رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 532957

أسطورة المهدي عند الأمم

المهدي

أسطورة المهدي عند الأمم

قراءة عامة

أمين نايف ذياب

شراكة في الفكرة واختلاف في المحددات

من هو المهدي المنتظر ؟ أو على الحقيقة اللامنتظر ؟ ـ أي الذي لن يأتي أبدا ـ هل المسيا المنتظر عند اليهود هو أساس لفكرة المهدي المنتظر عند المسلمين ؟ ما هي مهمته ؟ في الفكرة الغريبة السائدة عند جماعات المهدي ـ وهم كثر ـ أن ينجح ـ مع فشل الأنبياء جميعا بلا استثناء ـ في مهمة صلاح الإنسانية في الدنيا ، لا يشك أي باحث بأن المسيا المنتظر عند اليهود هو الأساس عند النصارى في جعل المسيح بن مريم أقنوما ، وهو الأساس لأسطورة العودة الثانية للمسيح عليه السلام عند النصارى [ومنهم أخذها المسلمون] ليخلص العالم من الشقاء ، بعد أن حقق في المرة الأولى الفداء  .

كيف انتقلت هذه الفكرة إلى الشيعة الإمامية وترسخت بطريقة تلفت النظر ـ  وصارت اعتقادا متركزا في الذاكرة الجماعية لمجموعهم ؟ وكيف استوطنت عند فرق أهل السنة ؟ كيف تنقلت هذه الفكرة ليكون لـها وجود عند الأمم جميعا ؟  البرتغال مثلا وغيرها بحيث يمكن القول لكل أمة مهديها !!! ولماذا هي مقبولة بشكل عام في ذاكرة المعاصرين على اختلاف معتقداتهم وثقافتهم وجنسياتهم  ؟

ومع اتفاقهم هذا إلا إنـهم يختلفون حتى ضمن المعتقد الواحد ، فهم مختلفون على الكثير من الأمور المتعلقة به مثل : من هو ؟ ما هي مهمته في الأرض  ؟ لماذا يناط الصلاح بظهوره ؟ ما هي شروط ظهوره ؟ وهذا الاختلاف دلالة واضحة على كون المهدي مجرد أسطورة ، وهنا يتساءل الناس : ما أصل هذه الأسطورة ؟ لِِـمَ توارثها الناس ؟ ألا يدل توارثهم لـها على وجود أصل صحيح لـها ؟ كيف السبيل لحل هذه المسألة الشائكة المعقدة ؟

يتتبع هذا ألبحث نشأة هذه ألأسطورة ، وهي أسطورة تحولت عبر الزمن إلى معتقد ديني يكاد يكون راسخا ، ليس في الشرق بل شمل العالم كله ، وقد أدي وجود قدر مشترك من الأساطير المـيثولجية بين الأمم  إلى زعم بعض الباحثين بتفسير نشأة الأديان إلى الأسطورة ، وهذا يحتاج إلى التعريج عليه في ما بعد ، ومن المعلوم أن الأديان السماوية الباقية هي أديان استوطنت منطقة محددة جغرافيا ، هي العراق وبلاد الشام ومصر والجزيرة العربية ،  وغيرها من الأديان إن كانتْ قد وجدت لقولة تعالى ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)) (فاطر:24) فهي الآن ليس من الممكن الجزم بـها أن كانت من حيث الأصل دينا تحور تحورا كبيرا بحيث اقتربت من الوثنية أم لا ، كالبوذية والهندوسية وهما لا زال لهما وجود وأتباع كثر ، والصابئة المعمدانية وأتباعها قلة ، فهل هي دين يحيى فعلا أم هي دين مبتكر ، ويمكن الجزم بوجود أديان أو مذاهب تدل دراستها على أنها ملفقة تلفيقا واضحا ، كالسيخ فهو دين خليط من الإسلام والهندوسية ، والبهائية وهو دين واضح تلفيقه ، معتمدا فكرة المهدي وعودة المسيح ، ومثل البهائية جرى تلفيق الأحمدبة القاديانية وجل اعتمادهما على فكرة المهدي وعودة المسيح .

رغم كثرة الأساطير عند الناس لكن أخطر هذه الأساطير هي أسطورة المهدي المنتظر ، فالمهدي يتجاوز في ذهن المؤمنين به التبليغ بالـهداية كما هي مهمة الرسل ، فهو منجز فعلا عملية الـهداية ، في زمن لا يعرف متى يأتي ، فعلى الناس معاناة المرارة بانتظاره ليزيلها عنهم ، فكل عمل لزوال الظلم غير مجد . وهو قادر على زوال كل المظالم والمفاسد . ولكنه ليس رسولا مرسلا برسالة يعاني مرارة التبليغ ، فالمشرق يقوم في ذهنه وهو يؤمن بأسطورة المهدي عملية صناعة للآلهة البشرية أو [أبناء الآلهة] المبتذلين أحياناً على صورة المُخلِّص ـ الرؤية اليهودية والإسلامية  ، وهذا خير مثل على هذه الصورة صورة المهدي المخلص ، لكن صورة المهدي الإله هي صورة الأقنوم الابن عند المسيحيين وشخص البهاء عند البهائية ، والذي لا بد من وضع فصل خاص به في هذا البحث ، وأحيانا أخرى على صورة من يقيم العدل بين الناس بعد تحكم الجور ، وحينا آخر على صورة المهدي الغائب غيبة كبرى ، وفي وضع آخر هو على صورة المنقذ وصورة المهدي موجودة ومتداولة منذ فجر الحضارات في وادي الرافدين والنيل [ الأسطورة المؤسسة المصرية ] وسوريا وشبه الجزيرة العربية فكان لا بد من سبر أنماط وأشكال تمظهر هذا [ المُخَلِّص المؤله] من خلال دراسة نموذج طقوس التتويج المصرية] كموروث متكيف، يتحول بالتهجين و التلفيق [مع كل وافد طارئ يرد في ذهن كذاب أو مدع .

مصدر الأسطورة المهدية

يمكن تفسير نشأة الأسطورة المهدية عند المسلمين من خلال احتمالين :

الاحتمال الأول : الفهم المعوج لبلاغ الرسل بالنبي الخاتم ، وقد نص الإسلام كما هو موثق في كتاب الله عزَّ وجل على أن اليهودية منذ موسى عليه السلام على علم بختم الرسالات ، ثم أكدت ذلك النصرانية ، قال الله تعالى ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)) (الصف:6).

وهل كان أمر النبوة الخاتمة موجود قي عهد إبراهيم عليه السلام ، قال تعالى : [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (البقرة:124) ربما كانت هذه الآية في القرآن الكريم وهي آية كاشفة عن إمامة حق لإبراهيم عليه السلام بالتزامه الصراط المستقيم ، لكن إبراهيم طلب من الله تعالى استمرارها في ذريته ، فلم يعده الله بها ، بل يفهم أنها لا تستمر إلا بإرادة الإنسان نفسه ، فهي تكليف ، فالآية تمنع استمرارها كونيا أو وراثيا ، لكن ذاكرة التحريف اليهودية  قفزت عن أن إبراهيم عليه السلام طلب إمامة على الهدى في ذريته ، وكان الجواب واضحا [لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] فلا يفهم منها وجود عهد لأحد ، لا بمنطوق النص ولا بمفهومه ، ولا يفهم بقاء الهدى بصورة مستمرة ، ولا يفهم منها تكفل الله بإرادته الكونية وجود مهتدين ، فالسير على درب الهدى عملية اختيار ، فلا وعد لأحد على الإطلاق ، ولا وجود أو تقدير لنبي أو إمام قبل وجود الأبوين [ أصل الخليقة] ذلك هو معنى قوله تعالى : [ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً](البقرة: من الآية30) ولا تختلف عنها قوله تعالى : [يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ] (صّ:26) ففي سياق الآييتين واضح معنى الاستخلاف ، فهو إرادة من الله شرعية لا كونية ، إذ لو كانت كونية لكان النص على : [فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ] عبثا لا لزوم له ، أليس الهدى أمر مبرمج عند الشيعة ؟ فهل يصدر الله أمرا للمبرمج ؟ هذا السؤال مطلوب من كل جماعات المهدي المنتظر الجواب عليه . وقد ساعد على تبني فكرة المهدي المنتظر عند المسلمين تبشير عيسى عليه السلام بالنبي محمد (ص) النبي الخاتم ، والغالب أن ما يسمى الرؤيا المسيانية في الفكر اليهودي [أي المخلص] هي أساس تأليه عيسى عند النصرانية ، وهي عينها تطورت عند المسلمين بفكرتين ، وليس بفكرة واحدة ، المهدي المنتظر في الصورة اليهودية  ونزول عيسى لعونه الصورة المسيحية ، وعلى كل أي زعم عن المهدي هو تحريف لختم النبوات ومن يطلع على القاديانية والبهائية ، يجد أنها عين الفكرة ، عدم ختم النبوة والرسالة ، وقسمة الزمن إلى قسمين :  والآية الكريمة التي جعلت المسيح مبشرا بالرسول الخاتم ، هي أساس في تطور فكرة الخلاص من نبوة مبلغة إلى مجموعة من التشكيلات المظاهر التي لا تنم على غير الجهالات .

الاحتمال الثاني : نشوء فكرة المهدي المنتظر من قبل الحكام ، أي من الذين أدعو أنـهم سلالة الآلـهة ، فهم سلالة أخرى ، وليسوا من سلالة البشر ، وهذا ما يجده القارئ في فكرة الحق الإلهي في الحكم ، لتكون لهؤلاء الحكام الطاعة المطلقة ، وقضية تميز الحكام عن غيرهم أمر معروف ومعلوم في تاريخ الحكام ـ إنـهم يستبدون بالأمر دون الرعية ، فيلجئون لوصف أنفسهم بوصف مميز لـهم ، ومن الأساطير القديمة في مثل هذا الأمر ما يلي : .......(1)

(1) قد قصد المؤلف الفراعنة والاباطرة الرومان وأمثال جوبا الثاني المهجن.

وهذا سيجد لها استمرارية في التاريخ، عند الأمم  وحتى عند الأمة الإسلامية رغم أن الأمم دخلت القرن الحادي والعشرين فما الذي يعطي القوة لهذه الأسطورة أن تستمر ؟ إذا جرى الاتفاق على أن أصل الأسطورة يعود للاحتمال الأول ، وهو التبشير بالنبي الخاتم محمد(ص)، فكيف جرى عند المسلمين هذا الإعوجاج ؟ وهم يعلمون ختم نبيهم للنبوات ، فلا نبي بعده ، فكيف سولت لهم أنفسهم الانحراف عن هدي نبيهم والتحريف برسالته بحيث يشكلها العقل الأسطوري ؟ لقد فتح المسلمون في تبنيهم لأسطورة المهدي ثغرة كبيرة في دين النبي(ص).

الرسول هو المهدي ولا مهدي غيره

حسان بن ثابت والمهدي

توفي رسول الله وبعد أخذ ورد تمت البيعة لأبي بكر الصديق ،  على ملأ الناس ، البيعة التي سماها عمر بن الخطاب: "فلتة وقى الله بها شر الفتنة". ثم تلتها من الغد الثلاثاء البيعة العامة من قبل أكثرية المسلمين ، ولولا هذه البيعة العامة لحدثت فتنة ، أو لما صار أبو بكر خليفة مطاعا ولبايعوا غيره ، فالخلافة تكون خلافة بقبول جملة المسلمين للخليفة ، ثم جهزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم للدفن يوم الأربعاء وبكوه كما لم تبك أمة نبياً في التاريخ. قال حسَّان في رثائه:

ما  باُل عَيْـِنكَ  لا  تَــنامُ  كأنَّـما   كُحِلَتْ  ما  فيها  بِكُحْلِ  الأرْمَـــــدِ

جَزعاً على المَهْـدِيِّ أصبح ثاويـاً يا خَيْر مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعَــــدِ

جَنْبي  يَقيكَ  التُّرْبَ  لَهْفي  لَيْـتَنـي غُيِّبْتُ  قبْلَكَ  في  بَقيـع  الغَرْقَــــدِ

بأبي  وأُمي  مَنْ  شَهِدْتُ  وفاتـــهُ  في يـوْمِ  الاثنين النَّبِيُّ   الـمـُهْتدي

ها هو "المهْدي" إذن ، قد ولَّى  . المهدي على الحقيقة واليقين وليس المجاز . المهدي الذي وصفه لـهم رب العالمين : ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ ))(الشورى: من الآية52) . ولكي يهدي إلى الصراط أفلا يجب أن يكون نفسه على ذات الصراط ؟. هذا ما جاء تأكيده ثانية من رب العالمين: ((إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))(الزخرف: من الآية43) أي أنه "مهدي" أولاً ، وعلى صراط مستقيم ثانية. فهو من هذه الحيثية "مُعَلِّم الاستقامة"، كما حلمت بمقدمه جماعات المغتسلين اليهود في خرائب قمران من برية فلسطين(1) ، وتأخر عنهم لأزيد من سبعة قرون !. لذلك فهو مخول بـهذه الـهداية وهذه الاستقامة أن يهدي غيره إلى الـهدى والاستقامة بمشيئة رب العالمين مشيئة شرعية وليست كونية . وهذا هو الوارد هنا على لسان شاعره حسان. ثم هو ثالثة "أمير العدل"، الذي يروى أنَّ عبد الله بن ذي الخًوَيْصِرَة التَّميمي في قسمة من قِسم الفيء قال له : "اعدِلْ يا رسول الله ! فأجابه : "ويلَكَ مَنْ يعْدل إذا لم أعدل " . نعم إن لم يعدل محمد حِمْدة الأمم {على وزن اسم الهيئة فِعْلَة} ، فمن يعدل بعده إذن ؟. ثم ألم يصفه ربه ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) (القلم:4) .

(1) المهدي اللامنتظر محمد حنشي

هل من المعقول في الإسلام أن يجري في الذهن الإسلامي ـ وقد عاش سيرة نبي الهدى ـ قبول المهدي الأسطورة ؟ ويبدأ تفريخ المَهادي اللامنتظرة ! هذه الأسطورة هي هوس غريب يهدم صورة النبي الخاتم ، ويقعد المسلمون جميعا بلا استثاء على الطوار ينتظرون المهدي ليصلح لـهم حياتـهم ، بدل جعل فعلهم الجماعي هو الذي يصلح لـهم الحال . إن أسطورة المهدي التي تسربت للعقل الإسلامي ـ كمرض عقلي في دين نبي الـهدى ـ قد أعاقت إمكانية استئناف الحياة الإسلامية ، وأقعدت الأمة على الطوار منتظرة خروج المهدي قرنا إثر قرن . ها هي الأمة الإسلامية ـ وٌقد أقعدها كسيحة مرض الانتظار ـ تتجرع أنواعا عديدة من الهوان ـ عدو بعيد يأتي من وراء البحار بدباباته وطائراته يسومها العذاب ، وحاكم لها يظلمها أناء الليل وأطراف النهار فتعجز عن إزالته بل ومنها من يدعو لموالاته وطاعته من قبل المسلمين .

العقل الإسلامي والتكليف

بديلا عن معرفة التكليف عند الأمة الإسلامية ، والقيام بما كلفها الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تسرب للعقل الإسلامي فكرة قاتلة للعمل ، هي فكرة الانتظار لحركة خلاص قدرية ، وكلما فشلت حركة ـ بديلا عن الاعتراف بالفشل ودراسة أسباب الفشل ـ يقوم العقل الجمعي لتلك الحركة بتوهم مفاده الخلاص بعد زمن ، وهذا ما ظهر واضحا في الحركات الإسلامية ، ومن أمثال ذلك في الماضي ما ادعته الكَيْسانية والمُخْتارية في محمد بن الحنفية العلوي ـ ومع أنَّ قراءة التاريخ لا تدل على وجود حركة كيسانية ذات منظور فكري ، إذ هي حركة انتقامية من قتلة الحسين عليه السلام ، وتمهد لثورة تعيد حكم الرشد الذي غاب عمليا ، إلا أنها وقد منيت بالفشل قام بعض أتباعها بالترويج لفكرة المهدي بعد موت مؤسسها ـ ولم تستقر الفكرة طويلا ، لكن الرغبة في جعل الفرق الإسلامية 73 فرقة ـ كما هي الدعوى في حديث الفرق المزعوم صحته ـ هي التي أبقت وجودا مستقرا لهذه الخاطرة ، إذ دون مؤرخو الفرق هذه الخاطرة كفرقة من فرق الشيعة ، و مثلها أيضا المهدي الإسماعيلي السُّبْعي ، ولكن صورتها لم تكن صورة المهدي بل صورة تحقيق الانتصار بعد فترة اختفاء وعمل موصوف بالسرية ، وعلى ضوء هذا الكلام يمكن تفسير دعوى الغيبة الصغرى غيبة الإمام الموسوي [نسبة لموسى الكاظم ] أي غيبة الإمام الثاني عشر عند الإمامية ، فهو اختفاء لأجل عمل سري ، و تفسير وصف ابن أبي جعفر المنصور بالمهدي العبّاسي ليأخذ الشرعية بعد غدر العباسيين ببني عمومتهم ، إذ كانت الدعوة التي انضوى تحتها العباسيون دعوة للرضا من آل محمد ـ أي لواحد من نسل فاطمة وليس لعباسي ـ ، ورغم أن الدعوة للرضا من آل محمد لم تستند الدعوة للمهدية ، ولا لحق مغتصَب لآل البيت ، بل كانت ثورة لعودة حكم الرشد ، لكن الإحساس بالصورة المهدية من حيث الواقع أجاز وصف الحسني [ النفس الزّكية ] بالمهدي من حيث سياسته ، ومن المعلوم فشل المهدي الحسني كما سيأتي لاحقا .

كثرة مدعي المهدية

حفل التاريخ الإسلامي بالعديد الذين وصفوا بالمهدي ، لكن المشكلة ليست ثاوية في دعوى المهدي من كونه سائرا على درب الهدى ـ الذي جاء به النبي الخاتم ـ فطلب الهدى والمهدي بـهدي النبي محمد على هذه الصورة هو فرض افترضه الله . ومن هنا فمثل هذا المهدي ليس هو  محل البحث ، فكل مسلم يجب أن يكون مهديا هاديا ، أي مهتد بدين الإسلام ، وهاديا له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . المسألة محل التساؤل آتية من كونه يأتي من خلال نصوص زعم أنها من الدين من جهة ، ومن جهة أخرى فهو منوط به أفعال تتعدى كونه مهتديا بـهدي النبي وهاديا له ، فهو صاحب إضافات على الدين الإسلامي ، وصاحب قدرات فائقة في تطبيقه للعدل في الدين ، فقد انتقل أمر المهدي من رغبة وتوق عند المسلمين لعودة الرشد ، إلى مفهوم خطير هو بقاء الدين الإسلامي يقوده الجبارون ، حتى يأتي الموعد القدري فيستأنف المهدي لا(1) الأمة تطبيق الرشد ، وتمعن أيها القارئ الكريم بالحديث التالي ـ الذي تحول إلى محور أساسي عند حزب التحرير ـ لا تخلو نشرة أو محاضرة من ذكره ، دون ذكر قصة الحديث عمدا ، ودون ذكر جرح وتعديل الرواة فهم يذكرون متن الحديث فقط أي ما تحته خط . والحديث مع هذا انفرد أحمد في إخراجه جزء 4 ص 274 وهذا هو : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ، حدثني داود بن إبراهيم الواسطي ، حدثني حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، قال : [ كنا قعودا في المسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ] { هكذا هي في مسند احمد والصحيح أن تكون كنا قعودا في مسجد } وكان بشير رجلا يكف حديثه ، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال يا بشير بن سعد : أتحفظ حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمراء ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته  فجلس أبو ثعلبة ، فقال حذيفة : قال رسول الله : ـ   صلى الله عليه وسلم ـ تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أنْ تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أنْ يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا ، فيكون ما شاء الله أنْ يكون ، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها ، ثم تكون ملكا جبرية ، فتكون ما شاء الله أنْ تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أنْ يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز ـ وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته ـ فكتبت إليه بـهذا الحديث أذكره إياه ، فقلت له : إني أرجو أنْ أمير المؤمنين يعني عمر بعد الملك العاض والجبرية ، فأدخلَ كتابي على عمر بن عبد العزيز ، فسر به وأعجبه فالخلافة على منهاج النبوة كما هي عند ناقليه الأوائل هي خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

(1) قد تكون خطأ والصحيح في

يفهم من الحديث طموح الأمة ورغبتها لمـجرد عودة تطبيق الرشد ـ من خلال تولي الحكم رجل تقي ـ فكيف تحول الأمر عند الحزب إلى الرشد القدري ؟ وكيف يسوغون لأنفسهم إدعاء العمل السياسي والفكري لعودة الرشد ؟ والرشد كما هو ـ منطوق الحديث ـ آت بقدر الله في موعد لا يعلمه إلاَّ هو ، تلك هي الإشكالية التي رفض حزب التحرير حلها ، والمفروض بكونه يدعي القوامة على الارتقاء بفكر الأمة وترهيف الحس الجماعي فيها أن يقدم إجابة مقنعة لا أن يحتجب على دعوى تخريج الحديث من قبل محدث ما ، فهم الدعوة المهدية ووجود المهدي على رأس الحكم مبايعا من جملة الأمة يتحقق بالعمل الجاد لدعوة الـهداية ، وهو الذي يجب أن يسود ويدحض دحضا بليغا المهدي القدر ؛ أو المنتظر ؛ أو المهدي الأسطورة ، لا أن ينشرها بين الناس  وبـهذا الفهم يمكن تفسير وصف محمد النفس الزكية  نفسه بالمهدي ، ويمكن فهم قبول المعتزلة الأوائل للمهدي ، فهي مجرد تفعيل للهدى في سياسة الأمة والدولة ، وليس انتظاره كقدر مقدور .

فصل

جاء في كتاب معاصر هو [ الزيدية قراءة في المشروع وبحث في المكونات مؤلفه عبد الله بن محمد بن إسماعيل حميد الدين والكتاب صدر عن مركز الرائد في الجمهورية اليمنية سنة 1424هـ عام 2004م ].

المهدي عند الزيدية

من اللافت للانتباه أنه لو بحث في قديم مؤلفات الزيدية لن يجد الباحث الكثير عن المهدي ، بل لعله لن يجد أكثر من بضع صفحات . وأما ما روي عنه في فترات متأخرة من كتب الحديث المتأخرة غير أهل البيت ، بل غير الزيدية عموما . والظاهر من النصوص أنَّ أهل البيت يقولون بأن هناك مهديا مخصوصا . وهذا يظهر من موقفهم من محمد بن عبد الله النفس الزكية فقد اعتقد فيه انه هو المهدي ، فلعل أمر المهدي مما كان يتناقل بينهم معرفة ، وليس رواية ، كما تكلم فيه القاسم بن إبراهيم ، وأشار إليه وإلى كريم أوصافه الإمام الهادي يحيى بن الحسين ، ولكن نجد أنَََّ الزيدية لم تكثر من وضع المؤلفات عنه وعن أحواله . ولعل السبب يعود إلى رؤية الزيدية لمفهوم المهدية . هذه الرؤية نجد أصلها في كلام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (ت 145هـ ) لما سئل عن أخيه : أهو المهدي ؟ فقال عليه السلام : المهدي عدة [وعد] من الله لنبيه وعده أنْ يجعل من أهله مهديا لم يسمه بعينه ، ولم يوقت زمانه ، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن أراد الله أن يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يـمن  به على من يشاء من عباده ، وإلاَّ فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره .

يدل النص على أن موضوع المهدي ليس إلاَّ فضلا من الله يسعد به من جاءه ، ولكنه ليس الأمل الوحيد المعقود عليه في إحداث التغيير ، وبالتالي فإن حضوره في الثقافة الزيدية كونه فضلا من الله يأتيه من يشاء . بخلاف الفرق الأخرى التي أصبح هو الأمل المنشود والوحيد للتغيير في المجتمع المسلم . إنَّ الحق يمكن أن يعود ، والعدل يمكن أن يقام ، بغياب المهدي توجب الزيدية السعي إلى أنْ يكون لكل عصر مهديه الذي يملأ زمانه عدلا وقسطا .

يفهم مما سبق أن المهدية ترددت بين نمطين هما :

(1) نمط مهدي الدعوة للرشد حقيقة أو لأخذ المشروعية .

(2) المهدي المنتظر [الأسطورة] وفيه ومنه كانت الكارثة.

للإحاطة بالموضوع كله لا بد من البدء بما قيل في المهدي الحسني وهو من النمط الأول

(1) النفس الزكية(1)

(1) اقتباسات من كتاب المهدي اللامنتظر لمحمد حنشي

ولد محمد النفس الزكية سنة 93 هـ. ، كان والده عبد الله زعيما الهاشميين بالمدينة وأم عبد الله هي فاطمة بنت الحسين  و لهذا كان يسمى عبد الله المحض ، أي بسبب كون أبيه هو الحسن بن الحسن وكون أمه بنت الحسين كما مر ، أما النفس الزكية فوالدته هي بنت أبي عبيدة الأسدي القرشي ، ولذلك سمي ب "صريح قريش"، لأن أمه وجداته كلهن من قريش ، ليس بينهن جارية. اشتهر محمد بالعلم والزهد على غرار جده الأعلى علي بن أبي طالب فلقبوه بالنفس الزكية . ثم زاده الله بسطة في الجسم زيادة على بسطته في العلم ، إذ كان طويلاً ضخماً .

خروج المهدي النفس الزكية

كان آل علي وآل العباس وكل بني هاشم  أمرهم واحد في طلب الحكم من الأمويين، وكانت دعايتهم التي يقودها الجهاز السري الذي يتحكم فيه آل العباس يدعو إلى بيعة الرضا من آل محمد!!!؟؟، حتى أدرك العلويون من خلال التعيينات بعد نجاح الثورة على يد أبي مسلم الخراساني، أن لا حظ لـهم في الأمر الجديد، وشعروا بمغاض الغدر يلوي أفئدتهم من جديد خصوصاً وأنهم يقرؤون لشاعر الجاهلية، شاعر المعلقات طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد من بكر وائل ( ت: 70 ق.هـ / 550 م).

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة      على المرء من وقع الحسام المهند

بل سيخلد هذه المرارة بكل نقائضها عند الشاعر أبي العطاء:

يا ليت جور بني مروان عاد لنا       يا ليت عدل بني العباس في النار

ورغم محاولة أبي سلمة الخلال، الشهير بلقب وزير آل محمد ، تحويل هذا الأمر في بني فاطمة من آل الحسن أو الحسين إلا أنه فشل!

لم تطل مدة السفاح، إذ توفي سنة 136 هـ ، فبويع لأبي جعفر ، عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وكانت أمه أم ولد ، أي جارية من جواري أبيه . وامتنع عن البيعة من آل الحسن ابنا عبد الله المحض بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب : محمد الشهير بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم. وظلا متخفيين خوفاً على حياتهما من المنصور وشرطته . والمنصور لن يختلف في شيء عما كان يقوم به بنو أمية في أعز غطرسة بعض ملوكهم . فهو لم يتردد في استقدام أبي مسلم الخراساني والغدر به وقتله ، عندما خشي من استفحال أمره ، رغم ما قدمه لدعوة آل العباس !. ولا تردد في قتل عمِّه عبد الله بن علي عندما طمع في الملك وظن أنه أحق به من غيره.

هذا الفرع على خلاف الفرعين الحسينيين: الإسماعيلي الُّسبعي (الذي ينتهي بأئمته المعصومين! بالحفيد السادس لعلي بن أبي طالب: إسماعيل بن جعفر الصادق!) أو الأمامي الإحدى عُشري (الذي يوصلها إلى الحفيد العاشر + خرافة!)، يلتقي مع زيد بن علي الحسيني في المنظور الديني والسياسي الذي يعتقد في أحقية آل فاطمة في الحكم أي أحقية تكليف وليس أحقية وراثة ولهذا يرون وجوب الخروج على الحكام الظلمة، إذا ما توفرت لهم القدرة على ذلك.

فلم يكن غريباً إذن، من منطلق البيئة والجغرافيا والتاريخ آنذاك، أن يشعر محمد النفس الزكية الذي ورث من جده علي خُلقه وخَلقة والجامع وراثياً ومناصفة (مجينياً)، للفرعين الحسني من خلال والده عبد الله والحسيني من خلال والدته فاطمة بنت الحسين انه أولى بالخلافة من غيره!.    ففي رسالة وجهها محمد النفس الزكية إلى المنصور العباسي نقرأ فإن الحق حقنا ! وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا !، وخرجتم له بشيعتنا، وحظيتم بفضلنا… ،وأنا أولى بالأمر منك وأوفى بالعهد.

المُهم فيما نحن بصدده في هذا الكتاب هو أن محمد النفس الزكية خرج في المدينة ذات مرة، أثناء تخفيه من المنصور مع زياد بن عبيد الله ألحارثي والي المنصور على المدينة فتصايح الناس: المهدي! المهدي! فلم يكن من ردة فعل المنصور العباسي إلا أن سمّى ابنه إجهاضاً لمثل هذه الفكرة : المهدي !.

كلف المنصور واليه على المدينة زياد بن عبد الله ألحارثي بالبحث عن محمد وأخيه إبراهيم، فتساهل العامل خشية أن يعيد المنصور فعلة يزيد بن معاوية، فعزله المنصور وأمّر محمد بن عبد الله ألقسري، فتلكأ هو الآخر. وأخيراً اهتدى! المنصور لما اهتدى! إليه سالفه في مثل هذه السنة يزيد بن معاوية، عندما أرسل مسلم بن عقبة المري ليعيث في المدينة دون وخز ضمير!. فأرسل المنصور متأسياً بذات الحكمة ! أعرابياً أجلفاً هو رياح بن عثمان المري، من ذات القبيلة ! .

وهذه ليست من المصادفات العجيبة ، بل هي تخطيط جهنمي ! . أول ما فعله الرياح هو استقدام عبد الله بن حسن وطلب منه ولديه . فلما تأبى عليه ، أودعه السجن هو وإخوته وبعض أبنائهم ، وبعد ذلك رُحِّلُوا إلى بغداد ، ويودعون السجن هناك ، وفي النهاية سيقضون ويموتون جميعهم بداخله.

مقتل أعمام النفس الزكية

ومن أعمام محمد النفس الزكية الآخرين ، إبراهيم وجعفر وداود ، كلهم أصحاب مروءة وتدين وورع ، ودخلوا سجن المنصور ـ أبي جعفر ـ تضامناً مع أخيهم عبد الله ـ والد النفس الزكية ـ عندما سجنه الأخير . هؤلاء وصفهم الطبري بأنهم كانوا : أهيب في صدر النـاس مـن الأسد .

أخيراً قرر محمد النفس الزكية الخروج في المدينة ، في شهر جمادى الآخرة من عام 145 هـ. فبدأ بالسجن وأخرج من فيه ، وطلب من أصحابه إلا يقتلوا أحداً ، كراهةً لسفك الدماء ، ثم توجه الثوار إلى دار الإمارة ، وحاصروا أميرها رياح بن عثمان ، ولم يقتلوه على كثرة الشر الذي سبق منه ! . ثم انتظر مجيء الناس للصلاة بالمسجد النبوي ، فصلى بـهم وخطبهم بأنه ما أخرجه سوى تصحيح الانحراف ، الذي يسير عليه المنصور ،، وأن بيعة الأقاليم وصلته . فبايعه الناس بيعة العامة ، ولم يتخلف عن البيعة سوى العدد القليل ، الذين لم يتعرض لهم أحد بسوء ، على عكس ما جرت به عادة بعض المتغلبين في تلك الفترة ، على ما يعرف القارئ من نماذجهم في التاريخ الإسلامي وفي غيره يكونون أشد عتوا.

هذا الفرع الحسني من أبناء فاطمة الزهراء ، تميز منذ البداية [ المقصود في ذلك الزمن ] بعدم إعطاء الفرصة للغلاة المتسترين بالدين أن يقربوا ناحيتهم . فجده لأبيه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب والذي خرج مع عمه الحسين في كربلاء ونجا فقط لأن أسماء بن خارجة الفزاري الذي هو ابن عم أمه حماه . وهذا عم محمد النفس الزكية الحسن المثلث وابن فاطمة بنت الحسين بن علي عندما سأله رجل :

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه  ؟ قال : بلى ، ولو أراد الخلافة لخطب الناس وقال : أيها الناس ، اعلموا أن هذا ولي أمركم من بعدي ، وهو القائم عليكم فاسمعوا له وأطيعوا . [يقصد الحسن المثلث لقال ذلك صريحا بلا إبـهام ] وأكمل :  ويلكم لو كانت القرابة تنفع بلا عمل لقال الرسول ذلك وأعلنه . [ بل من المعلوم أنه قال عكس ذلك تماما فالقرابة ليست معطى من معطيات الإسلام ، فلا نفع فيها ] وأكمل : ويلكم أحبونا إن أطعنا الله على طاعته وأبغضونا إن عصينا الله على معصيته . اعتقد أهل المدينة، أشياع الطالبيين أن سيكون لهم نصيب في الملك الجديد ، مع قدوم بني عمومتهم الأقربين ، خصوصاً وقد تمت البيعة الخاصة في دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم ليلة الجمعة . ثم تقدم للبيعة العامة في الغد راكباً على برذون أشهب قريب من الأرض بين عمِّه داود بن علي وأخيه أبي جعفر، فصعد المنبر وخطب ثم تلاه أخوه داود وقد ارتقى عتبتين من المنبر وقال : أيها الناس إنه والله ما علا منبركم هذا خليفة بعد علي بن أبي طالب غير ابن أخي هذا !

فتوى مالك ابن أنس لصالح النفس الزكية

واستُفتي الإمام مالك في جواز الخروج مع محمد وبيعة المنصور في أعناق الناس فقال بفتواه الشهيرة التي سيدفع ثمنها لاحقاً إنما بايعتم مكرهين وليس على مستكره يمين!!!؟؟.

هذه الفتوى، من بين أشياء أخرى دفعت بآخر من تبقى لديه إحراج أو تردد إلى مبايعة محمد النفس الزكية ، بايعه جِلَّة علماء المدينة وفقهائها ومقرئيها، أمثال: محمد بن عجلان ( ت: 148 هـ ) وعبد الله بن يزيد بن هُرمُز المخزومي ( ت: 148 هـ )، شيخ الإمام مالك، والفقيه أبي بكر بن أبي سبرة القرشي العامري ( ت: 162 هـ )، والمقرئ أبي عامر عبد الله بن عامر الأسلمي ( ت: 151 هـ )، والمحدث أبي محمد عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدار وردي الجُهَني ( ت: 186 هـ )، وحفدة الزبير بن العوام الفرسان العلماء : مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي ( ت: 157 هـ ) والمنذر بن محمد كما أيدته كل القبائل المجاورة للمدينة: مزنة، جهينة، غفار وأسلم. وخرج معه من الطالبيين موسى ( الكاظم ) بن جعفر الصادق ، الذي سوف يتسلسل لاحقاً عند الإحدى عشرية كإمام سابع ، وأخوه عبد الله الأفطح ، الذي سوف تدعي إمامته الأفطحية لاحقاً، عند وفاة والده جعفر الصادق، وعيسى والحسين ابنا الإمام زيد بن علي الشهيد ، ويزيد وصالح ابنا معاوية بن عبد الله بن جعفر، وزيد وعلي ابنا الحسن بن زيد بن الحسن وغيرهم ولم يتخلف عن بيعته سوى القِل القليل .

الحدث الأهم في هذه الثورة هي في توزيع المهام الإدارية وبعث الولاة إلى الأقاليم. فعلى المدينة أمّر عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، وعلى القضاء: عبد العزيز بن المطلب المخزومي، وعلى الشرطة: أبا القلَمَّس عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعلى ديوان العطاء: عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة. وهذه سابقة تبين أن أهل المدينة على اختلاف انتماءاتهم القبلية والعصبية كانوا من مؤيدي النفس الزكية. فهناك الهاشمي والزهري والمخزومي والعُمَري والزُّبيري من بين أمرائه وقواده.

أرسل المنصور جيشاً مكوناً من الخراسانيين الجلداء فقط، لا يعرفون لآل البيت أو لغيرهم عهداً ولا حرمة ، على غرار جيوش الأمويين الغساسنة الذين كان يعالج بهم معاوية وخلفاؤه انشقاقات الحجاز!. بل إن المنصور كان أكثر لؤماً، فقد أمّر على الجيش ابن أخيه وولي عهده عيسى بن موسى !. ورووا عنه أنه قال : لا أبالي أيهما قتل صاحبه !، لأنه كان قد صمم على خلع ابن أخيه من ولاية العهد وتوليتها لابنه محمد الذي لقبه بالمهدي !.

فشل المهدي النفس الزكية

انتهت الثورة باستشهاد محمد النفس الزكية،. بعضهم أرجع الفشل إلى تورع محمد من قتل أعدائه !، عندما وقعوا بين يديه !، وآخرون لعدم أخذه بالمكر أو الدهاء السياسي اللازم !، وفريق آخر، لأنه خرج في المدينة التي لا سلاح فيها ولا كراع ولا رجال !، وفريق ثالث، لتقدمه للمعارك بنفسه بدل استخلاف غيره!..إلى غير ذلك ... ! لكن أليست هذه الأوصاف التي تحققت في صريح قريش : النفس الزكية ، الجامع في عروقه بين شجرتي الحسن والحسين ، هي ذاتها ما أخذ به جده الأعلى علي؟. فإن كان للبيولوجيا في كل هذا من دور موروث، فإذن، لا عجب في رجب، وإن كان للبيئة من تأثير طابع فأيضاً لا عجب في رجب !. وإن كان لكليهما معاً دور مُقَوْلِب، فلا عجب مرة أخرى في رجب. إنها بصمة وسنة استنها علي لأبنائه، ولكل مخلص من المسلمين ممن سيأتون بعده. ومن لم يتسم بها ممن يدعي الانتساب إليه إما دماً أو تفكراً، فإنما هو مدع مفتر، مفضوح الدَّم ومعرى النسب !، ولا يمكن أن ينتسب للعترة بحال !.

لقد قضى محمد إذن بقضاء الله من حيث هو النظام الكوني منذ خلق آدم أي أن الإنسان مقضي عليه بالموت ومقدر له في تكوينه الموت وليس عين الموتة فقاتله هو قاتله الذي فعل قتله وليس مقدر عليه عين موتته ، وإذ الموت قدره وليس سبب موته فلا يضره إن فشل أو نجح ، ما دام كل نجاح أو فشل إنما يقاس بميزانين: ميزان الدنيا وميزان الآخرة. لقد اختار هو ميزان الآخرة ، واختار غيره ميزان الدنيا، وكل أفضى إلى ما قدم وشتان الفرق بين من يكيل بأي منهما !. رثاه مصعب بن ثابت الزبيري بقصيدة يقول فيها :

هلا على المهدي وابني مصــعب    أذريت دمعك ساكــباً تـهتـاناً

ولفقد إبراهيم حين  تصدعــت    عنه الجموع فواجه الأقرانــــا

أضحى بنو حسن أبيح حريمهـم       فينا وأصبح منهبهم متقســمـا

ظلت المدينة هادئة بعد هذه النكبة إلى زمن موسى الهادي! بن محمد المهدي! العباسي ( 144-170 هـ / 786 م )، ثم خرج الطالبيون ولآخر مرة بالمدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن (المثنى) بن الحسن (السبط) بن علي بن أبي طالب ( ت: 169 هـ / 785م ) فالتقى بالعباسيين القادمين من الحج على بعد أميال من مكة في مكان يسمى "فخ" ويطلق عليه اليوم "الزاهر" أو "الشهداء"، فانهزموا وتشرد من خرج معه وهرب من المعركة. من بين من فرّ : إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( ت: 177 هـ/793 م ) وأخوه يحيى ( ت 193 هـ ). إدريس وجد طريقه إلى المغرب وبويع له هناك مؤسسا للدولة الإدريسية. أما يحيى فبث دعاته في الأقاليم وبايعه الكثير من أهل الحرمين واليمن ومصر والعراقيين وبايعه من العلماء إبراهيم بن أبي يحيى  والإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت: 204 هـ) وعبد العزيز بن يحيى الكناني وعبد ربه بن علقمة وبشر بن المعتمر وسليمان بن جرير والحسن بن صالح وغيرهم. وعندما أمعن هارون الرشيد في البحث عنه، التحق بخاقان ملك الترك وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد إليه من هارون وعماله يطالبونه بتسليمه فيتأبى عليهم، حتى قيل إنه أسلم على يديه سراً !. ثم ارتحل يحيى إلى طبرستان والديلم إلى أن استأمنه هارون الرشيد بالأيمان المغلظة. ثم وشي به بآخرة، عبد الله بن مصعب الزبيري فاستدعاه الرشيد واستفسره في دعوى الزبيري فقال يحيى إن هذا هو من كان بايع لأخي محمد النفس الزكية وقال فيه :

قوموا بأمركم ننهض بنصرتكم     إنَّ الخلافة فيكم يا بني الحسن

وسوف يتمكن القاسم بن إبراهيم الحسني الرسي ( 220 هجري /835 م ~ 298 هجري /911 م ) من إقامة دولة ، ثم بعده بقليل سيتمكن الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل الحسني ( ت: 270 ه /884 م ) من تكوين دولة في طبرستان سنة 250 هـ ولكن ثورة الرسي لم تدم فأعاد المحاولة حفيدة يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم سنة 288 هـ {الملقب بالهادي إلى الحق}  فنجح وطال عمر هذه الدولة باليمن، كلاهما باسم الزيدية ، ولكن ميزان تطبيق العدل فيها تذبذب تذبذبا واضحا.

(2) المهدي العباسي

هو محمد بن عبد الله المنصور [أبو جعفر ] . من 127-169 هـ = 744-785 م ، وهو الخليفة الثالث من بني العباس ، لقبه أبوه بالمهدي ليقطع الطريق على من سعى ويسعى من أولاد عبد الله بن الحسن المثني الطالبين لعودة الرشد يحيى وإدريس . تولى الخلافة بعد وفاة أبيه وبعهد منه سنة 158 هـ ، وبقي فيها إلى أن مات ، يكتب عنه المؤرخون أنه كان محمود العهد والسيرة ، تحبه الرعية ، حسن الـخَلق والـخُلق ، جوادا ، وكان يجلس للمظالم ، ويقول : أدخلوا علي القضاة فلو لم يكن ردي للمظالم إلاَّ حياء منهم لكفى . يلاحظ القارئ لسيرته أنه ليس المهدي القدري بل المهدي المهتدي ولا ينطبق عليه أية أوصاف تخالف منطق التكليف .

(3) المهدي السفياني

هو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من 105-198هـ = 723-813م ، كان من أهل العلم والدراية ، كانت إقامته في دمشق ، أغتنم فرصة الخلاف بين الأمين والمأمون فدعا إلى نفسه ، وطرد عامل الأمين على دمشق وامتلكها سنة 195 هـ ، وبويع بالخلافة وعمره تسعون سنة وناصره بنو كلب وبعض بقايا الأمويين ، وخذله بقايا بني مروان ، وقاتله أنصار بني العباس ، وكان أصحابه يجولون في أسواق دمشق ، ويقولون للناس : قوموا بايعوا مهدي الله ! لم يمكن له بدولته رغم اتساعها ، ومات بعد أن تغلب عليه ابن بيهس . ما يهم القارئ ليس تاريخ السفياني ، وإنما يهمه أنَّ أصحابه وصفوه بالمهدي ، أي يدعو للهدى ، وليس هو المهدي المنتظر ، وحديث ظهور السفياني المكذوب يرتكز لهذه الدعوة .

(4) المهدي الفاطمي

هو عبيد الله بن محمد الحبيب {إمام مكتوم} ، بن جعفر المصدق ثاني أئمة الإسماعيلية المكتومين ، ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق الإمام المكتوم الأول ، زمن المهدي الفاطمي من 259-322هـ = 873-934م ، وهو مؤسس دولة الفاطميين ، كان يسكن سورية بسلمة ، واصل رعاية الدعوة ولـهذا أرسل دعاته في البلدان مكملا ما بدأه أبوه ، وهي دعوة تمتاز بالسرية التامة ، وقد نجح أعظم دعاة أبيه وهو أبو عبد الله الحسين بن احمد الملقب بالعَلَمِ والشهير بالشيعي فمهد له بيعة في المغرب ، أي في تونس اليوم ، وفتح بلدانا قبل وصول المهدي ، وناصرته قبيلة كتامة البربرية ، وهي قبيلة يذكرها ابن حزم في جمهرته في انساب البربر بأنها كانت من المعتزلة ، وإذ علم المكتفي العباسي خبر هذه الدعوة طلب صاحبها ، أي عبيد الله ففر من سلمة ووصل سجلماسة سنة 296هـ ، وفي سنة 297 بويع في القيروان بيعة عامة ، فتحولت الدعوة الإسماعيلية دولة ، توسعت في عهد من بعده في البلدان ، حتى استقرت في القاهرة ، وكان يتولى أموره بنفسه ليس له وزير ولا حاجب . ما يهم من هذه الدعوة هو إنـها أيضا دعوة سياسية وليس ذات مهدي منتظر كأسطورة .

(5) المهدي الحمودي

هو محمد بن القاسم بن حمود الحسني ، إذ ينتهي نسب آل حمود في الأندلس إلى إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى سنة 440هـ = 1048م ، اتفق رؤساء البربر وأمراؤهم في الأندلس على البيعة له بالخلافة ، فبايعه أصحاب قرمونة ومورور وأركش وغرناطة ، وتلقب بالمهدي سنة 439 هـ ، واستمر في الحكم 20 شهرا ، انتهت بوفاته . وهذا أيضا واحد من الذين يدعون السير على الهدى .

(6) المهدي الحمودي

هو محمد بن إدريس بن علي بن حمود الحسني ، تولى حكم مالقة وسبتة بعد ثورة على ابن عمه إدريس بن يحيى ، سنة 438 هـ ، وتلقب بالمهدي مع أنه كان سفاكا للدماء ، مع حزم وحسن تدبير ونبل ، وبقي في الحكم إلى موته سنة 444 هـ ، قيل من أثر السم . يلاحظ انه عاصر مهديا آخر من نفس الأسرة .

(7) المهدي بن تومرت

هو محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري ، من 485-524هـ = 1092-1130م ، رحل للمشرق ، اشتهر بالورع والشدة في ما خالف الشرع ، حرض الناس على ابن تاشفين ، لقب نفسه المهدي القائم بأمر الله ، وناصره عبد المؤمن بن علي القيسي في دعوته ، وضع كتبا جعل سيرة الرسول نـهجا له ، حاول فتح مراكش ، مات قبل أن يفتحها ، لكن دعوته توسعت على يد عبد المؤمن بعد وفاته ، وشملت المغرب وبعض الأندلس ، سميت هذه الدولة بدولة الموحدين .

(8) المهدي السوداني

هو محمد بن أحمد بن عبد الله من 1259-1302 هـ = 1843- 1885م ، من أسرة اشتهر أنـها حسينية النسب ، كان أبوه فقيها فتعلم منه ، مات أبوه وهو صغير ، فعمل مع عمه في نجارة السفن مدة قصيرة ، ذهب إلى الخرطوم فقرأ الفقه والتفسير وتصوف ، وانقطع في جزيرة أبا مدة خمسة عشر عاما للعبادة والدرس والتدريس ، فكثر مريدوه ، واشتهر بالصلاح ، وسافر إلى كردفان فنشر فيها رسالة من تأليفه ، يدعو بها إلى تطهير البلاد من مفاسد الحكام ، وجاءه محمد بن عبد الله التعايشي فبايعه على القيام بدعوته ، وقويت عصبيته بقبيلة البقارة وقد تزوج منها ، وهي قبيلة عربية الأصل من جهينة ، كان  فطنا فصيحا قوي الحجة  وتلقب سنة 1298هـ [1881م] بالمهدي المنتظر ، وكتب إلى فقهاء السودان يدعوهم لنصرته . وانبث أتباعه [ويعرفون بالدراويش] بين القبائل يحضون على الجهاد ، جهز له الحكم الثنائي المصري الإنجليزي أكثر من حملة لكنه استطاع القضاء عليها ، وجهز نفسه وجمع الجموع بعد انتصاراته لأجل التغلب على الديار المصرية لكن المنية عاجلته إذ أصيب بالجدري فمات فيه وأوصى بالخلافة من بعده لعبد الله التعايشي . هذا هو المهدي السوداني مثله مثل سابقيه لم يأت من رحم الغيب بوعد بل قام بفعله وقيامه بأعمال يراها هداية .

(9) المهدي السنوسي

هو محمد بن محمد بن علي السنوسي المهدي ، الزعيم الثاني للطريقة السنوسية من 1260-1320 = 1844-1902م تولى الطريقة بعد موت أبيه سنة 1276هـ نسبه يعود لإدريس الحسني اشتهر بالصلاح وقويت الطريقة في زمنه فانتشرت زواياها من المغرب الأقصى للهند ومن وّداي إلى الأستانة وأكثرها في الصحراء الكبرى وشمال أفريقية وكان في كل زاوية خليفة يدير شؤونها ويعلم الأولاد ويقتني الماشية ويشتغل بالزراعة وينفق على الزاوية وما يفيض عن ذلك يرسل إلى السنوسي فخافته الدولة العثمانية والسنوسي هذا هو والد محمد إدريس السنوسي آخر ملك لقطر ليبيا .

(10) حدث خلط واضح بين المهدي أي [المهتدي بـهدي النبي محمد ]

وهو كل من يحمل مسؤولية الدعوة لمنهج الـهدى ، وبين من يدعي أنه المخصوص من الله بالـهدى وهذا النوع هو الأسطورة أو الخرافة أو الكذبة الكبرى سواء من زعم أن مهديه لا زال منتظرا أو من زعم من الذين ولدوا من أبوين وادعوا أنـهم مهتدين بالقدر مثل جهيمان سواء كان على بعض هدى أو على تزييف بكونه على الهدى وهم ـ أصحاب المهدي الأسطورة ـ يقدمون شهادة لمهاديهم المزيفة آيات من القرآن الكريم لا تحتمل أبدا موضوع المهدي ، ويتركون آيات التكليف للسير على هدي محمد (ص) وهي آيات واضحات بينات لا سبيل لإنكارها قال تعالى :

* [ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ] (يوسف:108)

* [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (الأنعام:153)

* [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] (النحل:125)

* [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (التوبة:71) .

* [وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ](العصر)

* المشكلة كامنة في المهدي المنتظر . فالمسلمون وإن كان مطلوب منهم العمل برسالة نبي الهدى لكن الأمر المحتوم هو عدم الإنتاج إلى أن يحين الـموعد القدري . هكذا أضاعوا الدعوة للهدى ، ونظروا للقعود والانتظار دون موعد محدد .

تفريخ المهديين الأسطورة

المهدي الأسطورة ليس من الرجال الذين يعيشون بين اظهر الناس ، فيعلنون للناس دعوة للسير على سبل الـهداية ، كما دل على ذلك من قاموا بدعوة للهداية ، بغض النظر عن كونـها تتمظهر أو تدعي أو تكون حقيقة على هداية فعلية ، المهدي الأسطورة هو شخص افترض غيابه ، معلوم نسبه كما هو مهدي الشيعة الإثنا عشرية ، أو هو مجرد شخص يصلحه الله في ليلة ، ويظهره للناس ، يدَّعون له نسبا غير واضح كما هو مهدي السنة ، كلاهما غير معلوم زمن ظهوره . قامت فكرته على الفكرة اليهودية ، وهي انقسام الدهر إلى زمنين : زمن ظلم وفساد لا يرجى صلاحه ، وزمن صلاح يسود حياة الناس ، لا يكون فيه كفر أو فسوق أو فساد أو مظالم ، هذه هي فكرة المهدي الغائب من حيث الوجود والوظيفة المنوطة به . المهدي الأسطورة هذا مرتكزه الروايات ، وهذا البحث بحث في روايات وأوصاف كل فرقة لمهديها .

كيف استطاع هذا الموروث الأسطوري الخرافي بل يمكن القول الوثني المتعدد الوجوه والأقنعة أن يتكيف مع كل هذه الطوارئ الحضارية والعقائدية ؟ إذ بقي موجودا وجودا ذهنيا فقط في تقمصات وتمظهرات وإمساخات شتى ، ليظل محافظاً على وجوده في العمق حتى وإن تقمّص الشكل الخارجي للوافد وعبّر عن نفسه من خلاله! . والمعلوم من الدراسة للمزاعم اختلاف أنواع وأوصاف المهادي لدى كل فريق . وجود طريقة لكل فريق تختلف عن الأخرى ، ورغم زعم كل منهم أن مهديه هو الحق المطلق ، ودليله  إيراد روايات من كيسه ، وسيضع القارئ إصبعه على الكيفية التي تم بها عملية التصنيع لـهذا المهدي ، والبداية ستكون في مهدي الشيعة الإمامية الجعفرية الموسوية الإثنا عشرية .

قول الموسوية الإثنا عشرية بشأن مهديه

المهدي المنتظر الموسوي هو : الثاني عشر من أئمة الشيعة اسمه محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب أختلف في ولادته فمن قائل لم يعقب الحسن العسكري ولدا وهذا القول يرتكز لعدة أمور : الأول كون جعفر العسكري اخو الحسن العسكري شهد أنّ أخاه لم يترك ولدا . الثاني كون مدونة الشيعة تدون أن أمه جارية الحسن لم يظهر في بطنها حمل . الثالث كون المولود لم يظهر للناس وسيرى القارئ ويمتلكه العجب من الكيفية التي يرد فيها الشيعة على هذه المرتكزات وعلى كل فإن هذا البحث سيبنى على افتراض وجود هذا المولود ، وقد ولد كما تدعي الشيعة سنة 255هـ ، ومات أبوه الحسن العسكري سنة 260هـ ، يسميه الشيعة بالمهدي والمنتظر وصاحب الزمان والحجة وصاحب السرداب لدخوله السرداب في سر من رأى سنة 260 وقيل 265.

عقيدة الصدوق في المهدي المنتظر الشيعي(1)

(1) أقتباسات من كتاب المهدي اللامنتظر

في كتاب " الهداية " ص: 47 ، ضمن  الجوامع الفقهية " يرد النّص التالي : النص لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ، المشهور بابن بابويه ألقمي ( ت: 381 هـ المُلَقّب ب " الصّدوق ! "، والمنعوت من طرف السيد بحر العلوم، بشيخ مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة ! رئيس المحدثين والصدوق !؟!؟ فيما يرويه عن الأئمة !؟!، بخصوص ما يجب أن يعتقده الشيعي الموسوي الإثنا عشري في أسطورته المهدوية السامرائية !؟.

يقول الشيخ الصدوق في كتاب الهداية :

ويجب أن يعتقد أن حجة الله في أرضه وخليفته على عباده في زماننا هذا هو: القائم المنتظر! ابن الحسن ، بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب. وأنه هو الذي أخبر النبي (ص) به عن الله عز وجل ! باسمه ! ونسبه !، وأنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً !. وأنه هو الذي يظهره الله على الدين كله ولو كرِه المشركون. وأنه هو الذي يفتح الله عز وجل على يده مشارق الأرض ومغاربها !؟، حتى لا يبقى مكان لا ينادى فيه بالأذان، ويكون الدين كله لله. فإنه هو المهدي، الذي إذا خرج نزل عيسى بن مريم ثم صلّى خلفه !؟. ويكون إذا صلى خلفه صليا خلف الرسول، لأنه خليفته.ويجب أن يعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره !؟!؟، بقي في غيبته ما بقي !. ولو بقي في غيبته عمر الدنيا، لم يكن القائم غيره !؟!، لأن النبي والأئمة ! عرَّفوا باسمه ونسبه ونصُّوا به وبشَّروا!.

ويجب أن يتبرأ إلى الله عز وجل من الأوثان الأربعة ( يعني بهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم!) والأناسي الأربعة ( يعني بهم: رؤوس مذاهب السنة الأربعة  أبا حنيفة النعمان ومالك بن انس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل الشيباني رحمهم الله!) ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، ويعتقد فيهم إنهم أعداء الله وأعداء رسوله وأنهم أبغض خلق الله !!؟؟!؟. ولا يتم الإقرار بجميع ما ذكرنا إلا بالتّبرِّي منهم!؟. ويجب أن يعتقد فيمن يعتقد ما وصفنا ( أي في شيعتهم المتبرئين مما ذكر!) أنه على الهدى!؟ والطريقة المستقيمة!؟. وأنه أخ لنا في الدين، واجب علينا نصيحته ومؤامنته ومؤاساته ومعاونته ومعاضدته. وأن نرضى له ما نرضى لأنفسنا ونكره ما نكره لأنفسنا، ونقبل شهادته ونجيز الصلاة خلفه ونُحَرِّم غيبته.

ويعتقد في من يخالف ما وصفنا (وهم أهل السنة والجماعة) أو شيء منه أنه على غير الهدى !؟!!؟؟، وأنه ضال!؟ عن الطريقة المستقيمة !؟؟ ونتبرأ منه كائناً من كان !، من أي قبيلة كان !، ولا نحبُّه ! ولا نُعِينه ! ولا ندفع إليه زكاة أموالنا ولا حجّةً يحِجُّ بها عنا وعن واحد منا، ولا زيارة ! ولا نظرة ! ولا لَحْمَ أضْحِيّة ولا شيئاً نُخْرجه من أموالنا لنتقرب به إلى الله عز وجل.ولا نرى قبول شهادته! ولا الصلاة خلفه!. هذا في حالة الاختيار !؟، فأما في حال التّقِيّة! فجائز لنا أن ندفع بعض ذلك إليهم! ونصلي خلفهم! إذا جاء الخوف!. أما أداء الأمانة، فإنا نرى أداءها للبرِّ والفاجر: أدوا الأمانة ولو إلى قاتل الحسين بن عليّ!.

من سطر هذا السُّم الرعاف ؟؟، إنه المسمى عند الشيعة الإثنا عشرية بـ " الصّدوق!؟"هكذا دعوه ، وهو ابن أبي الحسن، ابن بابويه القُمّي، الذي يطلق عليه اسم الصدوق وعليه وعلى والده لقب: " الصّدوقان !؟(1)

(1) المهدي اللامنتظر محمد حنشي

فرقة الشيعة الإمامية حرصت شديدا على القول بهذا القول ربما تختلف الصورة قليلا ولكنها واحدة في عمومها هذا قول لشيعي معاصر لا أدري هل هو زيدي أم هو إثنا عشري والغالب أنه، لكن الزيدية العدلية خرجت عن العدل والخروج بالسيف لزواله وانه هذا هو الشرط للتسليم بإمامة إمام لكن هذا المهدي ليس له مهمة الخروج ما على الأمة إلا القعود على الطوار [الرصيف] وانتظاره إلى يوم القيامة.

والصدوق لم يفصح باسم القائم في هذا النص عملاً بخبر آخر!، ينسبونه بهتاناً وإفكاً لأبي عبد الله جعفر الصادق (الصادق فعلا، حسب شهادة كل الأحزاب الإسلامية وزعمائها المعاصرين له، وإن كان الكذب عليه مشهور من بعض الرواة المظهرين التشيع له والذين تبرأ من جملة منهم في حياته!) رضي الله عنه، أنه قال : صاحب هذا الأمر لا يسمِّيه إلا كافر ! وفي خبر ملفق آخر يزعمونه قال : ملعون ! ملعون ! من سـمّـاني في مجمع من الناس باسمي!؟ .

ورغم التأكيد أن جعفر الصادق ـ على النبي وعلى آله السلام ـ كان موصوفا بالصدق فقد ذب كذب المتشيعة ، إلا أنه لا يعني بحال من الأحوال عصمته ، أو أنه لا تعتريه حالة بشرية من توجيه النص لمصلحته ، وقضية موقفه من عمه زيد بن علي عليه السلام ثم موقفه من النفس الزكية معلومة لكل دارس . والذي يطلع على ما كتبت الشيعة بشأن الأئمة من العدلية (الزيدية الاسم ألذي أطلق من قبل المتأخرين) يرى أن ما جرى من نقاش بين جعفر وواصل ـ في بيت إبراهيم ابن أبي يحيى ، وفي حضور زيد بن علي ، وحضور آل عبد الله بن الحسن المثنى ، وقد عنف واصل جعفرا ، وتبعه زيد بن علي ، وإلا ما معنى هذا التجهيل الذي يحيط به الشيعة الإمامين الشهيدين ؟ !!!! .

ما دامت الموسوية الإحدى عشرية [على اعتبار أن نظرية الغيبة تسربت لهم بعد الحادي عشر] اضطرت اضطراراً للخروج من مأزقها التنظيري إلى ابتكار مهديها الزرادشتي المضمون والنكهة ، كما توقع لـها الجاحظ المعتزلي(1) . وما دامت كل الأحزاب الأخرى من غير الشيعة ـ المقصود من أدعت وجود مهدي منتظر ـ ادعت في مهاديها من قبل مثل ما ادعوا عندما وُوجهوا هم أيضاً بعنق زجاجتهم ، وما دام هذا النوع من الإنتاج صناعة تخصصت فيها المنطقة منذ آلاف السنين ، يمكن الجزم أنَّ مجرد اختلافهم فيه وإعطائه صورة فوق النبوة حتى ومن لم يدع ذلك ـ المقصود أهل السنة ، فهم واقعيا أعطوه صورة فوق النبي ، إنَّ هذا القول ـ إن لم يـخرجهم من أهل القبلة ودائرة الإسلام ـ يجعل من يعلم الصورة التي عليها المهدي ، يوقن من له اطلاع عليها  أن هذه الأسطورة لا علاقة لها بالإسلام ، لا من قريب ولا من بعيد .

(1) المهدي اللامنتظر محمد حنشي

ذلك هو مهدي المتقدمين من الشيعة بل سمة من يدعي المهدي المنتظر ، لكن كيف يقدم شيعة اليوم مهديهم رغم مرور حوالي  1200 سنة على غيبته الكبرى ؟ وبدلا عن جعل طول المدة هذه ـ وما اعترى حياة المسلمين من محن واجتياحات ورزايا وبلايا ـ لكن المهدي لم يظهر لينقذ الأمة منها ، ولم يجعل ذلك موضع البحث ليعلن موت فكرة المهدي وتشييعها ودفنها في مقبرة الذكريات بل بقيت تستمد وجودها من توالي التذكير بها ـ عند الشيعة خاصة ـ وهذه هي رؤيتهم في سنة 1425 هـ = 2005 م والقراءة النقدية لها .

مقال لمحاضر شيعي من منتدى مجالس آل محمد(ص)

الأخ زياد (الكاتب وهو يكتب في منتدى مجالس آل محمد وهو منتدى زيدي لكن التشيع هو الذي تغلب على المنتدى بدلا عن النهضة والتغيير واستئناف الحياة الإسلامية الكاتب يدخل المنتدى باسم الشريف العربي وفي قوله الأخ زياد فهو يقصدني أنا أمين نايف ذياب فتصحف عنده ذياب إلى زياد) وهذا قوله :

[اعتقد الزمن كفيل إذا اعتقد أنا اغلب المذاهب الإسلامية يقرون بوجود المهدي المنتظر ، وإذا ثبت العكس سوف نجعلكم انتم المهدي المنتظر ، ونسميك الكاتب المنتظر ، الذي نفى وجود المهدي المنتظر، اعتقد لا تقوم للأمة قائمة إلا بوجود شخص له قوة شخصية ، وقوة إرادة مدعومة من الله سبحانه وتعالى ، والتي سوف تحقق للأمة التماسك والوحدة ، قولي من هو المؤهل اليوم لكي يقوم بهذه المهمة ؟ كل واحد محارب من شعبه قبل العالم الإسلامي ، ويمكن من قبيلته أكثر من الشعب الذي هو منه ومهما كانت عقيدة الرجل وشجاعته لن يستطيع أن يصل إلا بقوة وإرادة الله سبحانه وتعالى والتي سوف يعطيها الله لحفيد نبي الأمة عليه أفضل الصلاة والتسليم والذي سوف يعيد للأمة تاريخها وتراثها ودينها قبل كل شي وكرامتها وذلك ببركات آل بيت النبوة عليهم السلام والذي سوف تعيد لبني هاشم الذين اليوم أصبحوا بني هامش أمام الشعوب العربية لقهرها لهم وقهر الحكام لهم وسوف يكرم الله نبيه بان يرجع بريق آل بيته من جديد كما بدائها من القديم مع أفضلية السابقين طبعا ولكن لكي يعلم الناس من هم آل بيت النبوة الذين شردوهم وقتلوهم وحاربوهم وبل وكفروهم كما تفعل الوهابية وتطعن في نسبهم حسدا وغلاا (غالبا يقصد وغلو) وسوف يفضح الله هذه الأمم من ظلم وكفر وطغيان ونصب وحقد ويجعل راية آل بيته فوق رؤؤسهم بالقوة وبقوة الدعم الإلهي لهم ، أسالك من يستطيع اليوم جعل الأمة وطن واحد قوة واحدة [يارد] ؟؟ له شخص عليه قوة وشجاعة وإقناع وهيبة لا يستطيع تحملها أي شخص أخر مهما بلغت قوته ودهائه وسياسته ودينه لأنهم جميعا للأسف هدفهم السلطة وان التاريخ يخلدهم وان يجمعوا اكبر قدر من الأموال من الناس والصيت والغنى هذه هدف اغلب السياسيين والعلماء والله تعالى لا يدعم من هؤلاء احد لأنهم ليسوا بنية خدمة الإسلام أبدا نيتهم دنيوية فقط وغير مؤهلين أبدا لقيادة امة عربية إسلامية واحدة لأن الأمر شاق عليهم جدا !!! جدا!!! جدا وتحتاج لتوفيق كبير من الله والله لا يعطي التوفيق إلا حسب نية الشخص ومدى طهارة قلبه ومدى حبة لله ولرسوله وآل بيته خاصة بأمر توحيد المسلمين على يده ومحاربة أعداء الدين فهل احد يملك كل هذا المثل صعبة إذا كان هناك نظرية لا مهدي منتظر فأقول بالفم المليان لا تحلموا بالوحدة العربية ولا الإسلامية ولا بالنصر على أعدائكم لأنكم امة ممزقة ومذاهب متعددة وتكفير وقتل وإرهاب وتفجير وكل واحد مفكر نفسه أمام للحق والباقي خطأ وكل واحد همة نفسه يعني الأمور لخبطة ومن المستحيل أن يوحدهم واحد عادي إنسان بقدرات محدودة مهما كانت قوته وعلمه وسياسته ودهائه مثال بسيط انظروا إلى صدام حسين كان قوة هائلة وقادر أن يعمل أشياء كثيرة لكنه كان ينقصه توفيق الله وتوفيق الله يعطيه لواحد يخاف الله ويحكم بما أنزل الله وسيرة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وسنته وسنة آل بيته الأطهار يمكن المقال هذا لا يعجب الكثير لكنها الحقيقة المرة بغض النظر عن انه أسطورة أو لا....أنتهى الاقتباس.

لا يخفى على أحد الضرورة القصوى والحاجة الماسة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والفهم المناسب لبناء الأفكار المتعلقة بموضوع الإيمان على الدليل الحقّ ، لتكون الإنسانية وخاصة المسلمين  على  مفاهيم رفيعة راقية تسير بها علوا في طريق النهوض ، وهذا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من التفاعل الدائم لتدرك الأمّة هويتها وقيمها الصحيحة الصادقة المنتجة ، وتكون بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث .وانطلاقاً من ذلك ، فقد عمد المعتزلة وهم يسعون لتنقية ثقافة الأمة من عوامل التغشية التي وفدت إليها من تأثرها بثقافة أهل الكتاب وثقافة الفرس والهند واليونان وللحقيقة فإن ثقافة أهل الكتاب كانت مؤثرة تأثيرا شديدا في عقول المسلمين إذ لم تغزو العقول بما هي أفكار بل غزتها بما هي تفسير للقرآن أو روايات قالها الرسول وإذ للشيعة خاصة في هذا الزمن التقني مواقع متعددة منفق عليها بسعة رأى المعتزلة الاطلاع على مقالاتهم بشان المهدي الموسوي الغائب فكانت قراءة لموضوع هذا المهدي والدراسة نشرت في مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب السيد السيستاني للوقوف معهم مباشرة في جدل حقيقي حول منطلقات تفكيرهم المعاصر في هذا المهدي وهم يهدفون من مواقعهم هذه إلى طرح الفكر الشيعي على أوسع نطاق ممكن .

البحث والرد عليه

كثير من الاجتهادات الإسلامية تتعامل مع نصوص القرآن الكريم على طريقة غير علمية ، ولا منهجية ، فتجعل الآية شاهدا لـها ، ولذلك تعطي الآية المعنى الذي تريد ، لأجل ذلك تصدرت محاضرة الشيعة عن المهدي بما يلي : [ الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين . قال الله عز وجل في كتابه الكريم : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) ] {المحاضر الكريم يضع هذه الآية الكريمة متعاملا معها بأنها خبر عن المستقبل ، وأن المستقبل هو إتمام نور الله أي دينه ، والآية للمتدبر بـها يعلمها طلبا سيق مساق الخبر ـ أي هي تكليف ـ وهذا القول على هذه الصورة جعل صورة الدهر الآتي صورة الانتصار قدرا مقدورا ، وإذا كان المهدي قدرا مقدورا ؟ فما أهمية إعطائه هذا القدر الهائل من المقالات ؟ الشيعة الإمامية وكل جماعات الأساطير يهمهم تداول الأسطورة ، وليس التدليل على وجودها ، فهذا آخر ما يعنون أنفسهم به ـ إن وجدت مثل هذه العناية ـ هيهات وهيهات وجودها .

جولة في نصوص المحاضرة

بدأ المحاضر محاضرته بقوله بعد افتتاحيته السابقة قائلا : [ بحثنا إن شاء الله تعالى في هذه المحاضرة يدور حول الإمام المهدي ـ روحي وأرواح العالمين له الفداء ـ !!!! ] والبحث عن فكرة الإمام المهدي ذات جوانب وجهات متعدّدة ، وانتخبت لكم الحديث عن واحد من تلك الجوانب ، وهو جانب ولادة الإمام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لأقوم في محاضرتي هذه بإثبات الولادة ونفي التشكيك عن ذلك .

لابد من العناية والانتباه الشديد لكل جملة تصدر عن مذهبي ، ليس غايتها الوصول للحق بل نشر القول المسبق في الأمر ، وهذا ما التزم به واضع المحاضرة ، فالمحاضر يعلن من البدء وهو يعالج قضية المهدي : أنه معني بجانب واحد هو جانب ولادته ، أي لم يخرجْ الحسن العسكري من دنياه دون ترك عقب له ، فهل الولادة على فرض ثبوتها تثبت أنه مهديٌ ؟ وأنه يغيب غبية صغرى ؟ ثم يغيب غيبة كبرى !!! وإذا كانت الغيبة الصغرى ممكنة ـ شريطة وجوده ـ وأنها اختفاء لعمل سري انقلابي ، ليقوم بالعمل من جهة ويصون حياته من متعقبيه من جهة أخرى ، لم يكن مراد المحاضر بحث الإشكاليات العديدة في المهدي المنتظر ، همه الرد على مقولة : هي إنكار الولادة ، جاعلا إياها أصلا ضروريا لتأكيد قوله ، مع أنها لا تصلح لذلك . ولهذا يجعل كل همه نفي التشكيك في فكرة الولادة ، مع أن فكرة الولادة لا تثبت مهديا ، ولا تثبت هدى ، كل ما تثبته ولادة مولود { قد يكون على أفجر قلب رجل من الأموات والأحياء } أي قد يكون أشد من فرعون على المسلمين ، لكن المغالطة وليس البحث هي المراد ، وهذا هو قول المحاضر ـ أي ما سيلي ـ في نفي فكرة التشكيك في الولادة ، وسيرى القارئ عدم جدواها في إثبات وجود الإمام المزعوم من حيث ولادته ومن حيث غيبته الغيبة الصغرى ثم غيبته الغيبة الكبرى فالشيعة وكل المذهبيين يعتمدون المقال لا الدليل .

التشكيك في فكرة الإمام المهدي (عليه السلام)

يرى المحاضر وجود تشكيك في فكرة المهدي ولذلك يقول : التشكيك في فكرة الإمام المهدي صلوات الله عليه يمكن إبرازه في بعدين:

البعد الأول : التشكيك في الفكرة من الأساس ، فالإمام المهدي سلام الله عليه لم يولد ولا يولد ويرفض القول بأنّه سوف يظهر في آخر الزمان رجل ، يتم إصلاح العالم على يديه ، مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقق مثل هذه الفكرة ، هذا بُعد من التشكيك في فكرة الإمام المهدي .

البعد الثاني : أن يسلّم بفكرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في الجملة ، ولكن يدّعى أنّ هذه الفكرة بعد لم تولد ، وإنّما تولد فيما بعد ، فشخص بعنوان ـ الإمام المهدي ـ لم يتحقق بعد ، [وإذا كان هناك مصلح يتحقق على يديه إزالة الظلم] فذلك يتحقق ويولد فيما بعد .

بعد أن يذكر المحاضر البعدين يقدم معالجة للبعدين هي :

البعد الأول : التشكيك في أصل الفكرة :

إذا لاحظنا البُعد الأول من التشكيك ، أي : التشكيك في الفكرة من الأساس ، فبالإمكان أن نجد المسلمين متفقين تقريباً على بطلان مثل ذلك  فالأمامية وغيرهم قد اتفقت كلمتهم على أنّه سيظهر في آخر الزمان رجلٌ يتم إصلاح العالم على يده المباركة ، وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة ، كما دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات .

في بحث المحاضر أمر التشكيك في الولادة : وللوصول إلى وجود مهدي ـ بمواصفات المهدي الأسطورة ـ حصر المحاضر عامدا الأمر في قولين : الأول قول من نفى ولادته ، لينفيه بسرعة البرق بدعوى انتظاره ـ مع أن الانتظار غير ثابت ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي : هل دل الدليل أصلا  على وجود مهدي ؟ وليس الركض وراء توهمات لأصحاب القولين : إثبات الولادة الممكنة لمولود ، أو أنه لم يولد بعد ، كلاهما مجرد مقال ودعوى ، الفرق بين المقالين والدعوتين هو : إثبات ولادة مولود ، أو دعوى ولادة له في المستقبل ، وكلا القولين لا يحل النـزاع في مهديته ، فلا بد من تجاوز أمر ولادته ، فهي لا تدل على شيء . ومع أن أمر الولادة لا قيمة له في بناء الدليل . لكن إثبات الولادة لا يكون ألا بشهادة الحمل ؟  أو الوضع ؟ أو الوجود أو شهرة المولود كموضوع ـ كشهرة وجود أبي الطيب المتنبي . فمن أي من هذه الجهات ثبتت الولادة للمهدي ؟ وبدل الدليل الطبيعي على الولادة والسبر لموضوع الولادة قفز المحاضر عن ذلك ، وجعل الآيات تثبت الولادة ، ولا يدري القارئ : هل يثبت المحاضر ولادته هو من أبويه بالآيات ؟ أو بما مر من الجهات ؟ إذن من هذا العرض تسقط نظرية الولادة ـ سواء كانت صادقة أو كاذبة ـ في إثبات مهديته ، فالمهدية لا تثبت ولادة ـ حتى على فرض التسليم بالمـهدية ـ لكن ما هو ملفت للنظر تغاضي المحاضر عن قول الفرع الإسماعيلي من الشيعة فهم يعتقدون ويقولون : إنَّ الإمام لا يجوز غيبته عن الأمة بوجه ، ولا بسبب ـ ويتغاضون عن من وجد في المهدي شخصية من المسلمين تعيد الرشد لحياة المسلمين كعمر بن عبد العزيز أي المهتدي الهادي ويسكتون عن الكثير من الناس الذي أنكر المهدي الأسطورة كابن خلدون .

الاستدلال بالآيات في بطلان التشكيك :

يقول المحاضر : أمّا الآيات فأتمكن أن أقول : هي بين خمس إلى ست ، طبيعي الآيات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها . بـهذا القول التقريري ، الذي لا يدل على شيء ـ سوى التخبط الواضح بالدليل والاستدلال ، عرض المحاضر موضوع الآيات كما هو مدون بعد هذا الكلام . وهو لا يأتي بالآيات الخمس أو الست !! يأتي فقط بآيتين ، وهو لا يفسرها حسب الدلالة التي تدل عليها بل يستدل عليها وفق المركوز الذهني له فانتبه أيها القارئ لذلك في ما يلي :

(1) واحدة من تلك الآيات ما تلوته على مسامعكم الشريفة: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ) ، نور الله هو الإسلام (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ، هذا إخبار من الله عز وجل بأنّ نوره سوف يتمّه على جميع الكرة الأرضية، ومصداق ذلك لم يتحقق بعد، وحيث أنّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الإخبار على خلاف الواقع ، فلابد وأنّ إتمام النور سوف يتحقق يوماً من الأيام، ولا يحتمل تحقّقه إلاّ على يد هذا المصلح وهو الإمام صلوات الله عليه، هذه الآية بنفسها ظاهرة بلا حاجة إلى تفسير روائي.

هذه هي الشهادة الأولى التي يقدمها المحاضر لمهديه ، وهي لا علاقة لـها به . علاقتها بيان وجود إرادة لمن يرغب بعدم نشر النور ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ)) (الصف: من الآية8) ، ويرد عليهم الله بأنه متم نوره ، واقتطاع الآيات من سياقها ومن مبانيها ومن دلالتها بلاءٌ  جاء وتسرب لمجمل الأمة من المذهبيين المتعصبين للمذهب لا للحق . ويتناول المحاضر المذهبي جزءا من آية يسعى لتوظيفها في الاستدلال لما تركز في ذهنه ، فهو لا يأتي بـها ليفهم دلالتها ويتبعها ، أي لتكون هدى له كما قال تعالى : ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) (البقرة :1-2) بل لتكون شاهد زور في قوله ، فالآية ليس موضوعها الخبر أبدا ، هي طلب من الله يكلف به المسلمين ليردوا من يعادي دين الإسلام ، والحكمة من هذا الطلب هي تمام النور ، وسيرى القارئ كم هو مقدار العدوان على هذه الآية ؟ (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) (الصف:8- 9) فالآية الكريمة الأولى التي قطعها نصفين ـ المقصود هذا المذهبي ـ لا تتكلم عن وصف معاش ومعلوم ، هي سنون الدعوة الإسلامية في عهد نبي الهدى ، يقف في وجهها أعداؤها ـ وقد حدث ذلك ـ هي مجرد خبر من السماء عن مستقبل لا علاقة له بمن تنـزل القرآن عليهم أي النبي الكريم والجيل الذي أعلن نبوته فيهم .

(2) ويستمر المحاضر فيقول : ومن هذا القبيل قوله تعالى : ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ألزبور مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُون)) ، المقصود من الأرض جميع الأرض ، ولحدّ الآن لم يرث جميع الأرض العباد الصالحون ، ولابدّ وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل ، ولا يحتمل تحققه إلاّ على يد الإمام المهدي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ . هاتان الآيتان وغيرهما من الآيات ـ طبيعي أنا لا أريد أن أقف عند هذا البعد من التشكيك ، وإنّما أريد أن أمرّ عليه مرّ الكرام كتمهيد إلى البعد الثاني الذي هو أساس بحثي ـ تدلّ على فكرة الإمام المهدي . ولكن أعود لأؤكد لكم من جديد أنّ هذه الآيات لا تدلّ على أنّ هذا الشخص قد ولد الآن ، وهو موجود الآن وغائب عن أعيننا الآن ، هذه تدل على أنّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الأمنية في يوم من الأيام ، الأرض يرثها العباد الصالحون ـ جميع الأرض ـ ومن الممكن أنّ الإمام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل ، وتتحقق هذه الأمنية على يده في المستقبل من دون أن يكون مولوداً الآن ، فمثل هذه الآيات لا تثبت ولادة الإمام وأنّه غائب ، بل من المحتمل أنّه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.

ما يلاحظه أي قارئ ـ يفهم القرآن ـ أن موضوع الآيتين لا علاقة له بالمهدي لا منطوقا ولا مفهوما ، وقد أدعى المحاضر علاقة لها في المهدي ، لمجرد فهمه للآيتين بأنهما خبر عن سيادة تامة مطبقة لهدي محمد على كل الأرض ، وهذا الفهم لا يدل عليه الدليل ،  ولا تدل على الولادة وهذا ما أقر به المحاضر صريحا كما هو منطوق نصه . والمشكلة الكبرى عند الشيعة في تحريف نصوص القرآن ، ولي عنقها ، واختراع روايات لهم مكذوبة بشأن مثلثهم : النص والعصمة ، والمهدي المنتظر ، فيه من العجب ما فيه !!!  أنظر أيها القارئ الكريم هذه الآيات التي فيها كلمة الأرض معرفة ، هل تفهم منها كل الأرض أو بعض الأرض ؟ (يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ)(المزمل: من الآية 20) (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً)(نوح:17) (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ )(الجمعة: من الآية 10) (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ)(الحديد: من الآية 22) ( يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)(الحديد: من الآية 17) (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(القمر: من الآية 12) ) (إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )(النجم: من الآية 32) (وَفِي الْأَرْضِ)(الذاريات : من الآية 20) (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذاريات :20) (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً)(قّ: من الآية 44)  (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(محمد: من الآية 22) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(محمد: من الآية 10) (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ)(الأحقاف: من الآية 32) (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ )(الأحقاف: من الآية 20) (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)(الجاثـية: من الآية 5) (يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ)(الشورى: من الآية 42) (لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ )(الشورى: من الآية 27) ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)(الشورى: من الآية 5) (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)(فصلت: من الآية 15) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (غافر:82) (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) (غافر:75) (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً )(غافر: من الآية 64) (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ )(غافر: من الآية 29) (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)(غافر: من الآية 26) (كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ)(غافر: من الآية 21) (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر:74) (يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ )(الزمر: من الآية 21) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (صّ:28) (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ )(صّ: من الآية 26) ( تُنْبِتُ الْأَرْضُ )(يّـس: من الآية 36) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(فاطر: من الآية 44) (اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ)(فاطر: من الآية 43)  (فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)(فاطر: من الآية 9) ( مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)(سـبأ: من الآية 14) (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)(السجدة: من الآية 10) حوى القرآن الكريم 287 كلمة في 275 آية ولم يظهر فيها التعميم الذي ادعاه المحاضر .

الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك :

الروايات أيضاً في هذه المجال ـ في أصل فكرة الإمام المهدي، وأنّه سوف تتحقق هذه الأمنية، ولو من دون دلالة على أنّ هذا الشخص مولود بالفعل ـ كثيرة وسلّم بها غير الإمامية أيضاً، وألّفوا كتباً في جمع هذه الروايات الدالة على الإمام المهدي وأنّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي، والذي اطلعت عليه أنا أكثر من ثلاثين كتاباً للإخوة من العامة غير الإمامية في هذا المجال.ومن باب المثال أقرأ لكم بعض الروايات:عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي»(1) .حديث آخر: «لا تقوم الساعة حتى تملا الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(2) .وعلى هذا النسق روايات أخرى كثيرة موجودة.وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من الإخوة العامّة ، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر(3) ، بل في الآونة الأخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز كما ورد في مجلّة الجامعة التي تصدر من المدينة المنوّرة(4) وذكر أنّ هذه الفكرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة.فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة، للآيات والروايات.وإذا كان هناك منكر فهو قليل، ويمكن أن يعدّ شاذاً، من قبيل ابن خلدون في تاريخه(5) وأبو زهرة في كتابه الإمام الصادق(6) ومحمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار(1) في قوله تعالي: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ)(2) ، فانه حينما يمرّ بها هناك يقول: الروايات ضعيفة، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك لا أكثر.على أي حال أصل فكرة الإمام المهدي وأنّه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الأمنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريباً إلاّ من شذّ، وقد دلّت عليها الآيات كما قلت، والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتاب أو أكثر للإخوة العامة فقط .

والتعليق على هذا القول الظاهر سقوطه هو : مرتكز هذه الفكرة أو هذا الدليل : تسليم النمط الذي سمى نفسه {أهل السنة والجماعة} وخاصة السلفية بفكرة المهدي ، والمحاضر يعلم وجود منكرين لفكرة المهدي ، يذكر بعضهم ولا يقدم أدلتهم التي استندوا إليها في الإنكار ، فهل يقيم الدليل على وجود المهدي من روايات مسلم بها من قبل العامة ؟ ـ هكذا وصفهم ـ العامة ـ وخاصة السلفية ـ تكفر الشيعة ، فهل يأخذ منهم ذلك ؟ من الطبيعي أن يكون الجواب لا ، ومن هنا تسقط نظرية الاستشهاد بأقوالهم . هذا هو الرد على دعوى المحاضر كبدء لكن هل الموضوع يثبت بهذه الصورة ؟ أم يثبت بالدليل ؟ هل الروايات والمقالات تثبت الموضوع بانفرادها ؟ أم تثبته بأن لا يناقض الدليل الأقوى منه ؟ أي القرآن والعقل ؟ من المعلوم أن أدلة الله وحججه لا تتناقض ولا تتعارض بل تتكامل وتتناسق ، إذ لو تعارضت لما كانت أدلة وحججا لله تعالى على المكلفين . ولا يدري القارئ كيف يدين هؤلاء الشيعة معاوية ويزيد ما دام أن الأمر هو تدبير السماء ـ أي تدبير الله ـ لا بد من جواب من الشيعة لا يتناقض ولا يتعارض مع ذاته .

البعد الثاني: التشكيك في الولادة

البعد الثاني للتشكيك هو التشكيك في ولادة الإمام سلام الله عليه، بمعنى أن يقال: نحن نسلّم بهذه الفكرة وأنّه سيظهر شخص، لكن هذا الشخص لا يلزم أن يكون هو الإمام المهدي، ولا يلزم أن يكون مولوداً الآن، ولا يلزم أن يكون قد غاب، ولعلّه يولد في المستقبل والآن غير موجود، ولا توجد غيبة، فكيف نتمكن أن نثبت ولادة الإمام المهدي الآن وأنّه قد تحققت ولادته؟ إن المهم في محاضرتي هذه هو إثبات هذا الموضوع، وعنونت محاضرتي بعنوان «الإمام المهدي سلام الله عليه بين التواتر وحساب الاحتمال» وسأحاول إن شاء الله إثبات ولادة الإمام من خلال هذين الطريقين، أي: طريق التواتر مرّة، وطريق حساب الاحتمال أخرى.

المشكلة في مفكري الشيعة ، أنهم لا يتوجهون بخطابهم نحو البحث الجاد عن الحق بالدليل بحيث ينطبق عليهم قول القائل : ليس بيني وبين الحق عداوة . هم يوجهون المقال لمنحى ومتجه آخر ، فيعمدون إلى إهمال كثير من المقولات بشأن المشكلة الشيعية وهو الثالوث الشيعي : النص والتعيين للإئمة ، والعصمة ، والمهدي المنتظر ، بحيث يهملون إهمالا تاما نمطين من أنماط التشيع ، وهو التشيع الزيدي ، والتشيع الإسماعيلي . والنمطان الشيعيان لهما وجود حقيقى واقعي ، حركا التاريخ ، فالدول الزيدية المتعددة معروف تاريخها وليس مجهولا ، والدولة الفاطمية ذات تاريخ وآثار ، والأئمة الإسماعلية النزارية موجودون ، إذ لهم إمام اليوم ، وهو الرقم 49 من سلسلة الأئمة من نسل إسماعيل بن جعفر الصادق . فلا يوجد مهدي عند الإسماعيلية ، وهو ليس على صورة المهدي المنتظر عند الزيدية وإنما صورة المهدي الهادي ، ولذلك يعمدون في خطابهم إلى التوجه نحو الشركاء في أسطورة المهدي المنتظر ويتحاججون بما لا طائل تحته . فلو صدقنا طرفي دعوى المهدي المنتظر وهو محجوب بالغيب فلا فائدة من ذكره غير القعود على الطوار ومواصلة الانتظار . وهنا لا بد من وضع السؤال المهم جدا وهو كيف أهمل هذين النمطين الشيعيين وإئمتهم من العترة يقينا أسطورة المهدي ؟ !!!!!!!!!!!! هذا سؤال مهم على الشيعة الموسوية أن تجيب عليه .

أربع قضايا مهمّة.

وقبل أن اشرع بالبحث أودّ أن أبيّن أربع قضايا كمقدمة لتحقيق الهدف :

القضية الأولى

أي مسألة تاريخية إذا ما أردنا إثباتها فهناك طريقان لإثباتها :

أحدهما : التواتر.

ثانيهما : حساب الاحتمال.

والتواتر كما تعلمون يعني : أن يخبر بالقضية مجموعة كبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم على الكذب، فإذا كان خبر من الأخبار جاء ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص أخبرونا به، وكلّ واحد نفترضه من مكان غير مكان الآخر، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم على الكذب، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر.هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.

التعليق على هذا القول.

ما الذي تواتر في أمر المهدي ؟ أحاديث المهدي ليست متواترة واقعيا حسب الشروط التي قال بها المحاضر [انظر تعريفه للتواتر قبل هذا التعليق مباشرة !! أحاديث المهدي متناقلة وشتان بين التناقل وبين التواتر !!! كان عليه القيام بدراسة نصوص المهدي ، فيجب على المحاضر أن يثبت التواتر ؛ لا أن يشرح التواتر ، هذا من جهة ،  والتواتر من جهة أخرى كما مثل عليه المحاضر هو عن خبر يكون من أحداث التاريخ الماضية ، والمهدي المنتظر ليس خبرا من أخبار التاريخ الماضية ؛ كوجود سقراط ،هو قضية أخرى هو غيبة كبرى لرجل معين في وجوده في ذلك الزمن المعين مقال كما مر فإن قال المحاضر لا اقصد الغيبة وإنما اقصد فكرة المهدي المنتظر قيل له هذه من نوع خبر عن غيب.

الطريق الثاني: أن نفترض أنّ الخبر ليس متواتراً، كما إذا أخبر به واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر، ولكن انضمت إلى ذلك قرائن من هنا وهناك، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال.فلنفترض أنّ هناك شخصاً مصاب بمرض عضال، وجاء شخص وأخبر بأنّ فلاناً قد شوفي من مرضه، يحصل احتمال أنّه شوفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلاً، لكن إذا انضمّت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين إلى أربعين وإلى خمسين وإلى أكثر، افترض أنّنا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلك وكان حينما يحضر في مكان يستعمل الدواء، فهذا يقوّي احتمال الشفاء، وإذا كانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الآن ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلاً، وأيضاً شاهدناه يجلس في المجلس ضاحكاً مستبشراً، هذه الظاهرة أيضاً تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهكذا حينما تنضمّ قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل إلى درجة مائة بالمائة.هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبراً متواتراً، لكن لانضمام القرائن حصل العلم.فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوّي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن.إذن، حصول العلم بأي قضية تاريخيّة يتمّ من خلال أمرين:من خلال التواتر.ومن طريق حساب الاحتمال بتجميع القرائن.هذه القضية الأولى التي أحببت الإشارة إليها.

مقدمة خاطئة

القضية الثانية

لا يلزم في الخبر المتواتر أن يكون المخبر من الثقات، فان اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر، كما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية، هنا يشترط أن يكون المخبر ـ لأجل أن يكون هذا الخبر حجة ـ عادلاً، أما لو كانت القضية أخبر بها مائة أو مائتان أو ثلاثمائة، يعني العدد كان يشكّل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر؟ فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.وأرجو أن لا يحصل خلط في هذه القضية بين الخبر المتواتر وبين الخبر غير المتواتر، إذ البعض يتصور أنّ مسألة الوثاقة ومسألة عدالة الراوي يلزم تطبيقهما حتى في الخبر المتواتر، هذا غير صحيح، بل الذي نشترط فيه العدالة والوثاقة هو الخبر غير المتواتر.لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة؟ النكتة هي : أنّ الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم، لكثرة المخبرين، وبعد ما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أنّ العلم حصل، وليس بعد العلم شيء يُقصد، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم.وعلى أساس هذه القضيّة ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) أو أي قضية ترتبط بالإمام المهدي سلام الله عليه ونقول: هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجاهيل، هذا مجهول أو ذاك مجهول، هذه الرواية الأولى إذن نطرحها، الرواية الثانية الراوي فيها مجهول إذن نطرحها، والثالثة كذلك، الرابعة هكذا و...هذا ليس بصحيح، فان هذا صحيح لو فرض أنّ الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر، أما بعد فرض أن تكون الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي سلام الله عليه قد بلغت حدّ التواتر لا معنى أن نقول هذه الرواية الأولى ضعيفة السند، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا، فان هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أمّا في الخبر المتواتر فلا معنى لها. هذه القضيّة الثانية التي أحببت الإشارة إليها.

القضية الثالثة

إذا فرض أنّ لدينا مجموعة من الأخبار تختلف في الخصوصيّات والتفاصيل، لكن الجميع يشترك في مدلول واحد من زاوية، كما لو فرضنا أنّه جاءنا مجموعة كبيرة من الأشخاص يخبروننا عن تماثل ذلك الشخص المريض للشفاء، لكن الشخص الأول جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة، والثاني حينما جاء أخبر بالشفاء أيضاً لكن في الساعة الثانية، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لكن في الساعة الثالثة، فاختلفوا في رقم الساعة، لكن الكلّ متفق على أنّه قد شوفي، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لكن بهذا الدواء، والآخر قال بذلك الدواء، فكان الاختلاف بمثل هذا الشكل، أي: اختلاف في الخصوصيّات، لكن الكلّ متفق من زاوية واحدة، وهي أنّه قد شوفي.في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء؟نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم.والنكتة في ذلك، أنّ المخبر الأول في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد: الخبر الأول الذي يخبر به أنّه شوفي، والخبر الثاني أنّه شوفي في الساعة الأولى، الثاني حينما يخبر أيضاً يخبر بأنه شوفي، والثالث حينما يخبر أيضاً يخبر بأنّه شوفي، إذن هم متفقون في الأخبار الأول أنه شوفي، لكن يختلفون في الأخبار الثاني، إذن في الأخبار الأول التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.ومن هنا نخرج بهذه النتيجة: أنّ الأخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معيّن فالعلم يحصل بذلك الشيء، وإن اختلفت هذه الأخبار من الجوانب الأخرى في التفاصيل.وبعد هذا فليس من حقّنا أن نناقش في روايات الإمام المهدي (عليه السلام) ونقول: هذه مختلفة في التفاصيل، واحدة تقول بأنّ أم الإمام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أنّ أم الإمام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شيء ثالث، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلك الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنة والأخرى تقول في السنة الأخرى، فعلى هذا الأساس هذه الروايات لا يمكن أن نأخذ بها، وليست متواترة وليست مقبولة، لأنها تختلف في التفاصيل، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الإمام سلام الله عليه، لأنها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشكل.إنه باطل، لان المفروض أن كل هذه الأخبار متفقة في جانب واحد، وهو الأخبار بولادة الإمام سلام الله عليه، ولئن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات أخرى، لكن في أصل ولادة الإمام هي متفقة، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.هذه القضية الثالثة.

القضية الرابعة

وهي الأخيرة التي أردت الإشارة إليها: ليس من حق شخص أن يجتهد في مقابل النص، فإذا كان عندنا نص صريح الدلالة وتام السند من كلتا الجهتين، فلا حق لأحد أن يأتي ويقول أنا أجتهد في هذه المسألة.فالله عز وجل يقول: (وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وهذه الاية بوضوح تدلّ على الطلب، غاية ما في الامر ليست صريحة في الطلب الوجوبي، لكن في أصل الطلب ـ طلب الصلاة وطلب الزكاة ـ دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه.فلا يحق لاحد أن يقول: أنا أريد أن أجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل على الطلب !! ليس له هذا الحق، وهذا يسمونه اجتهاد في مقابل النص.نعم إذا كان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل على الوجوب بل تدل على الاستحباب، فهذا جيد، لانّ الدلالة ليست صريحة على الوجوب، أمّا أن يجتهد في الدلالة على أصل الطلب ويقول أنا أجتهد وأقول لا تدل هذه على اصل الطلب في رأيي فهذا لا معنى له، لانّ دلالتها على الطلب صريحة والسند أيضاً قطعي.على ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضاً: ليس من حق أحد أن يقول روايات الامام المهدي أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى، هذا لا معنى له، لانّ الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، وسندها متواتر، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضاً، فان للاجتهاد مجالاً إذا فرض أنّ الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعياً، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة، فالاجتهاد لا معنى له، فانّه اجتهاد في مقابل النصّ، وهذه قضية واضحة أيضاً.هذه أربع قضايا أحببت الاشارة إليها في مقدّمة بحثي، والان أدخل في البحث وأريد أن أبيّن عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه، وسوف نلاحظ أن هذه العوامل إما تفيد التواتر، أو تفيد اليقين بحساب الاحتمال، كما أوضّح لكم فيما بعد.

عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه السلام)

العامل الاول الاحاديث الكثيرة المسلّمة بين الفريقين الامامية وغيرهم، والتي تدلّ على ولادة الامام سلام الله عليه، ولكن من دون أن ترد في خصوص الامام المهدي وبعنوانه، فهي تدلّ على ولادة الامام من دون أن تنصب على هذا الاتجاه، وأذكر لكم في هذا المجال ثلاثة أحاديث :

الحديث الاول : حديث الثِقْلين أو الثَقَلَين، الذي هو حديث متواتر بين الامامية والاخوة العامة، ولا مجال للمناقشة في سنده، قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواطن متعدّدة : في حجة الوداع، في حجرته المباركة، في مرضه، وفي...، فإذا رأينا اختلافاً في بعض ألفاظ الحديث فهو ناشيء من اختلاف مواطن تعدّد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الحديث:«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، أحدهما أكبر من الاخر، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» .لاحظوا: «ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، يعني أن الكتاب مع العترة، من البداية، من زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى أن يردا عليه الحوض.وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلاّ بافتراض أنّ الامام المهدي (عليه السلام) قد ولد ولكنه غائب عن الاعين، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا تكذيب ـ استغفر الله ـ للنبي، فهو يقول: «ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض» هذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب الى أن يردا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا لا يمكن توجيهه إلاّ بما قلت: إن الامام المهدي سلام الله عليه قد ولد ولكنه غائب، وإلاّ يلزم الاخبار على خلاف الواقع.وهذا حديث واضح الدلالة، يدل على ولادة الامام سلام الله عليه، لكن كما قلت هذا الحديث لم يرد ابتداءاً في الامام المهدي، وإنّما هو منصبّ على قضيّة ثانية: «وإنّهما لن يفترقا»، لكن نستفيد منه ولادة الامام بالدلالة الالتزامية.وقد يقول قائل : لنفترض أن الامام (عليه السلام) لم يولد، ولكن في فترة الرجعة التي ستقع في المستقبل يرجع الامام العسكري (عليه السلام)، ويتولد آنذاك الامام المهدي (عليه السلام)، إن هذه فريضة ممكنة وعلى أساسها يتم التلائم بين صدق الحديث وافتراض عدم ولادة الامام (عليه السلام).وجوابنا : أن لازم هذه الفريضة تحقق الافتراق بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم في الفترة السابقة على فترة الرجعة، ففي هذه الفترة لا وجود للامام المهدي (عليه السلام) ولا وجود للعترة وقد تحقق فيها افتراق الكتاب الكريم عن العترة الطاهرة.

الحديث الثاني : حديث الاثني عشر، وهذا أيضاً حديث مسلّمٌ بين الفريقين، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق أهل السنة، ومن طرقنا أيضاً قد رواه غير واحد كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين والحديث منقول عن جابر بن سمرة يقول:دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمعته يقول: «إنّ هذا لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لابي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش .وهذا الحديث من المسلّمات أيضاً، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلاّ الائمة الاثني عشر(عليهم السلام).وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أميّة واثنين أو ثلاثة من بني العباس.إن هذا تطبيق غير مقبول، وكلّ شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبي من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة صلوات الله عليهم الاثني عشر.وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه، إذ لو لم يكن مولوداً الان، والمفروض أنّ الامام العسكري توفي، ولم يحتمل أحد أنه موجود، إذن كيف يولد الامام المهدي من أب هو متوفى.فلابدّ وأن نفترض أنّ ولادة الامام (عليه السلام) قد تحقّقت، وإلاّ هذا الحديث يعود تطبيقه غير وجيه.فهذا الحديث بالدلالة الالتزامية يدل على ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه.

الحديث الثالث : الذي أريد أن أذكره في هذا المجال، حديث أيضاً مسلّم سنداً بين الفريقين، وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» ، هذا أيضاً يرويه أهل السنة، ويرويه الشيخ الكليني في الكافي، فهو مسلّم عند السنّة والشيعة.فإذا لم يكن الامام المهدي (عليه السلام) مولوداً الان، فهذا معناه نحن لا نعرف إمام زماننا، فميتتنا ميتة جاهلية.فالحديث يدلّ على أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من إمام، وكلّ شخص مكلّف بمعرفة ذلك الامام ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية، فلو لم يكن الامام مولوداً إذن كيف نعرف إمام زماننا؟.هذه أحاديث ثلاثة، وإن لم تكن منصبّة على الامام المهدي صلوات الله عليه مباشرة، ولكنّها بالدلالة الالتزامية تدلّ على أنّ الامام سلام الله عليه قد ولد وتحققت ولادته.

العامل الثاني إخبار النبي والائمة صلوات الله عليهم بأنّه سوف يولد للامام العسكري ولد يملا الأرض قسطاً وعدلاً ويغيب، ويلزم على كلّ مسلم أن يؤمن بذلك.هذه الاحاديث كثيرة، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب:باب ما روي عن النبي في الامام المهدي، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً.ثم بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الامام المهدي.ثم باب عن الزهراء سلام الله عليها وما ورد عنها في الامام المهدي (عليه السلام)، ذكر فيه أربعة أحاديث.ثم عن الامام الحسن (عليه السلام)، ذكر فيه حديثين.ثم عن الامام الحسين (عليه السلام)، ذكر فيه خمسة أحاديث.ثم عن الامام السجاد (عليه السلام)، ذكر فيه تسعة أحاديث.ثم عن الامام الباقر (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً.ثم عن الامام الصادق (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً.وقد جمعتُ الاحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً.هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الاكمال(1) ، ولا أريد أن أضمّ ما ذكره الكليني في الكافي، والشيخ الطوسي، وغيرهما ، وربما آنذاك يفوق العدد الالف رواية.

وتبرّكاً وتيمّناً أذكر حديثاً واحداً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديثين عن الامام الصادق سلام الله عليه.أمّا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):فهو ما رواه ابن عباس قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «... ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة...» إلى آخر الحديث .وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة، وبعض الاحاديث تذكر أسماء الائمة صلوات الله عليهم.وأمّا عن الامام الصادق (عليه السلام) : فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها» .وحديث آخر عن زرارة يقول: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته».فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام) من ذلك الزمان، فكان أوّل من شكك في الولادة جعفر عمّ الامام المهدي (عليه السلام)، لعدم اطلاعه على الولادة، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الامام المهدي (عليه السلام)، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالامامة في تلك الفترة، حتى أنّه لم يجز الائمة التصريح باسم الامام المهدي، فجعفر ما كان مطّلعاً على أنّ الامام العسكري (عليه السلام) له ولد باسم الامام المهدي، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكّك في الولادة، فهو اوّل من شكك.ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل، شكّك في مسألة الولادة فقال : وتقول طائفة منهم ـ أي من الشيعة ـ أنّ مولد هذا يعني الامام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين، سنة موت أبيه .وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الاسلام الصحيح، يقول: ولم يعقب الحسن ـ يعني العسكري سلام الله عليه ـ ذكراً ولا أنثى .

على أي حال مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام)، وكانت موجودة من تلك الفترة، فالامام يقول لزرارة: «وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين...» إلى أن يقول الامام: «يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء: «اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف جحتك، اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني».واقعاً الانسان والعياذ بالله فجأةً يضلّ عن الدين من حيث لا يشعر، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسّك بهذا المذهب الصحيح: «اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني».ومن الاشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الادعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ومنها هذا الدعاء: «اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً» .ومن الطبيعي أنّ الائمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء ليعلّموا شيعتهم، ومِنْ تعبيرهم بالحجة فقط يعلم مدى حالة الكتمان والتكتم، حتى أنّ الوارد في الدعاء المتقدم «اللّهم كن لوليك فلان ابن فلان» كتماناً للاسم المبارك.

هذه جملة من الاحاديث، وهي بهذا الصدد كثيرة، رواها الكليني في الكافي والشيخ في الغيبة وغيرهما، وهي تشكّل في الحقيقة مئات الاحاديث في هذا المجال.وبعد هذه الكثرة فهي من حيث السند متواترة لا معنى للمناقشة فيها، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد، وإلاّ لكان ذلك اجتهاداً في مقابل النص.هذا هو العامل الثاني من عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه.

العامل الثالث رؤية بعض الشيعة للامام المهدي (عليه السلام)، كما حدّثت به مجموعة من الروايات الاخرى، وهذه الروايات التي سأذكرها هي غير الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين.فرغم التعتيم الاعلامي بالنسبة الى اسم الامام وولادته (عليه السلام) الذي قام به الائمة (عليهم السلام)، السلطة اطلعت من خلال إخبار النبي وأهل البيت أنّه سوف يولد شخص من ذرّية الامام العسكري يملا الأرض قسطاً وعدلاً وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة، انهم كانوا مطلعين ويراقبون الاوضاع، كما اطلع فرعون على مثل هذه القضية وكان يراقب الاوضاع ويراقب النساء ويراقب القوابل، ونفس القضية اتبعها بنو العباس في زمان المعتمد العباسي، فكانوا يراقبون الاوضاع، ولذلك كانت القضيّة تعيش كتماناً شديداً من هذه الناحية.حتى أنّ الامام الهادي سلام الله عليه يروي عنه الثقة الجليل أبو القاسم الجعفري داود بن القاسم الرجل العظيم الثقة الجليل ويقول: سمعت أبا الحسن ـ يعني الامام الهادي (عليه السلام) ـ يقول: «الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟» فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: «إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه»، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: «قولوا الحجة من آل محمّد» .على اي حال، رغم هذا التعتيم الاعلامي الذي حاول الائمة (عليهم السلام) أن يقوموا به رأى الامام المهدي (عليه السلام) جماعة من الشيعة.ينقل الشيخ الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري.وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة، فالشيخ الكليني معروف إذا حدّث هو مباشرة بكلام يحصل من نقله اليقين، ومحمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من الثقات الاجلّة الاعاظم، ومحمّد بن يحيى العطار هو استاذ الشيخ الكليني من الاعاظم الاجلّة، فاثنان من أعاظم مشايخ الكليني الكبار ينقل عنهم، وعبد الله بن جعفر الحميري معروف بالوثاقة والجلالة.يقول عبد الله بن جعفر الحميري: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند احمد بن اسحاق ، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا ابا عمرو إني أريد أن أسالك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة،.... ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فانّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى فقال : أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئنّ قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ـ يعني عن الامام الهادي (عليه السلام) ـ قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون»، وأخبرني أبو علي أنّه سأل ابا محمّد (عليه السلام) ـ يعني الامام العسكري (عليه السلام) ـ عن مثل ذلك؟ فقال: «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان»، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ ـ يعني من بعد العسكري ـ فقال: إي والله.... فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلّل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً وقسّم ميراثه... فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك».

فهل هذه الرواية قابلة للاجتهاد من حيث الدلالة؟انها من حيث الدلالة صريحة، ويتمسّك بها الاصوليّون في مسألة حجيّة خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أنّ هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين ـ وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الامام المهدي، بل بمناسبة حجية خبر الثقة ـ اذ هناك إشكال يقول ان هذه الرواية هي خبر واحد فكيف نستدل بها على حجيّة خبر الواحد؟ ما هذا إلاّ دور في هذا المجال، وكان السيد الشهيد يريد أن يثبت أنّ هذه الرواية تفيد اليقين، لانّ الشيخ الكليني كلّما ينقل ويقول : أخبرني، فلا نشك في اخباره، والذي أخبره هو محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار، وهما من أعاظم الشيعة لا نحتمل في حقّهم أنّهم كذبوا أو أخطأوا ويحصل القطع من نقلهما، وهما ينقلان عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من الاعاظم، وهو ينقل مباشرةً عن السفير الاول للامام سلام الله عليه، والسفير يقول : أنا رأيت الخلف بعيني.فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنّه قد رئي الامام صلوات الله وسلامه عليه.

وهناك رواية أخرى تنقل قصة حكيمة بنت الامام الجواد سلام الله عليه، وهذه القصة مشهورة، ولكن لا بأس أن أشير إلى بعض مقاطعها، وهي مذكورة في كتاب كمال الدين وغيره. تنقل حكيمة: بعث إليّ أبو محمد سلام الله عليه سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال : يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزوجل سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن ـ في بعض الروايات سوسن، وفي بعضها نرجس، وفي بعضها شيء آخر ـ وقلت أنّ هذه الاختلافات لا يمكن أن يتشبّث بها شخص ويقول هذه الروايات مردودة لانّها مختلفة، فان هذا ليس له أثر ـ فأدرتُ طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة : فلمّا صلّيت المغرب والعشاء أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت الى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة واسبغت الوضوء، ثم عادت ـ يعني امّ الامام المهدي (عليه السلام) ـ فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لانظر فإذا بالفجر الاول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: «لا تشكّي وكأنّك بالامر الساعة»، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد وممّا وقع في قلبي ورجعت إلى البيت خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لاجد أمراً شديداً، قلت : لا خوف عليك إن شاء الله، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزةً شديدة ثم أنّت أنّة وتشهّدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقّياً الأرض بمساجده .

ونقل الشيخ الطوسي أيضاً في الغيبة حديثاً ظريفاً فقال: جاء أربعون رجلاً من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الامام العسكري ليسألوه عن الحجة من بعده، وقام عثمان بن سعيد العمري فقال: يابن رسول الله أريد أن أسالك عن أمر أنت أعلم به منّي، فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فاذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وانّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا الى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والامر إليه» .هذه اربع روايات نقلتها لكم، والروايات في هذا الصدد كثيرة جدّاً، وحسبنا ما روي في رؤية الامام الذي هو في الحقيقة يمكن أن يشكّل مقدار التواتر.

العامل الرابع وضوح فكرة ولادة الامام المهدي (عليه السلام) بين الشيعة، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أنّ الشيعة من الزمان الاول كانوا يتداولون فكرة الامام المهدي وأنّه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أنّ الناووسية ادعت أنّ الامام الغائب هو الامام الصادق (عليه السلام)، ولكن بعد وفاة الامام الصادق اتضح بطلان هذه العقيدة، والواقفيّة ادعوا أنّ الامام المهدي الذي يبقى هو الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه، والفت النظر الى ان هذا لا ينبغي سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي، بل بالعكس، هذا عامل للتقوية، لانّ هذا يدل على أنّ هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الاوساط، ولذلك ينسبون إلى بعض الائمة نسبة غير صحيحة وان هذا هو الامام المهدي أو ذاك.

إذا راجعنا كتاب الغيبة للشيخ الطوسي نجده يذكر بعنوان الوكلاء المذمومين عدّة، منهم : محمد بن نصير النميري، أحمد بن هلال الكرخي، محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وغير ذلك إلى عشرة أو أكثر من الذين أدعوا الوكالة والسفارة عن الامام كذباً وزوراً وخرجت عليهم اللعنة وتبّرأ منهم الشيعة.وهذا العامل أيضاً لا يكون سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي وولادته وغيبته، بل هذا في الحقيقة عامل للتقوية، اذ يدلّ على أنّ هذه الفكرة كانت واضحة وثابتة، لذلك ادعى هؤلاء الوكالة كذباً وزوراً، وخرجت البراءة واللعنة في حقهم.إذن هذا العامل الرابع من عوامل حصول اليقين بفكرة الامام المهدي (عليه السلام).

العامل الخامس ان قضية السفراء الاربعة وخروج التوقيعات بواسطتهم قضيته واضحة في تاريخ الشيعة، ولم يشكك فيها أحد من زمان الكليني الذي عاصر سفراء الغيبة الصغرى ووالد الشيخ الصدوق علي بن الحسين والى يومنا، انه لم يشكك أحد من الشيعة في جلالة هؤلاء السفراء ولم يحتمل كذبهم، وهم أربعة : الاول : عثمان بن سعيد أبو عمرو، الذي قرأنا الرواية المتقدمة عنه، وكان عثمان بن سعيد السمّان يبيع السمن في الزقاق، وكانت الشيعة توصل له الكتب والاموال فيضعها في الزقاق، حتى يخفي القضية ثم يوصلها الى الامام، وكان هذا وكيلاً عن الامام الهادي وعن الامام العسكري وبعد ذلك عن الامام الحجة صلوات الله عليهم.الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد.الثالث: الحسين بن روح.الرابع: علي بن محمد السمري.هؤلاء أربعة سفراء أجلّة، خرجت على أيديهم توقيعات ـ استفتاءات ـ كثيرة، نجد جملة منها في كمال الدين، وفي كتاب الغيبة، وكتب أخرى.ان هذه السفارة والسفراء الذين ما يحتمل في حقّهم الكذب، وخروج هذه التوقيعات الكثيرة بواسطتهم هو نفسه قرينة قويّة على صحة هذه الفكرة، أي: فكرة ولادة الامام المهدي، وعلى أنّه غائب صلوات الله وسلامه عليه.

العامل السادس تصرّف السلطة، فان تاريخ الاماميّة وغيرهم ينقل أنّ المعتمد العباسي بمجرّد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للامام مولود أرسل شرطته إلى دار الامام وأخذوا جميع نساء الامام واعتقلوهنّ حتى يلاحظوا الولادة ممّن؟ طبيعي بعض التاريخ ينقل أنّ القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عمّ الامام المهدي، وهذا غير مهمّ، فان نفس تصرّف السلطة قرينة واضحة على أنّ مسألة الولادة ثابتة، وإلاّ فهذا التصرف لا داعي إليه.

العامل السابع ان كلمات المؤرّخين وأصحاب التاريخ والنسب من غير الشيعة واضحة في ولادة الامام المهدي، منهم:ابن خلكان قال: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري، ثاني عشر الائمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية، المعروف بالحجة، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين .والذهبي قال: وأما ابنه محمد بن الحسن الذي تدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين .وابن حجر الهيتمي قال: ولم يخلّف ـ يعني الامام العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين .وخير الدين الزركلي قال: ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر خمس سنين .إلى غير ذلك من كلمات المؤرخين العامة، وهي تشكّل قرينة على صحة هذه القضية.

العامل الثامن تباني الشيعة واتفاقهم من زمان الكليني ووالد الشيخ الصدوق وإلى يومنا هذا على فكرة الامام المهدي (عليه السلام) وغيبته، وفي كل طبقات الشيعة لم نجد من شكك في ولادة الامام وفي غيبته، وهذا من أصول الشيعة وأصول مذهبهم.حساب الاحتمال هذه عوامل ثمانية لنشوء اليقين، وقبل أن أختم محاضرتي أقول : نحن إمّا أن نسلّم بكثرة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها على الغيبة، ومعه فلا يمكن لاحد أن يجتهد في مقابلها، لانّه اجتهاد في مقابل النص.أو لا نسلّم التواتر، ولكن بضميمة سائر العوامل إلى هذه الاخبار ـ التي منها: تباني الشيعة، وكلمات المؤرخين، ووضوح فكرة الامام المهدي وولادته بين طبقات الشيعة من ذلك التاريخ السابق، وتصّرف السلطة، ومسألة السفارة والتوقيعات، وغير ذلك من العوامل ـ يحصل اليقين بحقانية القضية.إذن نحن بين أمرين:امّا التواتر، على تقدير التسليم بكثرة الاخبار وتواترها.أو اليقين، من خلال ضم القرائن على طريقة حساب الاحتمال.نسأل الله عزّوجلّ بحقّ محمّد وآل محمّد أن يهدينا إلى الصراط المستقيم.

--------------------------------------------------------

مقال غير مكتمل .....

بما أن المقال غير مكتمل .....ويحتوي على فقرات من كتاب المهدي اللامنتظر ذكرت ليتم مناقشتها ولكن المؤلف لم ينجز المقال كما رسم له ولكي لا يلتبس الأمر على القارىء أرجو الاطلاع على كتاب الدكتور محمد عمراني حنشي كتاب المهدي اللامنتظر مع الأختلاف بين المؤلفين في طريقة تناول الموضوع.