المنافقون
المنافقون
يجمع العلماء والمفكرون المسلمون- قدامى ومحدثون- علماء تفسير او فقه او سير وتاريخ بل وعلماء اللغة العربية على ان المنافقين اظهروا الاسلام وابطنوا الكفر ويعللون وجود ظاهرة المنافقين التي بدأت بالمدينة المنورة بتغير وضع المسلمين الى القوة والسيطرة والنفوذ الامر الذي دعا بعض من ظلت نزعة الفقر تغلبهم ان يتظاهروا بالدخول في الاسلام مع بقائهم في الحقيقة على ما يعتقدون ويؤيدون اقوالهم بالآيات الكثيرة التي تذكرهم تلميحاً وتصريحاً والتي لا تخلو منها سورة مدنية.
ان ذلك التعريف وهذا التعليل يتهاون امام قراءة جادة وموضوعية للآيات نفسها دراسة الزعم بأن المسلمين تغيرت حالهم من الضعف الى القوة والسيطرة والنفوذ بقراءة واقع المسلمين والاسترشاد بالآيات المتعقلة بمعركة بدر في سورة الانفال ومعركة احد في سورة آل عمران ومعركة الخندق في سورة الاحزاب ومعركة العسرة يوم حنين في سورة التوبة.
لقد فطن هؤلاء العلماء والمفكرون منذ البداية الى ان مجموع الآيات لا تسعفهم للوصول الى نتائج دراستهما فقالوا بضربين من النفاق نفاق الاعتقاد ونفاق العمل بسبب ملاحظتهم اثناء دراسة آيات المنافقين وصفهم بالخداع وتسرب المرض الى قلوبهم وتآخيهم مع الكفار ومصيرهم هم والكفار الى نار جهنم ولذلك استعد العلماء والمفكرون ان يكون معتقدهم صحيحاً بينما مصيرهم الى النار استناداً الى نجاة المؤمنين الصادقين من العذاب وعرض المؤمنين اصحاب الذنوب الى الحساب لما هو واضح في آيات القرآن الكريم واحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتعرض لهذا الموضوع.
ان هذا الاساس في الفهم خاطىء كل الخطأ ذلك ان الايمان الاسلامي ليس ايماناً بنظرية تنفصل فيها الفكرة عن العمل بل السمة الرئيسية للايمان الاسلامي ان الفكرة تشكل قاعدة للاسلام بشموليته وهي قاعدة للكل الاسلامي وليست هي الكل الاسلامي والكل الاسلامي ليس بمعرفة جامدة بل هو عمل دائب ينبثق عن الفكرة الاسلامية ويبنى عليها. فالعمل الاسلامي والعمل للاسلام هو الدليل الوحيد على صدق المعتقد وكذبه.
في تتبع آيات المعارك المتلاحقة التي كان احد اطرافها المسلمين في المدينة بعد ان اصبحوا في وضع آخر غير وضع مكة والذي عللت به وجود ظاهرة النفاق يتبين بكل وضوح التناقض الواضح بين قوة المسلمين المدعى بها وواقعهم في هذه المعارك في معركة بدر مثلاً نقرأ في سورة الانفال ((وان فريقاً من المؤمنين لكارهون)) ((كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون)) ((وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم)) ((واني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)) ((سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب)) فهذه الآيات من سورة الانفال تعطي الصورة الحقيقية لقوة المسلمين الظاهرة من حيث تعدد العدد والعدة.
أما في معركة احد فإن الآيات من ١٢٤-١٧٤ من سورة آل عمران تكشف لنا مدى قوة المسلمين فرغم امداد الله لهم بخمسة آلاف من الملائكة وانتصارهم بعد ان ابتهل خالد بن الوليد ترك الرماة لمؤخرة الجيش فأخذهم على حين غرة من الخلف.تأتي بعد ذلك معركة الخندق ويكفي للدلالة على ضعف قوة المسلمين الاشارة الى جزء من الآية ١٣ من سورة الاحزاب ((ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا)).
وفي سورة التوبة وهي الفاضحة لمواقف بعض المؤمنين في حالة ضعفهم والمنافقين وقد اعتراهم الخور وظهرت حقيقتهم المهزومة من رؤيتهم للمسلمين وهم قلة يبادرون الى السير الى حدود الشام لملاقاة اكبر دولة آنذاك وقد سمعوا انها تحركت للقضاء على تلك الدولة الاسلامية الناشئة.هذه الحقائق وهي آيات في القرآن الكريم تقوض أي تعليل يعلل ظاهرة النفاق بقوة المسلمين.
لقد تحقق للمسلمين انتصارات رائعة كانت على خلاف المقدمات لقد حالفهم النصر ولكن ليس بقوتهم الظاهرة بل بقوة الايمان الكامنة في نفوس القلة الرائعة من اصحاب رسول الله وبقيادته فاستحقوا بهذا الموقف الايماني الفريد مدد الله وتأييده وعونه، فيكون النصر لمؤمنين لطفاً لا فعلاً إذ الفعل من المقاتلين.مثل هذه القوة لا يمكن بأية حال ان يدركها المنافقون ولهذه الحقائق تنهار الحجة في تعليل ظاهرة النفاق بأنها قوة المسلمين.
ان العطاء هو الذي كشف ظاهرة النفاق فلقد دخل في الاسلام جمع من الناس وهم مسلمون يشهدون شهادة الاسلام ولكن تلك الشهادة لم تستقر في القلب وان وجدت بالعقل أي لم تحدث سيطرة المفاهيم على الميول وبالتالي لم يستطيعوا ان يقدموا العطاء الذي طلبه الاسلام منهم ولنتعايش مع القرآن الكريم وهو يكشف قلة العطاء سواء في النفس او المال.
((وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله او دافعوا)) ١٦٧ آل عمران
((الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدر الايعلموا حدود ما انزل الله)) ٩٧ التوبة
((إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم)) ١٤٣ النساء
((ويعذب المنافقين إن شاء او يتوب عليهم))٢٤ الاحزاب
((فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم الى يوم يلقونه)) ٧٧ التوبة
((الم تر الى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا))١١ الحشر
((نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون)) ٦٧ التوبة
((وإذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا)) ٦١ النساء
((بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما)) ١٣٨
((ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)) ٤٦ التوبة
((أنكم رضيتم بالقعود اول مرة فاقعدوا مع الخالفين))٨٣
((فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله)) ٨١ التوبة
((رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)) ٨٧ التوبة
((رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون)) ٩٣ التوبة
((سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا)) ١١ الفتح
((ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله)) ١٢ التوبة
((قل للمخلفين من الأعراب ستعون الى قوم أولي بأس شديد)) ١٦ الفتح
((لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة)) ٤٢ التوبة
((إذ جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله)) ١ المنافقون
إن قراءاة جادة لهذه الآيات وقراءة سورة التوبة تري، بلا غبش او غموض او ابهام ان اهل النفاق هم من جافى فعلهم قولهم فهم مسلمون حقاً لكنهم لم يكونوا في مستوى تكاليف الاسلام ولهذا فهم يعملون من تكاليف الاسلام ما كان لا يكلفهم معاناة او مشقة في انفسهم ولا يكلفهم الانفاق لمالهم هذه هي صفتهم ولا صفة اخرى لهم انهم مسلمون ولكنهم يتعاملون مع القرآن تماماً كمن يدخل لمحل نوفوتيه فينتقي ما راق له من ذلك المحل ولهذا فهم يعملون بالاحكام التي لا تكلف جهداً ويتركون ما عدا ذلك ويزعمون بعد ذلك انهم مؤمنون!
* لديهم الخوف غريزة فخوفهم من غير الله اكثر من خوفهم من الله.
* لديهم مباشرة العمل التجاري اهم من حمل الدعوة للاسلام.
* لديهم المال والعمل بإكقاره بطريق حلال للمتحرزين اهم من العمل لاقامة حكم الاسلام.
* لديهم الحياة الدنيا (الدور والعقار والفراش) اهم من العمل للآخرة.
* الايمان فكرة والعمل تخير والخوف حاصل والامتناع عن تجنيد المال في سبيل الله مظلمة، افلم يؤد حق الله وهي الزكاة، فهل هؤلاء مسلمون؟!
إن ظاهرة النفاق كانت ولا زالت اشد الظواهر خطراً على الاسلام فهم ولائهم داخل الكينونة العضوية للمسلمين، فعندما يهم المؤمنون بالحركة ترى المنافقين يستأذنون بعدم الحركة ويختلقون الاعذار ((ويحلفون بالله انهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون)).
تشتد آيات الله على المنافقين كثيراً لانهم من المسلمين ولكنهم يشكلون ثغرة كبيرة وجيباً خطراً اثناء آداء المسلمين لاسلامهم فكان لابد من علاج حاسم فكان هذا الفضح المثير لنفسياتهم وسلوكهم ففيهما أي في النفسية والسلوك يكمن الاعوجاج.
ان وضوح مسؤولية المسلمين عن البشرية المنكودة لم يكن واضحاً بنفس الدرجة لكل المسلمين وخاصة حديثي العهد بالايمان والمؤلفة قلوبهم وضعاف القلوب والمتخوفين على انفسهم واموالهم ومصالحهم والمتقاعسين عن الافضلية ولا سبق من هؤلاء تشكلت طبقة المنافقين على تفاوت في درجة النفاق الذي قد يكون يضعهم في صف الكفر او في صف المحاسبين او التائبين ومثل هؤلاء الناس ((المنافقون)) يقل تواجدهم امام المسؤوليات العادية ويكثر عددهم في المسؤوليات الكبيرة.
سورة التوبة والتي رسمت العلاقات النهائية مع وثنيي الجزيرة العربية ومع اهل الكتاب بشكل قاطع حاسم واستغرق بناء هذه العلاقة الآيات من ١-٣٧ لكن الآيات من ٣٨-١٢٩ أي نهاية السورة وهي السورة التي نزلت في السنة التاسعة للهجرة عالجت موضوع المنافقين مهما كان سبب هذا النفاق بشكل يجعل الانسان الذي لديه الايمان القوي يتخوف على نفسه ان يكون في موقف ما منهم وقصة الثلاثة الذين خلفوا خير مثال على ذلك.
إن النفاق ليس ابطان كفر واعلان اسلام بل هو اعلان الاسلام ودخول الاسلام واعتقاد الايمان الاسلامي والتأخر عن عدم العمل لله سواء أكان العمل للاسلام بحمل الدعوة اليه باللسان او بالسيف ، اما ان اضيف الى ذلك موالاة اعداء الاسلام او الوقوف ضد الاسلام بالقوة واللسان فليس ذلك النفاق بل هو الكفر كله، ((المقصود الكفر العملي)).
ان الاموال والاولاد نعمة يسبغها الله على عباده حين يوفق الى شكر المنعم عليه بهما فيتوجه بهم الى الله بانفاق المال في سبيل الله وتهيئة الاولاد ومنذ الطفولة للقيام باعباء دعوة الله حين يبلغون القدرة وحين يصاب المؤمن بالمال او النفس او الاولاد احتسب ذلك كله لله تغمره سكينة النفس اليس ذلك ذخيرة ليوم الدين؟!
لكن الاموال والاولاد نقمة من اكبر النقم فالقلق على الاموال والاولاد والحرص على بقاء المال وحفظ البنين والبنات يحول الحياة الى جحيم، الحرص على المال يؤرقه ويقلق اعصابه ينفق المال ليعود عليه بالاذى ويجمع المال ليعود عليه وعلى اولاده بالشر يشقى بالابناء والاموال.((فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا تزقه انفسهم وهم كافرون)).
اليس ذلك حرياً ان يجعل المؤمن يعرض نفسه على هذا الصور التي لا يحبها حتى لا يكون على شاكلة هذه الصور، الكفر الفعل والنفاق والفسق والظلم والكذب والاجرام وكل هذه الصور الى النار حتى وان كانوا يشهدون شهادة المسلمين ويقومون بعبادة الله مع المسلمين، مالم يتوبوا في الدنيا....((قل هذا سبيلي ادعوا الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين)).