رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 500055

المعتزلة المعاصرة

المعتزلة.. أهل الحق والعدل

المعتزلة لماذا الآن ؟

سأقلب السؤال (المعتزلة لماذا ليس الآن؟) الأمة الإسلامية في حالة التردي والسقوط. أليس ذلك حقيقة ؟ والمحاولات العديدة لإنهاضها لم تستطع أن توقف الانحدار السريع. بدأت هذه المحاولات منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، مع ذلك ظل العالم الإسلامي يتخبط في سيره ويعاني الانحطاط بل وصل إلى الحضيض الأحط.

جميع المحاولات كانت تعاني من ضعف شديد في فهم الإسلام، إذ لم تستطع تغيير منظومة الأفكار التي عليها تغييراً أساسياً شاملاً، كانت تعيد إنتاج الخطاب الإسلامي الوعظي أو البرامجي متسلحة بالأماني وانتظار تحقيق النبوءات المزعومة. فكان لا بد من إعادة النظر والوصول إلى المنهج الذي يجعل الأمة تعيد مشروع نهضتها، وهذا لا يتأتى بدون العقل الذي يوصل من خلال النظر (الواجب الأول) إلى التوحيد والعدل أي إلى منهج الاعتزال.

المعتزلة كيان فكري، يعمل لإيجاد طريقة تفكير على أساس الإسلام عند المسلمين، ولتحديد منهج قويم لفهم القران الكريم، ولتوضيح معالم منهجية للتثبت من سنة الرسول صلوات الله عليه، وكيفية الاستدلال بها، وهي حركة قراءة إبداعية للتراث الإسلامي، وبالتالي فهي حركة في الأمة. توضح سمات الأمة بصورة جماعية، لتقوم الأمة بعملية التغيير، من حالة التردي والسقوط الأخير إلى حالة النهضة والرقي، من خلال معرفة هويتها الفكرية والشعورية، وفك تبعيتها الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية عن الغرب الشديد العداء لها، وإعلان رابطتها المبدئية، ووحدة أقطارها في الأمة الإسلامية الفاعلة، والدولة الإسلامية المؤثرة الساعية للقوامة، قوامة الهداية والطمأنينة، وزوال الشقاء عن العالم كله، أي لتحل محل وجهة النظر الغربية في قيادة العالم، وبدون كيان المعتزلة يبقى الإسلام السياسي غائباً !

أضيف هذا البحث يوم الجمعة تاريخ 15 تموز 2005 م

ما هي المعتزلة المعاصرة

سؤال أو عدد من الأسئلة : تلح على أذهان الناس حول المعتزلة المعاصرة ، أهي حزب سياسي ؟ أهي فرقة أسلامية ؟ أهي مذهب من المذاهب الإسلامية ؟ ما هي علاقتها بالمعتزلة التاريخية ؟ ما هو الهدف من وجود المعتزلة ؟ أهي كيان دعوة للإسلام ؟ أهي كيانٌ عقلاني إسلامي ؟ كيف تعمل ؟ ما هي وسائلها وآلياتـها ؟

ما سبق هي بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الناس ، ولكون الناس لا يعرفون عنها إلا القليل ؛ ولان الناس مرتبطون بافكار مسبقة ؛ تباينت صورة المعتزلة في حياة الناس ؛ ولإزالة هذه الالتباسات في ذهن الناس ؛ لا بد من القول بعبارة جامعة مانعة ، هي ما يلي :

المعتزلة كيان فكري ، يعمل لايجاد طريقة تفكير على اساس الاسلام عند المسلمين ، ولتحديد منهج قويم لفهم القران الكريم ، ولتوضيح معالم منهجية للتثبت من سنة الرسول صلوات الله عليه، وكيفية الاستدلال بـها، وهي حركة قراءة ابداعية للتراث الاسلامي ، وبالتالي فهي حركة في الامة. توضح سمات الامة بصورة جماعية ، لتقوم الامة بعملية التغيير ، من حالة التردي والسقوط الاخير ؛ الى حالة النهضة والرقي ، من خلال معرفة هويتها الفكرية والشعورية ، وفك تبعيتها الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية عن الغرب الشديد العداء لـها ، واعلان رابطتها المبدئية ، ووحدة اقطارها في الامة الاسلامية الفاعلة، والدولة الاسلامية المؤثرة ؛ الساعية للقوامة، قوامة الهداية والطمأنينة ،وزوال الشقاء عن العالم كله أي لتحل محل وجهة النظر الغربية في قيادة العالم ، وبدون كيان المعتزلة يبقى الاسلام السياسي غائبا !.

تلك هي المعتزلة ، وتلك هي محدداتـها ، وبيان جلي واضح لتوجهاتـها ، فالمعتزلة ليست كيانا تعليميا ، يمارس تعليم الناس افكار الاسلام ، وانما يـمارس دعوة الناس للتفكير على اساس الاسلام ، مكونة لقناعات الناس ، ومفاهيم الناس ، وموازين الناس ، لمباشرة الحياة السائرة صعدا في سلم الرقي .

والمعتزلة ليست كيان وعظ ، يعظ الناس بالاسلام ، مخوفة اياهم من هول الاخرة ، بل هي دعوة لمباشرة الحياة ، موحدة بين الدنيا كدار تكليف والاخرة كدار جزاء على احسان التكليف أو اساءته ، والمعتزلة لسيت دعوة فردية ؛ بل المعتزلة تمقت الفردية ، إذ هي تعلم ان الفاعلية انما هي للامة ؛ لا للافراد مهما كثروا ، ولذلك لا يمكنها احداث التغيير إلاَّ بالأمة .

والمعتزلة ليست كيان فتوى ، يباشر الفتوى فيما يواجه الناس ، جماعات او افراد من مشاكل يراد صياغة فتوى لها ، وما يرى على المعتزلة احيانا من افتاء فانما هي امثلة للناس ؛ ليدركوا كيفية تبني الاحكام الشرعية ، واذا كانت الامثلة على الغالب مثيرة للعواصف والزوابع ، فالسبب أنَّ الامة قد اعتادت على فقه المظنة وفقه الحيطة ، في أمور وفقه التيسير في أمور اخرى ، فهم في قضية المرأة يندفعون الى فقه المظنة الحيطة ، أما في فقه السياسة والاقتصاد والتكاليف الهامة وفقه المشاكل المالية فيطلبون فقه التيسير ، مع ان الرصد لهم في هذه الايام يظهر أنَّـهم رضخوا لمفاهيم الحياة الغربية بشأن المرأة .

إنَّ التعليم والوعظ والافتاء لا يُكَوّنُ المفكرين ؛ ولا المجتهدين ، ولا يؤدي إلى وجود حشد من القادة السياسيين ؛ القادرين على قيادة الامة في الحرب والسلم ، وفي الخطوب وفي الهدوء وفي عواصف الحياة وفي استقرارها .

إنَّ وجود المفكرين المبدعين ، والمجتهدين المميزين والقادة الأفذاذ ، إنَّما هو في تبني طريقة للتفكير على اساس الاسلام ، وممارسة الحياة تفكيرا ودعوة وعملا بمثابرة مستمرة واصرار دؤوب ، وفعل متواصل باخلاص خالص وايمان المتيقن ،وفهم جلي واضح .

لقد درستْ المعتزلة المبادئ السياسية القائمة في العالم ؛ سواءٌ الديمقراطية الليبرالية الغربية ؛ أو الماركسية المادية ، وتوصلت إلى أنـهما منتجٌ اوروبي ، يرى العالم من زاوية المركزية الأوروبية ، فضلا عن أنَّ الأفكار الاساسية التي اقيمت عليها اللليبرالية الغربية أو المادية الماركسية ، لم تتأسس على الطريقة العقلية في التفكير ، بل قامت الليبرالية الغربية على الحل الوسط بين الكنيسة والدولة ، وقامت الماركسية على الأساس المادي ، ويخدع نفسه من يظن أنـهما سبب التقدم التكنولوجي والصناعي .

إنَّ الطريقة العقلية في التفكير تبدأ من النظر في الكون ؛ الذي يعيش فيه الإنسان ، والحياة التي يجب أنْ يحياها ، والمصير الذي سيؤول اليه الإنسان بعد الموت ، من خلال النظر في عالم الشهادة ، وإقامة الاستدلال على حدوث هذا العالم بعد أنْ لم يكن ، أي أنَّه مخلوق لخالق ، لا يوصف بأي وصف من أوصاف المخلوقات ؛ سواء أكان وصفا للذات ؛ أم اوصافا من أعراض الذوات .

الاستدلال هذا هو حقيقة عقلية ، تنطبق عليه جميع شروط الاستدلال العلمي (المعرفة الصادقة) فاثبات وجود الخالق استدلال صحيح ، لأنَّ الحادث (الوجود الكوني) حدث بقدرة المحدث ؛ الذي هو قادر وذاته القادر ، بخلاف تخيلات وتوهمات الماديين ؛ القائلة بأنَّ حركة المادة تُحدث الأنواع ، مع أنَّ النتاج واضح أنَّه ارقى من الموجود ؛ واكثر تعقيدا منه ؛ ولم يشاهد أي مفكر مادي أنَّ حركة المادة بإمكانها انتاج الحياة ، وأنَّ حركة الحياة بامكانـها انتاج السلم النباتي والسلم الحيواني ، فكلها افتراضات وتخيلات واوهام ، المغالطة اساسها ، والاعتباط نـهجها ، والوهم صانعها ، والمكابرة والمعاندة اساسا القناعة بـها ، والرأسمالية هو اسم اطلق على طريقة الحياة الغربية ، لان المال وطلبه ـ والحركة الفكرية والثقافية والادبية والفنية والفلسفية وانظمة السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والسياسة الخارجية ـ كل ذلك تأثر بقوة المال وهيمنته ولهذا استحقتتت الدول الغربية اسم الرأسمالية حقا وحقيقة ، والرأسمالية ابشع نظام في التاريخ ، هو سبب شقاء العالم ، فالمعذبون في الارض نتاجه ، والمستلبة إنسانيتهم هم ثـماره ، والقلق والحروب والجوع والمرض والفقر وغياب الحق والعدل هي ظواهر الرأسمالية الخادعة .

إنَّ الرأسمالية ليست منظومة قطعت صلتها في التاريخ ، وليست فكرا انسانيا أو تقدما علميا بل هي فلسفة يونانية وقانون روماني ، واستعلاء همجي بربري روماني ، ومسيحية يهودية ترومت ، أي تحولت لصالح روما القديمة او الجديدة ، واكتشافات علمية تشتري بالمال لصالح الصفوة المميزة عن بقية الانسانية ، وهي هنا قد اخذت عن اليهودية فكرة الانسان المميز ، وعن الرومانية الاستعلاء وعن البربر الذين تكونت منهم امم اوروبا الحديثة الهمجية ، وعن اليونان فكرة توجيه البشرية وقيادة افكارها ، فحطمت الله وجعلته في خدمة المال والقيم ، وهدمت القيم الرفيعة ، الا قيمة المنفعة واسقطت الناحية الروحية الا نظام الاستهلاك العدواني ، ان الغرب هو كارثة الانسانية .

ضمن هذين السياقين العالميين الفكريين ، وجدت المعتزلة لتقف في وجهيهما ، ليس لمصلحة الأمة الاسلامية فقط ، بل للعالم كله ، ومن هنا فالإسلام في مفهوم المعتزلة هو حضارة إنسانية عالمية ، حضارة مؤسسة على حرية الإرادة الانسانية ،من خلال الأصل الإنساني الاول ( التوحيد) وحرية الممارسة الإنسانية من خلال الأصل الانساني الثاني (العدل) تضبط الحرية في شقيها : حرية الارادة (المعرفة) والممارسة أي (السيادة) فكرة المسؤولية عن مـمارسة الإرداة والسيادة ، بضوابط في الدنيا هي : القيم العليا ، ونظرة المجتمع ، وقانون الدولة ، و في الآخرة البعث والجزاء (الوعد والوعيد) ونظرة المجتمع وقانون دولة الامة ينتجان الولاء والبراء (المنزلة بين المنزلتين) وقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهكذا تحصل الاستقامة للفرد والمجموع والدولة . وينظر الفرد والمجتمع والدولة الى الناس كافة نظرة إنسانية محضة ، هذا هو السبب الذي وجد من اجله المعتزلة ، فهو اعادة الثقة للامة بنفسها ، وتحديد الاسلام تحديدا جليا واضحا ودعوة للانسانية لزوال مصادر الشقاء العالمية .

إنَّ الفكر الاسلامي المتواجد على ساحة العالم الاسلامي ، مهما كانت محدداته الفكرية وتوجهاته العملية ، ومهما كانت مسميات او أسماء الحركات الاسلامية ـ من المحيط الى المحيط ـ ومهما اختارت من طرائق وأساليب ؛ وأدوات للعمل الاسلامي ، سواء أكانَ عن طريق السياسة ؛ أو المؤتمرات ؛ أو الأعمال الاصلاحية ؛ أو الدعوة للعبادات ؛ أو لقراءة التراث ، فإنَّهُ لا يمثل الفكر الاسلامي الحق من جهة ؛ ولا يمكن أنْ يحدث النهضة والتغيير من جهة أُخرى ، لوقوعه تحت مؤثرات دوغمائية أفقدته مجرد الامكان للتغيير ، من هنا كان لا بد من الكشف عن الديناميكية الاسلامية ، في الايمان والعمل ، في الإرادة والسيادة ، في الفرد والمجتمع والدولة ، فكانت المعتزلة طريقة تفكير على أساس الاسلام ، ونـهج قويم لفهم النص الاسلامي ، وحركة إبداعية في التراث ، وعمل دائب للمستقبل .

فالمعتزلة ليست حزبا سياسيا بالمفهوم الاداري والقانوني ، وهي حزب سياسي بدلالة اللغة ، والمعتزلة ليست فرقة اسلامية ، بل هي طريقة حركية تعبير عن الإسلام ، وليست مذهبا من المذاهب الإسلامية ، بل هي طريقة تفكير على أساس الاسلام ، وعلاقة المعتزلة المعاصرة بالمعتزلة في التاريخ ، هي علاقة الابن بأبيه والفرد بأُسرته ، والأمة الحية بتاريخها ، والأمة الرسالية برسالتها ، إنَّ المعتزلة هي الماضي التراثي لنا ؛ فهل يمكن وجود حاضرٍ بلا ماض له ؟ إنَّ المعتزلة في التاريخ هي ماضي المعتزلة المعاصرة ، والمعتزلة المعاصرة هي حاضر المعتزلة أي المعتزلة المعاصرة تهيأ نفسها لولادة المستقبل .

ان المعتزلة هي حركة الامة على اساس الاسلام ، وهي كيان يؤسس فكره على العقل الناظر ، فلهذا ترفض العقلانية المادية ، او الاشراقية ، أو التحريفية ، او الوجودية أو الليبرالية ، أو الشكية ، او التجزيئية ،أو اية عقلانية اخرى لا تتبع العقل الناظر فالعقل الناظر هو الذي يميز المعتزلة عن غيرهم من العقلانيين ، والايمان بالتوحيد والعدل عن طريق العقل هو السمة التي تفرق بينه وبين حملة الاديان وقراء الاسفار ، والقيم العليا والحركة الجماعية الانسانية العالمية هي دعوة المعتزلة وحالة فعلها .