قصاصات وذكريات
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس تحرير جريدة الدستور المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أرجو نشر المقال التالي بعنوان
قصاصات وذكريات
جرت العادة الاحتفاظ : بصفحات , أو مقالات , أو قصاصات , أو حتى أعداد كاملة , أو ملاحق , من الجرائد التي أقرأ ، وبين الفينة والفينة أقوم بمراجعتها لأمرين : للتذكر أولا , وثانيا للقيام بعملية استغناء عن بعضها , وإذ واقعي أني من قراء الدستور على الجملة ، فالمحفوظات على الغالب من الدستور ، ولا يعني ذلك الاكتفاء بالدستور بل لغيرها من اليوميات والأسبوعيات نصيب وإن قلَّ ، وإذ تتبع الأخبار ـ لا يقام به على سبيل العادة أو التسلية ـ بل لرد عوادي الأحداث ، ولكن الفشل صاحب أو هو مصاحب للقضايا الكبرى والصغرى على السواء ، فاحتلال العراق وتدميره حدث تحت السمع والبصر ، حيث صدق قول شاعر عراقي من قصيدة طويلة قالـها في فلسطين :
لم نكن مثل النعامات طوت في الرمل رأسا
بل رأيـنا ووعينا الأمر إبـصارا وحسا
وأقمنا فوق ذاك الـمأثم المشهود عـرسا
إنـنا قوم غرسنا الذل في الأنفس غـرسا
والتسليم التام باستقرار دولة العدو في فلسطين تعقد له المؤتمرات الدولية ، والقضايا الصغرى هي ! هي ، لم تتقدم قيد أنملة !!! .
يستوقف القارئ الكثير من موضوع مقتنياتي من أرشيف الجرائد ، فهي تحوي ذكريات مريرة إذ هي ورق عليه حبر ليس إلاَّ !!! هذه محاولة للكتابة عن الماضي ـ كما هو في الجرائد العتيقة ـ لكنها كتابة في زمن الاندثار ، كل قصاصة كانت ملفتة للنظر بحيث وأنا أحاول غربلتها لألقيها أو البعض منها في الحاوية ، لم أجد نفسي تطاوعني على هذه الجريمة ، أم ياسر تعلن في كل وقت أن هذه المقتنيات تفسد ترتيب البيت ، فكان لا بد من قبول رأي أم ياسر خاصة وأنا أعيش زمن المراجعة .
ليست هناك مدة زمنية تضبط المراجعة ، فالمراجعة تسير عشوائيا ، وقد ساقتني هذه المراجعة العشوائية إلى ما يلي :
1.قضايا الاقتصاد العالمي : وتحديدا مقال الدكتور بسام الساكت بعنوان " تخفيف المديونية والاجتماع المالي المشترك " نشر في الدستور بتاريخ 10/10/1996م . والمقال الثاني للدكتور جواد العناني بعنوان " ملامح الحكومة الدولية الجديدة " نشر في الدستور بتاريخ 14/10/1996 م . والمقال الثالث لم يكتبه أحد وعنوانه " الاحتفال بيوم الغذاء العالمي غدا " ومن عناوين المقال " 800 مليون إنسان في الدول النامية يعانون من نقص التغذية " نشر في الدستور بتاريخ 15/10/1996م .لا يعني الإشارة لهذه المقالات دون غيرها ، أنـها هي كل مقتنياتي عن الاقتصاد ، فهناك غيرها وهناك آلاف المنشورات عن هذا الموضوع المهم ، لكن الأمر الخطير في الموضوع كثرة الكتابات وبقاء المشكلة تراوح مكانـها ، فلماذا يكتب الكتاب ؟ ولمن يكتبون ؟ !!! .
2.الموضوع الثاني : موضوعه ثقافة دينية ، في العادة يجري إصرار مني على استعمال كلمة الإسلام ، وإذ موضوع عذاب القبر هو حالة مختلف عليها على أكثر من وجه ، أهتم في إثبات عذاب القبر الحسي داخل عين القبر نمط من أنماط الفكر الإسلامي ، وهو نمط يدعو للتدين في جملة نواحيه : عبادات ونسك وهيئات ويترك ما هو غير ذلك ، ويدير ظهره لقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) (الأنفال:24) وهو يعالج موضوع تصرف معلمة في مدرسة من المدارس الخاصة ، إذ قامت بعرض شريط فيديو عن عذاب القبر على طالبات صغيرات أوقع الرعب في قلوبـهن ، عالج الموضوع الدكتور نبيل الشريف في الدستور بتاريخ 11/6/1996 م ووضع الدكتور نبيل عنوانا لمقاله هو " مقاعد دراسية 000 لا قبور " . ويوم 13/6/1996 عالج الموضوع بنفس الزاوية السيد عيسى الشعيبي وبعنوان " تعذيب الصغيرات " وبقيت مشكلة هذه الثقافة النصية المتصلبة دون علاج .
دخلت الكتابة عن هذه القضية الصحافة من الباب الواسع ، وربما كتب غيرها ، وشهدت الصحافة جولات في موضوع عذاب القبر ، وصدرت كتب عديدة بين مثبت وناف ، وبقي الموضوع في مكانه لم يراوح عقل من يؤمن به ، والنتيجة لا جدوى !!! .
3.الموضوع الثالث في هذه الذكريات : هو محفوظ النحناح في زيارته للأردن ، قصاصات هذا الموضوع هي : خبر صحفي نشرته جريدة الدستور يوم الأحد 13/10/1956 م وعنوان الخبر " الكباريتي يلتقي الشيخ النحناح والخبر يقول : اللقاء تم لتعزير العلاقات الأردنية الجزائرية ، وعلى ذمة الخبر فالشيخ النحناح قال ـ واصفا اجتماعه مع دولة رئيس الوزراء ـ : لقاء كريم بين عربي وعربي ومسلم , ومسلم تتناول شجون أمتنا وضرورة التعاون والتنسيق والتعارف بين الشعبين الشقيقين . ومثل هذه العبارات وغيرها تقال أثر كل لقاء بين القادة العرب والمسلمين ، ولكنه 000؟ 000؟ 000!!!! .
وفي قصاصة أخرى كان عنوان الخبر هو " النحناح يطلع لجنة الشؤون البرلمانية وممثلي الكتل البرلمانية على الأوضاع في الجزائر ونشرت الدستور الخبر قي 15/10/1996 م ، أي في اليوم الثالث من زيارته ، وفي قصاصة واسعة مزينة بصورتين : صورة للمنصة , وصورة للجمهور ، قام بتغطيتها موسى حوامدة في نفس اليوم أي 15/10/ 1996 م ، وموضوع القصاصة كلمة الضيف النحناح ـ خلال حفل الاستقبال ؛ الذي أقامه على شرفه حزب جبهة العمل الإسلامي ـ وحضره عدد من أمناء الأحزاب , والنواب , والشخصيات السياسية , والنقابية , والصحفيين , أي حضره رجال الواجهة جميعا قال فيه الضيف كلاما كثيرا . وبقي مجرد كلام يطلق في المناسبات ولا يتحول لواقع .
4.القصاصة الرابعة قصاصة صغيرة : هي خبر مصحوب بصورة ، والعنوان هو : " الحسين ونحناح يبحثان قضايا الأمة الإسلامية 000 ذات الاهتمام المشترك . لتغطي القصاصة الخامسة وهي مزينة بصورتين محاضرة النحناح في المركز الثقافي الملكي ولقد حضرت هذه المحاضرة وعلقت فيها . وأخيرا تأتي صفحة كاملة هي الصفحة رقم 21 من جريدة الدستور ـ بقلم المرحوم حسن التل ـ ولـهذه الصفحة الأسبوعية عنوان عام هو " الكتابة خارج الزمن الرديء " لكن العنوان للموضوع هو : " حوارية الإرهاب والعنف السياسي ! مسؤولية الأنظمة 00 أم مسؤولية الإسلاميين . وعلى ظهر نفس صفحة التل كتب حمادة فراعنة من كتاب الأعمدة في الدستور عموده اليومي بعنوان : " الشيخ محفوظ نحناح في الأردن " وهذه القصاصات الثلاثة التي حملت أربعة مواضيع نشرت يوم الأربعاء تاريخ 16/10/1996 م .
كانت تغطية زيارة النحناح للأردن تغطية تامة ، ولكنها من حيث الجدوى لم يتغير شئ ، ولم يتحرك أمر ، بل الدم الذي يجري في الجزائر لا زال يجري ، والقتل لا زال مستمرا ، ولقد نشرت الدستور خبرين الأول في 9/10/1996 م بعنوان : " إسلاميون يهاجمون حافلة ركاب ويقتلون (9) أشخاص في الجزائر . والثاني في 16/10/1996 م أي والنحناح في ضيافة الأردن ينظر للخروج من التيه العام الشامل وليس تيه الجزائر فقط . عنوان الخبر : " انفجار قنبلة في بلدة جزائرية يوقع (3) قتلى و (13) جريحا ، يلاحظ أنه في آخر أيام زيارة النحناح للأردن ـ وهو يحلل مشكلة الجزائر وكيفية الخروج من المأزق ، وقع حادث من أحداث المأزق ، ورغم مرور 7 سنوات تقريبا على تنظير النحناح لا زالت قضية الجزائر دون حل .
هذه مراجعة لماض قريب جداً في حوادث ثلاث فقط من مئات الحوادث ، هي وغيرها محل الشكوى والألم والمعاناة ، كل ما قيل عنها لم يؤثر في مجرياتـها ، بل سارت إلى الأسوأ ، وقد اعتمدت الكتابة التوثيق والمراجعة الفكرية الجادة ، فهل لا بد من كسر الأقلام ؟ !!! فالقلم الذي لا يؤثر الكسر أولى فيه .
وبعد فما فائدة هذه المراجعة ؟ المراجعة لا تخلو من فوائد ، الفائدة الأولى والحاصلة فعلا هي تذكيري بمحتويات القصاصات ، وهذه محاولة قد تنجح وقد تفشل في نشر هذه الذكريات عبر الصحافة ، فالمعروف عن سياسة النشر في الصحافة : المزاجية والشللية والصور التكرارية ، وإذا أشار رئيس التحرير بالنشر ـ ولا أظنه فاعلا ذلك ـ فالقراء شريطة ممارسة القراءة سيتذكرون ، وستختلف مواقفهم بعد القراءة ، ولكن المراجعة تكون قد حصلت ، لكن أهم من هذه المراجعة إعادة النظر في المواضيع ، فهي لا تزال باقية ، وهي تطرق الباب بعنف وشدة ،ذكرتني بالأمس وهو خراب !!!.
ختاما لدي العدد رقم 2681 من جريدة المحرر ، الصادر يوم الخميس في 29 صفر 1391 هـ الموافق 13 نيسان 1972م ، وهذا التاريخ للشهر هو تاريخ أول يوم من سفر الخروج لي من قريتنا ـ قرية المنسي حيفا ـ إثر معركة مشمار هاعيمك التي انتصر فيه جيش الإنقاذ ، ولكنه انسحب ، والسنة هي 1948م ، وحتى لا يذهب هذا العدد العزيز إلى الحاوية فإني أقدمه لمن يطلبه فهل انتهت الذكريات ؟ لا ولن تنتهي !!! .
عمان الخميس في 4 ربيع ثاني 1424هـ الموافق 5 حزيران 2003 م.
أمين نايف ذياب