عودة زمن الفتاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
عودة زمن الفتاوى
فتوى ابن باز
فتوى مجلس الإفتاء (هيئة العلماء) رقم 31409
بقلم أمين نايف ذياب
هذه نشرةٌ نُشرت ؛ ووزعت باليد ـ ضمن الإمكان المتاح لأهل التوحيد والعدل ؛ ماديا وبشريا بعد أيام قليلة من وفاة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ مفتي المملكة العربية السعودية ـ تحذيرا لأصحاب الفضيلة من الانجرار وراء السلاطين في فتاوى سياسية ، تتيح للسلاطين التبعية لعدو الأمة ، وارتـهان القرار السياسي عند العدو . لقد عهد المسلمون في الزمن الغابر فتاوى علماء السلاطين ؛ تسوغ لهم ظلم الرعية والجور فيها باسم القدر ، وباسم عدم دخول الأمة في فتنة الاقتتال الداخلي ـ أي بين عسكر السلطان والقائمين عليه لكونه جائرا ، ولم نعهد أية فتاوى تصدر لصالح جعل الأرض والمال والرجال في خدمة عدو الأمة ، المتمثل في الولايات المتحدة وشريكتها بريطانيا ورأس الحربة المزروعة في الأرض المباركة دولة العدو اليهودي ، كما هي فتوى جواز الاستعانة بالأمريكان ضد العراق ، واليوم يصر أصحاب الفضيلة على ممارسة هذه الفتاوى مثل حرمة عدم قتل الأبرياء وإدانة ما سموه الإرهاب ، دون تحديد لمعنى الإرهاب بعد 11/9/2001م فكانت كارثة أفغانستان الدامية ، ويوم القيامة سيسأل الله هؤلاء الشيوخ عن مثل هذه الفتاوى التي تحملتها ذمتهم قال تعالى : ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)) (الأحزاب:72) . واليوم وللمرة الثالثة ؛ يحاول البعض منهم إدانة الإقدام بحجة أنه انتحار ، كأنـهم لم يقرئوا قوله تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة:111) وقوله تعالى : ((وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) (البقرة:195) وهذه الآية مجمع عليها أنـها دعوة للإنفاق في تحصين البلد لتنجو من التهلكة .
إنَّ كل التسويغات والتفسيرات التي يلجأ لـهـا السادة ـ أصحاب الفضيلة ـ وخاصة في هذا الظرف العصيب ، ليس لها أساس إلاَّ خدمة المتخاذلين أمام العدو ، ولا بد من التذكير حين ناقش بعضهم الهدنة والصلح والسلام وهي عارية عن الظروف ، فهذه أحكام جوازية تتم وفق ظروفها ، فكل فتوى لا تجعل الظروف حاضرة وماثلة لا قيمة شرعية لها ، فالحذر الحذر من هذا الشَّرَكِ والسلام .
فتاوى علماء الشيعة
المصارعة على الطريقة الأمريكية ـ بين ما يسمى الفرق الإسلامية ـ أمر مشهور ومعلوم ، ومع مصارعتها مع بعضها بطريقة ملتوية ، والبعد عن الكلمة السواء ، وشراء ذمم بعض المرتزقة من اهل الشام ومصر ، ولكن العجب كل العجب ، انـهم اتفقوا على نصرة حبيبهم بوش في عدوانه الأول والثاني على العراق سواء كانوا من علماء الشيعة وعلماء السعودية ـ من اهل الولاء للدولة السعودية ـ ومثلهم علماء الأزهر الأشاعرة فما السر في تناطحهم !!! وتوافقهم في الولاء لأمريكا !!! فصراعهم لا يقصد منه رفعة شأن المسلمين بل اضعافهم ، واتفاقهم يقصد منه نصرة امريكا ، وإذا ما قام نفر مخلص من فرقة منهم بمقاومة امريكا كتنظبم القاعدة وضعه الشيعة بلا خجل موضع الاستهزاء ، وكذلك يضع السلفية حزب الله إذ يقاتل اليهود موضع الاستهزاء ، هل شاهدتم هذه الحقائق أيها المغفلون من جماهير المسلمبن .
ماتَ المُفْتِي وَبَقِيَتْ الْفَتْوَى
بَثَّ الإعْلامُ العالميُّ : المرئيّ ،ُ والمسموعُ ، والمطبوعُ ، خبرَ وفاةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ ، بَعْدَ حياةٍ مديدةٍ ، والشيخُ المتوفى ، ليس شخصاً عادياً ، إذ هو مشهورٌ بشهرتين متضادتين : ـ
الأولى : ـ وَصْفُ الشيخِ بِأَنَّهُ إمامٌ عَلاَمةٌ ومخلصٌ كُلَّ الإخلاصِ للإسلامِ ، والمسلمين ، يُطلقُ عليه هذه الأوصافَ وتلك الألقاب مجموعة الأصوليين الإسلاميين والبعض منهم يغالي بإطلاق الأوصاف عليه ، ومن أمثلة المغالاة فيه رثاء الشيخ (محمد إبراهيم شقرة) له في جريدة الحياة اللندنية ، العدد الصادر يوم السبت 29 محرم 1420 هجري الموافق 15 أيار 1999 م [ كان من الممكن تضمين الرثاء في هذا المقال ، إلاَّ أن المسألة ليست هي الرثاء ، بل هي الفتوى الخطيرة جدا ، والتي جعلت دم المسلمين كدم الحملان سواء بسواء ] . والشيخ شقرة من أكثر المغالين في السلفية ـ طبعا السلفية السلطانية السعودية ـ المفتي الذي مات هو عميد هذه السلفية ، وتعتمد على مفهوم موالاة الحاكم ، وإن جار ، أو قسط ، أو ظلم ، أو أفسد ، أو أكل الحقوق ، وأخيراً وليس آخرأ ـ وإن استعان بالأمريكان والغرب على حرب المسلمين ، مُدَّعياً كلاما ليس شرعيا بل هو في فتواه جعل الإسلام لمصلحة الأمريكان .
الثانيةُ : ـ وَصْفُهُ بأَنَّهُ حالةٌ مُتحجِّرةٌ ليستْ على مُستوى الاجتهاد إذ هو مجردُ كفيفٍ يحفظُ مُتونَ السلفية ويفتي بأقوال المذهب الحنبلي وهو في محل العجز عن الاجتهاد في الحوادث النازلة لهذا فهو يشكِّل إعاقةً لتقدمِ الفكر الإسلامي ويحول دون الأخذ بأسباب النهوض .
يقدم الفريق الثاني أدلةً عديدةً فالشيخُ كما هو معلومٌ ، ينكرُ كرويةَ الأرض ، وَيُكَذِّبُ وُصولَ الإنسان للقمر ويفتي بحرمة لبس البنطال على اعتبار أنه تَشَبُّهٌ بالكفار والتلفاز حرام اقتناؤه إذ يفتح أبواب المنكر ببثه صور النساء والتصوير الفوتغرافي ممنوع شرعاً لحرمة التصوير ولا يجيز للمرأة قيادة السيارة ـ مع ملاحظة أنها في عهد النبوة كانت تركب وسائل السفر وتقودها وتقود القارب النهري ـ الخ معطيات الفكر الوهابي .
لقد واجهت الوهابية تحدياً واضحاً تمثل في معرفة حكم الإسلام بالاستعانة بالكفار إثر ضم العراق للكويت فأعلن الشيخ فتوى تجيز الاستعانة بالأمريكان أدت هذه الفتوى إلى انشقاق داخل الفكر السلفي وتولدت عن ذلك قضية أخرى هي : ـ هل يستحق الحكام ولاء المسلمين بعد استعانتهم وولائهم للكفار ؟ !!! .
هذه الفتوى الجريئة الباطلة شرعاً والمؤثرة على مستقبل المسلمين أعادت توظيف الفتوى لصالح السلطان بعد أن مر زمن ليس يسيراً جرى به الفصل التام بين الفتوى ومصلحة السلطان إذ تحول محور الفتوى إلى مسائل متعلقة بسواد الناس في أحوالهم الشخصية وأمورهم الفردية .
إنَّ موت ابن باز مخلِّفاً وراءه فتواه الشهيرة ستجعله في محل الذكرى ! ستبقى فتواه حية كلَّما رأى المسلمون الحالة العراقية أو سمعوا أخبار الحقد الغربي على هذه الأمة من خلال حصار وتجويع أهل العراق وسيذكرون ــ عبد العزيز وفتواه عند رؤية صلف يهود وغطرسة عسكر اليهود أثناء معالجتهم ثورة الأطفال في فلسطين لأن أيديهم ترجم الغرباء المحتلين بالحجارة !!! . سيقول المخلصون مات الشيخ ولكن فتواه لا تُنسى !!!! .
هل يمكن لأحباب الشيخ وأنصاره ومؤيديه الدفاع عن الفتوى ؟ وهم يرون الصورة الكئيبة التي تكشَّف عنها الواقع العربي بعد تحرير الكويت ! تحولت دولة اليهود الى دولة شقيقة والعراق الى دولة غريبة والأمريكان الى أولياء . لسان حال الفتوى يقول : ـ ( نوالي من يواليهم ونعادي من يعاديهم ).
أيها الشيخ الذي ارتحل ! يوم القيامة يكون اللقاء وستحمل الفتوى ضمن ما تحمل من عملك . هل ستكون الفتوى في ميزان حسناتكم أم ستكون خطيئة محيطة محبطة ؟ ((بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (البقرة :81) . هذا مجرد تساؤل .أيها الشيخ الراحل : ـ ها هم المسلمون المستضعفون يقفون معك لحظة سريعة من الزمان ؛ يسألونك فحاول أن تجيب بصراحة دون تمترسٍ وراء أحد : ـ هل أجاز الإسلام تَوَزُّعَ المسلمين دولاً عديدة ؛ لا تملك من مقومات وجودها إلا عدم وجود من يهدمُها ؟!!! .
يُذكِّرُكَ المستضعفون بقوله تعالى : ((وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً))(النساء: من الآية141) هذه الآية متعلقة بالكيانات ، خاصة الكيانات الغربية وهي في مجملها كيانات معادية ؛ وليس بالمواطنين من أهل الذمة ، وهم يفهمون أن الآية خبرٌ يفيد الطلب فكيف جعلت السبيل للكافرين على المؤمنين جائزاً ومطلوباً شرعاً ؟ أليس ذلك صداً عن سبيل الله ومعاندةً لكتابه ؟ ! ! ! . وعلى فرض أن الآية متعلقة بالآخرة ؛ فليس من معناها جواز الاستعانة بدول الكفر ؛ إذ جواز ا لاستعانة محصورٌ حصراً بالأفراد لا غير ، ولا يظن المستضعفون أنَّ الأمر خافٍ عليك .
الآن أيها الشيخ ! وأنت تقدم على ربك يوم القيامة ؛ ولا تظنه بعيدا ؛ بل هو قريب جداً ؛ وإذْ جعل الله للملائكة سؤالك عن الأمريكان ؛ ومن تحالف معهم ضد العراق ؛ أهم على حق ؛ والعراق على باطل ؛ فبماذا ستجيب ؟ !
ما يعلمُهُ القاصي والداني : أن الغرب دولاً وشعوباً تعادي المسلمين ؛ وتكيد لهم كيداً ؛ وإذ هاجمت هذه الدول العراق ؛ فقد هاجمته بقسوة ؛ ولا تزال تقسو عليه ؛ خوفاً من تداعيات الكامن في هذه الأمة الإسلامية الخيرة ؛ وليس لمصلحة دول الخليج أو حكامه . فهل غاب عنكم هذا الأمر ؟
ألم تقرا في كتاب الله قوله تعالى : ((قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ))(آل عمران: من الآية118) والمعلوم من هذه الآية عند المسلمين أنـها وصف لمشاعر النصارى واليهود تجاه الإسلام والمسلمين فكيف أجزت أيها الراحل تمالؤ دول الخليج مع الكفار الغربيين على العراق ونشرت فتواك على الملأ بتقدمة وحجة واهية أوهى من بيت العنكبوت .
يا من يتصدى اليوم للفتوى لصالح الأمريكان واليهود من آيات ومرجعيات مجلس الحكم ! ومن علماء الحكام ! ومن علماء آل سعود ! إعلموا ((إنَّ مَوْعِدَهُمُ ألصُّبْحُ ألَيْسَ ألصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)).