النخب تمارس التضليل
النخب تمارس تضليل الجماهير
مفهوم النخب لا يتعامل مع حقيقة الحكم من حيث هو حكم ، بل تتعامل النخب مع الحكم كما هو معلنٌ عن نفسه من أنه جزء من الواقع العالمي السياسي السائد ، وظيفة النخب ليست التغيير ولا الإصلاح ، وظيفته عدم تعرض الحكم كحكم لـخطر التغيير ، ويمارس الحكم العمل الإداري العادي ، وإدارة الأزمات ، على ضعف في إدارتـها ، إذ غالبا ما يلجأ لطلب العون والمساعدة من منظومة الأقوياء ، أو هيئات الأمم المتحدة ، بعض النخب هي أهم ركائـزه ، ومن هنا تزول الغرابة من تدانيهما وتباعدهما أحيانا ، إذ هما وجهان لعملة واحدة حتى حال تأزم العلاقة بينهما .
مفهوم النخبة يشمل من يقع عليهم التعريف التالي وهم فئات عديدة وأسماء مختلفة تتقارب وتتباعد وهذا هو تعريفها .
كل مجموعة حزبية ، أو مهنية ، أو حالة فكرية ، أو نـهج سياسي ، أو فكري ، أو الأفراد أي ممارسي التعليم ، أو المثقافة ، أو التثقيف ، { يشترط في الفئات الثلاثة الأخيرة أنْ تظهر عندها الدعوى أنـهم من أهل العمل للتغيير وليس ممارسة المهنة فقط } وهذه المجاميع تزعم القيام بأعمال بقصد الإصلاح السياسي التدريجي أو الجذري عبر المعارضة للحكم أو المشاركة فيه ، وكل فرد يمارس مثل هذا العمل بالمبادرة الفردية ـ أي الأفراد الذين تسوقهم الذاتية للعمل العام ، أو بدعوة الزمر له ليقول رأيه ، أو يكتب في الصحافة في القضايا العامة ، أو ينشر الرأي بالراديو أو التلفاز أو التأليف أو أية واسطة اتصال وتواصل أخرى ، وناشروا الأدب والفن إن كان لهم إدعاء أنَّ غايتهم القضايا العامة ، والشرط الموضوعي لتصنيفهم بالنخبة أمران : الأول عدم ممارسة النشاط على صفة السعى للتفاعل مع الجماهير لإيجاد وجهة نظر أمة ، والثاني أنـهم أصحاب قول لا أصحاب رسالة .
لقد استطاعت النخبة في القرن التاسع عشر تقويض الدولة الإسلامية العثمانية ، على ما فيها من شدة ضعف وهزال وتقصير ، وكان الواجب إعادة بنائها من داخلها ، لا من دعم من عدوها وإعادة البناء قد يقتضي حتما تغييرات جذرية وضرورية ، وليس مجرد تغيير شكلي غير جوهري وكانت جميع زمر النحبة متأثرة بالرؤية الاستعمارية ، سواء في تبنى وحهة النطر الاستعمارية في مشروع الإصلاح ، أو في تبني وجهة النظر الغربية أيضا في تلك الدولة الإسلامية العثمانية العلية وهي ضرورة زوالـها واستقلال الترك عن العرب ، وإذ تقوضت الدولة الجامعة على ما فيها ، في مطلع القرن العشرين خلال أعمال مشتركة من قبل زمر القوميين الترك {تركيا الفتاة} ، والقوميين العرب {عربية الفتاة وغيرها} ، وساعدت الزمرتان بريطانيا وفرنسا ليكون الناتج فظيعا ، إنَّه تقسيم العالم العربي قسمة سياسية وليست إدارية ، ووقع الترك الطورنيون ولا زالوا في مظلة النفوذ الغربي .
في تطبيق هذا التعريف على واقعه ، يعلم أن جميع العاملين بالسياسة والتفكير هم نخبة ، سواء كان العمل على أساس ليبرالي ، أو اشتراكي ، أو قومي ، أو إسلامي ، فالكل سواء في ممارسة التضليل ، والعمل العبثي والعدمي ، ومن هنا يُدرك السبب الذي وصلت إليه حالة الأمة ، وهي حال استمرار التردي والسقوط والتراجع بالأهداف ، ولابد من معرفة الفئات الخارجة عن هذا التعريف ، ليعلم العاملون للتغييركيفية العمل مع الفئات المختلفة ، وهي :
* كوادر هذه الفئات : لأنـها تمارس التطبيل والمديح والتأييد ـ بلا وعي ، للمتنفذين ، من قادة تلك المجاميع فهي مُضَلَّلَةٌ ، وليست مُضَلِّلَةً (الأولى بالفتح والثانية بالكسر) .
* حزب التحرير بأقسامه الثلاثة وشراذمه الأخرى : وهو الآن يمارس الانتظار للوعد القدري من جهة ، ويمارس دغدغة عواطف أعضائه وشبابه بالنصر القريب الآتي من أوزبكستان أو من أخواتـها ، ما تحته خط ينطبق على مجموعة القيادة القديمة فقط .
* القطاع الواسع من الناس وتوصف ب {الأكثرية الصامتة}: فهي ليست نخبة ، وتتأثر بالنخبة تأثرا وقتيا سطحيا ، وتتأثر بأي عمل إصلاحي أو ثوري ، بل تتأثر بمجرد وجود كلام عن إصلاح ، أو عن شخص ترافقه الدعاية بأنه واعد ، فكل ذلك يحرك ذاكرتـها وتجعلها في حالة التأييد ، بغض النظر عن النتائج المرتقبة أو الممكنة لهذا العمل .
* الفئة الرابعة : هي الفئة التي ترى وصول مستقبل الأمة إلى الطريق المسدود ، وبالتالي فموقفها مع ما يرون أنه يمكن أنْ يكون بداية ، أو هو شيء أحسن من لا شيء فهم فاقدو الثقة بإمكان يساوي عظمة الأمة في فكرها وتاريخها .
* الفئة العجيبة الغريبة المتحيرة وهي في منـزلة بين المنـزلتين متطلعة لتكون من النخبة فلا تجد المكان الذي تطمح إليه وهي عاجزة عن القيام بإضافة تجعلها زمرة أو فئة من فئات النخب وهي لا ترى مكانـها في إنتاج فكر الأمة أي العمل للتغيير أي هي قاصرة عن معرفة شروط التغيير وهي تأبى أنْ تكون من فئات الجماهير ولهذا كثيرا ما تكون عاملة لصالح زمر النخب .
هذه القسمة الثلاثية وهي حكم ونخبة وجماهير هي واقع اجتماعي سائد عالميا ولم يستطع الماركسيون تغييره ومن هنا كان الفشل حليفهم فالشرط الموضوعي للتغيير الجذري أي التغير الحضاري هو الانقلاب على هذه القسمة الثلاثية بقيام الحكم على الفكرة ومن هنا يكون المجتمع فكرة معتنقة من الأمة من خلال وعي عام على الفكرة عند الأمة على وجه الإجمال ففكرة الحكم هي فكرة الأمة وليس فكر النخبة ولذلك يكون كل واحد من الأمة أو من المواطنين في محل القدرة بمحاسبة الحكام على تطبيقها والتفاوت الذي يحصل ليس في الأساس بل في ما يحتاج إلى دقة نظر فالشرط الموضوعي للتغير فكرة سياسية معتنقة من الأمة.