المسجد وأدواره
بسم الله الرحمن الرحيم
المسجد وأدواره
بقلم أمين نايف ذياب
قال تعالى: ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (البقرة:114) وقال تعالى : ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً )) (الجـن:18).
تكمن في هاتين الآيتين الكريمتين ، بالإضافة إلى الرواية التاريخية المشهورة والمعلومة علماً جليًّا ـ من أنَّ الحضارة الإسلامية ارتكزت إلى المسجد ، قراراً سياسياً، ومحاسبةًً، ومركزاً إعلامياً ، ومدرسةً اجتهاديةً ، في الفكر ، والتعليم وخدمة للمجتمع ، ومساواةً ظاهرة بين المسلمين ، ومكاناً للجدل الفكري بين المسلمين وغيرهم ـ فالآيتان الكريمتان دليلان على الأهمية ، التي أنيطت بالمسجد في الوجدان الاجتماعي للمسلمين ، ولأن المسجد له تعالى ارتأت الحركات الإسلامية أنها أولى الناس بجعل المسجد منبراً لها.
إن السلطة وقد وقعت أسيرة لقرارات الدول الكبرى في الصلح مع دولة اليهود وقبلت تنفيذ قرارات محاصرة العراق وسارت بالخصخصة والعولمة ، رأت أن المسجد والذين يؤمون المسجد للصلاة ، يشكلون عماد المعارضة الفاعلة ، ضد قراراتها السياسية ومن ثم اهتمت بوضع اليد عليه ، من خلال إصدار التشريعات والتوجيهات وحصر الفكر في المسجد ، في شرح العبادات ، والدعوة للأخلاق الحميدة والإشراف على تحفيظ القرآن ، وتدريس أحكام تلاوته ـ دون محاولة تدبر آياته وفهمها ـ ومن هنا يجري هذا الصراع الشديد بين الحركات الإسلامية والسلطة السياسية.
لقد رأت الحركات الأخرى ، التي لا تستند إلى الإسلام السياسي ، أنّ الحركات الإسلامية ترتكز في قوتها ، وحصولها على تأييد جماهيري واسع ، إنما يعود إلى كون رجال الحركات الإسلامية ، في محل القدرة على العمل من داخل المساجد وبهذا تكون المعادلة راجحة لطرف سياسي ، دون طرف آخر.تلك هي الأسس التي أدخلت المسجد في خضم معركة حامية الوطيس ، لن تنتهي أبداً ، إنّ الكامن في الأمة لا يمكن ضبطه ، ولكن يمكن احتواءه ، من خلال توجيه المسجد لأنشطة دون أخرى ، والظاهر الآن أن المسجد قد تم احتواءه.
إنّ الدارس لتاريخ المسجد ، طيلة زمن الدولة الإسلامية النبوة والراشدة ، يجد أنّ المسجد في التاريخ الإسلامي في هاتين الفترتين : هو قصر الحكم ، وهو مجلس الشورى ، وهو المركز الإعلامي والتعليمي ، وهو المدرسة الفكرية للأمة وهو مكان خدمة المجتمع ، ويجد له دوراً مميزاً في العهود الأخرى ، أي لم تنقطع صلة السياسة بالمسجد . ولايتأتّى إعادة المسجد إلى دوره ، ألا بعودة الحكم ورجال الفكر وجماهير السواد إلى الإسلام السياسي ، كما رسمه الرسول صلوات الله عليه وسلم .
لقد حول التيار الإسلامي وعلى رأسه (الأخوان المسلمون) أعمال المعارضة السياسية إلى النقابات ، وإذ النقابات تضم جميع الأطياف السياسية ، وهي أطياف متباينة ، تتصارع على الصوت العالي ، وليس على العمل المجدي ، لهذا رأت الحكومة أن لا ضير عليها ، من العمل تحت مظلة النقابات ، مع المراقبة التامة اللصيقة للعمل السياسي ، بحيث إنه لا يمكن أن يمر ـ حتى على مستوى التعبير أمام سفارات : العدو اليهودي ، أو سفارتي الولايات المتحدة أو الـمملكة المتحدة {بريطانيا} فهذا المرور ممنوع ، وقد التزم المشرفون على العمل التعبيري أو إن شئت {التنفيسي} بكل المطلوب ، ومن هنا رأى المتحمسون ، أنهم وقعوا بالمقلب فكان ردة فعلهم ، محاولة الوصول للمنطقة المحرمة ، وهي التظاهر أمام سفارة العدو ، فحدث المنع من قوى الأمن ، فكان الصدام والتخريب .
إنّ هذه الأعمال ، التي تجري على ساحة العالم الإسلامي ، لا يمكن عدها عملا سياسياً ، فهي فاقدة للمحددات النظرية ، فلا يمكن أن تكون عملا من أعمال الانقلاب الفكري ، أو أعمال بناء الوعي العام ، الذي ينبثق عنه رأي عام ، وهي فاقدة للتوجهات ، فلا يمكن أن تعتبر عملا من أعمال النضال .الحكم والمعارضة وسائل الرأسمالية لتداول السلطة ، فالمعارضة ليست وسيلة للتغيير ، والإضرابات والاحتجاجات والمسيرات وسائل للتعبير عن موقف ، أو وسيلة من وسائل الضغط في قضايا العيش ، للوصول للحل الوسط والمعلوم من حال النقابيين والمعارضة أنهم منتمون للواقعية السياسية أي التكيف مع الواقع كما هو وكل مجريات الأعمال تدل على ذلك .
في قصة مغامرات أليس في بلاد العجائب ، تضيع أليس في الغابة ، وبينما هي تحاول أن تجد طريقاً ، تقابل قطاً يجلس على جذع شجرة ، فسألته أليس بلطف :
أليس : أيها القط (هل لك أن تخبرني أي طريق يجب أن أسلك من هنا ؟).
القط : (ذلك يعتمد إلى أين تريدين أن تصلي).
أليس : (لا يهمني كثيراً أين).
القط : (أذن فإنه من غير المهم أي طريق تسلكين).
وتتكرر حكاية أليس والقط ، فما دامت أحزاب المعارضة والنقابات لا تعرف ماذا تريد ، فلا يهم ماذا تعمل .