ، هي مبنية على مجموعة معطيات هي :
1. الساعة بغتة أي لا علامات لـها .
2. الأشراط غير العلامات من جهة ، والأشراط قد جاءت كما هو منطوق القرآن .
3. ورود قوم يأجوج ومأجوج في قصص القرآن ، وليس في التكليف الإيماني .
4. المسح الجغرافي غير دال على وجود سد قائم .
5. المباني لآيات قوم يأجوج ومأجوج ؛ وكذلك المعاني بصورة عامة ؛ ليست دالة على حدث يأتي في المستقبل من الزمان .
6. إضافة الوعد إلى ربي لا تحتاج لتوكيد معنوي ، لصدق حدوث الوعد إذا أضيف إلى الله تعالى أي القرينة العقلية تأبى مثل هذا التوكيد .
7.الناحية الإعرابية مبنية على ما تقدم ، والسؤال هل يجب حتى تكون كان تامة أنْ تكتفي بمرفوعها ؟ و كيف يمكن التفريق بين ؟ : كان الاصطدام ! و كان الاصطدام تأكيدا ! و كان الاصطدام حقا ! و كان الاصطدام مميتا |! ألا يمكن وجود دلالة جديدة على أنَّ كان تأتي تامة بناءً على المعنى .
8. هل يحوي القرآن الكريم نبوءات ؟ ما هي وظيفتها في الهدى ؟ قال تعالى : (( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ )) (البقرة:2) ما هو الهدى في النبوءات .
فصل في
موقف القرآن من أساطير الأولين
جاء في القرآن الكريم حول أساطير الأولين ما يلي :
(( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (الأنعام:25) . في هذه الآية تنديد كما يلاحظ القارئ على من يجعل الحق (( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَة )) مساويا لأساطير الأولين ، فأساطير الأولين لا اعتبار لـها في القرآن ، فكيف استعار المفسرون أساطير الأولين المندد بـها في القرآن الكريم لتفسير القرآن ؟ ذلك هو انحراف خطير لا يصح لمسلم أنْ يرى صحة هذا التفسير ، التفسير يعتمد على معنى المفردات والتراكيب والسياق لا غير ، ومن قام تفسيره على غير ذلك لا يعتبر تفسيرا .
(( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (الأنفال:31) هذه الآية تنديد أيضا بمن ساوى بين آيات القرآن تتلى عليه وبين أساطير الأولين ، ويتضمن هذا التنديد عدم مشروعية أساطير الأولين .
(( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (النحل:24)
(( لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (المؤمنون:83)
(( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )) (الفرقان:5)
(( لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (النمل:68)
(( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (الاحقاف:17).
(( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (القلم:15)
(( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )) (المطففين:13)
جاءت هذه الآيات التسعة منددة بمن يساوي بين القرآن الكريم وأساطير الأولين ، وحطاب القرآن الكريم خطاب يتسق مع بعضه البعض ، فلا يجوز أنْ يقال : جواز أخذ الأساطير إذا وردت بسند حكموا له هم بالصحة ، بل لابد من استبعاد أساطير الأولين من سنة المصطفى r وفي تطبيق هذا الرأي يمكن استبعاد الدخيل على الإسلام وتجنيب الأمة كارثة ضعف التفكير وكارثة النبوءات المقعدة عن العمل.
([1] ) يتسم الفصلان 38-39 بملامح رؤيوية . كانت النبوات القديمة مواعظ أخلاقية خاصة ، لها صلة بالحاضر ، تُضاف إليها هنا وهنا نظرة إلى مستقبل أفضل . أما الرؤيا فإنها في أغلب الأحيان مؤلف أو خطبة في التعزية ، يروي فيها النبي ما شاهده من رؤى تكشف عن مستقبل خالٍ من العذابات الحاضرة . وهي غالباً ما تزيح الستار أيضاً عن انتصارات الدينونة وتفتح آفاق أخيرية ، وتكشف في الوقت نفسه عن أسرار الغيب . لقد نما هذا الفن الأدبي في الدين اليهودي المتأخر خاصة ، إلاّ أنه كان معداً وممثلاً في الكتاب المقدس من زمن بعيد . وحزقيال في 38-39 هو أول من وضع خطوطه الأولية . ثم نجده في اش 24-27 ودا 7-12 وزك 9-14. وقد انتشر خاصة في القرن الثاني ق.م. ولنا مثل له في العهد الجديد، وهي رؤيا القديس يوحنا.
([2] ) ماشك وتوبل هما بلدان من آسية الصغرى (راجع 27/13 واش 66/21+). ويرد ذكر "أرض ماجوج" في هذه الفقرة وفي 39/6 فقط، وتعني كلمة "ماجوج" "أرض جوج". أما جوج، فمن العبث أن نحاول أن نعرف شيئاً عنه. لعلَّ وصفه مقتبس من ملامح عدة شخصيات معاصرة. مهما يكن من أمر، فإنه مصّور بصورة مثال الفاتح البربري الذي سيجلب على إسرائيل، في مستقبل بعيد وغير واضح، ما سيصيبه من محن أخيرة.
([3] ) يستولي الرب على جوج ويُكرهه على الطاعة.
([4] ) يرجّح أنهم بنو جومر، وهم قبائل آتية من الشمال.
([5] ) إذا بعد العودة إلى فلسطين بكثير.
([6] ) لا يعلم جوج أنه أداة في يد الرب، بل يعتقد بأنه يعمل من عند نفسه (راجع اش 10/4).
([7] ) الترجمة اللفظية "سرّة الأرض" وهذا يعني ان أورشليم هي مركز العالم.
([8] ) نجد عند الأنبياء الأقدمين تلميحات إلى اجتياح مُقبل (راجع على سبيل المثل ار 3-6)، ولكن يبدو أنه يفكر في أنبياء أقدم من إرميا.
([9] ) كان جوج حتى الآن أداة في يد الرب. ولكن الرب ينقلب عليه فينزل به هزيمة هائلة.
([10] ) إن الفصل 39 هو توسيع للآيات الأخيرة من الفصل السابق: رواية مفصلة عن هزيمة جوج ونتائجها.
([11] ) كثر عدد الموتى حتى استغرق دفنهم سبعة أشهر (الآية 12)، وبعد الشهر السابع فقط عين موفدون للتحقق من أنه لم يبق هنا لك جثث لم تدفن، إذ إن جثة واحدة تنجس الأرض كلها.
([12] ) لا نعرف مدينة بهذا الاسم.
-------------------------------------------------------------------------------