رحمه الله تعالى

المعتزلة المعاصرة

أمين نايف حسين ذياب

Get Adobe Flash player

البحث في محتوى الموقع

احصائيات

عدد زيارات المحنوى : 533120

القومية العربية


 

في سبيل إعادة بناء الوعي وإحداث النهضة

موسوعة جدل الأفكار (11)

قراءة في مفاهيم ودلالات القومية العربية

1. القوميون العرب

2. البعث العربي

3. القوميون الاجتماعيون ( القوميون السوريون )

4. الحركة الناصرية

5. القوميون الجدد ( القومية الليبرالية )


(4)

قراءة للناصرية وعبد الناصر

دراسة تحليلية للأحداث السياسية

منذ عام 1942م إلى 1992م

أمين نايف ذياب

مقدمات وجود الناصرية

يبدو أن قراءة الناصرية ، قراءة تحليلية ، لحساب بناء الوعي أمر مستعصٍ لأن الحالات المشاعرية وما تستجيشه من انفعالات ، تغلق إمكانية الجدل والحوار وبالتالي الفهم ، فعبد الناصر في نظر زمرة الناصريين هو القائد الفرد الفذ المنفرد بالحكمة والإخلاص ، والذي رفع رأس الأمة عاليا ، وجعل القومية العربية شيئاً مذكوراً ، بعد أن لم تكن ، وهم لا يُسَوُّقُون هذه الفكرة من خلال قراءة واعية لمساق الحدث التاريخي ، أو دراسة الحدث دراسة تفصيلية ، خلال مقدماته ودواعيه ومساره ونتائجه ، بل لا ينتبهون لصورة الأحداث قبل عبد الناصر ، أي منذ 4 فبراير /1942م ، وهي دخول الدبابات الإنجليزية إلى ساحة قصر عابدين والطلب من الملك فاروق إحالة حكومة علي ماهر ، وتعيين حكومة وفدية برئاسة مصطفى النحاس ، بعد أن كشف الإنجليز أن الملك فاروق ورجال حكومته في سبيل إعلان الانحياز ـ في الحرب العالمية الثانية ـ إلى جانب المحور ، في ظرف عصيبة ، إذ كانت الجحافل العسكرية الألمانية قد وصلت موقع العلمين على الحدود المصرية الليبي وكانت هتافات الشارع المصري  عجلْ عجل يا رومل واحنا جنودك يا رومل.

من الملاحظ أن الذهن السياسي العربي ، لا يستحضر هذه الحادثة ، وهي انكشاف عدم ولاء الملك فاروق للعالم الحر ، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً ماثلاً على العالم الحر ، ويستحضر الذهن العربي وخاصة الناصري بدلاً عن ذلك  صورة الملك العاهر المفسد ، وهكذا يحل الخلقي الفردي في التحليل ، مقام المحددات السياسية ، والتوجهات السياسية ، والناصريون أيضا وعن عمد يستثنون صورة الإصرار المصري (الملك والحكومة وخاصة حزب الوفد) على المطالبة بوحدة وادي النيل { مصر والسودان } وإنها حقيقة سياسية ، لابد من تحولها إلى واقع ، وأن حزب الوفد خاض نضالاً سياسياً ، لإعلان وحدة وادي النيل ، وإلغاء معاهدة 1936 م والمطالبة بالجلاء التام عن مصر والسودان ، وهي أمور لا تقبلها السياسات الغربية ، بأية حال من الأحوال .

ويقع ذهن الناصريين في مهزلة ، تدعو إلى الرثاء والإشفاق ، حينما يستحضر موضوع الأسلحة الفاسدة ، وموضوع النكسات التي أصيب بها الجيش المصري ، أثناء محاربة اليهود عام 1948 م وكأنها صنيع شخص واحد هو الملك أي يجعلون الملك مسؤولا منفردا ، عن تصرفات أعوانه ورجاله ، لكنهم في المقابل يبررون لعبد الناصر هزيمته في حرب 67 م ، ويلقون باللوم على المشير عبد الحكيم عامر ، مع أن المبتدئ في السياسة يعلم أن عبد الناصر شخصيا ، بات ليلة الخامس من حزيران مقتنعا ، بتطمينات كل من رئيس الولايات المتحدة ، ورئيس الاتحاد السوفيتي ، بان إسرائيل لن تكون البادئة بإعلان الحرب .

وهكذا يسير الناصريون في استعمال المكيال المزدوج بأسوأ صورة ، واظهر عورة ، فعبد الناصر يرتفع عن الشبهات والأخطاء ، بل أن تكريس نفسه حاكما مطلقاً ، يعتمد الصورة الصوتية لا الفعلية ، حالة مبررة في كل هذه الأحوال .

في مثل هذه الأقوال يتحول عبد الناصر إلى أنه هو الحق ، أما غيره فهو الباطل  مع أن الأصل الاحتكام لمعايير واحدة ، فإذا كان الفشل مبرراً وجائزا لعبد الناصر ، فلابد أن يكون مُبرراً لغيره ، وهكذا تتحول أمور الناصرية من جدل لبناء الوعي ، ومن ثم إدراك الحقائق للانتفاع بها ، والاعتبار منها ، إلى سجال يفتقد البداية والنهاية.

إن قراءة أيَّ حدث سياسي  لفهمه فهماً واعياً ،  يقتضي الأمور التالية بعد قراءة محددات وتوجهات فكرة رجال الحدث ، أي الفكرة الناصرية ، هذا على افتراض أن في الناصرية فكرة : ـ

1) ظروف وأحوال ما قبل الحدث ، المقصود بالحدث الثورة المصرية ثورة 23 يوليو.

2) دواعي الحدث ، أي الأسباب الداعية لوجوده .

3) أطراف الحدث ، أي صناع الحدث ، كقوى وليس كأفراد ، إذ من الخطل إسناد الحدث لفرد ، مهما كانت مميزات وخصائص ذلك الفرد .

4) المبررات المعلنة للحدث .

5) ردود الفعل العالمية والمحلية حول الحدث .

6) منجزات الحدث سلباً أو إيجابياً.

7) النتائج العامة للحدث.

تلك هي الأسس ، التي من شأنها أن تكشف الحدث عارياً ، دون تدخل الأهواء والمشاعر في قراءته .


ظروف الحدث

لقد مرّ أن الملك فاروق قد انكشف أمره، من حيث الارتكاز عليه  والركون له ، في صناعة مستقبل المنطقة ، كما يريده الغربيون  بعد الحرب العالمية الثانية ، وزاد الأمر سوءاً وتعقيداً ، الإصرارُ على المطالبة الجادة لتحقيق وحدة وادي النيل ، مما يجعل سياسة تجزئة العالم العَربي ، وهي استراتيجية ثابتة عند الغربيين ، في مهب الريح ، وهكذا يمكن الاستنتاج بان الاستغناء عن الملك فاروق وحزب الوفد ، بصفته اكثر الأحزاب شعبية في مصر ، والأحزاب الأخرى  وأكثرها متولدٌ عن رؤية سعد زغلول ، كالسعديين وغيرهم ، أي أن هذا الاستغناء مصلحة غربية واضحة ، بعد أن تبين للغرب الإنجليز والأمريكان ، عدم إمكانية تراجع الملك والسياسيين ، عن وحدة مصر والسودان ، وعن الاستقلال الناجز الذي لا يرتبط بمعاهدات . ولا يمكن أن ينسى الباحث ، ثلاثة مواضيع مهمة جداً ، كظروف وأحوال نشأت قبل الحدث ، 1- هي اشتراك الجيش المصري في حرب فلسطين ، وظهور ما يسمى بالأسلحة الفاسدة ، أو صفقة الأسلحة الفاسدة ، وحالة الحصار التي وقع فيها الجيش المصري في فلسطين 2- ثم اشتعال الخلاف بين الإخوان المسلمين والحكومة 3- وأخيراً حريق القاهرة ، فهذه الأحداث أوجدت فراغاً سياسياً واضحاً في مصر ، الأمر الذي مكن لإعلان الثورة المصرية ، وهذه الأمور كلها لم تكن من صنيع الثوّرة المصرية ، بل المنتفعة منها.


دواعي الحدث

يدعي الناصريون ، أن دواعي الحدث وأسباب وجوده الفعلي ـ بعد رفضهم دراسة ظروف ومقدمات وأحوال ما قبل الحدث ـ هي تطهير الحكم من الفساد والخيانة ـ وقد ركز إعلام الثورة بعد نجاحها على موضوع الخمرة والقمار والنساء في حياة الملك فاروق ـ وركز في موضوع الخيانة على الأسلحة الفاسدة فقط لا غير ، وقد قام إعلام الثورة بتضخيم موضوع الفساد ، بشكل يدعو إلى الغثيان فانخدع البسطاء بذلك ، ولكن الواعين على هذا المستوى الإعلامي الساقط ، أصابهم الغثيان من الطريقة التي عُرض فيها فساد الملك ، والمشكلة الأهم من ذلك أن ما يسمى بالفساد ، لم ينكشف للرأي العام إلا بعد نجاح الثورة ، وإسقاط الحكم الملكي فهل يجب النظر إلى هذه الدعاوى الإعلامية المعادية للملك ؟ على أنها تقول الحقيقة دون تزييف أو اختراع أو تضخيم ، أو حتى اختراع الأكاذيب ، وإلصاقها بالملك بأسلوب رخيص ، غايته تسويغ الثورة ضد الملك ، وهل من المصلحة السياسية أن تظهر الدواعي وكأنها فقط ذلك المسلك الخلقي الفاسد ؟ الذي يظهر في حياة الملك بعد هزيمته .

إن الأصل في الثورة التي تريد أن تسوغ نفسها أمام جماهيرها ، يجب أن يتجلى في محددات فكرية سياسية ، هي منظومة أفكارها في الحكم داخلياً وخارجياً والأسس التي تقوم عليها تلك المنظومة ، وأن تتقدم هذه المنظومة الفكرية الثورة ليكون الناس على بينه من محددات الحكم ، وأن يُعلن عن توجهاتها لوضع تلك المنظومة موضع التطبيق ، أم أن الثورة ومحدداتها وتوجهاتها ، إنما تأتي قدراً متصفة بصفات المخلص ، أو على صفات المهدي . إن الصورة التي جاءت بها الثورة المصرية وعبد الناصر تحديداً ، إنما هي صورة المهدي ، وليس صورة الإصلاح السياسي ، وليس صورة الثورة الطبقية وليس حالة الخروج على الظلمة ، في الفكر الإسلامي ، معتزليا ، أو زيدياً ، أو خوارج .

الثورة المصرية وعبد الناصر نمط فريد ، جاء بلا مقدمات ، فعبد الناصر قبل الثورة مجرد ضابط مغمور ، لا يعرف عنه الناس شيئاً ، والأغرب من كونه ضابطاً مغموراً ، هو انتصاره بشكل ساحق ومفاجئ على خصومه : الملك والأحزاب ـ وهي كلها أحزاب عريقة ـ ثم أخيراً الإخوان المسلمين ـ بل أنه جعل اليسار والتقدميين والقوميين يُظهرون الصغار أمامه ، ويعلنون التبعية الذليلة المهينة.

إن انتصار عبد الناصر على كل هؤلاء الخصوم ، وهم خصوم أقوياء إضافة إلى عدم تحرك الجنود البريطانيين ، والذين كانوا معسكرين في القناة ، ويبلغ عددهم حوالي 90 ألف جندي،أمر ملفت للنظر ، وبديلاً عن وضع هذا الانتصار وذلك التريث والانتظار ، لحشد من الجند ، يمثل دولة استعمارية كبرى ، ذات مصالح وطموح للمجد والاستعمار ، تركوا ذلك ، وصار عملهم توزيع تهم الخيانة والرجعية والتبعية للاستعماريين ، على كل من يقرأ الناصرية قراءة تحليلية ، وهكذا تلاشت إمكانية الجدل والحوار ، لإنتاج الوعي القادر على تجاوز معطيات الواقع.

ليس من مهمة هذا البحث تبرئة الملك فاروق من تهم الفساد ، والتي وصف بها ، فهذا الأمر ليس هو مهمة البحث ، إذ البحث غير معني بان يكون حَكَمَاً للملك فاروق أو عليه ، في أمر الفساد ، ولكن طبيعة البحث وهو بحث في المقدمات والدواعي ، أدت إلى ضرورة الكشف عن صورة الفساد تلك ، وأنها لا يمكن أن تقبل كمبرر لأحداث ثورة ، غيرت تاريخ المنطقة كلها بصورة كلية ، نحو مشروع نهضوي شامل ومتحرر ، كما يرى ذلك الناصريون والقوميون وقوى اليسار ، أو مشروع أدى إلى التردي والسقوط كما يراه غير الناصريين .

أحكام الزمر والناس على عبد الناصر والناصرية

من هم الناس الذين يمكن أن نعرف أحكامهم على عبد الناصر والناصرية ؟ وما هي الفترة التي جرت فيها الأحكام ؟ وما هي المساحة الجغرافية المقيدة لهذه الأحكام ؟ هل يمكن إصدار أحكام عامة ؟ مثل أن يقال : أن الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ، هي في محل التأييد لعبد الناصر ! الحقيقة تعلن عن نفسها بوضوح ، بأن الحكم على شعبية عبد الناصر ، والتأييد للناصرية ، من خلال الكم والزمن والمساحة أمر مستحيل ، فعبد الناصر والناصرية حلقات في تاريخ هذه المنطقة المعاصر، ولا يمكن الحكم على هذه الحلقات بطريقة تعميمية ، فلقد أخذ عبد الناصر شعبيته من صفقة الأسلحة التشيكية ، أو ما سمي بالخطاب الناصري كسر احتكار السلاح ، ومن تأميم قناة السويس ـ وإخراج قرار التأميم إخراجاً تمثيلياً دعائياًـ ومن العدوان الثلاثي على مصر ، أما غير ذلك من منجزات فإنها محل الدعوى  مثل مؤتمر دول عدم الانحياز ، ومثل الوحدة السورية المصرية ، التي تمجد ى بها ولا يقوم ناصري واحد في بحث كيفية وقوعها والأسباب الداعية إليها، وفك الوحدة وظهور عدم جدية عبد الناصر في المحافظة عليها إذ لم يعمل على وحدة النقد ودمج الجيشين بحيث يمنع الانفصال وركود الوحدة عند وحدة القطرين بشروط تسلط فيها عبد الناصر على مقدرات الأمة وبقي صوت زوال دولة اليهود صوتا لا واقع له ومثل الانغماس المصري في حرب اليمن ، وعادة ما يتناسى مؤيدو الناصرية حرب اليمن ويأتون بالتأييدات الإعلانية لاستقلال الأقطار العربية ، أو محادثات الوحدة المصرية السورية العراقية ، وقرارات الإصلاح الزراعي ، أو مشاريع التنمية ، والتصنيع الحربي والاستهلاكي ، والتي كان يعلن عنها بصورة دعائية ، { دعاية القاهر والظافر } فقيمتها إنما هي كمنجزات إضافية ، وليست هي المنجزات الأساسية التي ارتبط بها منوال عبد الناصر الشعبية .

تراوحت المواقف من عبد الناصر بين التقديس واللعن ، فالزمرة الناصرية تصل به إلى حد التقديس ولا تزال ، فهذا رئيس تحرير جريدة المجد يضع لجريدة المجد ثلاثة نصوص : النص الأول ، جزء من آية من القرآن الكريم، والنص الثاني نص من نصوص الإنجيل ، ويجعل النص الثالث نصاً لعبد الناصر هو "ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ومهره في ختامه ب(عبد الناصر) ، أما الزمر القومية الأخرى على اختلاف أسمائها ومسمياتها، حزب البعث، القوميون العرب، ومجاميع المثقفين العرب، وكثير من الزمر الماركسية، فهي وان كانت لا تبلغ به حد التقديس ـ مع ملاحظة أن بعضا منهم يضعه في حالة من التقديس غريبة ـ إلا إنها تراه قائداً فذاً ومنتجاً لمشروع نهضوي، لاقى المؤامرات، وإعلانات الحرب ، وممارسات القوة ضد مشروعه ، ولهذا لم يتح لمشروعه النجاح ، بسبب من الكيد الدولي الاستعماري !.

بقي خارج التأييد الإسلاميون ، والذين نظروا إليه انه عدوٌ للإسلام ، يمارس القتل والتصفية والقهر والقمع للإسلاميين ، بصورة بطش تورع عنه أقسى الحكام عنفوانا ، ويرى الإخوان المسلمون أن حادث المنشية حادث مفتعل ، الغاية منه تصفية الشركاء والمساعدين الرئيسيين له في ثورته ، ويتوج عبد الناصر مواقفه ضد الإسلاميين عام 1965 عندما قتل سيد قطب وبعضاً من جماعته .

ويراه حزب التحرير انه عميلٌ أمريكي ، جاء به الأمريكان لغاية واضحة هي تصفية الاستعمار البريطاني المنهار ، ليحل الاستعمار الأمريكي محله ، وقد وزع حزب التحرير في مجاله الحزبي ، لإثبات نظرية عمالته للولايات المتحدة عشرات الكراريس ومئات النشرات .

والحزب القومي الاجتماعي (السوري) ، يرى في مشروع عبد الناصر الخصم الألد والعدو الحقيقي ، لإنجاز مشروع النهضة من خلال الأمة السورية ، فالأمة في نظر القوميين الاجتماعيين مؤلفة من عنصري : الدم ، والتراب ، أي العرق والجغرافيا الطبيعية ، ومع أن منظر القوميين الاجتماعيين قد أعدم قبل ثورة عبد الناصر بثلاث سنوات ، ومع أن فكره في مساره الأخير انتقل من العلمانية الملحدة ، إلى التوفيق بين العلمانية والناحية الروحية في الدين ، وخاصة المسيحية ، وحاول أيضاً التوفيق بين المحيط الضيق للقومية (لبنان) ، وبين المحيط الأوسع الدولة العربية القومية  إلى محيط الآمة السورية ، ليكون جسراً بين المفهوم الضيق للامة ، والمفهوم الأوسع ، فاتحاً في آخر كتاباته إمكانية الالتقاء الجبهوي لا الالتقاء الاتحادي ، رغم كل ذلك إلا أن أعضاء الحزب القومي السوري قابل الناصرية ، ليس بتحفظ بل بإعلان العداء ، ومارست زمر القوميين العرب وصف القوميين السوريين بالخيانة مع اتفاقها على وصف الإسلاميين بالرجعية .

تلك هي المواقف المختلفة والمتناقضة في الانحياز إلى الناصرية ، أو إعلان معاداتها ، فالناصرية لم تكن في أي يوم من الأيام في محل القبول العام من الزمر الحزبية ، لكن الموقف الشعبي وهو المتعلق ذهنياً بصورة البطل المنقذ الذي يأتي من رحم الغيب ، رأى في عبد الناصر من خلال كسر احتكار السلاح ، وتأميم قناة السويس ، والعدوان الثلاثي ، انه البطل المنقذ والمخلص معاً ، مما أدى إلى انخفاض وتيرة صوت المنتقدين لعبد الناصر ، تحاشياً من مواجهة الموقف الشعبي العارم.


أطراف الحدث

لا يقصد بأطراف الحدث الطرف الذي مني بهزيمة من خلال ثورة 23 يوليو ولهذا فان البحث لا يركز على الملك الذي رحلّته الثورة عن الحكم والوطن معاً ولا يعني البحث في الأحزاب السياسية التي صدر قرار حلها وتقديم بعض رجالاتها للمحاكمة وتصفية نفوذها كحزب الوفد من خلال انه أهم حزب عانى التصفية وإنما المراد بأطراف الحدث صناعه ويتمثل واقعياً بالأطراف التالية.

1) تنظيم الضباط الأحرار وحليفه الإخوان المسلمين.

2) المملكة المتحدة (بريطانيا) كدولة مستعمرة لمصر من خلال معاهدة 1936 والتواجد الفعلي للجنود البريطانيين في معسكرات القناة.

3) الدبلوماسية الأمريكية من خلال السفارة الأمريكية في مصر والساعية لتصفية الاستعمار القديم والحلول محله.

4) القيادة الوطنية السودانية المتمثلة بإسماعيل الأزهري والقوى السياسية الأخرى من خلال أن السودان اعتبرته القوى المنهزمة انه جزء من مملكة مصر (مشروع وحدة وادي النيل).

5) فرنسا بصفتها الدولة ذات المصالح الاستعمارية في قناة السويس والعالم العربي وخاصة المغربي بشكل خاص.

6) الكيان اليهودي الخداج والذي يتأثر بوضع مصر تأثراً مباشراً.

7) المنطقة إقليميا وخاصة المملكة العربية السعودية ومملكة العراق آنذاك بصورة أساسية وربما تتوسع دائرة المنطقة إقليميا لتشمل تركيا وإيران بصفتهما قوتان مهمتان في المنطقة أما الاتحاد السوفيتي مع أنه بالحقيقة يشكل القطب الثاني في العالم المنقسم إلا إنه ليس مهماً أبداً في أطراف الحدث لان سياسة المدرسة الستالينية المنغلقة داخل سياسة الحرب الباردة والستار الحديدي لم تكن تؤثر أو تتأثر بأحداث المنطقة رغم وجود أحزاب لها في المنطقة ولكنها ستضاف كطرف مهم في الأحداث فيما بعد أن تولت مدرسة خريتشوف الحكم.


الدواعي لاختلاف الفهم لظاهرة عبد الناصر والناصرية

1) محبو عبد الناصر

تأسس مفهوم المؤيدين لعبد الناصر والناصرية على أساس التناقض بين أهداف كل من عبد الناصر والاستعمار الغربي في كافة دوله وأشكاله ومسمياته فالاستعمار الغربي كما يفهم مؤيدو الناصرية انه في محل التأييد للملك والقوى السياسية الحزبية إذ أن الملك والقوى السياسية هي الركيزة الأساسية لبقاء واستمرار النفوذ الغربي في مصر ففهم عبد الناصر قام على هذا التأسيس وهو تأسيس لا يصمد أمام التحليل الصحيح لتاريخ العلاقة بين الملك والأحزاب من جهة والقوى الاستعمارية من جهة أخرى ولتمرير هذا التأسيس يسكتون تمام السكوت عن الأسباب الداعية لاتخاذ موقف الحياد من قبل القوة الاستعمارية الضاربة الموجودة وجوداً فعلياً على أرض مصر وهي قوة الإنجليز المنتشرة على أرض القناة قافزين بعد هذا السكوت عن ظهور ومشاركة الدبلوماسية الأمريكية في الأحداث منذ الساعات الأولى لثورة 23 يوليو إلى تعداد منجزات مؤتمر باندونج 1955م نظرية الحياد الإيجابي ثم إلى دول عدم الانحياز فمعاهدة جلاء القوات الإنجليزية 1956 إلى تأميم قناة السويس 26 يوليو عام 1956 فالعدوان الثلاثي على مصر أكتوبر 1956م فقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 ثم الاتحاد الفدرالي بين اليمن وكان اسمها المملكة المتوكلية اليمنية والجمهورية العربية المتحدة عام 1958م ثم توقيع ميثاق الوحدة بين مصر وسوريا والعراق 17 إبريل 1963م ويعددون بالإضافة لمثل هذه الأعمال السياسية أعمالا اقتصادية مثل تحديد الملكية الزراعية إلى 100 فدان وتأميم المؤسسات الكبرى تحديد ملكية الأسهم وبناء السد العالي فضلا عن دعوى مفادها تحصيل الفلاحين والعمال بعض المزايا الاقتصادية ويقدمون مقدمات للانبهار بعبد الناصر والناصرية هي في رأيهم أعمالٌ في المجال العربي مثل مساندة ثورة الجزائر بالعتاد 1954 إلى الانتصار ومساندة ثورة اليمن ضد الإمام البدر ويعدد الناصريون مساهمة عبد الناصر في المجال الأفريقي وفي التحديد في مؤتمر الدار البيضاء 1962 وأديس بابا عام 1964 حيث وضع ميثاق الوحدة الأفريقية …الخ ما يذكرون له من منجزات ولكنهم يسكتون عمداً عن تجليات اتفاقية مصر والإنجليز عام 1953 التي مكنت من إعلان استقلال السودان عن مصر عام 1956 بعد نهاية الفترة الانتقالية وكذلك لا يقيمون دراسة حول نظرية التنظيم وتنقله بين مسميات وأشكال فهو هيئه التحرير 1952 ثم الاتحاد القومي 1957 وأخيراً الاتحاد الاشتراكي العربي 1962 فعبد الناصر كان في حالة تخبط تام حول جهاز تنظيم الآمة إذ ظن أن تنظيم الأمة يتأتى له من مجرد وجود جهاز حزبي أو شبيه بالحزب وبالتالي أهمل عملية التفكير السياسي في إنتاج الآمة.

والناصريون يخلطون أوراق فك الوحدة المصرية السورية عامدين لتبرئة عبد الناصر من المسؤولية عن فشل مشروع الوحدة وعدم السير به إلى الأمام وكذلك لا يقومون بتحليل أو قراءة الدواعي والنتائج حول موقفه من اليمن والفشل الذريع التي منيت مخططات عبد الناصر بها ويتناسون أثر الموقف الأمريكي في مجلس الأمن والإنذار الروسي اثر العدوان الثلاثي على مصر ويقيمون من عبد الناصر بطلاً منتصراً على العدوان الثلاثي وحتى هذه اللحظة ليس هناك قراءة ناصرية للأسباب والدواعي للهزيمة الساحقة التي لحقت الجيش المصري في حرب حزيران عام 67 ومثلها في ذلك حرب الاستنزاف والتي حقيقة استنزفت الإصرار المصري على نصرة فلسطين وهزيمة دولة اليهود فقراءة الناصريين لعبد الناصر محكومة مسبقاً بأن عبد الناصر فوق الشبهات وأنه البطل الكبير صانع المعجزات.

كثيرة هي الوقائع والأمور التي يجب وضعها موضع الدراسة والتحليل والبحث فقبول عبد الناصر لمشروع روجرز معروف ومعلوم وعلاقة الساداتية بالناصرية لا يمكن أن تكون محل التشكيك إلا إذا قيل أن التاريخ والسياسة قمته إنما تتجلى بمن هو على رأس الهرم السياسي فتتحول الأمور وتتغير تبعاً لهوى أو رغبة من هو على رأس الهرم فتكون الفكرة لا وجود لها في الواقع السياسي ولا أثر لها في رسم السياسات وهذا يعني قبول فكرة انهيار الناصرية فالناصرية مجرد توجه سياسي لمن هو على رأس الهرم فيكون عبد الناصر نفسه في تركيزه نظرية رأس الهرم هو الأب الشرعي لتوجه السادات وهو على رأس الهرم فالسادات جاء للحكم من قلب النهج الناصري وليس انقلاباً عليه فالناصرية ليست في محل القدرة على الإنفكاك من الساداتية ! فالساداتية امتداد للناصرية إذ الناصرية الأصل والساداتية الفرع ومشكلة فصل الفرع عن الأصل تكال كيلاً مزدوجاً عند الناصريين فالناصريون وهم على الحقيقة ليبراليون علمانيون يؤكدون مسؤولية الإسلام والنبوة عن مسار الجور في عهد الأمويين قال تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (المطففين:1،2، 3 )


من هو صانع الثورة المصرية على الحقيقة؟

تم الإعلان عن الثورة المصرية يوم 23 يوليو 1952م وقد تنازل الملك عن العرش لابنه الرضيع أحمد فؤاد وغادر البلاد من ميناء الإسكندرية ومن يعود إلى الصحافة المصرية يجد أن سفير الولايات المتحدة كافري كان في وداعه والمتتبعون للأخبار يجدون ظهور السفير كافري واضحاً جلياً منذ صباح 23 يوليو بحيث قيل من كثرة لقاء كافري وعبد الناصر : عبد الناصر كافري أي نُسب عبد الناصر لكافري والقارئون للمقالات السياسية للقوى القومية والتقدمية واليسارية في فترة 52-55 يجدون أن جميع تحليلات ومقالات البعثيين واليساريين والقوميين العرب والمثقفين كلها كانت ترى الأمر إنما هو عمل إحلالي للنفوذ الأمريكي بديلاً عن النفوذ البريطاني ولم يتحولوا عن وصف الثورة المصرية بالتبعية للولايات المتحدة إلا بعد عام 1955م أي مع تحول النفوذ وتركز القوة داخل الاتحاد السوفيتي إلى خريتشوف وما هو معروف للسياسيين الآن وقبل الآن أن مدرسة خريتشوف هي المدرسة التي وسعت مجالها الحيوي من سياسة الستار الحديدي إلى سياسة مزاحمة الولايات المتحدة في العالم الثالث وهي السياسة التي مدت لها البساط الولايات المتحدة فاتصال عبد الناصر بالعالم الاشتراكي لم يكن بسبب مبادراته بل بتغير العلاقة بين المعسكرين وخاصة القطبين ويستطيع كل قارئ لما وراء الجدار في الأحداث السياسية أن يدرك إن اتصال عبد الناصر بالعالم الاشتراكي إنما هو جزء من السياسة الأمريكية وليس حالة تناقض معها.

ليس من مهمة هذه القراءة إثبات عمالة عبد الناصر للولايات المتحدة واثبات نظرية الصراع الأنجلو أمريكي على المنطقة بل اكتشاف المعادلة السياسية التي تربط الأحداث السياسية ببعضها وعلاقة القوى الدولية والمحلية بها فالنظرة السطحية للأحداث السياسية أو النظرة المبنية على نظرة زاويّة للحدث كلاهما عاجزتان عن تفسير الحدث تفسيراً خاليا من الثغرات فالنظرة السطحية جعلت عبد الناصر البطل الذي جاء من رحم الغيب لإنقاذ الأمة من التهلكة والضياع وعندما تبين أن هذا الأمر لم يكن إلا حُلما في حرب 67 لجأ السطحيون إلى سد هذه الثغرة بدعوى القوى المتآمرة ووقع مثلهم أصحاب النظرة الزاوية في عين الإشكالية فلقد اختلف عبد الناصر مع الولايات المتحدة حول مبدأ ايزنهاور وحول مشاريع الصلح مع إسرائيل وحول اعتماده في التسلح على الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية فيقين النظرية في حالة عجز عن تفسير هذه الثغرات ومثل النظرية الزاوية وقعت نظرية المتدينين حول عداء عبد الناصر للإسلام في عين إشكالية الثغرات فعبد الناصر رغم عدم ظهوره مظهر التدين إلا انه لم يعلن انه مفكر مادي بل أعلن انه مؤمن بالله في اكثر من مرة.


مشروع تطبيقي لفهم طريقة صناعة الأحداث السياسية

معادلة سياسية لفهم ثورة 23 يوليو


الرقم المتسلسل

اسم القوة

مظهر قوتها

الأهداف المعلنة

طريقة المرور للأهداف

النتائج

1)

تنظيم الضباط الأحرار

التنظيم داخل الجيش

القضاء على الفساد والخيانة

زوال النظام الملكي وحل الأحزاب

لا شيء

2)

الإخوان المسلمون

التنظيم الشعبي والخاص وداخل الجيش

حل الأحزاب السياسية

زوال النظام الملكي وحل الأحزاب

التعرض للحل والقتل والسجن

3)

الإنجليز

القوة العسكرية المتواجدة بالقناة

بقاء النفوذ البريطاني وتركيز التجزئة والمحافظة على دولة اليهود

زوال النظام الملكي وحل الأحزاب وخاصة حزب الوفد

زوال النفوذ البريطاني مع تركيز التجزئة والمحافظة على دولة اليهود

4)

الولايات المتحدة

نشاط الدبلوماسية الأمريكية

إحلال النفوذ الأمريكي وتركيز التجزئة والتبعية والمحافظة على دولة اليهود

زوال النظام الملكي وحل الأحزاب وخاصة حزب الوفد والمناداة بالاستقلال للمستعمرات

إحلال النفوذ الأمريكي وتركيز التجزئة والتبعية والمحافظة على دولة اليهود والسير باستقلال المستعمرات وتوسيع المجال الحيوي للاتحاد السوفياتي مع منع دول العالم الثالث من الانحياز إلى العالم الاشتراكي والسير بمشاريع التنمية لقبول النقطة الرابعة

1

تعتمد هذه المعادلة على حصر القوى السياسية المؤثرة أو القادرة على التأثير والمهتمة بالحدث

2

تحصر المعادلة الأهداف السياسية التي تسعى إليها تلك القوى السياسية أو التي في محل القدرة على التأثير

3

تحصر المعادلة الطريق أو الطرق التي لابد من مرور القوى منها للوصول إلى الهدف وقد تكون الطريق واحداً

4

لا تدخل في حسابات القوى ذات الوجود الفعلي والتي هي هدف القوى الأخرى لإزاحتها

5

لا تحتسب القوى الغير قادرة على التأثير لضعفها أو لاعتمادها على غيرها أو لأي سبب آخر

6

يمكن فهم جميع الأحداث على ضوء هذه المعادلة السياسية فيمكن فهم الثورة العربية الكبرى على هذا الأساس

7

من العادة أن تمر الأمور عبر القوة الأضعف ولكن الذي يحصد الثمر إنما هو الأقوى وهذا ما حدث للناصرية فالولايات المتحدة هي التي حصدت الثمر وهي تخليد التجزئة وتسلط التبعية مع الحفاظ على وجود دولة اليهود وضياع الهوية


نشأة الضباط الأحرار

 

 

نشأت مجموعة الضباط الأحرار كخلايا سرية داخل الجيش ولم يكتب مؤرخ أو محلل أو كتب مذكرات تكشف الأسباب والدواعي التي أدت إلى نشوء مجموعة الضباط الأحرار.


_______________________________________


كتاب غير مكتمل......